صوّت الاتحاد الوطني للتعليم في بريطانيا، لصالح اقتراح يدعو إلى التضامن مع فلسطين وانتقاد الحكومة الإسرائيلية بوصفها "عنصرية"، متجاهلاً بقراره "تحذيرات" وزيرة التعليم جيليان كيجان، من مغبة مناقشة الحرب على غزة، وقلقها من تسبب الاقتراح في ضرر للجالية اليهودية بالمدارس البريطانية.
وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، حظي الاقتراح بتأييد غالبية المعلمين المشاركين في المؤتمر السنوي للاتحاد بمدينة بورنموث. أما القلّة التي عارضته فادعت أنه يتجاهل ما فعلته حركة حماس في هجومها على إسرائيل في ٧ أكتوبر. حتى إنهم وصفوه بخطوة لتمجيد "الإرهاب"، وقالوا إنه "يتعامل مع أحداث الشرق الأوسط من زاوية ضيقة".
وقال مراقبون ومحللون إن "ما خرج عن اتحاد التعليم يعبر عن تغير المزاج العام في الشارع البريطاني تجاه التأييد الأعمى لإسرائيل". وهذه حالة تزداد برأيهم، يومياً عبر اتساع رقعة الفعاليات الداعية إلى وقف تسليح إسرائيل من جهة، والمطالبة لحكومة لندن بالضغط على تل أبيب لإنهاء حرب غزة والقبول بإقامة دولة فلسطينية، من جهة أخرى.
التضامن مع فلسطين
وشدد اتحاد المعلمين على تأييده لحملة التضامن مع الفلسطينيين. ووقوفه خلف الدعوة إلى وقف الحرب في قطاع غزة. كذلك دعا إلى نشر وتعميم جميع الموارد التعليمية التي يمكن للمدرسين استخدامها في تعميق فهمهم للعلاقة بين فلسطين وإسرائيل. ومساعدة الطلاب على توسيع معرفتهم بالقضية الفلسطينية والممارسات العنصرية لإسرائيل.
وأدان الاتحاد محاولات تضييق الخناق على حق البريطانيين في الاحتجاج نصرة للقضية الفلسطينية. كما وصف حكومة ريشي سوناك بالعنصرية، وانتقد فشلها في مطالبة إسرائيل بوقف الحرب على غزة. لافتاً إلى أن مثل هذه الحكومة "لا يمكنها المحاضرة بما يعتبر مناسباً أو غير مناسب، في المواقف التي يتبناها المعلمون واتحادهم".
وتقول عضوة الاتحاد الوطني للتعليم فاطمة أحمد، إن الرسالة المباشرة في مقترح الاتحاد هي "أن الوقت قد حان لإنهاء قداسة إسرائيل في أذهان البريطانيين"، موضحة: "على مدار عقود طويلة نشأت أجيال في المملكة المتحدة تعتقد أن تأييد تلك الدولة هو التزام أخلاقي لا يقع موضع الشك. حتى أن البعض يرى فيه واجباً دينياً وإيماني".
وتشير في حديثها مع "الشرق" إلى أن الاتحاد لا يتعرض بمقترحه لليهود بأي مكان أو زمان. وإنما فقط يسائل دولة إسرائيل وعلاقتها مع الفلسطينيين على مدار التاريخ. وهذا ينطلق من حقيقة أن ما فعلته حركة حماس في ٧ أكتوبر، ليس منفصلاً عن سياق هذه العلاقة، حتى ولو أنه مرفوض قطعياً على المستوى الإنساني.
مخاوف رسمية وشعبية
وتلفت فاطمة أحمد إلى أن "مقترح تأييد فلسطين" قوبل برفض فئتين، الأولى ترى فيه مكافأة لحركة حماس على مهاجمة إسرائيل قبل ٦ أشهر، والثانية تخشى تداعياته على حياة اليهود في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن الاعتراض صدر عن أقلية من المعلمين، إلّا أن "الاتحاد" أوضح غايته جيداً من المقترح، ورفض أي مقصد ضار في السياقين.
وانتقدت الوزيرة كيجان، مبادرة الاتحاد الوطني للتعليم. وحذرت من أنها تعكس "أيديولوجية مثيرة للانقسام بين صفوف المعلمين، ولا تمثل قطاع التعليم". ووفق تعبيرها: "من واجب المدرسين أن يظلوا محايدين سياسياً، وأن يكفلوا لطلبتهم عرض الآراء المتنازع عليها في القضايا المختلفة بجميع جوانبها، وبكل نزاهة ودون تحيز أو تمييز".
من جهته، قال النائب عن حزب المحافظين روبرت هالفون، الذي استقال من منصب وزير التعليم الأسبوع الماضي، "إن اتحاد التعليم أصبح منفراً للأعضاء اليهود". لافتاً في حديث مع صحيفة "تايمز"، إلى أن بعض المعلمين اليهود غادروا التكتل فعلاً بعد أن انصرف عن مهمته الأساسية، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد في المستقبل.
"حملة العمل ضد معاداة السامية"، انتقدت أيضاً عبر حسابها على منصة "x" مقترح اتحاد التعليم الوطني، وقالت إن الانسحاب المستمر للمدرسين اليهود من الاتحاد يدلل على أن "الجهود المبذولة فيه لمواجهة معاداة السامية لا تزال متواضعة". كما لفتت إلى "أن معاداة السامية هي من أبرز الجذور التاريخية للعنصرية".
ازدواجية المعايير
و"الاتحاد الوطني للتعليم" هو نقابة تضم المدرسين ومساعديهم وموظفي دعم الطلاب بمجالات مختلفة، إضافة إلى المحاضرين في فروع التعليم المتخصص. تم تشكيله عبر دمج "الاتحاد الوطني للمعلمين" و"رابطة المعلمين والمحاضرين" عام 2017.
ويعد "الاتحاد الوطني للتعليم" أكبر اتحاد تعليمي في المملكة المتحدة وأوروبا، حيث يضم 450 ألف عضو وفق أرقام 2022.
ويشير الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر، إلى أن حكومة حزب المحافظين في لندن، تمارس معايير مزدوجة عند التعامل مع المدرسين فيما يخص حرب غزة. فعندما هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر، دعت الحكومة المعلمين إلى مساعدة الطلبة في فهم الطبيعة "العنصرية" للهجوم، و"الكراهية" التي ينطوي عليها.
في المقابل، يشير مطر في حديث مع "الشرق"، إلى اختلاف الرؤية الحكومية للحرب عندما اقترح المدرسون توعية الطلبة في المملكة المتحدة حول عدائية الطرف الآخر الذي يمارس سياسات عنصرية ضد الفلسطينيين منذ عقود طويلة، وأصبح الحياد هو الأمر المطلوب في المدارس، والبحث وراء تطرف إسرائيل مخالفة للنزاهة وتضليلاً للحقائق.
أوراق ضغط
وأعلن المؤتمر السنوي لـ"اتحاد المعلمين"، أن إسرائيل تمارس من منظور القانون الدولي سياسات فصل عنصري بحق الفلسطينيين. كما أكد على أن أي تعليق أو تخفيض في تمويل وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في غزة، هو إجراء غير مبرر من الحكومة البريطانية. مؤيدة بذلك الدعوات لإعادة تمويل "الأونروا" في أسرع وقت ممكن.
واستئناف تمويل "الأونروا" ليس مطلب المعلمين فقط. فقبل أسبوع أرسل 50 عضواً في البرلمان، بغرفتيه العموم واللوردات، رسالة إلى وزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون، يستفسرون عن مصير تحقيقات الحكومة في دور المنظمة الإغاثية بحرب غزة. ويسألونه عن سبب استمرار تعليق تمويلها بعد التقارير التي قدمتها حول عملها.
حملة التضامن مع فلسطين أيضاً، أدرجت استئناف تمويل الأونروا ضمن 6 مطالب رفعتها لحكومة المملكة المتحدة مؤخراً، إضافة لضرورة دعم وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية وإنهاء عمليات القتل والاعتقال في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، كذلك دعم محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وإنهاء تجارة الأسلحة مع إسرائيل وإنهاء خطة خارطة الطريق بين المملكة المتحدة وإسرائيل.
وبحسب رئيس "حملة التضامن مع فلسطين" في بريطانيا، الدكتور كامل حواش، يخطط أصحاب المطالب السابقة لتصعيد كبير في عملهم بجميع مناطق المملكة المتحدة، من أجل إجبار حكومة لندن على تبني مطالبهم. لافتاً إلى أن التصعيد المرتقب سيكون في تكثيف النشاط الجماهيري، واستغلال كل الأدوات القانونية والحقوقية المتاحة.
وقف توريد الأسلحة
وقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل، جاء أيضاً بين مطالب المؤتمر الأخير للاتحاد الوطني للتعليم. وانضمام التكتل إلى الفعاليات الداعية لهذا الإجراء، يزيد الضغوط على حكومة لندن التي أحرجت كثيراً أمام الرأي العام في المملكة المتحدة، بعد سقوط ٣ بريطانيين في غزة بقصف إسرائيلي على قافلة إغاثة لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي".
مراسل شؤون الدفاع والأمن بصحيفة "الإندبندنت" كيم سنجوبتا، يقول إن مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل بلغت قيمتها 42 مليون جنيه إسترليني عام 2022. معتبراً أن "الرقم بسيط جداً مقارنة بكميات الأسلحة التي تصل أبيب من الولايات المتحدة الأميركية". ولكن هل هناك علاقات أخرى بين البلدين في هذا المجال تستحق التعليق مؤقتاً؟
قبل أشهر، قدمت المملكة المتحدة لإسرائيل، مسيّرات جديدة للاستطلاع. كذلك توفر لندن 15% من مكونات طائرات "F-35" التي تستخدمها تل أبيب بقصف قطاع غزة. ووفق تقرير نشره سنجوبتا مؤخراً، جنت بريطانيا من توفير مكونات 36 طائرة من هذا الطراز لإسرائيل قبل عام 2023، نحو 370 مليون جنيه إسترليني على الأقل.
ويلفت سنجوبتا في تقريره أيضاً إلى شركة الأسلحة الإسرائيلية "إلبيت سيستمز" في بريطانيا. حيث تصنع مسيرة "Hermes 450" التي تعد العمود الفقري للجيش الإسرائيلي. وقد توقع رئيسها التنفيذي بزهاليل ماشليس، نمو عائداتها بمقدار 500 مليون دولار سنوياً، بدعم من ازدياد الطلب العالمي على التكنولوجيا التي تصنعها الشركة، وفق تعبيره.