المغرب.. تعديلات "مدونة الأسرة" إلى دائرة الخلاف السياسي

اقتراحات بشأن الإجهاض والمساواة في الإرث تثير تباينات حزبية واسعة

time reading iconدقائق القراءة - 10
واجهة المحكمة الابتدائية في مدينة سلا شمال العاصمة المغربية الرباط. 27 يونيو 2019 - AFP
واجهة المحكمة الابتدائية في مدينة سلا شمال العاصمة المغربية الرباط. 27 يونيو 2019 - AFP
الرباط -أنس عياش

أثار النقاش المجتمعي في المغرب بشأن التعديلات المقترحة على "مدونة الأسرة" الخاصة بقانون الأحوال الشخصية في البلاد، والتي تشمل اقتراحات بشأن المساواة في المواريث بين الرجل والمرأة، وكذلك السماح بالحق في الإجهاض، تباينات سياسية وحزبية واسعة.

وأثارت تصريحات رئيس الحكومة المغربي السابق عبد الإله بنكيران، جدلاً في الساحة الحقوقية والسياسية، بعدما دعا إلى مواجهة أي تعديلات وصفها بأنها تخالف الشريعة الإسلامية، على قانون الأسرة، مهدداً بتنظيم "مسيرة شعبية مليونية".

ووصف بنكيران، وهو الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، خلال تجمع حزبي، المطالبين بإلغاء تجريم الإجهاض بأنهم "مجرمين وقتلة"، معتبراً أن الشعب "لن يقبل أي مساس بالشريعة الإسلامية"، في إشارة إلى بعض المقترحات التي تمس نظام الإرث، وتنادي بمنع زواج القاصرات.

ويتجه المغرب نحو تعديل قانون "مدونة الأسرة" بعد دعوة الملك محمد السادس، في سبتمبر الماضي، إلى إطلاق مشاورات موسعة لإصلاحها من أجل تجاوز "الاختلالات والسلبيات، التي ظهرت بعد التجربة، ومراجعة بعض البنود التي انحرفت عن أهدافها"، داعياً إلى تعديل القانون "في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية"، مع اعتماد الاجتهاد والاعتدال، وإشراك جميع المؤسسات المعنية، مؤكداً أنه "بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله، ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا".

وفي خطاب إلى رئيس الحكومة، أكد ملك المغرب، أن المرجعيات والمرتكزات في تعديل مدونة الأسرة "تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من الدين الإسلامي، والقيم الكونية المنبثقة من الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب".

وتتولى لجنة تشكلت في سبتمبر، مشاورات تعديل مدونة الأسرة، وتضم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ومسؤولي عدد من المؤسسات القضائية والحقوقية والدينية، ومن المقرر أن تعد مشروع القانون خلال 6 أشهر بحد أقصى، وتحيله إلى الملك، قبل أن تعد الحكومة مشروع قانون في هذا الشأن وتعرضه على البرلمان.

واتهم بنكيران، زعماء حزبي "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، بمحاولة "تغيير أحكام الله"، على خلفية مطالبتهما بـ"مساواة حقيقية وجوهرية" في مدونة الأسرة، وتعديل بعض قوانين الإرث، وإلغاء التعصيب، والسماح للورثة بالحق في الوصية.

والتعصيب، هو نوع من الإرث يضاف إلى الإرث المفروض، إذ يحصل "العصبة" على باقي التركة بعد حصول كل وارث على حقه، لكن المذاهب الفقهية الإسلامية السنية الأربعة، اختلفت في تصنيف جهات العصبات.

"مساواة حقيقية"

كان الحزبان اليساريان، أكدا في بيان مشترك، ضرورة إصدار مدونة جديدة للأسرة "تقطع مع المقاربة المحافظة (...) بنفَس تحديثي قوي، بما يتلاءم مع مقتضيات دستور 2011، والاتفاقات الدولية" التي صادق عليها المغرب.

ودعا الحزبان إلى منع وتجريم زواج القاصرات دون سن 18 عاماً، إلى جانب إقرار المسؤولية المشتركة بين الزوجين في الولاية القانونية على الأبناء، بالإضافة إلى إقرار المساواة بين الزوجين في حضانة الأبناء.

ومن مطالب الحزبين أيضاً "منع تعدد الزوجات، والتدبير العادل للممتلكات المكتسبة من قبل الزوجين أثناء فترة الزواج، وإلغاء التمييز على أساس الجنس أو المعتقد في الزواج، بما يتيح للمرأة الزواج من غير المسلم".

ورفضت رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، حنان رحاب، الهجوم الذي شنه بنكيران على التيارات اليسارية، معتبرة أن تصريحاته "تعكس مدى الضعف الذي وصل إليه هذا التيار ذو التوجهات الإخوانية (نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين)"، بعدما قاد الحكومة لولايتين، وكان ينجح في الانتخابات "عبر توظيف الأمور الدينية" لتحقيق مصالحه.

وقالت رحاب لـ"الشرق"، إن "الحزب الإسلامي يحاول احتكار الحديث باسم الدين، والإيهام بوجود مؤامرة ضد الإسلام يقودها خصومه السياسيون، ولذلك فهو يستغل لحظة النقاش الوطني بشأن إصلاح مدونة الأسرة، في محاولة فاشلة للعودة".

اجتهادات "لا ثوابت"

وقالت القيادية في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن "ما يعتبره بنكيران ثوابت دينية، هي مجرد آراء فقهية اجتهادية، يمكن نسخها باجتهادات أخرى بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة".

وأضافت أن المطالب التي ترفعها الأحزاب اليسارية "تتوخى ملاءمة نص المدونة مع نص الدستور باعتباره أسمى وثيقة قانونية مرجعية، ومع الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب، في احترام تام للثوابت الوطنية التي في مقدمتها الإسلام الوسطي المعتدل".

وأشارت رحاب، إلى أن أبرز تلك المطالب، تجريم زواج القاصرات "للضرر الذي يلحقهن نفسياً واجتماعياً وصحياً وتعليمياً"، وكذلك منع تعدد الزوجات، مشيرة إلى "وجود اجتهادات فقهية تعضد هذا المطلب"، فضلاً عن إلغاء التعصيب في الإرث "لأنه من جهة يضر بحقوق النساء في الميراث، ومن جهة ثانية لأنه محط خلاف فقهي، وليس من القطعيات".

وينادي "الاتحاد الاشتراكي"، بـ"الولاية المشتركة" للوالدين على الأبناء بعد الطلاق بما يخدم مصلحة الأبناء.

"خطوط حمراء"

في المقابل يرفض حزب العدالة والتنمية، أي مقترحات تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأي مساس بالمرجعية الإسلامية لمدونة الأسرة "باعتبارها مرجعية الدولة والمجتمع"، وفق توصيف الحزب.

وأعلن الحزب، في مذكرة مقدمة إلى لجنة تعديل القانون، رفضه التام للمطالب المتعلقة بالمساواة في الإرث. وقال إنه "يتشبث بنظام الإرث في الإسلام جملة وتفصيلاً"، مؤكداً أن "ما يتعرض له نظام التعصيب من هجوم يأتي ربما من باب عدم العلم بأحكامه الفقهية وبمقاصده الاجتماعية، واستغلال بعض الانحرافات السلوكية التي لا يخلو منها مجتمع، والتي تأتي نتيجة ضعف الوازع الديني والجشع المادي وليست من التطبيق السليم لأحكام الشريعة".

وأكد الحزب موقفه الرافض أيضاً لأي دعوة لإباحة تزويج المسلمة بغير المسلم بمبرر المساواة، "لاندراجها ضمن النصوص القرآنية القطعية، التي رخصت للرجال دون النساء وقيدت ذلك بأهل الكتاب".

كما رفض الحزب، المنع التام لتعدد الزوجات، ورفض تجريم الاستثناء المتمثل في الإذن القضائي بالزواج دون سن الأهلية.

وقالت القيادية في حزب العدالة والتنمية، ورئيسة "منتدى الزهراء للمرأة المغربية"، بثينة قروري، إن أي تعديل على مدونة الأسرة "ينبغي أن ينص على احترام تام للمرجعية الإسلامية وللخصوصيات التاريخية والثقافية والحضارية للمجتمع المغربي".

وقالت لـ"الشرق"، إن مدونة الأسرة "تستند بالأساس على قواعد الشريعة الإسلامية، وتسعى لتحقيق مقاصدها في بناء أسرة متماسكة ومستقرة".

وأضافت قروري، أن "حقوق الإنسان لا تلغي الحق في التنوع الثقافي والاختلاف الحضاري، بل إن جوهر فلسفة حقوق الإنسان تدعو لاحترام خصوصيات الشعوب والمجتمعات واحترام ثقافاتها وبمعتقداتها الدينية واختياراتها الحضارية".

واعتبرت قروري، أن استدعاء المرجعية الكونية لحقوق الإنسان "في مواجهة المرجعيات الدينية والدستورية، هو خطأ منهجي كبير، لأن مدونة الأسرة بطبيعتها تنتمي إلى مجال تشريعي مؤطر بمرجعية إسلامية ودستورية"، مؤكدةً أنها "مرجعية تستوعب حقوق المرأة والرجل والطفل على السواء، بما يضمن استقرار الأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع".

ويدعو حزب العدالة والتنمية، إلى مواصلة العمل بالترخيص بزواج الفتيات دون سن 18 عاماً، بعد الحصول على إذن من قاضي الأسرة يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة بعد الاستماع للقاصر بمفردها ولأبويها أو نائبها الشرعي، مع الاستعانة بخبرة طبية وإجراء بحث اجتماعي ميداني عن العريس والعروس.

وتقترح قروري، خضوع القاصر لدورة تأهيلية للزواج، كما دعت إلى محاصرة ارتفاع ظاهرة الطلاق التي بلغت 50% من حالات الزواج، واقترحت تدقيق مفهوم الشقاق، وتشكيل "مجلس وساطة" يختص باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وببذل جهده لإنهاء النزاع والتوصل إلى صلح بين الزوجين، مع إشهاد المحكمة.

130 جلسة استماع

وفي 27 ديسمبر أعلنت لجنة تعديل القانون، انتهاء جلسات الاستماع لاقتراحات مختلف الجهات في البلاد، بشأن التعديلات.

وقال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وعضو لجنة التعديلات، الحسن الداكي، إن الهيئة عقدت 130 جلسة، استمعت خلالها إلى تصورات واقتراحات أكبر عدد ممكن من الفاعلين في المجتمع من مؤسسات مجتمع مدني، وأحزاب، ونقابات، ومراكز أبحاث بشأن التعديلات، لافتاً إلى أن "الباب لا يزال مفتوحاً لكل من يرغب في إضافة آراء أو تحليل أو توصيات أو مقترحات، عبر مذكرة مكتوبة أو عن طريق الموقع الإلكتروني".

وأكد الداكي في تصريحات صحافية، نشرتها وكالة الأنباء المغربية الرسمية، في ختام انتهاء الجلسات، أن اللجنة مستمرة في مناقشة كافة الاقتراحات والتوصيات والدراسات التي تلقتها في جلسات الاستماع، أو عبر مذكرات مكتوبة، مشيراً إلى حرص اللجنة على إيجاد كل الحلول المناسبة لما سماه الاختلالات التي ظهرت في تطبيق القانون الحالي.

تصنيفات

قصص قد تهمك