سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الضوء على بحر الفلبين باعتباره مجالاً جديداً للتوتر بين الولايات المتحدة والصين، قائلة إن السيطرة عليه ستكون ذات قيمة كبيرة في أي صراع بين البلدين حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
وأضافت أنه من المرجح أن تحتاج السفن الحربية والقوات والإمدادات الأميركية المنتشرة من القواعد في "جوام" أو "هاواي" إلى المرور عبر هذه المنطقة.
وأشارت الصحيفة التي رافقت القوات الأميركية على متن حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" أثناء مناوراتها الأخيرة في بحر الفلبين، إلى ظهور سفينتين صينيتين لجمع المعلومات الاستخبارية على بُعد بضعة أميال فقط من حاملة الطائرات الأميركية.
وقبل 3 أشهر، لاحظت اليابان، حليفة الولايات المتحدة، إقلاع مقاتلات الجيش الصيني النفاثة وهبوطها مئات المرات من حاملة طائرات صينية في مكان قريب.
وكان بحر الفلبين، وهو جزء من المحيط الهادئ شرق تايوان، موقعاً لمعركة حاسمة لحاملات الطائرات في الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة واليابان، والآن تتجمع حاملات الطائرات هناك مرة أخرى، وذلك بالنظر إلى أهميته في أي صراع بين بكين وواشنطن حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
ويقول محللون عسكريون إن الصين ستسعى، في أي صراع واسع النطاق بشأن تايوان، إلى استخدام المنطقة لاستهداف القواعد العسكرية التايوانية على الجانب الشرقي الجبلي من الجزيرة أو لفرض حصار عليها.
ويقول برنت سادلر، وهو باحث في مؤسسة "التراث"البحثية الأميركية: "إن السيطرة على بحر الفلبين ستكون هدفاً عسكرياً حاسماً في أي حرب بمنطقة شرق آسيا".
وشملت المناورات الأميركية اليابانية الأخيرة، التي أُجريت في أواخر شهر يناير الماضي، حاملتي طائرات أميركيتين، و9 سفن حربية إضافية، ومقاتلات نفاثة من طراز "F-35C" و"F/A-18"، وطائرات حرب إلكترونية، وحاملة طائرات الهليكوبتر اليابانية "Ise" من بين معدات أخرى.
"منطقة نزاع بين القوى العظمى"
وفي يونيو 1944، وجهت الولايات المتحدة إحدى ضرباتها الأخيرة لبحرية الإمبراطورية اليابانية بإغراق اثنتين من أكبر حاملات الطائرات لديها وهما "تايهو" و"شوكاكو"، وتدمير مئات الطائرات اليابانية في معركة بحر الفلبين التي استمرت يومين.
وساعدت هذه المعركة الولايات المتحدة في الاستيلاء على جزر ماريانا بما في ذلك جزيرة تينيان، والتي انطلقت منها الطائرات الأميركية لاحقاً لإسقاط القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي، ولم تفقد البحرية الأميركية أي سفن حينها، ووجه الأسطول الأميركي الضربة القاضية للبحرية اليابانية بعد بضعة أشهر في معركة خليج ليتي.
وقالت "وول ستريت جورنال" إن تدريبات البحرية الصينية والأميركية الأخيرة تُظهر كيف أصبح بحر الفلبين منطقة نزاع بين القوى العظمى، مشيرة إلى أنه تحده تايوان والفلبين من الغرب واليابان من الشمال وجزر ماريانا، بما في ذلك جوام، من الشرق، ويغطي مساحة تزيد عن مليوني ميل مربع، ومعظم الأنشطة البحرية الأخيرة للصين والولايات المتحدة كانت على بُعد بضع مئات من الأميال شرق تايوان.
وفي منتصف سبتمبر من العام الماضي، تجمعت حاملة الطائرات الصينية "شاندونج" ونحو 20 سفينة حربية أخرى في المنطقة، وفقاً للسلطات في تايوان واليابان، كما أفادت مدمرة يابانية قريبة بأن مقاتلات نفاثة ومروحيات صينية كانت تقلع وتهبط في "شاندونج" في 13 سبتمبر الماضي بينما أبحرت 5 سفن حربية صينية أخرى بالقرب منها.
وقالت وزارة الدفاع اليابانية إنه في مناورات مماثلة شملت "شاندونج" وسفن حربية صينية أخرى في نفس المنطقة خلال 9 أيام بدأت في 28 أكتوبر الماضي، قامت المقاتلات النفاثة الصينية بنحو 420 عملية إقلاع وهبوط من حاملة الطائرات.
وقال أليسيو باتالانو، وهو أستاذ الحرب والاستراتيجيات بشرق آسيا في "كينجز كوليدج" لندن: "بالنسبة للصين، فهي فرصة لإظهار ثقتها العسكرية المتزايدة، وفرصة للتدريب في مسرح ذا أهمية كبيرة، ومحاولة لطرح فكرة مفادها أن التفوق العسكري الأميركي لا ينبغي اعتباره أمراً مفروغاً منه".
وبعد التدريبات الأخيرة، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية إن حاملة الطائرات "شاندونج" وغيرها أجرت تدريبات قتالية "لحماية سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية بشكل أفضل"، وأضاف أنه "سيتم إجراء المزيد من التدريبات بشكل منتظم".
ووفقاً للصحيفة، فإن الجيش الصيني كثَف نشاطه في مضيق تايوان من خلال القيام بطلعات جوية وبحرية بوتيرة أعلى بالقرب من الجزيرة، مشيرة إلى أنه صحيح أن المقاتلات النفاثة الصينية يمكنها أن تصل من البر الرئيسي إلى المحيط شرق تايوان، بمساعدة طائرات التزود بالوقود، ولكن يمكنها العمل في المنطقة بشكل أكثر كثافة باستخدام حاملات الطائرات في بحر الفلبين.
ويعمل الأسطول السابع الأميركي، المتمركز في اليابان، منذ فترة طويلة في بحر الفلبين، وزاد حجم مناوراته هناك مؤخراً، وجاءت مناورات يناير الماضي بعد مناورات مماثلة في يونيو ونوفمبر من العام الماضي، وهي المناورات الأولى مع العديد من حاملات الطائرات الأميركية في المنطقة منذ عام 2021.
"بيئة مثالية للغواصات"
وفي حديثه على متن حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس كارل فينسون"، وصف الجنرال الأميركي كارلوس ساردييلو، وهو قائد المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات، المناورات الأخيرة بأنها "فرصة تدريب عظيمة لتجميع هذه المنصات الكبيرة بسرعة في بحر الفلبين".
ويقول محللون عسكريون إن عُمق بحر الفلبين الكبير ووضوح الرؤية فيه تجعله بيئة مثالية للغواصات.
وأضاف ساردييلو أن الحرب تحت سطح البحر كانت من بين المجالات التي أجرت فيها "يو إس إس كارل فينسون" مناورات مع اليابان، وتقول الصحيفة إنه أحياناً ما تتضمن مجموعات حاملات الطائرات الضاربة غواصات، ولكن البحرية الأميركية لا تكشف عن عمليات الغواصات هذه.
ويعد بحر الفلبين أيضاً طريقاً مهماً للتجارة، إذ يقول محللون إنه إذا هيمنت الصين على المنطقة، فيمكنها تضييق الخناق على اليابان وكوريا الجنوبية من خلال التحكم في وصولهما إلى شحنات النفط وأنواع الوقود الأخرى.
وقالت "وول ستريت جورنال" إنه بينما كان ساردييلو وغيره من قادة البحرية يتحدثون على سطح "يو إس إس كارل فينسون"، تمت رؤية سفينة مراقبة صينية من طراز "دونجدياو" تُستخدم لاعتراض الاتصالات على بُعد أميال قليلة، وقال أفراد طاقم حاملة الطائرات الأميركية إن سفينة مراقبة صينية أخرى كانت قريبة طوال مدة المناورات.
ويمثل الجيش الصيني تهديداً هائلاً لحاملات الطائرات الأميركية أكثر مما فعلته اليابان في منتصف عام 1944، وذلك بالنظر إلى ترسانة بكين الكبيرة من الصواريخ الأرضية، إذ قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) العام الماضي، إن بكين لديها "القدرة على توجيه ضربات دقيقة بعيدة المدى للسفن، بما في ذلك حاملات الطائرات، المتجهة إلى غرب المحيط الهادئ من البر الرئيسي للبلاد".
وأكد ساردييلو أن حاملات الطائرات الأميركية ستواصل الإبحار والتدريب في المنطقة، على الرغم من احتمال تعرضها للصواريخ الصينية، وتابع: "يمكن لبحارتنا المدربين تدريباً عالياً العمل في هذه المنطقة المعقدة والمُتنازع عليها، وتنفيذ المهمة والنجاة بغض النظر عن التهديد الذي قد نواجهه".