توعّدت طهران بـ"معاقبة" إسرائيل على الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الأسبوع الجاري، وأودى بحياة 13 شخصاً بينهم 7 من الحرس الثوري، في قصف جوي غير مسبوق يزيد التوترات بمنطقة الشرق الأوسط في خضمّ الحرب المستعرة في قطاع غزة.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف بعثة دبلوماسية لدولة ما في الخارج، حتى أن إسرائيل نفسها كانت ضحية لمثل هذه الأعمال في وقت ما.
وفي التاريخ المعاصر، شكلت بعض هذه الأحداث نقطة تحول سياسية في بعض الملفات، إذ يعتبر الاعتداء على تمثيلية دبلوماسية لبلد ما في الخارج، بمثابة انتهاك لسيادته واعتداء على رموزه.
ونستعرض بعض أبرز هذه الأحداث:
الاستيلاء على السفارة الأميركية في إيران
صباح الرابع من نوفمبر 1979، وبعد مضي أقل من 9 أشهر على قيام الثورة الإيرانية، هاجم قرابة 500 طالب إيراني السفارة الأميركية في طهران، واحتجزوا أكثر من 50 أميركياً من موظفي السفارة بدءاً من القائم بالأعمال إلى أصغر الموظفين، كرهائن.
وهيمنت هذه الأزمة على الرأي العام العالمي، وجعلت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جيمي كارتر تبدو ضعيفة وغير فعالة. ورغم أن الدبلوماسية الصبورة التي اتبعها وزير الخارجية وارن كريستوفر نجحت في نهاية المطاف في حل الأزمة، إلا أن فريق كارتر للسياسة الخارجية بدا في كثير من الأحيان ضعيفاً ومتردداً في التعامل مع الأمر، وفق موقع وزارة الخارجية الأميركية.
وبعد مضي 444 يوماً على احتجازهم، نجحت الوساطة الجزائرية في الإفراج عن رهائن السفارة الأميركية يوم 20 يناير 1981.
السفارة الأميركية في بيروت
في 18 أبريل 1983، دخلت شاحنة صغيرة مجمع السفارة الأميركية في بيروت، وتوقفت تحت الرواق أمام المبنى. وفي الساعة 13:00 بالتوقيت المحلي، انفجرت الشاحنة التي كانت معبأة بما يقدر بنحو 2000 رطل من المواد المتفجرة، ما أسفر عن سقوط 63 شخصاً والسائق، وانهيار واجهة المبنى.
إلى جانب السّياح والمارة، أدى الانفجار إلى سقوط 4 جنود أميركيين و8 عملاء لوكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية كينيث هاس وكبير محللي الوكالة في المنطقة، روبرت أميس. وأعلنت منظمة "الجهاد الإسلامي"، مسؤوليتها عن الهجوم.
وفي 20 سبتمبر 1984 نفذت جماعة "حزب الله" اللبنانية تفجيراً انتحارياً بسيارة مفخخة استهدف مرفق سفارة الولايات المتحدة في بيروت الشرقية بلبنان. وأسفر الهجوم عن سقوط 24 شخصاً.
سفارة إسرائيل في الأرجنتين
في 17 مارس 1992، انفجرت قنبلة بالسفارة الإسرائيلية لدى الأرجنتين في بوينس آيرس، ما أودى بحياة 29 وإصابة 242 شخصاً، من بينهم 3 من موظفي السفارة الإسرائيلية، وعشرات من الموظفين الأرجنتينيين. وأعلنت جماعة "حزب الله" اللبنانية، مسؤوليتها عن الهجوم.
وأمرت المحكمة العليا الأرجنتينية بإجراء تحقيق متخصص في الهجوم. وكانت النتيجة: "وقع الانفجار خارج المبنى عندما اصطدمت سيارة مفخخة بمبنى السفارة".
ومع ذلك، أصدرت المحكمة العليا الأرجنتينية في عام 1996 بياناً قالت فيه إنه من المستحيل تحديد المسؤول عن هذا العمل الإرهابي، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وفي مايو 1999، وبعد تحقيق رسمي، اتهمت المحكمة العليا الأرجنتينية "حزب الله" بالهجوم، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق عماد مغنية، قائد الجناح العسكري للجماعة اللبنانية.
وأظهر تحقيق أجرته إسرائيل، ونشرت نتائجه في عام 2003، أن أعلى المستويات في النظام الإيراني كانت على علم بنية "حزب الله" لتنفيذ الهجوم، وأنها في الواقع سمحت لـ"حزب الله" بتنفيذه.
وحتى الآن، لم يتم تقديم أي شخص إلى العدالة بسبب هذه الهجمات. ولا تزال إسرائيل مقتنعة بمسؤولية إيران عن تفجير السفارة.
وفي 20 نوفمبر 2007، تم افتتاح نصب تذكاري في موقع السفارة السابقة.
كينيا وتنزانيا
في 7 أغسطس 1998، تعرضت سفارتا الولايات المتحدة في نيروبي بكينيا، ودار السلام بتنزانيا، إلى هجوم بقنابل أدى إلى سقوط 224 شخصاً، بينهم 12 أميركياً، وإصابة أكثر من 4 آلاف و500 شخص.
وفي أعقاب الهجمات، حلّ أكثر من 900 من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بمكان وقوع الهجومين، وذلك للمساعدة على تحديد هوية الضحايا وتعقب الجناة ورفع الأدلة، وفق ما أوضح المكتب.
وسرعان ما تم ربط هذه الهجمات بشكل مباشر بتنظيم القاعدة، إذ أدت الجهود التي بذلها المحققون الفيدراليون والدوليون إلى التعرف على العديد من أعضاء شبكة القاعدة، واعتقالهم وتسليمهم إلى الولايات المتحدة لدورهم في التفجيرات.
وتم القبض على محمد صادق عودة ومحمد راشد داود العوهلي بكينيا في غضون 20 يوماً من التفجيرات، وتم تسليمهما إلى الولايات المتحدة بعد ذلك بوقت قصير. وقد أدين كلاهما لدورهما في التفجير، وحكم عليهما بالسجن مدى الحياة في أكتوبر 2001.
وفي سبتمبر 1998، ألقي القبض على ممدوح محمود سالم في ألمانيا. ويقضي حالياً عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة طعن ضابط إصلاحيات فيدرالي في عينه أثناء وجوده في السجن بعد اتهامه بالهجوم على السفارة.
وفي سبتمبر 1998 أيضاً، أُلقي القبض على وديع الحاج، وهو مواطن أميركي مجنس كان يعيش في أرلينجتون بولاية تكساس، من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بتهمة الإدلاء بأقوال كاذبة أثناء الاستجواب. وبعد اتهامه بدوره في التفجيرات، أدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 2001.
وفي 4 نوفمبر 1998، وردت أسماء أسامة بن لادن والعديد من أعضاء شبكته، بما في ذلك قائده العسكري محمد عاطف، في لائحة اتهام بناءً على التحقيق. وقد قُتل كلاهما منذ ذلك الحين.
وإجمالاً، تم توجيه الاتهام إلى أكثر من 20 شخصاً فيما يتعلق بالتفجيرات. ويقضي 7 منهم أحكاماً بالسجن مدى الحياة في سجون أميركية.
السفارة الصينية في يوغوسلافيا
في 7 مايو 1999، خلال القصف الذي نفذه الناتو على يوغوسلافيا في ما يعرف بـ"عملية قوات التحالف"، استهدفت 5 قنابل أميركية موجهة سفارة جمهورية الصين الشعبية في بلجراد، ما أودى بحياة 3 صحافيين يعملون في وسائل إعلام صينية حكومية، في حدث أثار غضب الجمهور الصيني.
الحكومة الأميركية من جهتها قالت إن الهدف كان هو قصف المديرية الفيدرالية اليوغوسلافية للإمدادات والمشتريات التي تتواجد في الشارع نفسه حيث تتواجد السفارة الصينية.
وقدم الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون اعتذاراً رسمياً عن التفجير قائلاً إنه كان مجرد حادث، وخضع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA جورج تينيت لاستجواب أمام لجنة بالكونجرس الأميركي، وقال إن الوكالة حددت الإحداثيات الخاطئة لهدف عسكري يتواجد في الشارع نفسه، فيما أصدرت الحكومة الصينية بياناً تندد فيه بـ"عمل بربري".
وبعد 5 أشهر من التفجير، نشرت صحيفة The Observer البريطانية تحقيقاً بالتعاون مع صحيفة Politiken of Copenhagen استند إلى مصادر مجهولة، خلص إلى أن التفجير كان متعمداً بالفعل، إذ كانت السفارة الصينية تُستخدم لنقل الأخبار وتأمين الاتصالات للجيش. وهو ما أنكرته حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل قاطع.
وفي أبريل 2000، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" نتائج تحقيقها الخاص الذي خلص إلى أنه لا وجود لدليل على أن تفجير السفارة كان عملاً متعمداً.
السفارة الأردنية في بغداد
في الهجوم الذي وقع في 7 أغسطس 2003، لقي 11 شخصاً مصرعهم عندما انفجرت شاحنة مفخخة أمام السفارة الأردنية في بغداد، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها استهداف منشأة سياسية عربية في العاصمة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين.
وتسبب الانفجار في سقوط 11 شخصاً وإصابات متفاوتة لدى العشرات الآخرين، وتشير التقارير إلى أن الضحايا جميعاً كانوا خارج مجمع السفارة، الذي انهار أحد جدرانه جراء قوة الانفجار، كما طال الدمار عدداً من السيارات التي كانت متوقفة بالقرب من موقع الهجوم.
وقال شهود إن القنبلة كانت مزروعة في حافلة صغيرة توقفت أمام السفارة قبل لحظات من الانفجار الذي هز المجمع قبيل الساعة 11 صباحاً بالتوقيت المحلي.
وأدان الأردن التفجير، ووصفه بأنه عمل إرهابي جبان. ونقلت "رويترز" عن وزير الإعلام الأردني نبيل الشريف قوله إن الهجوم لن يحول عمان عن "طريق الدعم والمساعدة" للشعب العراقي.
القنصلية الأميركية في بنغازي
وفي 12 سبتمبر 2012، استهدف هجوم عنيف القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية في إطار احتجاجات ضد فيلم مسيء للإسلام، وأودى هذا الهجوم بحياة السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفينز في حدث أثار غضب الولايات المتحدة.
وقدم الجانبان الأميركي والليبي روايات متضاربة عن الهجوم، ووجهت السلطات الليبية أصابع الاتهام إلى أنصار زعيم البلاد السابق معمر القذافي وتنظيم القاعدة بالوقوف وراء الهجوم.
وقال نائب وزير الداخلية الليبي ونيس الشارف "أن أناساً (..) يريدون زعزعة الوضع الأمني اندسوا وسط المحتجين بشأن الفيلم المسيء للرسول" أمام القنصلية الأميركية في بنغازي. واستطرد: "الأحداث تطورت وازداد التوتر في محيط القنصلية بعد قيام عناصر من حراسات القنصلية الأميركيين بإطلاق النار من داخل القنصلية باتجاه المتظاهرين".
سفارة روسيا في كابول
في 5 سبتمبر 2022، نفذ تنظيم "داعش- خراسان"، تفجيراً انتحارياً خارج سفارة روسيا في كابول، أفغانستان. وتم تنفيذ الهجوم حوالي الساعة 10:50 صباحاً، عندما كان حشد من الناس يتجمعون لتقديم طلبات الحصول على تأشيرات للسفر إلى روسيا.
وقالت شرطة كابول إنه جرى تحييد منفذ الهجوم على يد قوات الأمن، لكن القنابل التي كانت بحوزته انفجرت بعد سقوطه.
وأدى الهجوم إلى سقوط ما لا يقل عن 8 أشخاص وفقاً لوسائل إعلام محلية، لكن وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، ذكرت أن 10 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم. وكان اثنان من الضحايا من موظفي السفارة، بما في ذلك حارس أمن.
وقالت الشرطة إن اثنين من الموظفين و4 مدنيين أفغان على الأقل سقطوا في هذا الهجوم.
وأصيب عدد غير معروف من الأشخاص في هذا الهجوم الإرهابي، فيما ذكرت وكالة "ريا نوفوستي" أن ما بين 15 إلى 20 جريحاً.
السفير الفرنسي في النيجر
منتصف سبتمبر الماضي أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي في النيجر "يحتجزه" العسكريون الحاكمون، لافتاً إلى أن الطعام الذي يتناوله عبارة عن "حصص غذائية عسكرية".
وجاء هذا بعد أن أمر العسكريون في النيجر، الذين نفّذوا انقلاباً على حكومة الرئيس محمد بازوم، واستولوا على السلطة في 26 يوليو، السفير الفرنسي بمغادرة البلد نهاية أغسطس، بعدما رفضت باريس الانصياع للمهلة التي طالبت برحيله.
وعارضت فرنسا هذه المغادرة، معتبرة أن هذه الحكومة في النيجر لا تتمتّع بالشرعية للتقدّم بمثل هذا الطلب.
وفي الثالث من أغسطس الماضي، أعلن قادة الانقلاب في النيجر إلغاء عدة اتفاقيات للتعاون العسكري مع فرنسا التي تنشر حوالى 1500 جندي في البلاد كجزء من معركتها الأوسع نطاقاً ضد الإرهابيين.
وكان يُنظر إلى النيجر، التي كانت مستعمرة فرنسية حتى عام 1960، على أنها آخر شريك يمكن الاعتماد عليه للغرب في محاربة المتطرفين بمنطقة الساحل الإفريقي. ولفرنسا 1500 جندي في البلاد يقومون بعمليات مشتركة مع النيجر. وساعدت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى في تدريب قوات البلاد.