دخل مقطع فيديو يظهر فيه عملاء فيدراليون، يحاولون استجواب امرأة في منزلها بأوكلاهوما، بشأن منشورات لها داعمة لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى دائرة الصراع السياسي في الولايات المتحدة، بينما اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن مقطع الفيديو "يأتي في مرحلة تشهد فيها الولايات المتحدة سياسات انتهاك وانعدام ثقة عميق في الحكومة".
وقالت "واشنطن بوست" إن مقطع الفيديو، الذي تبلغ مدته 4 دقائق تقريباً، ونُشر في 19 مارس الماضي، لم يكن بحاجة إلى سياق آخر لينتشر على نطاق واسع، وأنه شوهد ملايين المرات بعد إعادة نشره على منصات التواصل الاجتماعي، ويعود ذلك إلى حد كبير لـ"النقاد اليمينيين وأصحاب نظرية المؤامرة".
ويبدأ مقطع الفيديو بامرأة تفتح باب منزلها لـ3 زوار عرفوا أنفسهم بأنهم عملاء تابعون لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، وأوضحت المرأة أنهم غير مُرحب بهم، كما استخدمت هاتفها لتسجيل المحادثة، وطلبت من العملاء إظهار بطاقات هوياتهم.
وعندما طلب العملاء من المرأة "إجراء محادثة معها بشأن بعض منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي"، بدت المرأة مرتابة عندما سألتهم: "هل لم نعد نعيش في بلد حر؟"، وأضافت للعملاء إنها "لن تتحدث إليهم"، وطلبت منهم التوجه إلى محاميها.
وشرح أحد العملاء للمرأة أن تطبيق فيسبوك، قدم إليهم لقطات من حساباتها، لكنها لم تتقبل ذلك، واستسلم العملاء في النهاية، وعادوا إلى سيارتهم.
وقالت المرأة، بينما كانت تصور سيارة العملاء، وهي تغادر منزلها: "أنا رولا عبد الجواد من ستيلووتر، أوكلاهوما. إنها الولايات المتحدة".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن مقطع الفيديو كان خالياً تماماً من أي معلومات عن رولا أو معتقداتها، ولم يكن مصحوباً بأفكار عنصرية، أو دينية، أو أيديولوجية، لكنه كان مشهداً لامرأة في أوكلاهوما تدافع عن حقوقها.
وأضافت أن غموض التفاصيل سمح للواقعة بتجاوز الحدود الثقافية والسياسية، ما حول تجربة مرت بها امرأة "مسلمة مصرية أميركية" إلى رمز لأي شخص لديه شكوى ضد الحكومة الفيدرالية.
ووصفت الصحيفة، الفيديو بأنه "كليدوسكوب"، أو منظار النماذج المتغيرة، للمناخ السياسي المشحون، حيث تتغير الصورة ووفقاً للشخص الذي ينظر.
وأعربت الجماعات الإسلامية المدافعة عن الحقوق المدنية، عن قلقها من عودة أساليب المراقبة التي شوهت سمعة المجتمعات في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.
واعتبرت القاعدة الجمهورية المؤيدة للرئيس السابق دونالد ترمب، زيارة العملاء الفيدراليين للمرأة دليلاً على مضايقة "وزارة العدل في عهد (الرئيس الأميركي) جو بايدن" للمواطنين العاديين.
ويرى الناشطون اليساريون أن الواقعة تعكس السلطات واسعة النطاق للدولة، بينما ترى الجماعات المسلحة اليمينية أنها دليل على "الاستبداد" الذي تزعم أنها تحاربه.
ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي، طلب الصحيفة للتعليق على الفيديو، لكنه رد على الأسئلة ببيان عام قال فيه إنه يتواصل بشكل منتظم مع أفراد الشعب لتعزيز مهامه.
ورغم انتشار مقطع الفيديو بين قطاع واسع من الجمهور عبر الإنترنت، يُمكن إرجاع الارتفاع الطفيف في انتشاره منذ أواخر الأسبوع الماضي إلى ترويجه من قبل نجوم وسائل التواصل الاجتماعي اليمينيين المتشددين، وفقاً لـ"واشنطن بوست".
وقال آدم سلطاني، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بفرع أوكلاهوما: "بالتأكيد، إنه تحول كبير في مجرى الأحداث. لم أتوقع ذلك"، مشيراً إلى دعم اليمين لرولا.
وكان مجلس العلاقات الإسلامية-الأميركية بين جماعات الحقوق المدنية التي تواصلت معها رولا بعد زيارة العملاء.
وأعرب سلطاني عن قلقه من أن "يحاول اليمينيون المناهضون للحكومة تحريف الأمر لصالحهم".
رادار مكتب التحقيقات الفيدرالي
وتصف رولا نفسها بأنها "مواطنة من نيويورك تعيش في أوكلاهوما"، حيث انتقل والدها المصري بالعائلة من نيويورك إلى ستيلووتر في أوائل العقد الأول من القرن الـ21؛ ليكون قريباً من ابنته خلال سنوات دراستها الجامعية في جامعة ولاية أوكلاهوما، ولا تزال تعيش في منزلها بين فترات التدريس في الخارج.
وقالت ورلا للصحيفة: "أعتبر أوكلاهوما موطني. فهي المكان الذي أعود إليه دائماً. لسبب ما، إنها تسيطر عليّ"، معربةً عن شعورها بـ"الارتباط القوي بالفلسطينيين الذين يعانون في قطاع غزة الذي مزقته الحرب".
وأضافت أنها تتابع وهي تشعر بالرعب ما يحدث في غزة منذ 7 أكتوبر، حيث ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 32 ألفاً، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
وقالت رولا: "ما يجول ببالي هو الحزن. أشعر بغضب من مشاهدة العالم لما يحدث دون التدخل لوقفه"، مضيفة أن "مشاهد المذبحة تجعلها تشعر بالعجز والغضب".
وفي أواخر أكتوبر الماضي، غيرت رولا صورة حسابها الشخصي على فيسبوك، إلى شخصية مقنعة ترتدي الكوفية الفلسطينية، كما جعلت منشوراتها تظهر لجميع المستخدمين لـ"رغبتها في أن يكون الناس على دراية بما يحدث".
وذكرت أنها "لا تعرف المنشورات التي وضعتها على رادار مكتب التحقيقات الفيدرالي"، مدافعةً عن آرائها باعتبارها حرية رأي.
وتابعت: "لا أهتم بالانتقادات. في الواقع، اعتبر الانتقادات بمثابة وسام شرف".
وعن زيارة العملاء الفيدراليين لها، قالت رولا إنها استيقظت عندما سمعت كلاب العائلة الثلاثة تنبح "بجنون"، ثم خرجت إلى ردهة المنزل حيث صُدمت عندما رأت "رجلاً لا يقف عند الباب، بل منحنياً وينظر عبر نافذة الباب".
وأضافت: "هذه أوكلاهوما، الناس لا يفعلون ذلك. الناس لا يعتدون على ممتلكات الآخرين"، وتذكرت رولا نفسها وهي تصرخ قائلة "تراجع"، قبل أن تركض لالتقاط هاتفها، وبدأت في تسجيل الفيديو، وهي تتوجه إلى خارج المنزل لمواجهة الرجل، دون أن تدرك أنها لا ترتدي الحجاب.
وعندما حاول أحدهم طمأنة رولا قائلاً: "نحن لسنا هنا لاعتقالك"، قاطعته قائلة: "لا يمكنك اعتقالي بسبب حرية التعبير. نحن نعيش في أميركا".
ولفتت إلى أنها نشرت الفيديو على الفور على فيسبوك، للتأكد من ظهوره للعلن واستخدامه إذا اضطرت على الدفاع عن نفسها.
وأضافت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتواصل معها منذ ذلك الحين.