يستعد الناخبون من أصول إفريقية مرة أخرى، للعب دور حاسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما تنظر إدارة الرئيس جو بايدن بعين الريبة إلى تزايد شعبية الرئيس السابق دونالد ترمب بين هذه الفئة من الناخبين.
وعلى الرغم من أن الناخبين من أصول إفريقية هم الأعضاء الأكثر ولاءً في ائتلاف الحزب الديمقراطي الذي أوصل جو بايدن إلى البيت الأبيض عام 2020، تشير استطلاعات الرأي، طوال الأشهر الأخيرة، إلى تآكل في هذا الدعم، مع بقاء أقل من 7 أشهر على الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل.
وفي الوقت الذي يحتاج فيه بايدن إلى كل صوت ممكن بين هؤلاء الناخبين الأساسين في الائتلاف الديمقراطي لتأمين فترة ولاية ثانية، يسعى ترمب إلى زيادة حصته من دعم الناخبين الأفارقة واستمالتهم للتحول إلى الحزب اليميني.
وبينما كان التحول واضحاً في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حيث كان الأميركيون الأفارقة واللاتينيون والآسيويون أكثر ميولاً، قليلاً، للتصويت لصالح ترمب مما كانوا عليه في عام 2016، فإن استطلاعات الرأي الحالية تشير إلى تحولات أكبر مع اقتراب انتخابات 2024.
واعتبر خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الشرق"، أن إقبال الأميركيين من أصول إفريقية في الانتخابات العامة ضروري وحاسم لفوز بايدن بالبيت الأبيض، مشيرين إلى أن المعضلة الرئيسية تكمن في دفعهم للتصويت، لافتين إلى أن مزيجاً من المشاعر الاقتصادية السلبية والمخاوف المتزايدة بشأن الحدود، قد يؤدي إلى تشتيت تصويت الناخبين الأفارقة.
قوة أساسية للديمقراطيين
على مدى أكثر من 50 عاماً، كان الناخبون الأفارقة قوة أساسية بين داعمي الحزب الديمقراطي، خاصة في الولايات المتأرجحة حيث كان إقبالهم عنصراً أساسياً في فوز الديمقراطيين، بما في ذلك ولايات ميشيجان وجورجيا وبنسلفانيا.
ولا يقتصر الأمر على أن الناخبين الأميركيين من أصل إفريقي يميلون إلى الديمقراطيين فحسب، بل لأنهم يصنفون ديمقراطيين بأغلبية ساحقة، بنسبة تصل إلى نحو 9 إلى 1.
ويرجع هذا الانتماء والدعم، وفقاً لأستاذ العلوم السياسة بجامعة ولاية كاليفورنيا في سكرامنتو، كريستوفر تاولر، والذي يشرف على مشروع "الناخب الإفريقي"، إلى مكاسب الحقوق المدنية في الستينيات، وعلى وجه التحديد قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965، والتي كانت مدعومة بشكل أساسي من قبل الحزب الديمقراطي.
وقال تاولر لـ"الشرق"، إنه منذ ذلك الحين، كان الديمقراطيون أكثر استعداداً بكثير من الجمهوريين لاقتراح وتمرير تشريعات تقدمية تعود بالنفع عادة على مجتمع الأميركيين من أصول إفريقية، وهو ما كان دافعاً كبيراً لتأييدهم للحزب الديمقراطي.
تاريخياً، كان صغار الناخبين من أصول إفريقية يميلون إلى الحزب الجمهوري، إذ كان هذا الحزب هو حزب التحرر في الحرب الأهلية.
وذكر أستاذ العلوم السياسية والانتخابات والرأي العام بجامعة كولومبيا البريطانية، ريتشارد جونستن، أن الحزب الجمهوري في بدايته تأسس بشكل واضح على برنامج تحرري، وكان الديمقراطيون، يٌعرّفون بمثابة حزب "التفوق الأبيض".
التحول الذي حدث في الحزب الجمهوري منذ تأسيسه قابله تحول في الحزب الديمقراطي أيضاً، وتبادلا الأدوار.
وذكر جونستن لـ"الشرق"، أن الجمهوريين بعد عام 1896، أصبحوا غير مبالين بالأميركيين من أصول إفريقية. وفي المقابل، كانت بداية التحول إلى الديمقراطيين تكمن في إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي، آنذاك، فرانكلين روزفلت.
وعلى الرغم من أن الجنوبيين البيض كانوا جزءاً من الائتلاف الحاكم لروزفلت، إلا أن إدارته بدأت في البحث عن طرق لتوظيف الأفارقة وتمكينهم.
واستمراراً لسياسات إدارة روزفلت، قامت إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي هاري ترومان في 1947 بدمج السود في القوات المسلحة. وفي عام 1948 أقر مؤتمر الترشيح الوطني مقترحاً لمشروع قانون الحقوق المدنية.
ولفت جونستن إلى أن مشاريع قوانين الحقوق المدنية وحقوق التصويت الفعلية في الستينيات عززت العلاقة بين الأميركيين الأفارقة والحزب الديمقراطي.
كتلة رئيسية
في عام 2020، صوت 73% من الناخبين الآسيويين والأفارقة واللاتينيين مجتمعين لصالح بايدن، وفقاً لشركة البيانات السياسية "كاتاليست". لكن نسبة بايدن لا تقارن بانتخابات عام 2012 التي حصل فيها باراك أوباما على 81% من أصوات المجموعات الثلاث.
وأكد أستاذ العلوم السياسة بجامعة ولاية كاليفورنيا في سكرامنتو، كريستوفر تاولر، أهمية الناخبين الأفارقة ككتلة رئيسية كبيرة ومؤثرة في سير العملية الانتخابية.
وأوضح تاولر أنه بسبب التركيبة الحالية للمجمع الانتخابي، تتلقى بعض الولايات التي غالباً ما تنقسم بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين، مثل ميشيجان، وبنسلفانيا، وجورجيا، وويسكونسن، ونيفادا، وأريزونا، ونورث كارولينا، وأحياناً، فلوريدا، اهتماماً هائلاً خلال الحملات الرئاسية.
وتصل نسبة الناخبين الأفارقة في بعض هذه الولايات، إلى أكثر من 10% من سكان الولاية في سن التصويت مثل جورجيا، وميشيجان، وبنسلفانيا، ويمكنهم "أن يمنحوا النصر للمرشحين الديمقراطيين إذا خرجوا للتصويت بأعداد كبيرة".
واعتبر تاولر أن قدرة الناخبين الأفارقة على تغيير دفة الانتخابات، تتضح في حرص الحملات الانتخابية على مخاطبتهم بشكل مكثف في ما يسمى بـ "الولايات المتأرجحة"، حيث لديهم القوة الانتخابية لتحديد نتيجة الانتخابات على مستوى الولاية، وبالتالي التأثير في المجمع الانتخابي، ومن يفوز بالرئاسة في نهاية المطاف.
ريتشارد جونستن، المتخصص في مجال الرأي العام والأحزاب والانتخابات، أوضح أن الأميركيين من أصل إفريقي كتلة مهمة جداً في عمليات ترشيح الحزب، وقال: "يعد المرشح الذي يحظى بتأييد من القادة الأفارقة مصدر قوة عظيماً لتأمين الترشيح. تاريخياً، كان تصويتهم بمثابة قوة معتدلة في هذه العملية".
ومن ناحية أخرى، يشكل الناخبون الأفارقة جزءاً من القاعدة، وليسوا مجموعة متأرجحة في الانتخابات العامة".
وأعاد جونستن طرح السؤال الذي يؤرق الديمقراطيين حالياً، هل سينشق الأفارقة عن الحزب الديمقراطي؟ وأكد جونستن أن السؤال الأهم والأقرب هو، هل سيظهرون في انتخابات نوفمبر؟
"الميل" نحو ترمب
أظهرت نتائج 5 استطلاعات رأي حديثة منفصلة، أجرتها شبكة "فوكس نيوز"، "كوينيبياك"، و"إيكونوميست/ يوجوف"، و"نيويورك تايمز/سيينا"، وكلية الحقوق بجامعة "ماركيت"، في مارس الماضي، ارتفاع دعم ترمب بين الناخبين الأفارقة بنسب تتراوح ما بين 20% إلى 26%.
يتفق الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية بجامعة فيرجينيا، جون مايلز كولمان، مع معدلات استطلاعات الرأي السابقة، ومع ذلك، ذكر أنه كان هناك تحول طفيف، لكنه واضح في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، إذ كان الأميركيون السود واللاتينيون والآسيويون أكثر ميلاً قليلاً للتصويت لصالح ترمب مما كانوا عليه في عام 2016، وحصل بايدن على النسبة الأكبر من تصويتهم.
وقال كولمان في حديثه لـ"الشرق"، إنه لم تتجاوز نسبة تأييد ترمب بين الناخبين من أصل إفريقي الـ 11% خلال الأربع سنوات الماضية.
ولفت كولمان إلى زيادة نسب إقبال الناخبين الأفارقة في انتخابات 2020 بشكل كبير، وزيادة الأصوات الديمقراطية الصافية منهم في عام 2020 مقارنة بعام 2016، خاصة في الولايات المتأرجحة. في حين تحولت حصة أصواتهم الإجمالية نحو ترمب بنسبة 3 نقاط مئوية مقارنة بعام 2016.
وعزا كولمان ميل بعض الناخبين الأفارقة للجمهوريين باعتبارهم "محافظين"، وقال إن الأفارقة الذين دعموا ترمب في عام 2020 أكثر عرضة من غيرهم للتشكيك في فكرة أنهم يعانون العنصرية النظامية، وأن البيض يتمتعون بمزايا أكبر منهم بسبب العرق واللون.
وفي حين كانت نقطة انتعاش إقبال الأميركيين من أصول إفريقية في انتخابات 2020، على غير العادة، مثار تساؤل، سعت شركة Black Insights Research لتحليل البيانات، إلى اكتشاف سبب ارتفاع نسبة إقبالهم في الدورة الانتخابية لعام 2020 مقارنة بعام 2016.
وأظهرت بيانات الشركة، أنهم عزفوا عن انتخابات 2016، ولم يشعروا بالاهتمام لوجود ترمب على بطاقة الاقتراع، لكن إقبالهم زاد بعد 4 سنوات من ولايته ومحاولته الفوز بولاية ثانية، ما شكل تهديداً شعر به مجتمع الأميركيين من أصل إفريقي، وقرروا مواجهته بالإقبال القوي وتمكين بايدن في انتخابات 2020.
من جانبه، شكك تاولر في استطلاعات الرأي التي تبين تحولاً كبيراً ناحية ترمب بين الناخبين الأفارقة. واعتبر أن السبب الرئيسي للتقارير التي تشير إلى زيادة دعمهم لترمب هو خطأ في الاستطلاع والتحيز.
وأفاد بأن العديد من الاستطلاعات التي تشير إلى دعم من الأميركيين من أصول إفريقية أعلى من المعتاد لترمب تعتمد على عينات صغيرة من الناخبين الأفارقة، أقل من 200، والتي لا تمثل السكان الأفارقة في جميع أنحاء أميركا بشكل كامل، "على سبيل المثال، إذا فشل الاستطلاع في جمع عينة تمثل التنوع في الجنس والعمر والتعليم والدخل والمنطقة وما إلى ذلك داخل مجتمع الأميركيين الأفارقة، فهناك فرصة جيدة أن عينة منهم لن توفر نتائج دقيقة وقابلة للتعميم".
وتابع تاولر: "غالباً ما يحدث هذا الفشل عندما لا تركز الاستطلاعات حصرياً على جمع عينة كبيرة من الناخبين السود، ولكنها تجمع فقط عينة فرعية أصغر، بالإضافة إلى الاستطلاع الأكبر للأميركيين البيض".
واتفق جونستن مع تاولر في أن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن التفاصيل أكثر تعقيداً؛ مما توحي به العناوين.
ومع ذلك، يرى جونستن أنه في مجموعة من القضايا الاجتماعية، يكون مركز رأي الأميركيين من أصول إفريقية منحازاً إلى اليمين من الكثير من بقية تحالف الديمقراطيين، لذا، يعتقد جونستن أنه قد تؤدي تركيبة المشاعر الاقتصادية السلبية والقلق المتزايد بشأن الحدود إلى تشتيت الأصوات، "على الأقل في الوقت الحالي".
ومع ذلك، شكك جونستن في أن ترمب سيستفيد من هذه الاستطلاعات التي تبين تحول الناخبين الأفارقة تجاهه، "يحتاج إلى الانضباط في خطابه"، لافتاً إلى أن مرشحي "ماجا" قدموا أداءً سيئاً في عامي 2022 و2023.
وأثار جونستن نقطة مثيرة للاهتمام، وهي "الخلط" الذي يحدث كثيراً بين تصويت الأميركيين الأفارقة وتصويت الناخبين من أصل إسباني، والأخير لم يكن أبداً "متحداً" كما هو الحال بين الأفارقة، بل في الواقع كان "متنوعاً للغاية".
وذكر جونستن أنه في عام 2004، صوت 40% من الناخبين من أصل إسباني للجمهوري جورج بوش الابن، "في السنوات الأخيرة، ومع تحول التركيز من الهجرة إلى قضية الحدود وهي قضية جمهورية بالأساس، فإن الناخبين من أصل إسباني أنفسهم، الذين يعيشون بالقرب من الحدود، يشعرون بالاستياء من سهولة اختراقها، وربما يدفعهم ذلك ناحية الجمهوريين في الانتخابات".
مصدر القلق الحقيقي
وقبل أيام من الانتخابات التمهيدية في ولاية نيوهامشر، التي فاز بها ترمب في 23 يناير الماضي. أعلن الرئيس السابق، في مؤتمر انتخابي، أنه غير متفاجئ من استطلاعات الرأي التي تبين ميل نسبة أكبر، لكن محدودة، من الناخبين الأميركيين من أصل إفريقي ومن الأميركيين من أصل إسباني نحوه.
وأضاف قائلاً: "لست متفاجئاً، لأنني أرى ذلك، أشعر به.. لقد قمنا بعمل رائع في عام 2016، وكان أداؤنا أفضل بكثير في عام 2020، ولكن هناك المزيد من الحماس الآن".
وبينما يسعى ترمب إلى الرئاسة للمرة الثالثة يحاول استمالة الناخبين الأفارقة، وهو ما يستبعد الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية بجامعة فيرجينيا، جون مايلز كولمان حدوثه، قائلاً إنه في عام 2016، فاز ترمب بفارق ضيق في ولايات جورجيا، ميشيجان، وبنسلفانيا المتأرجحين. وبفضل الناخبين الأفارقة في عام 2020، إذ زادت نسبة إقبالهم في تلك الولايات ما بين 2% إلى 8% في جورجيا، ما منح بايدن جميع هذه الولايات، ممهداً الطريق لفوزه.
وأوضح كولمان أنه على الرغم من أن بايدن يتأخر حالياً، في جميع الولايات الثلاث، فإن نسبة الناخبين الأفارقة في كل ولاية كبير وقد يمكن بايدن من الاستمرار والفوز في هذه الولايات المتأرجحة الحاسمة، محتفظاً بالبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر المقبل.
من جانبه، لا يتوقع تاولر أن يحصل ترمب على جزء كبير من أصوات الأميركيين الأفارقة في الانتخابات المقررة خلال نوفمبر المقبل، لافتاً إلى أن المرشحين الجمهوريين لم يحصلوا على أكثر من 17% من أصوات الناخبين الأفارقة منذ عام 1964، إذ تراوح المتوسط بين 10% و11% خلال تلك الفترة.
واعتبر تاولر أن مصدر القلق بالنسبة لبايدن لا يتمثل في التحرك الدراماتيكي بين الناخبين الأفارقة تجاه ترمب، المشكلة والقصة الحقيقية بالنسبة لهم، على حد قوله، تكمن في التعبئة والخروج للتصويت من الأساس.
وقال تاولر إنه حتى لو حصل ترمب على نسبة أعلى قليلاً مما كان عليه الحال عام 2020، والتي كانت حوالي 12%، مع تصويت أكثر من 88% من الأميركيين الأفارقة للديمقراطيين، "فإن خروج الناخبين الأفارقة أمر ضروري لفوز بايدن بالبيت الأبيض وللديمقراطيين للفوز بمقاعد هامة في مجلس النواب والشيوخ، حيث أنه في بعض الولايات الأكثر انقساماً، والتي يمكن أن تقرر انتخابات العام المقبل، بما في ذلك جورجيا وبنسلفانيا وميشيجان، فإن التحولات الطفيفة في نسبة المشاركة يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات المقبلة".