أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، مساء الخميس، أمراً مؤقّتاً يسري مفعوله من مطلع أبريل، يقضي بتجميد ميزانيات المدارس الدينية اليهودية التي يرفض طلابها الحريديم أوامر التجنيد الصادرة لهم من الجيش لأداء الخدمة العسكرية.
ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية القرار بأنه "درامي" ويوجه ضربة إلى ائتلاف الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو، الذي طالب المحكمة العليا الإسرائيلية، قبل إصدار حكمها، بمنحه مُهلة 30 يوماً من أجل التوصل إلى تفاهمات بشأن قانون تجنيد الحريديم، بدعوى أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، عطلته عن ذلك.
وتزايدت التكهنات في الأوساط السياسية بأن قرار المحكمة العليا يعزز توجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة هذا العام، في ظل سخط شديد من حزبي شاس و"يهودية التوراة"، واللذين هاجما القرار.
ووصف رئيس حزب "شاس" أرييه درعي الأمر بأنه "إساءة غير مسبوقة لدارسي التوراة في الدولة اليهودية".
وقال درعي في تصريحات نقلتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: "سنتشاور مع الحاخامات حول ما إذا كنا سنستمر في البقاء بالحكومة"، لكنه أضاف أن حل الحكومة سيكون "هدية لأولئك الذين يضايقوننا".
وذكرت المحكمة العليا أنه "صدر أمر مؤقت بمنع إجراء تحويلات ماليّة، لغرض دعم مؤسسات توراتيّة، لطلاب مؤسسات لم يحصلوا على إعفاء أو تأجيل من الخدمة العسكريّة، ولم يلتحقوا بالتجنيد منذ 1 يوليو 2023 بموجب قرار الحكومة"، على أن يستمر التمويل الجزئيّ فقط لمن "لا يشملهم المرسوم"، حتى نهاية العام الدراسيّ الجاري.
وأشارت إلى أن "الأمر المؤقّت سيدخل حيّز التنفيذ في 1 أبريل 2024".
وأوضحت المحكمة الإسرائيلية أن "الأمر المؤقّت سيظلّ ساري المفعول إلى حين اتخاذ قرار مختلف" بهذا الشأن، مشيرة إلى أنه "سيتمّ تحديد موعد للنظر بالالتماسات المعارِضة خلال شهر مايو 2024، وسيتمّ النظر فيها أمام لجنة مكوّنة من 9 قضاة".
رسالة نتنياهو
وقبل ذلك، قال نتنياهو في رسالة وجّهها إلى المحكمة العليا، بحسب بيان صدر عن مكتبه: "أحرزنا تقدّماً كبيراً في ملف التجنيد، ونطلب تمديداً لمدّة 30 يوماً لصياغة الاتفاقيات" المتعلقة بالموضوع.
وذكر نتنياهو في ردّه أن "مسألة المساواة في العبء تعدّ قضية في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ومستقبله".
وأضاف أن "نية الحكومة لحلّ هذه القضية المعقّدة، والتي لم يتمّ حلّها منذ عقود، تتجلّى في التزام الحكومة، في يونيو 2023، بتسوية القضيّة في غضون 9 أشهر، لكن الوقت، الذي كان تحت تصرّفنا، كان 3 أشهر فقط".
وأرجع نتنياهو عدم تمكن حكومته من حل مشكلة التجنيد إلى الحرب التي يشنها على قطاع غزة، قائلاً إنها أجبرت حكومته على "حشد موارد الوقت والاهتمام بشكل أساسي بإدارة الحرب خلال الأشهر الستّة التي مرّت منذ ذلك الحين".
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: "بطبيعة الحال، أنا والوزراء المعنيّون، مطالَبون باستثمار أغلب وقتنا في إدارة الحرب والحملة السياسية وكلّ ما يرافقها، ومع ذلك، بذلنا جهداً كبيراً، حتى أثناء الحرب، لحلّ هذه القضية المهمة".
وأضاف أن "المبدأ الذي يوجّهنا هو محاولة التوصل إلى اتفاق يكون نجاحه مضموناً"، وتابع: "بذلنا في الأسابيع الأخيرة جهوداً مكثفة من أجل صياغة الترتيب اللازم، وتم بالفعل تحقيق تقدّم كبير إلا أن العمل لم يكتمل بعد".
وذكر أن "هناك حاجة إلى فترة زمنية قصيرة أخرى لوضع اللمسات الأخيرة على الترتيب، واستكمال العمل المهنيّ، وتحديد الطّرق والأُطُر التي ستسمح للمجندين بالحفاظ على نمط حياتهم أثناء خدمتهم، والتأكد من أن أولئك (الحريديم) سيكونوا قادرين على دراسة التوراة".
وأضاف رئيس الحكومة الإسرائيلية: "نحن في لحظة حاسمة من الحرب مع إنجازات عظيمة وتحديات غير عادية".
وقال: "بوسعنا تحقيق أهداف الحرب وحلّ قضيّة التجنيد"، مضيفاً: "وفي ظلّ هذه الظروف، أطلب من المحكمة الموقّرة عدم البتّ في مسألة التجنيد، والمسائل المتعلقة بها لمدة 30 يوماً، وذلك حتى نتمكّن من إتمام الاتفاقيّات، واستكمال عمل الكادر المهني، وترتيب المسارات والأطر المطلوبة".
الإعفاء من التجنيد
وكانت المحكمة العليا قد ألغت قانونا شُرّع في 2015 وقضى بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمس بـ"مبدأ المساواة وتقاسم الأعباء بين مواطني إسرائيل"، ومنذ عام 2017 فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي في هذا الشأن.
ودأب الكنيست على تمديد إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس الجاري ينتهي سريان أمر أصدرته الحكومة بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي للحريديم؛ ما يلزم الحكومة بتقديم رد مكتوب إلى المحكمة العليا على الالتماسات المقدمة بشأن تجنيد الحريديين.
وأصدرت المحكمة في فبراير أمراً يطالب الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد الحريديم، وكان على الحكومة إبلاغ موقفها إلى المحكمة بحلول الخميس (أمس).
ويرى وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين أن الأزمة حول قانون التجنيد "حدث كارثي" يهدد استقرار الحكومة وجماهيرية حزب الليكود (الذي ينتمي إليه)، مطالباً إياه بأن يفي بالوعود التي قطعها لليهود المتشددين (الحريديم) في الاتفاقات الائتلافية المبرمة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وحذر ليفين من أنه سيكون لذلك "ثمناً سياسياً كبيراً" لأن ناخبي الليكود يرفضون مواصلة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.