"تهديدات بوتين" ومخاوف عودة ترمب تدفع أوروبا إلى إعادة التسلح

المفوضية الأوروبية تعد خطة لتحسين استعداد الصناعة الدفاعية للأزمات

time reading iconدقائق القراءة - 11
المستشار الألماني أولاف شولتز بجوار دبابة من طراز "ليوبارد 2" أثناء زيارة لقوات الجيش الألماني خلال مناورات تدريبية في أوستينهولتس شمالي ألمانيا- 17 أكتوبر 2022 - AFP
المستشار الألماني أولاف شولتز بجوار دبابة من طراز "ليوبارد 2" أثناء زيارة لقوات الجيش الألماني خلال مناورات تدريبية في أوستينهولتس شمالي ألمانيا- 17 أكتوبر 2022 - AFP
دبي-عبد السلام الشامخ

مع إحراز الجيش الرّوسي لمكاسب في أوكرانيا واقتراب الانتخابات الأميركية، وما تطرحه من احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، تواجه أوروبا ضغوطاً متزايدة لتقوية صناعاتها العسكرية، وهو ما دفعها إلى إطلاق خطة لدعم الصناعة الدّفاعية على مستوى الاتحاد الأوروبي، والقطع مع عقيدة "الاعتماد الكلي" على الولايات المتحدة.

وقدّمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تفاصيل الخطة التي تقول إنها تهدف إلى "تحسين الاستعداد الصناعي الدفاعي الأوروبي على المدى البعيد، من خلال شراء ما لا يقل عن 40% من المعدات الدفاعية الأوروبية بشكل مشترك بحلول عام 2030".

كما تسعى المفوضية إلى "إلزام الدول الأعضاء بشراء الأسلحة بشكل جماعي من السوق الأوروبية فقط، لتقليل التكاليف ومواءمة المعدات وأنظمة الدفاع ودعم الشركات المحلية".

وتكثفت المناقشات بشأن حاجة الاتحاد الأوروبي إلى وضع خطة للدفاع، رداً على تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، التي أشار فيها أن الولايات المتحدة قد تتجاهل المادة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسي (تنص على الالتزام بالدفاع الجماعي عن أي هجوم تعرض له أيّ عضو)، وأنه سيشجع روسيا على أن تفعل "ما تريده" بحق أي دولة عضو في الناتو "لا تدفع ما يكفي لميزانية الحلف".

وقال مصدر أوروبي لصحيفة "لوموند" إن الأوروبيين استأنفوا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، استثماراتهم الدفاعية، فزادت ميزانيتهم ​​بنسبة 6% لعام 2022 وحده. ولكن غالبية المشتريات تتم خارج القارة. وذكر أنه "منذ عام 2022، ذهبت 75% من مشتريات المعدات العسكرية إلى شركات غير أوروبية، بينها 68% للشركات الأميركية".

وتعتزم المفوضية تخصيص 1.5 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي خلال الفترة 2025-2027، لمواصلة تعزيز القدرة التنافسية لدول التكتل، مع تعزيز التعاون الصناعي الدفاعي للاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا، ودعم تطوير قاعدتها الصناعية والتكنولوجية الدفاعية.

ووصل الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي بلغ 270 مليار يورو (295 مليار دولار) في عام 2023، ومع ذلك لا تزال هناك فجوات كبيرة في القدرات، حسب ما نقلته "لوموند".

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون خلال اجتماع لجنة الدفاع الأوروبية: "مع عودة الصراع الشديد الحدة في قارتنا، لم تعد أوروبا قادرة على الانتظار لتعزيز القدرة الدفاعية التكنولوجية والصناعية الأوروبية من أجل الإنتاج بسرعة أكبر".

وبالنسبة للمفوضية الأوروبية، فإن الأمر "الملح" هو الخروج من الوضع السابق، إذ أدى سحب الاستثمارات في مجال الدفاع لمدة 30 عاماً إلى تباطؤ القدرة الصناعية الدفاعية. فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي، عاش الأوروبيون في "مكاسب السلام"، وعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، وجدوا أنفسهم أمام سوق "فارغة" لا تستجيب لمتطلبات الدفاع، وفق "راديو فرنسا".

وقالت المحللة والباحثة في شؤون الأمن والدفاع صوفيا بيش، في دراسة نشرها مركز كارنيجي للشرق الأوسط أن أوروبا تفتقر إلى إمدادت الذخيرة وقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، مضيفة أن "الخطة المشتركة توفر فوائد اقتصادية مثل تقليل تكرار المعدات وزيادة الإنتاج وخفض التكاليف".

"الاستعداد لمواجهة موسكو"

وتبدو الخطة الأوروبية للدفاع المشترك أحد الآليات المطروحة لمواجهة التهديدات الروسية خصوصاً في ظل تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن هجوم نووي على الغرب في حال استمرّ الدعم العسكري لكييف، لكن هذه الخطة يشوبها "ضباب" خصوصاً في ما يتعلق بأهدافها وطرق تمويلها.

وقال إكزافيي كاترسول، متحدث الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في تصريحات لـ"الشرق" إن الهدف من الإستراتيجية هو تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية الأوسع، مضيفاً أن الأمر لا يتعلق ببناء حمائية صناعية، بل يتعلق بقاعدة صناعية قادرة على تلبية الاحتياجات العاجلة والفورية للقوات المسلحة.

واعتبر كاترسول أن "دول التّكتل الأوروبي تعتزم مراجعة الوصول إلى المواد الخام الأميركية والتكنولوجيات الحيوية وأمن الإمدادات"، وهو الهدف الأسمى للخطة التي تقوم على التقليل من الاعتماد الكلي على الأسلحة القادمة من واشنطن.

وبشأن رؤية الأوروبيين للحرب في أوكرانيا، قال متحدث الاتحاد الأوروبي لـ"الشرق" إن تهديدات موسكو المتزايدة تدفع إلى زيادة الإنفاق العسكري، مكرراً تصريحات مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والتي أكد فيها أن "الحرب على حدودنا".

وشدد المتحدث الأوروبي على أن "الحرب العدوانية التي قادتها روسيا، أدت إلى ظهور شعور كبير بالإلحاح فيما يتعلق بتعزيز قدراتنا الصناعية الدفاعية".

وظهرت فكرة إنشاء اتحاد دفاعي أوروبي لأول مرة في عام 1951. وكان الدبلوماسي الفرنسي جان مونيه أول من نادى بها، لكنها لم تلق تجاوباً واسعاً، إذ رفض المشرعون الفرنسيون المصادقة على الخطة في عام 1954.

وتدور حالياً في أروقة الاتحاد الأوروبي نفس الفكرة، وهي بناء مجمع صناعي عسكري للكتلة يقلل من اعتماد أوروبا على الأسلحة الأميركية، خصوصاً في ظل المخاوف التي تثيرها عودة ترمب إلى البيت الأبيض.

ويشير ريو تيراس، عضو حزب الشعب في البرلمان الأوروبي والقائد السابق للجيش الإستوني، في تصريحات لموقع "بوليتيكو" أن خطة الدفاع لا تتعارض مع الهدف الأولي للاتحاد الأوروبي المتمثل في منع الحرب على الأراضي الأوروبية.

وأضاف: "على أوروبا أن تكون مستعدة للحرب، وبما أنها اتحاد اقتصادي، فيجب أن نركز على صناعة الدفاع".

صلاحيات المفوضية

وتمنع معاهدات الاتحاد الأوروبي استخدام أمواله في الإنفاق العسكري، ولكن الصناعات الدفاعية في أوروبا تقع ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي. وقد حاولت المفوضية الأوروبية في الماضي تنظيم سوق المعدات الدفاعية والتخفيف من أوجه القصور الوطنية، وكانت جهودها غير ناجحة إلى حد كبير، وفق تقرير لمعهد كارنيجي.

وعندما شنّت روسيا هجومها على أوكرانيا، واجه الأوروبيون، الحريصون على إرسال مساعدات عسكرية إلى كييف، مشاكل في إرسال الذخائر والمعدات ومدداً طويلة للإنتاج، ورأت المفوضية الأوروبية فرصة للتدخل.

وفي استجابته المبكرة للحرب، ركزت مبادرات الاتحاد الأوروبي على تسهيل المشتريات المشتركة للسلاح، وإعادة ملء المخزونات الأوروبية. 

وتسعى المفوضية من خلال قانون المشتريات المشتركة، إلى المساعدة في سد الثغرات الوطنية باستخدام الحوافز المالية للاتحاد الأوروبي (300 مليون يورو على مدار عامين) للتعويض عن المخاطر المرتبطة بالمشتريات المشتركة. وعلى خلفية احتياجات أوكرانيا الأكثر إلحاحاً، يستخدم قانون دعم إنتاج الذخيرة تمويل الاتحاد الأوروبي (500 مليون يورو على مدى عامين) لزيادة إنتاج الذخيرة، وفق "يورو نيوز".

وتتصور الاستراتيجية أنه بحلول عام 2030، يجب أن يذهب ما لا يقل عن 50% من ميزانية مشتريات الدول الأعضاء (60% بحلول عام 2035) إلى الموردين المقيمين في الاتحاد الأوروبي، ويجب شراء ما لا يقل عن 40% من المعدات الدفاعية بطريقة مشتركة.

وعلى نحو ملموس، تريد المفوضية الأوروبية أن تعمل الدول الأعضاء على تحديد المشاريع الدفاعية الأوروبية ذات الاهتمام المشترك والعمل على إنتاجها في أوروبا. وتتصور أن هذه المشاريع يمكن أن تسد فجوات القدرات في مجال الدفاع الجوي والصاروخي الأوروبي المتكامل، أو الوعي بالمجال الفضائي، أو الدفاع السيبراني، أو الحماية البحرية وتحت الماء، وفق "كارنيجي".

وتريد المفوضية الأوروبية رسم خريطة للموردين الرئيسيين وسلاسل التوريد للإنتاج الدفاعي في الاتحاد الأوروبي - وهو أمر مثير للجدل، لأن هذا يتطلب الوصول إلى معلومات حساسة من الدول الأعضاء وشركات الدفاع، وفق "لوموند".

ولمنع نقص الإمدادات، تقترح المفوضية الأوروبية أيضاً استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتخزين المنتجات الحيوية، مثل المكونات الإلكترونية والمواد الخام المستخدمة في أنظمة الدفاع.

من أين سيأتي المال؟

تشير المحللة والباحثة في الشأن الأمني والدفاع صوفيا بيش، في دراسة نشرها مركز كارنيجي للشرق الأوسط أن المفاوضات المتعلقة بميزانية خطة الدفاع ستكون صعبة للغاية، إذ تتنافس حكومات الدول الأعضاء على أولوياتها الاستراتيجية ومصالحها الضيقة.

وأضافت الورقة البحثية أنه "سيكون من الصعب، على سبيل المثال، إقناع الدول الأعضاء التي أصيبت بالشلل بسبب احتجاجات المزارعين بخفض الإنفاق الزراعي في الاتحاد الأوروبي لصالح الدفاع، أو تلك الدول الأعضاء التي لا تملك شركات دفاع كبيرة بأنها ستستفيد من مبادرات الاتحاد الأوروبي".

وطرحت فون دير لاين مؤخراً فكرة مفادها أن الدول الأوروبية يمكن أن تستخدم الأرباح غير المتوقعة من الأصول الروسية المجمدة لشراء معدات عسكرية مشتركة لأوكرانيا. كما تطلب استراتيجية الصناعة الدفاعية من بنك الاستثمار الأوروبي مراجعة سياسته الحالية، التي لا تسمح له بالاستثمار في الذخيرة أو الأسلحة.

ويقترح المفوض الأوروبي للسوق الداخلية قروضاً جديدة بقيمة 100 مليار يورو لتمويل الخطة. ويتفق مع هذا الرأي بعض الزعماء، بما في ذلك رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. أما الحكومات الأكثر محافظة مالياً، مثل تلك الموجودة في ألمانيا وهولندا، فهي أكثر تشككاً، بحجة أن تمويل الإنفاق الدفاعي هو استجابة للتحديات البنيوية (المحلية)، وليس استجابة للأزمات، وهو ما لا يدعو إلى ديون مشتركة، وفق مركز كارنيجي.

"بولندا خارج السرب"

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، ضاعفت بولندا عقود الأسلحة لتحديث جيشها، وأنفقت حكومة حزب القانون والعدالة القومي المحافظ مليارات اليورو على الأسلحة، خاصة الأميركية والكورية، ولكن منذ الانتخابات التي جرت في نهاية العام الماضي، ووصول التحالف الجديد المؤيد لأوروبا إلى السلطة، يبدو أن الخطوط قد تغيرت، وفق "france.tv".

فأعلنت بولندا توقيع عقد لشراء طائرات استطلاع سويدية، في خطوة أولى نحو شراء الأسلحة الأوروبية.

وأكد وزير الدفاع البولندي، فلاديسلاف كوسينياك كاميش، ارتباطه بمشروع الاتحاد الأوروبي لصناعة الدفاع، على الرغم من أنه شدد أيضاً على ارتباط وارسو بشدة بحلف شمال الأطلسي وحليفتها واشنطن.

وتوصلت بولندا إلى اتفاق مع الأميركيين لشراء أنظمة دفاع جوي، ومن المتوقع أن تدفع بولندا ما يقرب من 2.5 مليار دولار مقابل هذه الأسلحة المتطورة. وبذلك تصبح أول دولة في العالم، غير الولايات المتحدة، تستخدم هذه الأنظمة، وفق "francetv".

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تكافح بولندا من أجل تحديث جيشها، وتبدو الصناعة الأميركية لبولندا "موثوقة على أرض الواقع"، وأثبتت نفسها في أوكرانيا.

كما انتقد بعض خبراء الدفاع البولنديين الطائرات السويدية التي اشترتها وارسو، ووصفوها بأنها "طائرات استطلاع للفقراء..." لأنها قديمة بعض الشيء، حسب ما نقلته شبكة france.tv.

تصنيفات

قصص قد تهمك