كيف حقق ترمب "أكبر عودة" في تاريخ السياسة الأميركية؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع أنصاره في مارالاجو في بالم بيتش بولاية فلوريدا. 5 مارس 2024 - Bloomberg
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع أنصاره في مارالاجو في بالم بيتش بولاية فلوريدا. 5 مارس 2024 - Bloomberg
دبي-رويترزالشرق

قبل 16 شهراً من الآن، اجتمع بعض المانحين الأكثر نفوذاً في الحزب الجمهوري في لاس فيجاس، للنظر في المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة المرتقبة في نوفمبر 2024. كانت نتائج انتخابات التجديد النصفي الأميركية لعام 2022 قد أحرجت الحزب، والحديث في الغرف المغلقة كان يلقي باللوم على الرئيس السابق دونالد ترمب.

قال عدد من المتبرعين لوكالة "رويترز" آنذاك، إن "الوقت قد حان للمضي قدماً"، وخلصوا إلى أن الرئيس السابق قد أصبح شخصية من الماضي، وعائقاً لحظوظ الحزب الجمهوري. 

وأظهر استطلاع رأي بعد ذلك بوقت قصير، أنه لا يتقدم بأكثر من ست نقاط في السباق الجمهوري.

ولكن الأمور اختلفت حالياً، إذ أصبح ترمب الآن المرشح الأبرز، وباتت قبضته على الحزب الجمهوري أكثر قوة من أي وقت مضى. وبعد إطلاق حملة انتخابية مترددة في نوفمبر 2022، تقدم بشكل ملحوظ في استطلاعات الرأي، ولم يستطع منافسوه الجمهوريون مواكبته.

عودة ترمب

بات السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف نجح ترمب، بعد مروره بمحاولتين للعزل وعدة اتهامات جنائية، من العودة وتحقيق أحد أكبر الإنجازات السياسية في تاريخ الولايات المتحدة؟ 

قبل أيام من الحدث في لاس فيجاس، وبينما كان ترمب يتحدث إلى تجمع للائتلاف اليهودي الجمهوري عبر الفيديو، كان الكثير من الاهتمام منصباً على حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي ألقى خطاباً رئيسياً لقي استحساناً، وبدا مستعداً لتحدي ترمب على الترشيح.

والآن أصبح ديسانتيس شخصاً من الماضي، بعد إدارة حملته الانتخابية بطريقة سيئة، وفشله في الارتقاء إلى المستوى الذي يسمح له بمنافسة ترمب.

وانسحبت السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، من السباق، في وقت سابق الأربعاء، بعد مقاومتها لعدة أشهر، ولكن في النهاية كانت محاولة ميؤوس منها.

وتظهر بعض استطلاعات الرأي على المستوى الوطني أن ترمب هو المرشح الأوفر حظاً ضد الرئيس الحالي جو بايدن في انتخابات نوفمبر، رغم أن العديد من الأميركيين لم يحسموا أمرهم بعد.

وقالت ليندسي تشيرفينسكي، المؤرخة الأميركية المعنية بشؤون الرؤساء في "جامعة ساوثرن ميثوديست" في دالاس: "إنه أشبه بالجنون تماماً، معظم الرؤساء المهزومين لا يعودون ويتنافسون، لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه كان يجب أن يفوز بالترشيح، خاصة بهذه السرعة".

وحقّق ترمب نجاحاً هائلاً في السيطرة على مجال المنافسة داخل الحزب الجمهوري، بفضل أساس قوي غير مسبوق بالنسبة لشخص غير موجود في السلطة، إذ كان رئيساً سابقاً يتمتع بشهرة عالمية، ونجم تلفزيون الواقع الشهير قبل ذلك، وكان بطلاً لقاعدة من المؤيدين المخلصين له.

المشاكل القانونية زادت قوة ترمب

هناك عامل آخر زاد من قوة ترمب، إذ يقول العديد من أنصاره في استطلاعات الرأي إنهم يعتبرونه الرئيس الحالي، ويتبنون ما ردده بنفسه بأن الشيء الوحيد الذي اعترض طريقه إلى البيت الأبيض في عام 2020 كان "تزوير الانتخابات".

وعززت المشاكل القانونية من وضع ترمب، بدلاً من أن تسقطه، إذ أن التهم الموجهة إليه جعلت حملته تشتعل بفضل إثارته لمشاعر الناخبين الجمهوريين.

وكان منافسا ترمب الرئيسيان، ديسانتيس وهيلي، مترددين لعدة أشهر في مواجهته، وحتى وقفوا بجانبه في مواجهة التهم الجنائية والمدنية. وفي الوقت نفسه، كانت جوانب قلق الناخبين الجمهوريين الرئيسية، لاسيما الاقتصاد وأمن الحدود، هي المسائل التي عزز فيها ترمب من قوة موقفه.

وبالتأكيد، يواجه ترمب مجموعة من التحديات، فاستمرار ترشح هيلي يشير إلى أن جزءاً كبيراً من حزبه لا يفضله، ويبقى حصوله على دعم هؤلاء الناخبين في الانتخابات المقررة في 5 نوفمبر، سؤالاً مفتوحاً.

وسيواجه ترمب مجموعة من القضايا في المحاكم خلال بقية العام، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حكماً جنائياً محتملاً يمكن أن يقلص بشكل كبير من دعمه، رغم أن هذه القضايا قد تستمر حتى بعد الانتخابات.

وفي حين يعتبر معظم الجمهوريين تهمه الجنائية مدفوعة سياسياً، وفقاً لاستطلاعات رويترز/آيبسوس، يقول نحو ربع الجمهوريين ونصف الناخبين المستقلين إنهم لن يدعموه إذا صار مُداناً بجريمة قبل الانتخابات.

وتظهر استطلاعات الرأي التي تم تجميعها من خلال موقع FiveThirtyEight، أن أكثر من نصف الناخبين (52.2%) لديهم وجهة نظر سلبية عن ترمب مقابل 43.4% فقط ممن ينظرون إليه بشكل إيجابي، مما يعني أنه قد يكافح لكسب الناخبين المستقلين، وغيرهم ممن ليسوا جزءاً من قاعدته ذات الميول اليمينية الطبيعية.

استعراض للقوة

في عطلة نهاية أسبوع باردة في دافنبورت بولاية أيوا، في مارس 2023، ظهرت قوة ترمب واستراتيجيته.

كان ديسانتيس، الذي لم يكن مرشحاً بعد، في دافنبورت لمناقشة كتابه الجديد، وقضى الكثير من وقته جالساً على كرسي في كازينو لإجراء مناقشة سياسية رصينة بحضور حوالي 200 شخص.

وبعد يومين، عقد ترمب تجمعاً صاخباً في مسرح آرت ديكو، حيث اصطف ألف شخص لساعات للدخول، وهتفوا "الولايات المتحدة الأميركية"، إلى أن اعتلى المسرح.

وهاجم ترمب ديسانتيس في التجمع، مرجحاً أن حاكم فلوريدا يريد خفض برامج المزايا الفيدرالية لكبار السن. وكان ذلك جزءاً من خطة حملة ترمب لإلحاق الضرر بديسانتيس قبل أن يدخل السباق.

وعندما انضم ديسانتيس إلى السباق للرئاسيات في مايو، نظم أحداثاً صغيرة جذبت أعداد قليلة من الناخبين، بينما نظم ترمب تجمعات دورية مكتظة بالمشاركين. وبدا أن مسعى حاكم فلوريدا تلاشى في غضون شهور.

اللحظة الأكثر محورية لترمب

اللحظة الأكثر محورية في حملة ترمب كانت في مارس من العام الماضي، عندما وجه المدعي العام لمنطقة مانهاتن، ألفين براج، وهو ديمقراطي، اتهامات للرئيس السابق.

ولم يكن لقضية براج أي علاقة بمحاولات ترمب لإلغاء نتيجة انتخابات 2020، أو بأفعاله المتعلقة بهجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول، بل تتعلق بتزوير السجلات لإخفاء مدفوعات مالية سرية للمثلة الإباحية ستورمي دانيلز.

واعتبر ترمب أنه كان "ضحية محاكمة ذات دوافع سياسية". ونفى براج أي تحيز، لكن الرئيس السابق بدأ في الصعود في استطلاعات الرأي، واحتشد أنصاره إلى جانبه، وغمرت الأموال خزائن حملته.

اعتمد ترمب استراتيجية غير تقليدية أخرى تكسر القواعد، من خلال رفضه المشاركة في المناظرات مع منافسيه الجمهوريين. وقد ثبت أنه كان على حق، ونتيجة لذلك، قضى المرشحون الآخرون معظم الوقت في انتقاد بعضهم البعض دون توجيه انتقادات له.

الأحداث العالمية

صبّت الأحداث العالمية في مصلحة ترمب، بما في ذلك الحرب المتعثرة في أوكرانيا، مع تشكك الجمهوريين بشكل متزايد من تقديم المزيد من المساعدات لكييف، وهو موقف ترمب منذ فترة طويلة.

كما أظهر نفسه كداعم لإسرائيل في الحرب التي تشنها على قطاع غزة.

وكان ترمب مدعوماً أيضاً بفشل إدارة بايدن في احتواء زيادة المهاجرين، الذين يعبرون الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وهو وضع أثار قلق الناخبين بشكل متزايد عبر الخطوط الحزبية.

 

روابط ترمب مع أنصاره

أكثر حدث يُظهر الروابط القوية بين ترمب وأنصاره شهدته مدينة كلينتون بولاية أيوا في أوائل يناير الماضي، قبل أول انتخابات تمهيدية جمهورية في تلك الولاية.

واصطف مئات الناخبين في البرد خارج مدرسة، وبمجرد دخولهم انتظروا ترمب، الذي حضر متأخراً ثلاث ساعات بسبب مشكلة في السفر. ولم يشتك أحد، واستمر ترمب في الفوز بالمؤتمرات الحزبية بنسبة 30 نقطة مئوية.كان ذلك بمثابة تذكير بشيء أشار إليه آري فلايشر، السكرتير الصحافي السابق للرئيس جورج دبليو بوش، في مؤتمر لاس فيجاس لعام 2022.

ويقول فلايشر إن الإنجاز الرئيسي لترمب كان إقناع الناخبين في قاعدته بأنه لا يزال متميزاً سياسياً. وأضاف: "لقد استنتجوا أن واشنطن معطلة، وبالتالي فإنهم سيجازفون باللجوء إلى شخص يعرفون أنه سيكسر القواعد".

تصنيفات

قصص قد تهمك