أطلقت الولايات المتحدة تحذيراً بشأن قدرات روسية جديدة على نشر أسلحة نووية في الفضاء، يستند إلى معلومات استخباراتية، قالت إنها تثير مخاوف من "تهديد خطير" للأمن القومي، وهو الأمر الذي رفضته موسكو، ووصفته بأنه "افتراء ماكر".
وأثارت المعلومات الاستخباراتية تحذيراً عاجلاً ولكنه غامض، الأربعاء، من جانب الرئيس الجمهوري للجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي النائب مايك تيرنر، الذي حض إدارة الرئيس جو بايدن على رفع السرية عن المعلومات بشأن ما وصفه بـ"تهديد خطير" للأمن القومي.
ولم يقدم النائب تيرنر أي تفاصيل بشأن طبيعة التهديد، كما امتنعت إدارة بايدن عن التعليق على الأمر؛ لكن العديد من المشرعين البارزين، بما في ذلك رئيس مجلس النواب مايك جونسون، حذروا من الإفراط في القلق.
"جبهة جديدة" للحرب
وأفادت وسائل إعلام أميركية، الأربعاء، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن الولايات المتحدة جمعت معلومات استخباراتية شديدة الحساسية بشأن أسلحة روسية مضادة للأقمار الصناعية، أطلعت عليها القيادات العليا في الحكومة خلال الأسابيع الأخيرة، لافتة إلى أنها "ليست جاهزة للعمل حتى الآن"، لكنها تسلط الضوء على جبهة جديدة للحرب "أكثر رعباً".
وأشار موقع "أكسيوس" إلى أن مستقبل الحرب هو الأسلحة المستقلة، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي المتطور، والسباق للسيطرة على الفضاء، فيما تشير المعلومات الاستخباراتية الجديدة إلى أن روسيا ربما تكتسب ميزة تكتيكية في سباق الفضاء.
وقال أحد مساعدي الكونجرس، إنه يعتقد أن التهديد يتعلق "بسلاح روسي مضاد للأقمار الصناعية ينشر في الفضاء"، ومثل هذا السلاح يمكن أن يشكل خطراً كبيراً على الأقمار الصناعية الأميركية التي تنقل مليارات البايتات من البيانات كل ساعة، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".
وأشار المساعد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إلى أنه لم يتضح بعد ما إذا كان السلاح الروسي يتمتع بقدرة نووية، مضيفاً: "ذلك هو ما نخشاه".
وأوضحت شبكة ABC News أن روسيا لن تسقط السلاح النووي على الأرض، ولكنها ستستخدمه ضد أقمار صناعية. ونقلت NBC News وCNN عن مصادر لم تكشفاها أن التهديد يتعلق بقدرة عسكرية روسية "مقلقة للغاية".
وقال مصدر مطلع لوكالة "رويترز"، إن الولايات المتحدة قدمت للكونجرس ولحلفاء لها في أوروبا، معلومات استخباراتية جديدة تتعلق بالقدرات الروسية، مضيفاً أنها "لا تشكل تهديداً مباشراً" للولايات المتحدة.
"افتراء وخدعة"
في موسكو، رفض المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، تحذير الولايات المتحدة، بشأن القدرة العسكرية الروسية، ووصفه بأنه "افتراء ماكر" وخدعة من البيت الأبيض تهدف إلى إقناع المشرعين الأميركيين بالموافقة على تخصيص المزيد من الأموال لمواجهة روسيا في حرب أوكرانيا.
وقال بيسكوف في تصريحات نقلتها وكالات أنباء روسية، إنه لن يعلق على مضمون التقارير قبل أن يكشف البيت الأبيض عن التفاصيل؛ لكنه قال إن تحذير واشنطن من الواضح أنه محاولة لدفع الكونجرس إلى الموافقة على تمويل مساعدات أوكرانيا.
وأضاف: "من الواضح أن البيت الأبيض يحاول، بأي وسيلة، تشجيع الكونجرس على التصويت على مشروع قانون لتخصيص الأموال، وهذا واضح".
وذكرت "تاس"، أن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي المسؤول في موسكو عن الحد من الأسلحة، اتهم الولايات المتحدة بـ"الافتراء الماكر".
وأثار الغزو الروسي لأوكرانيا، أكبر مواجهة مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وحذرت كل من موسكو وواشنطن من خطر نشوب صراع بين حلف شمال الأطلسي "الناتو" وروسيا.
قدرات غير نشطة
مع ذلك، لا يشكل التهديد الذي أثار تيرنر مخاوف بشأنه "قدرات نشطة"، بحسب مسؤولين أميركيين مطلعين على المعلومات الاستخبارية، قال أحدهم أن مسؤولي الاستخبارات يعتبرون التهديد خطيراً، لكن لا ينبغي أن يسبب الذعر.
وأصدر تيرنر بياناً يحض فيه الإدارة على رفع السرية عن المعلومات، حتى تتمكن الولايات المتحدة وحلفائها من بحث سبل الرد بشكل علني.
كما أرسل بريداً إلكترونياً إلى أعضاء الكونجرس يقول فيه إن لجنته "حددت مسألة عاجلة فيما يتعلق بقدرة عسكرية أجنبية مزعزعة للاستقرار"، التي ينبغي أن تكون معروفة لجميع صناع السياسة في الكونجرس. وشجعهم على الحضور إلى منشأة المعلومات المجزأة الحساسة SCIF، وهي منطقة آمنة، لمراجعة المعلومات الاستخبارية.
وكان تيرنر أحد المؤيدين لتعزيز الأمن القومي الأميركي، ما وضعه على خلاف مع بعض زملائه الجمهوريين الذين يفضلون نهجاً أكثر انعزالية، ودعا إلى تجديد أداة المراقبة الحكومية الأميركية الرئيسية، بينما أعرب بعض زملائه الجمهوريين والديمقراطيين الليبراليين عن اعتراضات تتعلق بالخصوصية.
وهو يدعم استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا في وقت لا يزال فيه التمويل غير مؤكد بسبب المعارضة في مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون.
بينما قال جونسون، إنه ليس مخولاً بالكشف عن المعلومات السرية، "لكننا نريد فقط أن نؤكد للجميع أن أيدي أمينة تقف وراء عجلة القيادة. نحن نعمل على ذلك ولا داعي للقلق".
وقال النائب الديمقراطي جيم هايمز، العضو البارز في لجنة الاستخبارات، في بيان إن المعلومات السرية "خطيرة" ولكنها "لا تسبب الذعر"، فيما قالت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ إنها تفحص القضية.
غضب في البيت الأبيض
فيما أعرب البيت الأبيض ومشرعون عن استيائهم إزاء الطريقة التي عبر بها تيرنر عن مخاوفه، ويبدو أن إعلانه فاجأ إدارة بايدن، بحسب الوكالة.
ورداً على أسئلة بشأن بيان مايك تيرنر، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في إحاطة بالبيت الأبيض، إنه ليس في موقع يسمح له الإفصاح عن أي معلومات بشأن هذا التهديد لوسائل الإعلام.
وقال سوليفان إنه تواصل مع رابطة الثمانية، وهي مجموعة من كبار المشرعين من الحزبين بلجان الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس، لعقد اجتماع سري الخميس، بشأن تلك المعلومات.
وأعرب سوليفان عن دهشته لإعلان تيرنر عن تلك المعلومات قبل الاجتماع المقرر معه سلفاً، وقال: "هذا خياره أن يفعل ذلك، تركيزي ينصب على اللقاء معه غداً، وهو ما سأفعله".
ولدى ضغط صحافيين عليه للإدلاء بمعلومات قال: "لست في موقع يسمح لي بالإدلاء بأي شيء. هذه الإدارة ذهبت أبعد من أي إدارة أخرى، وبطرق مبتكرة واستراتيجية في التعامل مع الإفصاح عن معلومات استخباراتية سرية في مصلحة الأمن القومي، وبالتالي فلن تكون هناك أي رغبة في إخفاء أي شي حين يكون ذلك في مصلحة أمننا القومي".
وقال إنه سيتسنى له الخميس، حضور جلسة سرية لمناقشة تلك المعلومات.
وأشار إلى أنه من غير المعتاد أن يتواصل مستشار الأمن القومي مع الكونجرس لعقد اجتماع كهذا، مضيفاً: "ولكنني فعلته، لذا أنا متفاجئ من الإعلان عن الأمر في وسائل الإعلام".
وفيما يبدو أنه تعليق على الجدل الجاري بشأن السلاح النووي الروسي المحتمل، نشر الملياردير الأميركي إيلون ماسك المدير التنفيذي لشركة "سبيس إكس"، تدوينة تظهر فيها سيارة تسلا في الفضاء وخلفها الكرة الأرضية، ومكتوب عليها عبارة "لا تفزعوا".
قوة الفضاء الأميركية
"أسوشيتد برس" لفتت إلى أن التهديد سريع التطور في الفضاء، كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت لتأسيس قوة الفضاء الأميركية في عام 2019. ويتعلق جزء كبير من هذا التهديد بالقدرات الجديدة التي طورتها الصين وروسيا بالفعل، والتي يمكن أن تتداخل مع الاتصالات الأميركية المهمة عبر الأقمار الصناعية؛ مثل نظام تحديد المواقع العالمي GPS، والقدرة على اكتشاف عمليات إطلاق الصواريخ بسرعة.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة أن الصين وروسيا تتبعان طرقاً جديدة للتشويش على الأقمار الصناعية، واعتراض موجاتها، وتعميها، وإسقاطها، بل وربما الإمساك بها بأذرع آلية لسحبها من مداراتها المبرمجة. وإحدى المهام الرئيسية لقوة الفضاء هي تدريب قوات ماهرة في اكتشاف ومواجهة تلك التهديدات.
وفي استراتيجيتها الدفاعية المتعلقة بالفضاء لعام 2020، قالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، إن الصين وروسيا تمثلان "أكبر تهديد استراتيجي" في الفضاء، بسبب تطويرهما العدائي لقدرات فضائية مضادة، وعقيدتهما العسكرية التي تدعو إلى توسيع الصراع إلى الفضاء.
الأسلحة الروسية المضادة للسواتل
وأشار تحليل نشرته رابطة الحد من الأسلحة Arms Control Association، إلى أن روسيا أجرت اختباراً لسلاح ارتقاء مباشر (صاروخ للاصطدام والتدمير) مضاد للأقمار الصناعية ASAT في 15 نوفمبر 2021، استهدف قمراً صناعياً روسياً، وحوّله إلى أكثر من 1500 قطعة من الحطام الفضائي. ورابطة الحد من الأسلحة هي منظمة غير حزبية وطنية مقرها واشنطن، تأسست عام 1971، وتتمثل مهمتها في "تعزيز الفهم العام ودعم السياسات الفعالة للحد من الأسلحة".
ورداً على الاختبار، قال قائد قيادة الفضاء الأميركية الجنرال جيمس ديكنسون إن روسيا "تنشر قدرات لمنع الولايات المتحدة وحلفائها من الوصول إلى الفضاء واستخدامه"، مشيراً إلى أن أنظمة الأسلحة الفضائية الروسية المضادة تقوّض الاستقرار الاستراتيجي.
ويعد اختبار الأسلحة المضادة للسواتل في نوفمبر هو الأحدث في سلسلة من التجارب الروسية. والصاروخ المستخدم في الاختبار Nudol، اختبر عدة مرات في الماضي دون مهمة الاصطدام والتدمير.
وخلال منتدى ريجان للدفاع الوطني في عام 2021، أشار النائب الديمقراطي من ولاية تينيسي، جيم كوبر، إلى أن روسيا حاولت اختبار صاروخها المضاد للأقمار الصناعية الذي يطلق من الأرض "عدة مرات في السنوات الأخيرة وفشلت، لذلك كان من المتوقع أنهم سيستمرون في المحاولة حتى يحرزوا نجاحاً".
تجارب روسية سابقة
وفي عام 2014، أظهر القمر الصناعي الروسي Olymp-K قدرات لمضادة للسواتل المشتركة في المدار في المدار الثابت بالنسبة للأرض حيث تعمل العديد من الأقمار الصناعية العسكرية المهمة للقيادة والسيطرة.
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت روسيا أجهزة ليزر أرضية ومجموعة من أنظمة تشويش الأقمار الصناعية لرصد حجب وإضعاف قدرة الأسلحة التي تعتمد على المعلومات التي تدعمها الأقمار الصناعية.
واختبرت روسيا أنظمة أسلحة مضادة للسواتل المشتركة في المدار، والتي تستهدف الأقمار الصناعية خارج المدار الأرضي المنخفض. وفي أكتوبر 2017، أجرت ثلاثة أقمار صناعية روسية؛ هي: Kosmos-2519، وKosmos-2521، وKosmos-2523 مناورات مدارية عالية السرعة.
وفي يناير 2020، أجرى قمران صناعيان روسيان؛ هما Kosmos-2542، وKosmos-2543، مناورات مدارية منسقة وقريبة بالقرب من قمر الاستطلاع العسكري الأميركي KH-11.
وبعد 6 أشهر، في يوليو 2020، أطلق القمر الصناعي Kosmos-2543 مقذوفاً عالي السرعة إلى الفضاء الخارجي؛ ومثل هذا المقذوف يمكن أن يكون بمثابة سلاح قوي مضاد للأقمار الصناعية.
ووصف قائد قوات الفضاء الأميركية آنذاك، جون ريموند، التجارب المدارية التي أجرتها هذه الأقمار الصناعية بأنها أقمار صناعية مثل "دمى التعشيش الروسية" (دمى خشبية تقليدية متداخلة تعرف باسم ماتريوشكا تستخدم للخداع أحياناً)، مشيراً إلى أنها "أظهرت خصائص منظومات الأسلحة".
توازن استراتيجي
ويقول قادة عسكريون ومحللون روس، إن أسلحتهم الفضائية المضادة، توفر وسيلة "لاستعادة الاستقرار الاستراتيجي". ووصف وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو الاختبار الأخير في نوفمبر بأنه عملية روتينية لـ"نظام أسلحة مستقبلي متطور"، لتعزيز الردع والدفاع الروسي ضد محاولات الولايات المتحدة لتحقيق "ميزة عسكرية شاملة" في الفضاء.
ويعتقد القادة الروس أن التغيير في طبيعة الحرب بدأ يتكشف خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ قالوا إن الجيل القادم من الحروب سيحدث في مجال الفضاء الجوي باستخدام الأسلحة يمكنها استهداف الأقمار الصناعية والملاحة.
وفي خطاب ألقاه عام 2015، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن القوات الأميركية وقوات حلف الناتو تمتلك "أسلحة غير نووية عالية الدقة وبعيدة المدى مماثلة في الأثر التدميري للأسلحة النووية". ويخشى الروس أن تُستخدم هذه الأسلحة ضدهم في أي صراع في ضربة منسقة ضد قواتهم النووية والتقليدية.