وصلت الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة في هايتي إلى "مرحلة حرجة" هذا الشهر، بعد أن هاجمت عصابات مسلحة، مبان حكومية، وأجبرت رئيس الوزراء على الاستقالة.
وعُثر على نحو 15 جثة، الاثنين، في ضاحية راقية من العاصمة بورت أو برنس، حيث يشن عناصر عصابات هجمات، في أعمال عنف جديدة تظهر أن الأزمة الخطيرة التي تشهدها هايتي مستمرة بدون هوادة.
وأشارت وكالة "أسوشيتد برس"، إلى أن أعمال العنف التي اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة، فاقمت واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم، وأودت بحياة العشرات، وشردت 15 ألف شخص في الموجة الأخيرة من هجمات العصابات.
وتشهد العاصمة بورت أو برنس، أعمال عنف ترتكبها عصابات إجرامية خلال الأسابيع الأخيرة، وينتظر الهايتيون تشكيل مجلس رئاسي انتقالي بعد إعلان استقالة رئيس الوزراء أرييل هنري.
وتسيطر العصابات على مناطق كاملة من هايتي، بما فيها 80% من العاصمة، ويتهم عناصرها بارتكاب تجاوزات وخصوصاً جرائم "قتل واغتصاب وخطف" في مقابل فدية.
كوارث طبيعية وعنف واغتيالات
في يوليو 2021، تعرّض الرئيس الهايتي السابق جوفينيل مويز للاغتيال، وحل محله هنري، الذي عين مؤخراً رئيساً للوزراء بالإنابة، في ظل ظروف مثيرة للجدل.
وبعد تأجيل الانتخابات عدة مرات، واجه هنري ضغوطاً محلية، ودولية مكثفة لتسهيل انتقال السلطة.
وتصاعدت موجة الهجمات وأعمال العنف التي ترتكبها العصابات في هايتي منذ عام 2022، وتضاعفت أعداد الهايتيين الذين يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي 3 مرات منذ عام 2016، وفق بيانات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
والصيف الماضي سيطرت العصابات على مساحات موسعة من العاصمة بورت أو برنس. وفي أكتوبر 2023، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على نشر بعثة أمنية دولية للمساعدة في السيطرة على العنف.
وتعرضت الجزيرة للدمار جراء زلازل هائلة وعواصف استوائية، ضربتها حتى قبل أن تتعافى بشكل كامل من زلزال عام 2010، الذي أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص.
تسلسل زمني
وقبل السابع من فبراير، وهو اليوم الذي كان مقرراً أن يتنحى فيه رئيس الوزراء أرييل هنري، اندلعت احتجاجات حاشدة تطالب بإقالته، ولكنه رفض لأن الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها الشهر السابق، تأجلت مرة أخرى.
وفي أواخر فبراير، غادر هنري، هايتي، في رحلة إلى جويانا ثم كينيا. وأثناء وجوده في جويانا، قال إن هناك اتفاقاً على إجراء الانتخابات في أغسطس 2025، ما يعد تأجيل طويل آخر.
وفي 29 فبراير، شنت عصابات في هايتي، هجمات منسقة في جميع أنحاء بورت أو برنس. وعلى مدار عدة أيام، أضرمت العصابات النار في مراكز الشرطة، وأغلقت المطار الرئيسي في البلاد، واقتحمت أكبر سجنين وأطلقت سراح آلاف السجناء، وفق "أسوشييتد برس".
وفي 3 مارس، أعلن مسؤولون في هايتي حالة الطوارئ، وفرضوا حظر التجول ليلاً.
وأعلن أقوى زعيم عصابة في هايتي، جيمي شيريزر، المعروف باسم "باربيكيو"، مسؤوليته عن العديد من الهجمات التي وقعت في 5 مارس.
ونقلت شبكة CBS News عن شيريزير قوله للصحافيين: "إذا لم يستقل أرييل هنري، وإذا استمر المجتمع الدولي في دعمه، فسنتجه مباشرة نحو حرب أهلية ستؤدي إلى إبادة جماعية".
استقالة رئيس الوزراء
ومع استمرار العنف، ظل هنري عالقاً خارج البلاد في بورتوريكو، غير قادر على العودة إلى هايتي.
وفي 12 مارس، أعلن هنري عزمه الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء في مقطع فيديو عبر منصة التواصل "إكس".
وقال إن "الحكومة التي أديرها لا يمكن أن تظل غير حساسة تجاه الوضع الراهن"، مضيفاً أنه "لا توجد تضحية تعز على بلدنا"، وأكد أن الحكومة "ستقيل نفسها" بمجرد تشكيل مجلس رئاسي انتقالي.
وخلال اجتماع طارئ عقد في اليوم نفسه مع ممثلين لهايتي والأمم المتحدة والولايات المتحدة خصوصاً، كلفت المجموعة الكاريبية (كاريكوم) وشركاؤها بعض الأحزاب السياسية والقطاع الخاص بتشكيل هذه السلطات الانتقالية.
لكن المفاوضات لتشكيل هذه الهيئة المكونة من 7 أعضاء لهم حق التصويت، تأخّرت عن موعدها وتتعثر خصوصا بسبب خلافات داخلية.
ولم يحدد هنري إطاراً زمنياً للفترة الانتقالية، وظل في منصبه كرئيس للوزراء، ولكن من بورتوريكو، وفقاً لشبكة NBC News.
وفي 15 مارس، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصحافيين، إنه تم تحديد جميع أعضاء المجلس الانتقالي تقريباً، رغم أن العملية لم تكتمل بعد، حسبما أوردت "رويترز".
وأعربت الولايات المتحدة، الاثنين، عن ثقتها في التوصل إلى ذلك قريباً. وقال نائب الناطق باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن "الأطراف المعنية في هايتي قريبة جداً من الانتهاء من تشكيل المجلس"، مضيفاً: "نتوقع أخباراً جديدة من جانبهم اعتباراً من اليوم".
"ماكس المجنون"
والأحد، مُدِّد حظر التجول إلى الأربعاء في المنطقة الغربية التي تضم بورت أو برنس. ونفّذت الشرطة الهايتية، الجمعة، عملية في معقل زعيم عصابة قرب العاصمة أوقعت ضحايا من أفراد العصابة، حسبما ذكر مسؤول في نقابة للشرطة لوكالة "فرانس برس".
وأعلنت كينيا، التي تنوي نشر 1000 شرطي في إطار مهمة دعم أمني متعددة الجنسيات، تعليق إرسال رجالها لكنها أكدت أنها ستتدخل بمجرد تشكيل مجلس رئاسي.
وعقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مغلقة، الاثنين، لبحث الوضع في هايتي.
ووصفت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف الوضع في هايتي، بأنه "مروع" و"يكاد يشبه مشهد فيلم "ماكس المجنون" Mad Max، وهو فيلم يصور مستقبل ما بعد نهاية العالم.
وقالت كاثرين راسل لشبكة CBS الأميركية إن "الكثير من الأشخاص يعانون الجوع وسوء التغذية، ونحن غير قادرين على تقديم المساعدة الكافية لهم"، مضيفة أن الوضع الحالي "هو الأسوأ الذي شهده أي شخص منذ عقود".
دور الولايات المتحدة
من جانبها رحبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، باستقالة هنري.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في مؤتمر صحافي في 15 مارس، إن الولايات المتحدة تدعم منذ فترة طويلة "الجهود التي تقودها هايتي للانتقال السلمي للسلطة".
ولفت موقع "أكسيوس"، إلى أن عملية الانتقال ستكون "حساسة بالنسبة لواشنطن"، مع ذلك، ذكر البعض في هايتي أن الولايات المتحدة كانت تدعم هنري بشكل فعال من خلال جهودها لتحقيق الاستقرار في البلاد.
وشجعت الولايات المتحدة عملية بقيادة الأمم المتحدة، لاستعادة النظام في هايتي، دون أن تأخذ زمام المبادرة في تلك المهمة، فيما عرضت كينيا وعدد من دول الكاريبي نشر نشر قوات أمنية في هايتي.
وأشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض، إلى أن إدارة بايدن تعهدت بتقديم مساعدات إضافية بقيمة 58 مليون دولار لهايتي.
من جانبه أعلن الجيش الأميركي، إجلاء موظفي السفارة غير الأساسيين من هايتي في 10 مارس.
وفي 13 مارس، أعلنت القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، إرسال فريق من قوات مشاة البحرية الأميركية لتعزيز أمن السفارة.
ووصلت أول رحة جوية مستأجرة تقل عشرات المواطنين الأميركيين من هايتي إلى ميامي في 17 مارس.