يواجه الطلاب الصينيون الذين يدرسون في الولايات المتحدة مستويات متزايدة من المراقبة والتفتيش منذ فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، في سياسة استمرت في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وقالت الصحيفة إن منتديات النقاش عبر الإنترنت تعج بشكاوى طلاب صينيين ممن يواجهون استجوابات وأوامر مكثفة من جانب سلطات الحدود؛ من قبيل "ابق هادئاً" و"أجب على أسئلتهم دون تقديم معلومات إضافية"، و"تأكد من أن لديك رقم محامٍ جاهزاً"، و"اختر ملابس من العلامات التجارية الغربية"، و"لا تحمل أي شعارات للحزب الشيوعي الصيني".
ونقل آخرون مشاعر الحزن والارتباك التي تنتابهم بسبب إبعادهم على الحدود، وإلغاء تأشيراتهم دون تفسير واضح.
ويقول طلاب صينيون إنهم يتعرضون لاستهداف غير عادل من قبل المسؤولين الأميركيين عند الحدود، مما يزيد من الشك والإحباط بين الطلاب الصينيين، الذين يشكلون مصدراً رئيسياً لرسوم الدراسة والمواهب للجامعات الأميركية، بشأن ما إذا كان القدوم إلى الولايات المتحدة يستحق العناء.
وقال ليون مي، وهو موظف حكومي في مدينة ووهان بالصين، الذي يتقدم ابنه البالغ من العمر 17 عاماً إلى جامعات في الولايات المتحدة وكذلك في بريطانيا وأستراليا: "كان من الشرف في السابق الدراسة في الولايات المتحدة. بالنسبة لبعض الآباء، كان يجب أن تكون الولايات المتحدة الخيار الأول دون غيرها، لكن هذه المشاعر ضعفت وتراجعت".
تعميق الخلاف
وقالت الصحيفة إن هذه التوترات تدفع إلى تعميق الخلاف بين الصين والولايات المتحدة، في وقت تحاولان فيه تثبيت العلاقات وتخفيف حدة التوترات.
وخلال اجتماع في نوفمبر في كاليفورنيا، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج بالترحيب بمزيد من الطلاب في بلديهما.
ونظراً للقائمة الطويلة من المشاكل العالقة، من تايوان إلى عقوبات التجارة، كان من المفترض أن تكون زيادة أعداد الطلاب من بين أسهل الأمور التي يمكن التقدم بها، لكن هذا لم يكن هو الحال، وفقاً للصحيفة.
ومنذ 4 سنوات، كان الطلاب الصينيون الذين يدرسون في الولايات المتحدة يتعرضون لمزيد من المراقبة، منذ أن فُرضت قاعدة في عهد ترمب تمنع الطلاب، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، الذين يشتبه في أنه لهم روابط عسكرية.
واستمرت هذه السياسة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. ومنذ بداية العام، اتهم مسؤولون صينيون الإدارة بـ"استجواب" الطلاب الصينيين، وإلغاء تأشيراتهم بشكل "غير مبرر" أثناء وصولهم إلى مطارات الولايات المتحدة ومنعهم من الدخول.
وقال وزير الأمن العام الصيني وانج شياوهونج لوزير الأمن الداخلي الأميركي أليخاندرو مايوركاس، الشهر الماضي، إنه يجب وقف "التحقيقات مع الطلاب الصينيين واستجوابهم بلا سبب".
ووصف 6 طلاب صينيين وزائرين دراسيين تحدثوا إلى صحيفة "واشنطن بوست" تعرضهم للاستجواب لدى وصولهم إلى الولايات المتحدة بشأن أبحاثهم وعائلاتهم وأي ارتباط محتمل بالحزب الشيوعي الصيني. وتم إلغاء تأشيرتين لاثنين منهم، وتم ترحيلهما على الفور. وكان جميعهم، عدا واحد، في منتصف دراستهم وكان لديهم إذن دخول ساري المفعول سابقاً.
منع من الدخول
ومن الصعب تحديد عدد الطلاب الصينيين الذين تم رفضهم على الحدود، مع رفض المسؤولين الصينيين والأميركيين تقديم أرقام مفصلة، لكن وزارة الخارجية تقول إن عدد الطلاب الصينيين المحتجزين والذين تم منعهم من الدخول إلى الموانئ الأميركية ظل مستقراً في السنوات الأخيرة، وهو ما يمثل أقل من 0.1% من أولئك الذين يصلون.
ورفضت وزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي تقديم أرقام بشأن كيفية مقارنة ذلك بالجنسيات الأخرى.
وعلى مدى عقود مضت، كانت التبادلات الأكاديمية وسيلة للناس في أكبر اقتصادين في العالم للتعرف على بعضهم البعض وتبادل الفهم بشكل أفضل. وكان الطلاب الصينيون، الذين تضاعف التحاقهم بالمدارس الأميركية 3 مرات تقريباً بين عامي 2009 و2019، مصدراً ضخماً للدخل للجامعات الأميركية، فضلاً عن المواهب في مجالات العلوم والهندسة والمجالات المرتبطة بالتكنولوجيا.
لكن العلاقات الثنائية المتدهورة والاضطرابات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا أدت إلى انخفاض الأعداد على كلا الجانبين.
وانخفض عدد الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة بأكثر من 20% من 370 ألفاً في عام 2019، وفقاً لأرقام وزارة الخارجية.
وفي الوقت نفسه، يبلغ عدد الطلاب الأميركيين في الصين أقل من ألف، بانخفاض عن أكثر من عشرة آلاف قبل الجائحة، لكن هذا لم يمنع قادة الصين من تحديد هدف طموح يتمثل في وجود 50 ألف طالب أميركي في الصين في غضون 5 سنوات.
ويرجع جزء من هذا الانخفاض إلى حملة بكين على الجماعات التي تدعم التبادلات تقليدياً، بما في ذلك قانون عام 2016 الذي وضع المنظمات غير الحكومية الأجنبية العاملة في الصين تحت سلطة استخبارات الدولة القوية في بكين، وهي وزارة أمن الدولة.
واعتبرت الصحيفة أن كلا البلدين سيخسران من انخفاض التبادلات.
وقال دا وي، مدير مركز الأمن الدولي والاستراتيجية في جامعة تسينجهوا وباحث زائر في جامعة ستانفورد، والذي تم إيقافه لاستجوابه مؤخراً في طريقه إلى الولايات المتحدة: "بغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى الصين، سواء شريك أو عدو، فأنت بحاجة إلى فهم الجانب الآخر. إذا استمر هذا الاتجاه لمدة 5 أو 10 سنوات، فسوف تفقد جيلاً من الدارسين المعنيين بالصين".
نقل الابتكارات
ويدافع بعض المشرعين الأميركيين عن الموقف المتشدد تجاه الطلاب الصينيين، متهمين الحزب الشيوعي الصيني باستخدامهم كأداة لنقل الابتكارات الأميركية إلى الصين.
وقال النائب مايك جالاجر (جمهوري من ويسكونسن)، رئيس لجنة مجلس النواب المكلفة بمواجهة بكين، في مقال افتتاحي في يناير: "يجب أن يتوقف هذا.. نحن نمول حرفياً تدميرنا المحتمل"، ودعا الجامعات الأميركية إلى التوقف عن السماح للطلاب الصينيين، الذين تربطهم صلات بالجامعات التابعة للجيش الصيني؛ بإجراء أبحاث في الولايات المتحدة، وهي ممارسة قال إنها مكنت التحديث العسكري لبكين.
وتعزز هذه القصص عن مشاكل التأشيرات والدخول مخاوف الصينيين بشأن الدراسة في الولايات المتحدة، وسط قلق من جانب الطلاب وأسرهم بالفعل بشأن الجرائم باستخدام الأسلحة النارية والمشاعر المعادية للصين والقدرة على البقاء بتأشيرات عمل بعد التخرج.
ونقلت الصحيفة عن طالبة صينية تدعى مين، طلبت عدم ذكر اسمها ثنائياً خوفاً على وضع تأشيرتها، قولها: "يبدو الأمر كأنه مقامرة". وأضافت مين، وهي طالبة مقيمة في ولاية ماريلاند تسعى للحصول على درجة الدراسات العليا المتعلقة بالعلوم، أن المناقشات بين الطلاب الآخرين تركز على المخاوف من أن إدارة ترمب القادمة المحتملة قد تعني زيادة القيود المفروضة على الطلاب الصينيين.
كما يسود قلق بين الطلاب الصينيين من أن قضاء الكثير من الوقت في الولايات المتحدة قد يعرض فرصهم في العثور على عمل في الصين؛ خاصة في الشركات التي تديرها الدولة أو غيرها من الشركات المرتبطة بالحكومة، للخطر.
وقالت الصحيفة إنه بالرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تحظى بجاذبية لعدد كبير من الشباب الصيني، لكن القصص المتكررة على نحو متزايد عن الصعوبات والشكوك تحمل بعض التحذيرات من أن الولايات المتحدة بدأت تفقد بريقها.
وفي الشهر الماضي فقط، تم استجواب كلايد ييتشنج وانج، الأستاذ المساعد في السياسة ودراسات شرق آسيا في جامعة واشنطن آند لي، من قبل ضباط الجمارك وحماية الحدود بينما كان يستعد للصعود على متن رحلة من شارلوت إلى لندن.
وتفاجأ وانج بأسئلة من قبيل: "هل كان والديك أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني؟" و"هل تعرف أياً من أعضاء الحزب؟".
وقال وانج إن تجربته في المطار كانت تتشابه مع الوجود في الصين أكثر من كونه في بلد يُعتبر منارة للديمقراطية.
وأضاف: "نحن نتحدث عن الصين كدولة مراقبة، وعندما تصل إلى الولايات المتحدة، يبدو بالتأكيد أن الولايات المتحدة دولة مراقبة".
وقال: "أستطيع أن أرى بالتأكيد هذا على أنه لحظة خيبة الأمل".