الصحافة وحرب السودان: قتل وترويع واعتقالات تطال العشرات

500 صحافي يفقدون وظائفهم.. وتدمير مقار صحف وقنوات

time reading iconدقائق القراءة - 14
مقر نقابة الصحافيين السودانيين بالعاصمة الخرطوم. 14 فبراير 2023 - REUTERS
مقر نقابة الصحافيين السودانيين بالعاصمة الخرطوم. 14 فبراير 2023 - REUTERS
بورتسودان -خالد عويس

اعتبرت لجنة حماية الصحافيين الدولية، أن الصحافة السودانية "تراجعت إلى عصور الظلام"، بحسب الأنباء التي ترد إلى اللجنة من الصحافيين في السودان، ووصفت وضع الصحافيين في ظل انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت بأنه خطير.

ودمرت الحرب التي اندلعت بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، أجزاءً من السودان بما فيها العاصمة الخرطوم، وأودت بحياة أكثر من 13 ألف شخص، بحسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة، وأثارت تحذيرات من حدوث مجاعة وخلق أزمة نزوح في ظل فرار 7.1 مليون شخص بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة، بحسب إحصاء للهيئة في 21 ديسمبر.

وقالت لجنة حماية الصحافيين في تصريحات لـ"الشرق" عبر البريد الإلكتروني، إن الاعتقالات سواء بواسطة الجيش، أو قوات الدعم السريع، طالت عدداً من الصحافيين، موضحة أن بعضهم تعرّض للضرب والمضايقات بعد أن علم الجنود أنهم صحافيون.

نهاية الصحافة المطبوعة

وكشفت لجنة حماية الصحافيين عن توقف 23 صحيفة عن العمل تماماً بعد تدمير الغارات مقارها في الخرطوم وأم درمان، أو اجتياحها بواسطة الجنود، معتبرة أن هذا "يعني نهاية الصحافة المطبوعة في السودان، ثم نهاية الصحافة في البلاد".

ورأت اللجنة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أن استمرار الحرب يفتح الباب أمام تصعيد العنف ضد الصحافيين إلى مستوى غير مسبوق، وأن تجبرهم الحرب شأن بقية السودانيين، على مغادرة البلاد هرباً من العنف.

وقال سكرتير الشؤون الاجتماعية في نقابة الصحافيين السودانيين، وليد النور، إن الحرب منذ اندلاعها أودت بحياة 5 صحافيين، هم سماهر عبد الشافع، إذاعة النيلين، وحليمة سالم، إذاعة "سودان بكرة"، وعصام مرجان، مخرج تلفزيوني، وعصام الحاج، مصور تلفزيوني، وأحمد العربي، مذيع بقناة "النيل الأزرق".

ويضاف إلى هؤلاء الضحايا خالد بلل، الذي اغتيل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور على يد مجموعة مسلحة مجهولة الهوية، ولم تتمكن "الشرق" من الوقوف بدقة على ملابسات قتله، فيما أعلنت نقابة الصحافيين أنها تجري تحريات إلا أن صعوبة الاتصالات تحول دون ذلك حتى الآن.

وأكدت إحدى قريباته لـ "الشرق" خبر قتله، دون الخوض في تفاصيل الحادثة.

الفرار من الموت

وأضاف وليد النور لـ"الشرق"، أن 251 صحافياً غادروا البلاد منذ اندلاع القتال، بينهم 160 توجهوا إلى مصر، و54 إلى أوغندا، و18 إلى كينيا، و15 إلى تشاد، و4 إلى ليبيا.

وأشار إلى أن 25 صحافياً أبلغوا النقابة بنهب منازلهم، فيما فقد 500 صحافي وظائفهم، بعد توقف 18  صحيفة سياسية عن العمل، وصحيفتين رياضيتين، إلى جانب عاملين في إذاعات "إف إم" وإذاعات قومية، لافتاً إلى أن بعض الذين لم يخسروا عملهم لا يتحصلون على أجورهم.

وأوضح أن الجهة الوحيدة التي تقدم معونات للصحافيين حالياً هي مجموعة من الصحافيين السودانيين العاملين في مؤسسات إعلامية دولية، إضافة إلى منظمة وحيدة قدمت دعماً لـ20 صحافياً مصابين بأمراض مزمنة.

وكشف النور عن أن 6 صحافيين ما زالوا رهن الاعتقال بواسطة قوات الدعم السريع، وبينهم هيثم دفع الله، وعبد الرحمن واراب، فيما أطلقت السلطات سراح آخرين بعد فترة، كما تعرضت فرق إعلامية تعمل لصالح قنوات دولية للتوقيف لساعات عدة.

وأشار النور إلى أن 4 صحافيات، بينهن عضوة النقابة هانم آدم، والصحافية في مدينة الجنينة غرب دارفور، إنعام أحمداي، تلقين تهديدات بالإيذاء والقتل، فيما تعرضت "ف.أ" للتحرش في أم درمان.

وقالت النقابة، في بيان الاثنين، إن الصحافي لؤي عبد الرحمن، وهو مراسل لإحدى القنوات الإخبارية، تعرض لـ"حملة عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي"، متهمة قوات الدعم السريع بمحاولة "تشويه سمعته واغتيال شخصيته".

وحذرت من "الاتهامات شديدة الخطورة الموجهة إلى لؤي، ومنها الانتماء إلى إحدى الجماعات المصنفة دولياً بأنها جماعة إرهابية متطرفة"، الأمر الذي يشكل خطورة بالغة على أمنه وسلامته ويعرض حياته للخطر.

واعتبرت النقابة أن الحملة ضد لؤي تهدف إلى إثنائه عن "رصد الانتهاكات الإنسانية المُروعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق المدنيين العزل بولاية الجزيرة أخيراً".

ولم يرد الجيش السوداني، أو وزير الإعلام المكلف، أو قوات الدعم السريع على طلبات "الشرق" بالتعليق على هذه الانتهاكات.

الخروج بتصريح

وقالت "م"، صحافية ما زالت في مناطق سيطرة الجيش في أم درمان، إنها لا تستطيع الخروج من المنزل، وتكتفي فقط بالتواصل وإرسال المواد عبر الهاتف، لكن الأمر تعذر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، نتيجة انقطاع الاتصالات، موضحة أن الخروج يتطلب إذناً من الجهات الرسمية.

وللتغلب على مشكلة انقطاع الاتصالات، عثرت "م" على مكتب مجهز بإنترنت فضائي، لكن السلطات رفضت منحها إذناً بالعمل، ما يضطرها للخروج باكراً من البيت والعودة الساعة 5 مساء في رحلة بحث عن خدمات الإنترنت، وسط أخطار كبيرة.

وأضافت لـ"الشرق" أنها عجزت وأسرتها عن التوجه إلى أي مدينة أخرى بسبب "الظروف المادية".

النجاة من الموت

وقال "م"، وهو صحافي في قناة إخبارية دولية، وأمضى أشهر الحرب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في الخرطوم، إنه قضى الأيام الأولى من الحرب في أكثر المناطق صعوبة في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم، مشيراً إلى لم ير أي دلائل على التزام الطرفين بمواثيق حماية الصحافيين، واصفاً مهمة التغطية بأنها "معقدة جداً".

وكشف لـ"الشرق" عن نجاته من الموت مرات عدة، الأولى في 28 أبريل 2023 حين أطلقت قوة من الجيش النار بكثافة على سيارة كانت تقله وزملائه، بعد أن أمرت سائق العربة بالرجوع عن مساره، وبعد امتثاله، أطلق الجنود الرصاص على السيارة.

والثانية حين حاول قناص استهدافه من على سطح إحدى البنايات وسط العاصمة أثناء مباشرته عمله، بينما كانت المرة الثالثة أثناء ظهوره على الهواء حين مرت رصاصة على بعد سنتيمترات من جسده، مؤكداً أن هناك مشكلات كبيرة تواجه الإعلاميين في الحركة، وخاصة ما يلي التنسيق مع طرفي الحرب.

وقال: "كل طرف يرغب في نقل الصورة وتغطية الأحداث على هواه، أما الانتهاكات فيتم منع الصحافيين من تغطيتها أو الإشارة إليها وخاصة النهب والقصف". 

وأضاف أن مسلحين اقتحموا مكان إقامته مراراً دون مبرر، مشيراً إلى أنه وزملاءه مكثوا أياماً دون أن يجدوا ما يسد رمقهم. 

جلد بالسياط

"ز" صحافية تعمل في مناطق الحرب في دارفور، اضطرت لترك عملها بسبب ما رأته انحيازاً من صحيفتها الإلكترونية لأحد طرفي الحرب، وقالت إنها تعرضت للاعتقال مرتين في إحدى مدن دارفور، على يد استخبارات الجيش السوداني، وجرى ضربها وتهديدها بالقتل، كما تم إطلاق الرصاص على سيارتها الخاصة من نقطة تفتيش عسكرية.

وأضافت لـ"الشرق" أن قوة تابعة لحركة مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام جلدتها بالسياط في نقطة تفتيش لها في ذات المدينة بعد اتهامها بالتبضع من سوق تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

"ز" التي خسرت وظيفتها لكنها تنشر تقاريرها عن الأحداث عبر "فيس بوك" فقط، وصفت بيئة العمل بأنها "خطرة جداً وغير مواتية، ولكن هذا لا يعفينا من أداء مسؤولياتنا وواجباتنا المهنية".

الصحافية بصحيفة "التيار" خالدة أحمد اللقاني، اضطرت إلى مغادرة الخرطوم بعد شهرين من اندلاع الحرب، في أعقاب توقف صحيفتها عن الصدور واشتداد المعارك.

 وقالت لـ الشرق" إنها توجهت إلى الحدود مع مصر، أملاً في العبور والعمل بالقاهرة، مشيرة إلى أنها لاحظت تكدس السودانيين في معبر "أرقين" الحدودي، فشرعت في إعداد تقرير عن أزمة الفارين من الحرب، لكنها وجدت نفسها في قبضة رجال قالوا لها إنهم من المخابرات السودانية، قاموا بمصادرة الكاميرا من زميلتها.

وأشارت اللقاني إلى أنها بلا عمل منذ نحو 8 أشهر.

وقال الصحافي شوقي عبد العظيم لـ"الشرق"، إن جهات تابعة لنظام الرئيس السابق عمر البشير أعدت قوائم بأسماء بعض الصحافيين للتحريض عليهم والمطالبة بالقضاء عليهم، موضحاً أن اسمه كان في هذه القوائم.

وأضاف أنه اضطر للخروج من الخرطوم بعد أشهر من الحرب نتيجة الوتيرة المتزايدة من التهديدات التي طالته، لكنه اعتقل لدى وصوله إلى ولاية القضارف، شرق البلاد، في طريقه إلى إثيوبيا، موضحاً أن استخبارات الجيش أوقفته لساعات، دون توجيه أي تهم، ثم أطلقت سراحه بعد مصادرة كل أوراقه الثبوتية وهاتفه المحمول.

وبقي عبد العظيم على هذه الحال شهراً كاملاً، دون أن يسترد مقتنياته، ومرة أخرى جرى توقيفه لساعات بواسطة استخبارات الجيش في مدينة عطبرة شمالي البلاد، أثناء توجهه إلى الحدود مع مصر، لإرجاع والدته التي لم يسمح لها بالعبور.

وبعد حصوله وأسرته على تأشيرات دخول مصر، أوقفه رجال المخابرات السودانية في معبر أشكيت الحدودي، وصادروا جواز سفره وجواز سفر والدته ليومين.

وقال "ش"، وهو صحافي في قناة تلفزيونية، لـ"الشرق"، إن الاتهامات والحملات ضد وسائل الإعلام انطلقت منذ الأيام الأولى للحرب، بشكل جزافي، ومنها "التخوين والعمالة"، مشيراً إلى أنه تعرض للتوقيف مرتين على يد قوات الدعم السريع، ومرة على يد الجيش.

وأضاف أن تغطية الحرب في السودان "صعبة للغاية"، وأي عمل في الشارع يتطلب الكثير من الإجراءات والتواصل مع الطرف الذي يعمل الصحافي في مناطقه، علاوة على محاولة تأمين النفس قدر الإمكان من الرصاص والقصف.

وقال محمد السني إبراهيم، مصوّر تلفزيوني عمل لسنوات طويلة في تصوير مباريات كرة القدم، لـ"الشرق"، إنه أجبر على النزوح من منزله، بمنطقة حلة حمد في الخرطوم بحري، منذ الأيام الأولى للحرب، وتوجه في بادئ الأمر مع أسرته ووالدته وشقيقاته إلى حي المزاد في الخرطوم بحري، ثم إلى حي الثورة في أم درمان، ومنه إلى حي الشجرة في الخرطوم لمدة شهر ونصف الشهر، ثم حي الكلاكلة جنوبي العاصمة السودانية، لكن وبعد اقتراب الاشتباكات أجبر إبراهيم على النزوح إلى ولاية النيل الأبيض لمدة 4 أشهر، وأخيراً بورتسودان، مؤكداً أنه فقد وظيفته منذ ذلك الوقت، وما زال يبحث عن عمل حتى اللحظة.

احتلال قناة "النيل الأزرق"

المدير العام لقناة "النيل الأزرق" التلفزيونية، عمّار شيلا، قال إن "قوات الدعم السريع تحتل مقر القناة في أم درمان بشكل كامل، وجعلت القناة مقراً لقيادتها العسكرية، بعد أن نهبت المعدات والمركبات ودمرت الاستديوهات، وتسببت في تشريد العاملين بالقناة".

ولم يحدد شيلا حجم الخسائر الذي لحق بالقناة، لكنه يرى أن المؤسسات الإعلامية السودانية كلها ستكون بحاجة غالباً للبدء من الصفر، معرباً عن مخاوفه على المكتبات المرئية التي تحتوي على توثيق للحياة والشخصيات السودانية.

واتهم شيلا "قوات الدعم السريع" بأنها وضعت وسائل الإعلام كأهداف رئيسية، وعملت منذ اللحظة الأولى على احتلال مقر الإذاعة والتلفزيون وقناة النيل الأزرق، كما أن مكاتب القنوات الدولية لم تسلم من هجماتها، موضحاً أن السلطات السودانية لجأت إلى تشغيل التلفزيون الرسمي من بورتسودان مؤقتاً.

وروى صحافيون لـ"الشرق" معاناتهم في حواجز التفتيش التي تقيمها قوات الدعم السريع، وبشكل أقل في حواجز التفتيش التابعة للجيش، موضحين أنهم يتعرضون لتفتيش دقيق لدرجة البحث داخل هواتفهم، وتوجه إليهم اتهامات من كل طرف بالعمل مع الطرف الآخر. وقال بعضهم إنهم لجأوا إلى إخفاء هويات عملهم تماماً، تحاشياً للمضايقات.

تصنيفات

قصص قد تهمك