بريطانيا.. تصاعد "الإسلاموفوبيا" في صفوف المحافظين "أزمة جديدة" تلاحق سوناك

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يغادر "10 داونينج ستريت" في العاصمة البريطانية لندن. 13 مارس 2024 - AFP
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يغادر "10 داونينج ستريت" في العاصمة البريطانية لندن. 13 مارس 2024 - AFP
لندن-بهاء جهاد

تواجه الحكومة البريطانية مهمة صعبة في توظيف مستشار لمكافحة "الإسلاموفوبيا"، وما يزيد الأمر تعقيداً أن الاتهامات تتزايد لحزب المحافظين الحاكم بالمسؤولية عن اتساع هذه الظاهرة بين صفوفه، خاصة بعد حادثة النائب (المحافظ) لي أندرسون، الذي جُرّد من عضويته بعد رفضه الاعتذار عن تصريحات استهدفت عمدة لندن المسلم صادق خان.

ويعمل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك جاهداً على احتواء اتهامات حزبه بـ"الإسلاموفوبيا"، وزار قبل أيام مسجداً في لندن، وقرر إنفاق أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني إضافية لحماية منشآت المسلمين ودور عبادتهم، إذ تشير الأرقام إلى تصاعد قياسي في مستويات جرائم الكراهية الموجهة ضدهم خلال الأشهر الـ5 الماضية.

وعلى ضفة المعارضة العمالية، اتُهم سوناك بالفشل في مكافحة "الإسلاموفوبيا" بين صفوف المحافظين، فيما تعالت أصوات الجاليات المسلمة المطالبة له بفتح تحقيق داخلي في الحزب بشأن المشكلة.

ولكن هذا برأي محللين ومراقبين، خطوة صعبة بالنسبة لرئيس الوزراء الذي يعاني من تصدُّع جبهته الداخلية، في وقت تحاصره المشكلات.

من القاعدة إلى القيادات

اتهام حزب المحافظين الحاكم بـ"الإسلاموفوبيا" ليس بجديد، وإنما يمتد لسنوات عديدة، ولكن ما فجّر الأمر مجدداً هو تصريحات النائب المحافظ لي أندرسون قبل أسابيع، عن سيطرة "الإسلاميين المتطرفين" على عمدة لندن صادق خان، أول مسلم يصبح عمدة لمدينة غربية في 2016، وفاز بدورتين متتاليتين في هذا المنصب.

وتعرَّض أندرسون لانتقادات كثيرة من داخل المحافظين، لكن تصريحاته لم تُصنَّف كـ"معادية للمسلمين"، وعندما رفض الاعتذار عنها جرَّده سوناك من عضوية الحزب الحاكم، لعله ينهي المشكلة.

لكن اتضح لاحقاً أن الأزمة تتجاوز نائباً أو قيادياً واحداً، وتمتد أيضاً إلى القاعدة الشعبية للحزب التي تضم اليوم أكثر من 200 ألف عضو.

وأشارت دراسة أعدها مركز Opinium بعد تصريحات أندرسون، إلى أن 58% من أعضاء حزب المحافظين يرون أن الإسلام ينطوي على خطر يهدد نظام الحياة في بريطانيا.

ولفتت الدراسة إلى أن 52% من أعضاء الحزب يؤمنون بأن هناك مناطق في مدن القارة الأوروبية باتت حكراً على المسلمين، ويحظر على غيرهم دخولها أو التأثير فيها.

وشملت الدراسة 521 عضواً في الحزب الحاكم، وتفسر نتائجها وفق صحيفة "الجارديان"، تواضع انتقادات النواب المحافظين لتصريحات لي أندرسون.

كما نقلت الصحيفة عن رئيس جمعية "أمل وليس كراهية" نيك لولز، أن الدراسة تدلل على عمق المشاعر المعادية للمسلمين في صفوف "الحزب الأزرق"، والحاجة لتصحيح المفاهيم وسط عضويته.

دور رئيس البرلمان

وتصاعد الحديث عن تأثير "الإسلاميين المتطرفين" مؤخراً بسبب حرب إسرائيل على غزة، والأصوات المؤيدة لوقفها في بريطانيا.

وقالت زيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان أمام البرلمان، إنه بـ"حجة تلك الحرب بات الإسلاميون يسيطرون على شوارع العاصمة لندن". وردد الكلام ذاته أمام مجلس العموم، وزير الهجرة السابق روبرت جينيريك.

وتقول عضو حزب المحافظين سامنثا سونز، إن ما يتكئ عليه الوزيران السابقان أصلاً هو تصريحات لرئيس البرلمان ليندسي هويل قبل 3 أسابيع، قال فيها إن نواباً في حزب العمال تلقّوا "تهديدات من إسلاميين"، لدعم مشروع قرار برلماني يطالب بوقف الحرب على غزة. وهو ما أوقعه في أزمة قانونية لا زال يدفع ثمن تداعياتها حتى اليوم.

وتقدَّم الحزب القومي الاسكتلندي للبرلمان في فبراير، بمشروع قرار يدعو إلى وقف الحرب على غزة ومحاسبة إسرائيل على جرائمها في القطاع.

وقبيل التصويت سمح هويل لحزب العمال بتعديل نص القرار، وعندما سُئل عن السبب، قال إن نواباً في المعارضة تلقّوا تهديدات جدية إذا عارضوا القرار، ووقفوا ضد وقف الحرب.

ولفتت سامنثا سونز في حديث لـ"الشرق"، إلى أن حزب المحافظين اليوم ينقسم إلى 3 تيارات الأول، هو اليمين المتشدد الذي يتبنى رأي أندرسون وبرافرمان وجينيريك، والثاني، يرفض "الإسلاموفوبيا" ويطالب رئيس الوزراء بمكافحتها، أما الثالث، فيقع بين الاثنين، لكنه يخشى من استغلال "الإسلاموفوبيا" ضد الحزب في الانتخابات العامة المقبلة.

طمأنة الجالية وحمايتها 

والخشية من التوظيف السياسي لـ"الإسلاموفوبيا" دفعت بسوناك إلى زيارة المركز الإسلامي البريطاني في العاصمة لندن قبل أيام، حيث أكد أن الحكومة لا تقبل بمعاداة المسلمين واستهدافهم في أي زمان ومكان، كما أعلن عن 117 مليون جنيه إسترليني لتعزيز حماية دور عبادة الجالية، والمنشآت والمرافق التي تخصها في المملكة المتحدة.

وبحسب تصريحات رسمية لوزير الأمن توم جوندهات، فإن حزمة الدعم الجديدة تؤكد وقوف الحكومة بحزم ضد جرائم الكراهية والاعتداءات على المسلمين في بريطانيا، منوهاً بأن الوزارة تعمل بشكل وثيق مع الشرطة وشركاء المجتمع المدني لضمان وسلامة الجالية المسلمة بأفرادها ومنشآتها ومراكزها الدينية والتعليمية.

وجاءت زيارة سوناك إلى المركز الإسلامي، بعد إحصائيات تفيد بارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا بنسبة 335% منذ تفجُّر الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، إذ تقول منظمة Tell MAMA المختصة بتوثيق هذه الجرائم، إنها وثَّقت أكثر من ألفي جريمة منذ بدء الحرب وحتى فبراير الماضي.

وفي حديث مع "الشرق"، قالت مديرة المنظمة إيمان أبو عطا، إن جرائم الكراهية تهدد بجدية التماسك الاجتماعي في المملكة المتحدة، إذ تأمل أن "يتعامل القادة السياسيون مع كراهية المسلمين تماماً كما يفعلوا مع معاداة السامية". فهذا برأيها، الحل الوحيد لمحاصرة الظاهرة ومنع انتشار تداعياتها إلى حدود كبيرة بسبب الفعل ورد الفعل.

جدية السياسة الحكومة

وبرأي الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز، لا يمكن وصف سياسة حكومة المحافظين بالجدية في التعامل مع "الإسلاموفوبيا"، إذ أن اللجنة المكلفة بمتابعة هذه المسألة لم تجتمع منذ 4 سنوات، وحتى قبل تطبيق قواعد إغلاق جائحة كورونا عام 2022، و"هذه أول إشارة إلى أن عمل هذه اللجنة ليس بأولوية بالنسبة لحكومة الحزب الأزرق".

وتشكلت اللجنة المختصة بالتصدي لأفكار وأشكال معاداة المسلمين في بريطانيا عام 2012، عندما كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وعندما خلافته لتيريزا ماي، وتعرَّض الحزب لأزمة بسبب مقالة بشأن "المنتقبات"، نشرها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عندما كان وزيراً للخارجية، ولكن ماي استعانت باللجنة وتعاملت بحكمة مع الأمر.

وكان آخر رئيس للجنة الإمام قاري قاسم الذي استقال عام 2022، ثم بقي المنصب شاغراً. ودفعت الحاجة الملحّة لإعادة تفعيل عمل هذه اللجنة اليوم بأسماء مرشحين كثر، على رأسهم الناشط في هذا المجال ومؤسس شركة Faith Matters فياز موجال، ولكنه اعتذر بسبب أن العمل ينطوي على مخاطر أمنية لا توفر الحكومة أي حماية لمواجهتها.

ويبحث وزير المجتمعات المحلية مايكل جوف، البدلاء المحتملين لموجال ضمن قائمة تحتوي على 20 اسماً وفق وسائل إعلام محلية، ولكن الباحث ليز يوضح في حديث مع "الشرق"، أن اختيار رئيس اللجنة ليس إلا خطوة على طريق طويلة يجب أن تخوضها الحكومة لاستعادة الثقة بجديتها في مواجهة "الإسلاموفوبيا" بين صفوف الحزب الحاكم وخارجه.

الضغوط السياسة والشعبية

ومهمة سوناك في تبرئة المحافظين من "الإسلاموفوبيا" لا تبدو يسيرة أبداً، خاصة بعدما وضعتها المعارضة في إطار مشكلة جدية تشبه تماماً معاداة السامية التي كان يعيشها حزب العمال في زمن رئيسه السابق جيرمي كوربين.

أي أنها أصبحت ذات بُعد شعبي وسياسي ومجتمعي، وبتعبير آخر، يمكن استخدامها كورقة ضد "الحزب الأزرق" في الانتخابات العامة.

ويقول زعيم "العمال" كير ستارمر، إن سوناك فشل في مواجهة "الإسلاموفوبيا" وسط أعضاء حزبه، ولكن السؤال الذي تطرحه الباحثة في الشأن البريطاني جاسمين كلير، هو لأي مدى يكترث الشارع المحافظ لمشكلة "الإسلاموفوبيا" في الحزب؟ والإجابة برأيها تستخلص من انضمام النائب أندرسون إلى حزب Reform uk اليميني بمجرد طرده من "المحافظين".

ولفتت كلير في حديث مع "الشرق"، إلى أن أندرسون وغيره كثيرين من نواب الحزب الحاكم، يعرفون هواجس تيارات اليمين إزاء الإسلام والهجرة.

وأضافت أنه بالتالي تستخدم التصريحات المعادية للمسلمين أحياناً لتسجيل نقاط في الدوائر الانتخابية ذات الأكثرية اليمينية، وزيادة فرص الفوز بالمقاعد البرلمانية، وخاصة في ظل ظروف كالتي تمر بها البلاد اليوم، وسط الاصطفاف والانقسام بشأن ما يجري في الشرق الأوسط، والتوظيف السياسي الداخلي لهذه الحالة بأكملها.

تصنيفات

قصص قد تهمك