استبعد وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري، انزلاق العلاقات العراقية - الأميركية نحو "الطلاق"، نظراً إلى ما يمكن أن يرتبه ذلك من تبعات أمنية واقتصادية. وأعرب في الوقت نفسه، عن قلقه بسبب التدخلات وسياسات الاستئثار ومشاعر التهميش ومحاولات تقويض إقليم كردستان، الذي ولد استناداً إلى الدستور الحالي.
ولأن زيباري كان حاضراً لدى ولادة نظام ما بعد صدام حسين، وتولى حقيبة الخارجية على مدى 11 عاماً، حاورته "الشرق الأوسط" حول هذه الملفات، وهنا نص الحلقة الأولى:
وعبَّر زيباري عن قِلقه على مستقبل العراق، وقال: "بعد سقوط نظام صدام حسين - مع الأسف الشديد رغم كل الجهود التي بذلناها - لم يستقر، ولم يحظ بالأمن والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي لكي ينهض من جديد بعد سنوات الحروب والمعارك مع الجيران ومع الداخل"، وتابع: "أنا قلق حقيقة، لأنه مع الأسف لم تتشكل لدينا حكومة جيدة، أي أن الحكم الرشيد لم يتحقق في هذا البلد.. في بلد الرشيد".
وعن التحركات العراقية الأخيرة للحد من تواجد الجنود الأميركيين في العراق، اعتبر وزير الخارجية العراقي السابق، أنها "معركة صراع نفوذ بين قوة إقليمية هي إيران تحديداً وأميركا على الأرض العراقية، بسبب تداعيات الحرب في غزة واضطراب منطقة الشرق الأوسط"، وأشار إلى أن "مسألة الوجود الأميركي أصبحت القضية الشماعة لإنهاء وجودهم"، كما اعتبر أنه "ما زالت هناك حاجة إلى تواجدهم، بسبب الأمن الإقليمي ككل، وليس أمن العراق".
وأضاف زيباري: "كنت من المفاوضين الأساسيين في اتفاقية سحب القوات الأميركية واتفاقية الإطار الاستراتيجي، فعندي خلفية ودالة على هذا الموضوع"، وتابع: "أصبح الموضوع مسيساً، ولو أنه لا تزال هناك حاجة أمنية عراقية لهم وأعدادهم قليلة. لكن أصبحت قضية سياسية".
وأشار إلى أن "10 فبراير الجاري كان نقطة تحول"، وذكر أن "البرلمان العراقي أراد أن يعقد جلسة بنصاب كامل لإقرار أو تمرير قرار بطردهم فوراً. لكن لم تكن هناك الاستجابة المطلوبة، لا من الكتل السنية العربية ولا الكتلة الكردية بأجمعها، ولا حتى من معظم الكتل الشيعية"، وتابع "يعني من أكثر من 230 نائباً، حضر فقط حوالي 75 نائباً، لذلك لم يحصل إجماع أو توافق أو نصاب، وأُجِّل الموضوع".
وأكد زيباري على أن "هذا الموضوع تنفيذي، وليس تشريعياً. يعني الحكومة هي التي تقرر. خروج أو بقاء القوات الأميركية موضوع له علاقة بالتزامات دولية عراقية والتزامات لها علاقة بالاقتصاد الوطني العراقي، لذلك لا يمكن النظر إلى هذا الموضوع بشكل أحادي"، كما أشار إلى أن "الكثير من الدول في المنطقة عندها قواعد وتواجد عسكري أجنبي، ليس أميركياً فقط، بل أيضاً بريطاني وفرنسي.. لكن هذا حصل بموافقة هذه الحكومات"، معتبراً أن "هذه الحكومات لا تزال حكومات سيادية والعلاقة منظمة. نحن أيضاً في العراق لدينا تنظيم لهذه العلاقة. لكن الموضوع مسيّس بالدرجة الأولى".
صعوبة الطلاق مع أميركا
وعند سؤاله عما إذا كان العراق يستطيع احتمال "الطلاق" مع أميركا، أجاب وزير الخارجية العراقي السابق بالقول أنه "من الصعب جداً جداً حقيقة لارتباط العلاقة الأميركية بالعراق وبالمنطقة بقضايا دولية وإقليمية واقتصادية، فلذلك الطلاق والانفكاك من هذه العلاقة صعب"، وشدد على أن "كل البلدان تحتاج إلى دعم".
وأوضح أنه "في اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تفاوضنا حولها معهم، منحونا الكثير من الفرص والمجالات لدعم الاقتصاد والأمن والقدرات العراقية، لكن مع شديد الأسف، الحكومات العراقية المتتالية لم تستفد من هذه الفرصة المتاحة".
وحول ما إذا كانت أميركا قد طلبت إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في العراق، أوضح زيباري الذي قضى 11 عاماً على رأس الدبلوماسية العراقية أن "هذا النقاش كان موجوداً في الفترة الانتقالية بين إدارة جورج بوش الابن وإدارة باراك أوباما".
وأضاف: "ما هو مستقبل هذه القوات؟ كان التفكير أنه أدينا المهمة وأسقطنا النظام وأسسنا لنظام جديد ناشئ.. ساعدنا البلد أن يكون لديه عقد اجتماعي هو الدستور، لذلك لندعهم يحلون مشاكلهم بينهم. لكن هناك حاجة بالنسبة لنا للإبقاء على تواجد محدود، فهذا كان أساس التفاوض"، وتابع: "بدأنا المفاوضات في 2007، وأكملنا الاتفاقية لخروجهم في 2011 عندما جاءت إدارة أوباما".
وأوضح زيباري أنه "في الوقت نفسه، وقعنا اتفاقية الإطار الاستراتيجي للصداقة والتعاون التنموي والاقتصادي مع الولايات المتحدة. كان هناك نقاش حاد بين القيادات العسكرية التي عملت في العراق، وغالبية قيادات الجيش الأميركي حالياً خدمت في العراق" وأشار إلى أنه "كان لديهم خوف أو قلق أن الانسحاب المفاجئ وبهذه الطريقة وعدم إبقاء بعض القوات للمساعدة، سيهدد مصالح أميركا، بالنسبة للإرهاب أو للقوى الأخرى الطامعة في العراق"، وأكد أن "أوباما قرر سحبهم، ولم ينتبه إلى هذه النصيحة، وأنا حكيت معه حوالي 45 دقيقة".
وعن فحوى هذه المحادثة، أوضح زيباري أن أوباما "كان في حملته الانتخابية والعراق كان قضية أساسية في الانتخابات وقتها"، وتابع: "كان جون ماكين هو المرشح الجمهوري. والعراق كان محط اهتمام بارز بالنسبة إلى المعسكرين. اتصل بي (أوباما) بالهاتف، وكان في رحلة انتخابية لإحدى الولايات".
وقال زيباري: "رسالتي له كانت أننا نعتقد أن العراق لم يتعاف بالكامل، يعني ليس بلداً اعتيادياً أو طبيعياً. هناك تهديدات إرهابية وتهديدات أمنية. لذلك لا نشجعك أن تتسرع في سحب القوات بشكل كامل. نحتاج إلى هذه المساعدة ومساعدتكم في تدريب وتأهيل قواتنا العسكرية"، وأشار إلى أن أوباما "أخذ الموضوع بمعنى أنه: لا، أنا جئت لأخلص أميركا من الحروب الخارجية. في أفغانستان والعراق. نريد أن نركز على الوضع الداخلي. كانت هناك أزمة مالية في السوق العالمية".
وذكر وزير الخارجية العراقي السابق أنه "في تلك الفترة رأى السيد نوري المالكي رئيس الوزراء أن الانسحاب أصبح حقيقة. وبدأ يتبلور لديه التوجه لمزيد من الهيمنة والسيطرة والابتعاد عن روح الدستور والديمقراطية والحريات، تجاه السنة والأكراد والرواتب واستهداف قيادات سنية في وقتها"، مشيراً إلى أن "هذا أدى إلى شعور كبير بالتهميش من المجتمع السني. كانت الحرب الأهلية في سوريا قائمة وبدأ «داعش» ينمو داخل الأراضي السورية، ثم انتقل إلى العراق".
وأضاف: "بعدما كانت الحكومة تدعي بأن لديها قوات كافية ومدربة لا تحتاج إلى مساعدة أجنبية، رأينا أن هذا الجيش وهذه الفرق، وهذا التسليح الأميركي الممتاز انهار خلال أيام عندما احتل داعش الموصل، وتوجه إلى كركوك وصلاح الدين، وكان على أبواب سامراء وبغداد مهددة. حقيقة هذا الجيش ذاب في صحاري العراق".
وتابع: "آنذاك وقعت المهمة عليّ أيضاً حين كنت وزيراً للخارجية. كنت وزيراً صاحب قرار، ولست مجرد فاترينة (واجهة) محل"، وأشار إلى أنه "حين استشعرنا أن هناك تهديداً حقيقياً للحكومة وللبلد، وافقنا مع الأميركيين على تبادل مذكرات لطلب المساعدة، لأن هذا الخطر داهم وغير متوقع".
وأوضح زيباري إلى أنه "لا تزال هناك تحقيقات حول كيف صارت الدعوة آنذاك حين عادوا في 2014 وساعدونا. ساعدوا أربيل عاصمة إقليم كردستان التي كانت مهددةً من داعش. سامراء كانت مهددة".
وقال: "الأميركيون بتواجدهم، وبعدها بتشكل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب من العديد من الدول وصلت إلى أكثر من 60 دولة في قرارات أممية ومؤتمرات، أساس وجودهم هو الذي اتفقنا عليه. طبيعي أي إلغاء لهذا التفاهم - حتى أزيدك من الشعر بيتاً - يحتاج موافقة الطرفين، ويحتاج إلى فترة زمنية وإشعار للطرف الآخر بمدة لا تقل عن سنة"، وأضاف: "في أميركا هذه السنة انتخابية، وصعب جداً على أي رئيس أن يتخذ قراراً كهذا والمنطقة مشتعلة، ولا نعرف أين تتجه الأمور"، وختم بالقول: "في تقديري لا يستطيع العراق الطلاق في هذه العلاقة".
رواية إيران لصناعة الوكلاء
وعما إذا كانت إيران متحكمة في القرار في المنطقة بعد "الحروب الموازية" التي انطلقت بعد "طوفان الأقصى" في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان، أوضح زيباري أن "إيران مؤثرة جداً في إقليمنا من اليمن إلى غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق. ولا ينكرون هذا. أعلنوا عن محور المقاومة منذ سنين"، وقال: "كانت لدي نقاشات مع الراحل (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) الجنرال قاسم سليماني الذي استهدفته القوات الأميركية في مطار بغداد في 2020، ومع علي لاريجاني الذي كان رئيس البرلمان الإيراني، ومستشار الإمام الخامنئي وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي في 2007-2008".
ويستذكر زيباري: "كنا في زيارات مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طهران ونتناقش معهم، فأحد طلباتهم كان أنه "أنتم يا أكراد ويا شيعة تخلصتم من الديكتاتورية، فالمفروض ألا تثقوا بالاستكبار العالمي وبالأميركيين. مفروض أنتم أيضاً تصيرون جزءاً من محور المقاومة"، مشيراً إلى أن هذا الكلام جاء على لسان سليماني ولاريجاني وولايتي.
وتابع: "جوابي كان أنه نحن لا نحتاج أن ندخل محور المقاومة وصراعات جديدة وحروباً أخرى. نحن تعبنا من الحروب، ومن المغامرات وعندنا فرصة لبناء بلدنا، ونريد منكم أن تساعدونا في هذا المجال. أنتم تريدون أن نصبح مقاومة على من حررونا. هذا شيء غير منطقي، ولا أتصور أن أحداً سيقبل بهذا الاتجاه".
وتحدث عن كيف أن "الفرصة جاءت بعد تمدد داعش. وصارت دعوة السيد الإمام السيستاني للدفاع عن العراق ضد داعش والجهاد الكفائي فرصة لتشكيل قوات الحشد الشعبي. طبيعي كثير من النوايا ومن تطوعوا كانوا جادين وحقيقيين في هذا الموضوع"، واستطرد: "لكن (الإيرانيين) تدخلوا وشكلوا ميليشيات تابعة لهم، واستفادوا من هذا الغطاء الديني والحكومي"، وأكد أنه "حالياً الحشد الشعبي أصبح واقعاً وقوة موازية للجيش، وربما أقوى في تسليحه وفي إمكانياته".
وأوضح زيباري أن "قصة محور المقاومة نحن ناقشناها معهم مطولاً، (وكانوا يقولون لنا) أولاً إن نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي، ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا، ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية".
وأشار إلى أن هذا "كان أحد طروحات قاسم سليماني، أنه ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة".
وأردف قائلاً "إيران موجودة، وهذه القوى التابعة لها أو القريبة منها فعالة. معظمها منظمات خارج الدولة. وطبيعي أن هناك آراء مختلفة حول كيفية التعامل مع هذا. قسم يقول: يجب أن نترك هذه الميليشيات ونتصدى للرأس، وهذا طرح الإسرائيليين. ونظرية أخرى ترى ضرورة تحجيم هذه المجموعات المحلية التي تؤذينا وتقوم بالاعتداء على حكوماتها الوطنية. فهذا الجدل موجود".
وتابع "لدي قراءة مفادها أنه كما غيرت هجمات 11 سبتمبر 2001 السياسة الدولية بضرب البرجين في أميركا، أعتقد أن ما أحدثه طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي ربما يغير قواعد اللعبة والسياسة في منطقة الشرق الأوسط"، واسترسل شارحاً "لأن ما حصل كان مختلفاً كلية عن كل الأحداث والمواجهات السابقة إطلاقاً. لذلك كنت من المتوقعين أن هذه الحرب ستتوسع وتتمدد، ولن تبقى في غزة أو في الضفة الغربية فقط. وفعلاً هذا ما حصل، من البحر الأحمر وباب المندب إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى الجولان إلى القائم إلى شمال شرق سوريا. تقريباً ممكن وضعها في الإطار نفسه".
تهديد سليماني للرئيس العراقي
وعند سؤاله عما إذا كان النظام العراقي يحمل بصمات قاسم سليماني، قال زيباري: "هو كان مؤثراً، حقيقة. كان مؤثراً. أذكر حادثة مع (رئيس الوزراء اللبناني الراحل) المرحوم الشهيد رفيق الحريري. ذكرها لي في أكثر من مناسبة، وكان ينصحني حقيقة أنه ديروا بالكم (انتبهوا) النظام السوري عنده أجندة في العراق، والنظام الإيراني عنده أجندة في العراق. لكن الأجندتين مختلفتان. ربما تلتقيان في الهدف النهائي لمشاكسة الأميركيين".
وتابع: "فعلاً هذه نصيحة ظهرت صحيحة.. بعد سنين رأيناها. نفوذ الإيرانيين تمدد وتوسع أكثر بالتأكيد، ودخل مفاصل مالية واقتصادية وأمنية وحكومية وبرلمانية، وعلى مستوى القضاء. عندهم نفوذ لا أحد يستطيع أن ينكره".
وقال وزير الخارجية العراقي السابق: "حين كنت أتعامل معهم كنت أقول لهم تعاملوا معنا كما نحن كدولة تحترمونها.. تعالوا من الباب تعرفون كيف، ومستعدون أن نتعاون معكم. عندنا حدود مشتركة 1400 كيلومتر، وثقافة ودين وتاريخ. كل شيء عندنا. لكن أهم شيء أنه لا بد من أن تحترموا أن هؤلاء، حلفاءكم وأصدقاءكم، يريدون بناء بلد مختلف عن عراق صدام. هذا الموضوع كان النقطة الأولى والأخيرة في اتصالاتنا معهم".
وأضاف: "على كلٍ، تغيرت الأمور كلية بعد 2014. لذلك لم يشهد العراق استقراراً سياسياً أو أمنياً أو مجتمعياً"، وتحدث عن "أخطاء داخلية من القيادات العراقية"، وأوضح في هذا الصدد "لا نلوم الأميركيين أو الإيرانيين أو تركيا أو دولاً أخرى. لا بد من تشخيص هذه الأخطاء الداخلية العراقية من القيادات التي كانت لديها فرص للانفلات من هذا الماضي، لكن لم تنجح".
وحول ما إذا كانت هناك خطط أميركية لاغتيال سليماني أثناء فترة احتلال العراق، أجاب زيباري بأنه "هناك أسرار كثيرة هنا حقيقة"، واسترسل "لكن هو كان يتردد على بغداد والإقليم ومحافظات أخرى. وهو شخص عملياتي، يعني منظر استراتيجي لكن عملياتي ميداني وجريء. في الفترة الأخيرة، زياراته كُشفت وصار عنده مكاتب ومستشارون ودوام تقريباً في المنطقة الخضراء. يعني أصبحت شبه علنية".
وأضاف "أتصور نُبه أنه أنت لست بعيداً عن الاستهداف. وصار ما صار. هذا الموضوع (قتل سليماني) كان نتاج متابعة دقيقة، وليس يوم حدوثه. أتصور كانت هناك متابعة دقيقة لكل نشاطاته وتحركاته. وصلته رسائل أن وضعك غير آمن".
وفي وصفه لأسلوب سليماني، أشار زيباري إلى أنه "كان دبلوماسياً حقيقةً في طبيعته، لكن بالنسبة إلى الأهداف التي يريد تحقيقها لا يتنازل. استخدم التهديد مع الرئيس السابق جلال طالباني"، ولفت إلى "رسالة مكتوبة عندما كانت هناك جهود ومحاولات من الأكراد والسنة وبعض قيادات الشيعة لسحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد التمادي ومحاولة التسلط والهيمنة والابتعاد عن المشتركات التي اتفقنا عليها. آنذاك كان تدخله (سليماني) حاسماً جداً في منع حصول ذلك".
مستقبل إقليم كردستان العراق
وفي سياق آخر، قال وزير الخارجية العراقي السابق: "أنا قلق وقلق جداً على مستقبل إقليم كردستان الذي بُني بأنهار من الدماء والتضحيات والمقاومة وبالسياسة الواقعية والدبلوماسية"، موضحاً أن "التهديد الأكبر على الإقليم حالياً هو من القرارات التعسفية للمحكمة الاتحادية العراقية مع الأسف الشديد. أساس الإقليم والاعتراف به ككيان دستوري هو الدستور الذي حدد التخصصات الحصرية للحكومة الفيدرالية وللإقليم".
وأضاف: "هناك هجمة حقيقةً من كل النواحي. أمنياً، نرى من يهدد الإقليم بالمسيرات والصواريخ، ومصالح الإقليم الاقتصادية والمصافي وحركة الطيران التجاري والشركات الأجنبية لتقويض اقتصاد الإقليم. أيضاً مسألة تصدير النفط المتوقف، من إيقاف تصدير نفط الإقليم خسر العراق 7 مليارات دولار، كان يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة، وجزء منها حصة الإقليم".
وتابع زيباري: "أيضاً يتدخلون على كل المستويات، من مسألة الانتخابات وحقوق الإقليم الدستورية وحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلد"، واعتبر أن "السبب أن الإقليم ربما لديه استقلالية في اتخاذ القرار، وفي المشاركة في بعض القرارات، لكن عنده استقلالية يعني إذا لم يعجبنا شيء نقول لا وعندنا الشجاعة. ربما هذا التوجه لا يرضي الآخرين الذين اعتادوا «نعم سيدي» في كل شيء يؤمرون به".
واعتبر أنه "طبيعي أن الإقليم عنده مشاكل، ولا أخفي عليك حتى أكون واقعياً وصريحاً. دائماً الإقليم كان قوياً حين كانت القوى الكردية موحدة، أو تتبنى خطاباً واحداً أو موقفاً واحداً. حالياً عندنا في القضايا الاستراتيجية وحدة عمل وتفكير، لكن هناك قضايا داخلية غير محلولة".
وأكد على أن "الهدف الأساسي للإقليم الذي نسعى من أجله هو إعادة شرعنة مؤسسات الإقليم بإجراء انتخابات برلمانية إقليمية جديدة. كان المفروض في فبراير، وحالياً أجلت إلى مايو"، وقال: "لا نعرف إلى متى ستبقى هذه الانتخابات أسيرة لقرارات المحكمة الاتحادية لتعطيل هذه الشرعية.. نعمل في سبيل إجراء هذه الانتخابات في أسرع وقت ممكن".
وعند سؤاله عما إذا كانت القوى التي سلمت ذات يوم بوجود الإقليم لإزاحة صدام، ثم تراجعت حين صارت في السلطة هي التي تعاقب الإقليم، قال زيباري "أساساً هي هذه القوى. وربما بإيحاءات خارجية إقليمية. واضح جداً لأن هذه هي القيادات نفسها التي كنا نحميها ونحتضنها في زمن المعارضة. حقيقة بعدما صاروا في السلطة يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة إلى مشاركة الآخرين الذين ساعدوهم"
وأضاف "هذه النظرة موجودة، ولن تؤدي إلى استقرار العراق. نظرة أن البلد صار لنا والحكومة لنا، ولا نحتاج الآخرين أثبتت فشلها، في تجربة صدام حسين ومن قبله. العراق لا ينجح إلا بتوافق وطني واحترام مكوناته. وأن يشعر كل طرف بأنه جزء من هذه الحالة".
وفي ما يخص المحكمة الاتحادية والجهة التي تتحكم بقراراتها، أكد المسؤول العراقي السابق أن "المجموعة نفسها التي فكرت أنها لا تحتاج الآخرين، وممكن نسيس أو نستخدم هذه المحكمة كسلاح ضد خصومنا وأعدائنا. هناك كلام طويل وعريض عن دستورية هذه المحكمة أساساً. تسأل أكبر خبراء في القانون الدستوري، فيقولون إن هذه المحكمة شكلت لأغراض ونوايا معينة".
وتابع "حالياً الهيمنة من قبل الأطراف المسلحة وبعض الفصائل التي بيدها القوة والسلاح، وعندها من جانب آخر القضاء والمحكمة الاتحادية. يتحكمون في كثير من الأمور والمسائل. أرجع إلى سؤالك الأول: نعم، نحن قلقون على مستقبل الإقليم ومستقبل العراق أيضاً".
وعن وجود مشاكل في العلاقة بين الفصائل الشيعية والمكونين السني والكردي، تمخض عنها إزاحة المحكمة الاتحادية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وأخرج زيباري من السباقات الانتخابية، أكد وزير الخارجية العراقي السابق أنه "هناك مشاكل حقيقةً. لا أخفيك. وهناك حوارات أيضاً جادة وحقيقية. من الذي وراء قصف أربيل أو مطار أربيل أو مصالحنا في السليمانية وبعض منشآتنا الحيوية؟"
ووصف زيباري الرواية التي تقول إن هذه الجهات قصفت الموساد بـ"كذب وافتراء"، وتابع: "حتى المسؤولين العراقيين الذين زاروا الموقع حين وقع هذا الهجوم الصاروخي الباليستي على رجل أعمال مع عائلته مع أطفاله، وقتلت طفلة عمرها أقل من سنة (رأوا) أن هذا كذب فظيع.
وأضاف "الموساد موجود في كثير من الدول، ويعمل بسرية وبطرقه الخاصة، ولا يحتاج إلى لافتات وعناوين يقعد ويخطط. الموساد موجود ويضرب فيهم في قلب طهران، وموجود في كثير من العواصم الأخرى".
وشدد على أن "هذه هي المرة الثانية التي يكررون فيها هذا الافتراء الفاضح جداً الذي ليس له أي أساس. طلبنا منهم وقلنا لهم أنتم لديكم في أربيل قنصلية كبيرة، ونتواصل معكم وبيننا زيارات مشتركة ونحن طرف في لجنة أمنية مع الحكومة العراقية معكم، وهذا الاتفاق الأمني يؤكد أنه إذا شعر طرف بوجود تهديد، فيجب أن يبلغ الطرف الآخر. كل هذا لم يفعلوه".
واعتبر أن "هذه كانت رسالة. قصف أربيل كان رسالة لإظهار قوتهم في إصابة الأهداف عن بعد. في يوم ضربوا ثلاث دول: باكستان، والعراق في أربيل، وسوريا في إدلب، حتى يرسلوا هذه الرسالة إلى أميركا وإسرائيل أن «عندنا قوة ردع إذا تجرأتم علينا»".
وأكد زيباري أن الصواريخ التي أصابت أربيل انطلقت من الأراضي الإيرانية، وقال "اعترفوا بها. اعترف بها «الحرس الثوري» الإيراني، وأصدر بياناً رسمياً أعلن المسؤولية عنها".
وبشأن المخاوف التي يسببها الإقليم في المنطقة، أشار زيباري إلى أنه "في 1991 واجهنا هذا التحدي كقيادات شاركت في هذا الإقليم ومتابعته. كان تحدياً كبيراً حين أرادت قيادة الجبهة الكردستانية في 1992 إجراء انتخابات داخل العراق في الإقليم، اجتمعت دول الجوار سوريا وتركيا وإيران لمحاصرة وخنق هذا الإقليم".
وأضاف "حتى أميركا أقرب حلفائنا وأصدقائنا لم تكن مؤيدة لفكرة الانتخابات. لكن للمرة الأولى اتخذت القيادة الكردية قراراً سليماً وشجاعاً بالسير باتجاه الانتخابات، واتفقنا على نتائج الانتخابات، وقمنا بتأسيس مؤسسات الإقليم".
وتابع "آنذاك، نقلنا نفس الفكرة للإيرانيين والأتراك والسوريين: نحن لسنا تهديداً. نحن يمكن أن نكون عامل مساعدة واستقرار، ولن نفعل شيئاً ضد مصالحكم الأمنية القومية العليا على الإطلاق. وأثبتت التجربة طوال سنوات عمل مؤسسات الإقليم أننا عملنا على تهدئة مخاوف دول الجوار الأمنية. الإقليم دستوري منذ 2005، حين صار تصويت شعب العراق كله، وأصبح لهذا الإقليم أساس قانوني ودستوري معترف به في العراق".
وعما إذا كان العراق قد واجه صعوبات في إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالإقليم، أجاب زيباري قائلاً: "حاولت. أنا تحاورت مع سيادة الرئيس أكثر من مرة حول هذا الموضوع. لكنهم (السوريون) لم يكونوا مقتنعين إطلاقاً بهذا الشيء. فكرة الدولة الاتحادية أو الفيدرالية يرونها مرحلة أولى لتقسيم الأوطان، ولم يخفوا ذلك إطلاقاً. لذلك في اللقاءات أو النقاشات لم يكونوا مؤيدين لها".
وتابع: "نرجع إلى القصف الصاروخي الإيراني الأخير على أربيل. قلت لك الرسالة. لكن الجمهورية الإسلامية ربما لا تستطيع أن تواجه دولاً كبرى مثل أميركا، وحتى إسرائيل تتجنبها وتحاربها بوسائل أخرى وطرق أخرى" وأشار إلى أنها "في سبيل إظهار قوتها عند شعبها وتنفيذ وعودها بأنها ستنتقم مما حصل من هجوم إرهابي في كرمان واستهداف قيادات من الحرس الثوري في دمشق، وقيادات في حزب الله وحماس في بيروت وجنوب لبنان، جاء الانتقام عندنا، لأن عندهم تصوراً خاطئاً من خلال نظرية المؤامرة الكونية أن الإقليم هو إسرائيل الثانية. وانطلاقاً من ذلك يعاقبوننا".
"لا يستهين أحد بأميركا"
وعما إذا كان يعتقد أن أميركا مستعدة للدفاع عن الإقليم، قال زيباري "الأميركيون عندهم تواجد في الإقليم كما في بغداد وفي الأنبار. إذا تلاحظ، الفصائل المسلحة دائماً تستهدف أربيل وحرير وقاعدة عين الأسد في الأنبار. لماذا لا يأتي أحد على ذكر قاعدة فيكتوري في مطار بغداد، وهي أكبر قاعدة؟ يظهر أن لديهم مصالح في الحركة والطيران وقضايا تهريب الأموال. لا يريدون مشاكل".
وأضاف: "الأميركيون دائماً يؤكدون أنهم موجودون بموافقة من الحكومة العراقية. وهذا صحيح وشرحت لك الخلفية. بالنسبة لهم: إذا أصيب أي من مصالحنا، أو استهدفت قنصليتنا الأكبر ربما في العالم أو منشآتنا الموجودة في مطار أربيل، فآنذاك نحن سنرد بقوة" وأضاف: "وبعد مقتل 3 جنود في قاعدة تاور 22 في شمال شرق الأردن وهي امتداد لقاعدة التنف، كان الرد الأميركي دقيقاً جداً، واستهدفوا القيادات المسؤولة عن هذا العمل".
واعتبر زيباري أن "هذا الردع خفف من الهجمات. إذا لاحظت، منذ فترة خفت الهجمات، سواء في شمال شرق سوريا، أو على عين الأسد أو أربيل، لأنهم رأوا الحديد حاراً"، وأكد على أن "أميركا عندها قدرات وإمكانيات هائلة، لكن لا يستخف أحد بالإدارات وبالقيادات الأميركية. يعني نفس هذه القيادات الأميركية التي كان معظم الناس يائسين منها، هم أنفسهم من تدخلوا ومنعوا داعش من اكتساح أربيل أو بغداد، من نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن إلى القيادات الأخرى الموجودة، من لويد أوستن وجيك سوليفان. نفس الأشخاص" وأكد زيباري في الختام أنه "لا أحد يستهين بهم. هذه دولة مؤسسات ومصالح واستراتيجيات".
هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط".