متحدث الاتحاد الأوروبي لـ"الشرق": نعتمد على الولايات المتحدة أكثر من اللازم

واشنطن والاتحاد الأوروبي.. تعاون استراتيجي "قد يتغير مستقبلاً"

time reading iconدقائق القراءة - 11
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر التكتل بالعاصمة البلجيكية بروكسل. 18 نوفمبر 2020 - REUTERS
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر التكتل بالعاصمة البلجيكية بروكسل. 18 نوفمبر 2020 - REUTERS
دبي -الشرق

تثير العودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، تحفظات أوروبية كبيرة، زاد وتيرتها تصريحاته المثيرة للجدل بشأن رؤيته لعلاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والناتو، حال فوزه بالانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.

الناطق باسم الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لويس ميجيل بوينو، قال لـ"الشرق"، إن التكتل يدرك أنه يعتمد أكثر من اللازم على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأمور العسكرية، محذراً من أن التعاون الذي وصفه بـ"الممتاز" حالياً بين واشنطن وبروكسل "قد يتغير مستقبلاً".

واعتبر بوينو في مداخلة مع "الشرق"، الاثنين، في أعقاب تصريحات ترمب التي قال فيها إنه "قد يشجع روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في الناتو التي لا تفي بالتزاماتها المالية"، أنه لا يجب إخراج تصريحات الرئيس الأميركي السابق عن سياقها، الذي يتمثل في سباق الترشح للانتخابات الرئاسية، مذكراً أنها لم تصدر عن أي مسؤول أميركي له صفة رسمية.

كما أشار إلى أن التكتل يدرك إمكانية عودة ترمب، للبيت الأبيض، مشيراً إلى ما سماه "الاستقلالية الاستراتيجية" التي يتم الحديث عنها داخل الاتحاد الأوروبي منذ سنوات فيما يخص السيادة العسكرية.

وشدد متحدث الاتحاد الأوروبي، على أن مبدأ حلف الناتو، مبني على "وعد"، المادة الخامسة من معاهدة الحلف، وترتيبات أمنية ثابتة غير قابلة للتغيير بين الأوروبيين والولايات المتحدة وباقي أعضاء التحالف حول العالم.

وتنص المادة الخامسة من معاهدة الحلف التأسيسية، على أن أي هجوم مسلح على أي دولة متحالفة مع الحلف، يعد هجوماً على جميع الدول المتحالفة، ما يستلزم رداً دفاعياً جماعياً.

زيادة الإنفاق العسكري

ونوه بوينو، إلى اتخاذ دول الاتحاد الأوروبي، خطوات عدّة لزيادة النفقات العسكرية، على رأسها ألمانيا التي أحدثت تغييرات عميقة في هذا الصدد بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وأضاف: "هناك أيضاً خطوات في اتجاه إنشاء قوات عسكرية سرية بمشاركة بعض الدول الأوروبية والتي ستتحرك عند الحاجة".

وتابع أنه بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، "أصبح هذا الإدراك بارزاً بشكل أكبر"، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي خلال السنتين الماضيتين "نادرة" وغير مسبوقة في تاريخ التكتل.

ولفت إلى أن بعض الدول الأوروبية تعمل على إنشاء قوات عسكرية مشتركة قادرة على التحرك بسرعة من دولة إلى أخرى عند الحاجة.

وذكر الناطق باسم الاتحاد الأوروبي، أن دول التكتل قدمت ولأول مرة في تاريخها، مساعدات لدولة ثالثة من خارجه من الميزانية الأوروبية، في إشارة للمساعدات العسكرية الأوروبية، لأوكرانيا.

"جيش أوروبي"

واستبعد ميجيل، من جهة أخرى قيام "جيش أوروبي"، لاعتبارات تتعلق بصلاحيات الحكومات على سيادتها العسكرية، واستدرك قائلاً إن الاتحاد الأوروبي اتخذ إجراءات غير مسبوقة وملموسة، مشيراً إلى 55 مشروعاً عسكرياً بين الدول الأعضاء في بعض المجالات، كما أكد على الحاجة إلى المثابرة ومزيد من الإجراءات، خصوصاً في ما يتعلق بالميزانية العسكرية.

وقال ميجيل: "هل نحن في طريقنا للاستقلالية الكاملة؟ ربما، هذا الأمر بحاجة إلى وقت طويل.. لكن لدى القادة الأوروبيين إدراك بأن هذا الأمر مطلوب منا". مشيراً إلى أن هذه الاستقلالية مطلوبة كذلك في قطاع التكنولوجيا وسلاسل التوريد وغيرها.

وقال الأمين عام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرج، خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، في بروكسل قبل اجتماع لوزراء الحلف: "أتوقع أن ينفق 18 حليفاً 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع هذا العام".

وهذا الرقم الذي أعلنه ستولتنبرج أعلى من العام الماضي، عندما كان من المتوقع أن يصل 11 من أعضاء الناتو، البالغ عددهم 31 دولة، إلى الهدف المتفق عليه.

وأوضح ستولتنبرج، أن الدول الأوروبية الأعضاء في التحالف العسكري، ستستثمر إجمالاً 380 مليار دولار في الدفاع هذا العام.

وتأتي الأرقام الجديدة بعد أيام فقط من "صدمة" الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للأوروبيين، عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة قد لا تحمي حلفاء الناتو، الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع من غزو روسي محتمل.

وصدم ترمب الأوروبيين، السبت، عندما أشار ضمنا إلى أنه سيشجع روسيا "على فعل ما يريدون بحق الجحيم"، لحلفاء الناتو، الذين لم ينفقوا ما يكفي.

ورداً على أسئلة الصحافيين المرتبطة بالجدل الدائر بشأن تصريحات ترمب، قال ستولتنبرج، إن الولايات المتحدة تعرف مدى أهمية الحلف الدفاعي لأمنها، مضيفاً: "لم تخض الولايات المتحدة حرباً بمفردها قط".

وتابع: "الانتقادات التي نسمعها لا تتعلق بحلف شمال الأطلسي، بل تتعلق بعدم إنفاق حلفاء الناتو ما يكفي على الناتو"، لافتاً إلى أن الزيادة الجديدة في الإنفاق العسكري من قبل الحلفاء الأوروبيين دليل على أن هذه الرسالة قد وصلت.

استياء أوروبي

وفي رده على تصريحات ترمب، قال الأمين للحلف في بيان سابق: "أي إشارة إلى عدم دفاع الدول الحلفاء عن بعضها تقوّض أمننا برمته، لا سيما أمن الولايات المتحدة، وتعرّض حياة الجنود الأميركيين والأوروبيين لخطر متزايد.. وأي هجوم على الحلف سيقابل برد قوي".

وأكد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الاثنين، أن الناتو "لا يمكن أن يكون حلفاً حسب الطلب"، بعدما قلل ترمب من أهمية التزامه بالحلف في حال أعيد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.

وقال بوريل: "بكل جديّة، لا يمكن للناتو أن يكون حلفاً عسكرياً حسب الطلب. لا يمكن أن يعتمد على مزاج رئيس الولايات المتحدة" كل يوم.

وتابع: "إما أن يكون موجوداً أو لا"، مضيفاً أنه لن يواصل التعليق على "أي فكرة حمقاء" تصدر عن حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية.

مخاوف عودة ترمب

وأصبحت العودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق إلى البيت الأبيض، عنواناً بارزاً في وسائل إعلام أوروبية، ويرتبط، في الغالب، بتداعيات محتملة يجب الاستعداد لها في حال عودته إلى المنصب.

وشهدت العلاقات بين ضفتي الأطلسي، خلال  فترة رئاسة ترمب بين 2017 و2021، حالة من المد والجزر، ولم تخل من توتر سياسي واقتصادي؛ إذ لم يُظهر الرئيس السابق حماساً تجاه حلف الناتو، كما اتخذ موقفاً مغايراً تجاه العلاقات مع روسيا، ولم يبد استعداداً لخصومة تصل إلى حدود الحرب مع موسكو.

ملفات خلافية كثيرة كانت عالقة بين الاتحاد الأوروبي وإدارة ترمب في ولايته الرئاسية الأولى، ولا يزال معظمها دون حل حتى الآن، بل إن بعضها ازداد تعقيداً مع مرور الوقت. كما أن أوروبا نفسها، قبل 4 سنوات، لم تكن كما هي عليه اليوم. بالإضافة إلى أن العالم شهد منذ 2020 أزمات عدة أثرت في دول العالم كافة، وهو ما يطرح تساؤلات في الأوساط السياسية الأوروبية عن مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة في حال عودة ترمب إلى البيت الأبيض.

وتوقع مراقبون ومحللون، ألا يتغير موقف ترمب في بعض سياساته الخارجية التي اعتمدها مع الأوروبيين خلال فترة رئاسته، لكنه سيكون "أكثر دبلوماسية وأقل فجاجة" في خطواته نحو تلك السياسات. كما أن الدول الأوروبية باتت تعرف كيف يفكر، وما هي حدود الحوار المشترك بشأن القضايا ذات الاهتمام المتبادل بينهما.

معضلة حرب أوكرانيا

ومن أبرز الملفات المقلقة بالنسبة للأوروبيين في احتمال عودة ترمب، هي الغزو الروسي لأوكرانيا، فلطالما تعهد الرئيس الأميركي السابق بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة عبر التفاوض مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي

وقال الباحث في شؤون الأمن والدفاع، بينجامين تالز، إن الرئيس الأميركي السابق يعارض حرب أوكرانيا، وأياً كان عنوان مفاوضاته مع بوتين، فهي تحمل تنازلاً لصالح الروس، إما من خلال العودة إلى أوضاع ما قبل فبراير 2022، أو عبر تثبيت واقع جديد لا يضمن استمرار السلام في القارة العجوز على المدى الطويل.

وأضاف تالز، لـ "الشرق"، أن الأوروبيين يدركون أن رفض مقترحات ترمب للسلام، يعني التخلي تماماً عن الدعم العسكري والاستخباراتي الأميركي، وبالتالي الاعتماد على إمكانات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي لا ترغب في تهديد، أو إضعاف، شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. 

وأشارت الخبيرة الإيطالية في الشؤون الدولية، ناتالي ثوتشي، إلى خشية الأوروبيين من إجبار ترمب كييف على السلام مع موسكو. 

ولا يحتاج هذا، في تقديرها، إلى أكثر من وقف الدعم الأميركي لأوكرانيا على جبهات القتال، وتعطيل أي محاولة من دول جوار أوكرانيا لتعويض غياب الولايات المتحدة إن أمكنها ذلك أصلاً.

"عواقب وخيمة" للأمن الأوروبي

على نحو مماثل، رصدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، مخاوف أوروبا من احتمالية عودة الرئيس الأميركي السابق إلى البيت الأبيض، لافتة إلى ارتياح العديد من العواصم الأوروبية لولاية جو بايدن في عام 2020، لكن باتت هناك حقيقة صارخة تحل محل هذا الشعور، وهي أنه لن يستمر لفترة طويلة.

وقالت المجلة في تقرير، الأربعاء، إنه بعد فوز ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في نيوهامشر، الشهر الماضي، فإنه يكاد يكون من المؤكد أنه سيواجه بايدن في الانتخابات الرئاسية، المقررة في نوفمبر المقبل، مشيرة إلى أن الرئيس السابق يتقدم على الحالي في بعض استطلاعات الرأي، وهناك فرصة حقيقية لفوزه بولاية ثانية. 

واعتبرت "فورين بوليسي" أنه في حال عاد شخصاً انعزالياً مثل ترمب إلى البيت الأبيض، فقد تكون "العواقب وخيمة" على الأمن الأوروبي، كما أنه بدون استمرار الدعم الأميركي للقارة، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يتجرأ على العمل، لتحقيق أهدافه التي وصفتها بأنها "متطرفة"، وتحطيم النظام الأمني في أوروبا. 

ورأت المجلة أنه يتعين على الزعماء الأوروبيين أن يضعوا خططاً واضحة لزيادة الإنفاق الدفاعي المحلي والعمل مع الولايات المتحدة، لتحقيق تقدم ملموس في تعزيز القدرات. 

واختتمت المجلة تقريرها قائلة إنه حتى لو لم يعد ترمب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، فإن أوروبا لا تملك رفاهية الانتظار لإدراك مدى ضرورة تعزيز قدراتها الدفاعية، وذلك لأن الاستثمارات الكبيرة في القدرات الدفاعية الأوروبية تشكل أهمية بالغة لتلبية الاحتياجات الأمنية لأوروبا الحديثة، وعدم تقويض الناتو، فضلاً عن أنها ستؤدي إلى تعزيز التحالف عبر الأطلسي، وتعزيز قدرة القارة على الوقوف في مواجهة التهديد العسكري الأكبر الذي تواجهه منذ 75 عاماً.

تصنيفات

قصص قد تهمك