رئيس الوزراء الحقيقي؟ كاميرون يغير سياسة بريطانيا تجاه إسرائيل

time reading iconدقائق القراءة - 8
وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون يغادر بعد اجتماع للحكومة في داونينج ستريت بالعاصمة لندن- 9 يناير 2024 - Reuters
وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون يغادر بعد اجتماع للحكومة في داونينج ستريت بالعاصمة لندن- 9 يناير 2024 - Reuters
دبي -الشرق

عاد ديفيد كاميرون من غياهب الحياة السياسة البريطانية للعمل كـ"بديل لرئيس الوزراء"، ريشي سوناك، في السياسة الخارجية، ولكن بعد 5 أشهر فقط من توليه منصبه، تجاوز الرجل حدود الحقيبة الوزارية إلى "أبعد مما توقعه كثيرون"، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأربعاء.

ووصف مسؤولون في حكومة بريطانيا كاميرون بأنه "رئيس وزراء الشؤون الخارجية"، ما يهدد بدرجة كبيرة "بحجب رئيسه"، ريشي سوناك، الذي يواجه أزمات سياسية لا نهاية لها على صعيد الجبهة الداخلية.

"رجل في عجلة من أمره"

في هذا السياق، ذكر مصدر مطلع على الشؤون الداخلية لوزارة الخارجية البريطانية لـ"بوليتيكو"، أن المسؤولين ينظرون إلى كاميرون على أنه "رجل في عجلة من أمره"؛ إذ "يندفع إلى إصلاح إرثه الشخصي" خلال ما قد يكون "أشهره الأخيرة في الحكومة"، في ضوء ما كشفت عنه استطلاعات الرأي "السيئة" التي أجراها المحافظون.

رغم ذلك، فإن الجميع "ليسوا سعداء بمقاربة كاميرون"، إلى درجة أن "النموذج الصارم غير المتوقع لدبلوماسية الشرق الأوسط" الذي يتبناه وزير الخارجية البريطاني قد دفع ببعض النواب المحافظين إلى "حافة التمرد"، وفقا لما أوردته المجلة الأميركية.

وأثار كاميرون، رئيس حزب المحافظين لما يقرب من عقد من الزمان، ورئيس الوزراء في الفترة من 2010 إلى 2016، غضب كثير من نواب الحزب خلال الأشهر الأخيرة بتصريحات يعتقدون أنها "بالغة القسوة" ضد إسرائيل. 

نغمة إشكالية

وفي نهاية يناير، أبدى نواب محافظون مخاوفهم من "تصريحات إشكالية" لكاميرون، إذ أشار رئيس الدبلوماسية البريطانية إلى أن بلاده ستبحث "الاعتراف بدولة فلسطينية من أجل تحقيق تسوية سلمية لا رجعة فيها".

وذكر كاميرون في مناسبات عدة بأنه يشعر بالقلق من احتمال أن تكون إسرائيل قد انتهكت القانون الدولي، وتحدى رفض تل أبيب العمل باتجاه إقرار حل الدولتين، وحذَّر من أن دعم بريطانيا لها ليس "غير مشروط". 

كما أثارت دعوات وزير الخارجية البريطاني لإسرائيل للسماح بدخول المزيد من شاحنات المساعدات إلى غزة "خلافاً عبر الإنترنت" مع المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية الناطق باللغة الإنجليزية، إيلون ليفي، والذي بلغ ذروته في مارس بإقالة ليفي، وفق تقارير.

وخلال هذا الأسبوع، قال كاميرون إنه "من حق الدول أن ترد عندما تشعر بأنها تعرضت للعدوان"، عندما ألحت شبكة "سكاي نيوز" عليه في السؤال بشأن ما إذا كان لإيران الحق في الرد على الهجوم على قنصليتها في دمشق، وذلك على الرغم من إدانته "طبيعة الرد الإيراني". 

إصلاح الإرث المهني

وقد أضافت هذه المواقف إلى ما وصفه أحد النواب المحافظين الداعمين لإسرائيل بقوة، بأنه "لهجة مثيرة للمشكلات" من قبل وزارة الخارجية في عهد كاميرون، وفق ما أوردته "بوليتيكو".

واتهم الوزير السابق أندرو بيرسي مؤخراً وزارة كاميرون بأنها "ركزت مراراً وتكراراً على إسرائيل".  

ويزعم بيرسي أن وزارة الخارجية البريطانية "تحاسب (الإسرائيليين) على تبعات حرب لم يبدأوها، وعلى معاناة المدنيين الناجمة عن الأعمال التي تقوم بها حماس". 

ورغم مشاركة كاميرون في "بعض أنشطة الدبلوماسية الداخلية" مع حزبه في وستمنستر، إلا أنه ليس مسؤولاً بشكل مباشر في نهاية المطاف أمام النواب في مجلس العموم، ولا حتى أمام الناخبين البريطانيين، بعد تعيينه "لورداً" لا يورث لقبه في مجلس اللوردات. 

كما أنه، بعد أن شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا لفترة طويلة، لم يعد مثقلاً بضغوط التنافس على المنصب داخل الحزب. 

ويمنح ذلك كاميرون مساحة أكبر للتحدث صراحة من أجل إصلاح إرثه المهني بما يتجاوز فشله في المحافظة على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بعد الدعوة إلى استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. 

حجب رئيس الوزراء

وقال بيتر ريكيتس، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لكاميرون في الفترة بين 2010 و2016، لـ"بوليتيكو"، إن كاميرون يعرف أن لديه "وقتاً محدوداً ليصنع الفارق"، مؤكداً أنه "يسعى لذلك حقاً".  

ويؤيد المصدر المطلع على الشؤون الداخلية بوزارة الخارجية البريطانية، الذي تحدث إلى "بوليتيكو"، هذا الرأي، قائلاً إن "كاميرون يعطي انطباعاً بأنه رجل في عجلة من أمره، إذ يعلم إنه ليس أمامه سوى 4 أو 5 أشهر فقط، ويريد أن يجعل ذلك مهماً". 

وأفاد مسؤول ثان، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخول بالتحدث علناً، عن كاميرون بأنه "متمرس للغاية على إنجاز الأشياء، وتحقيق تقدم ملموس"، معرباً عن اعتقاده بأن "عدم وجود طابع سياسي داخلي في اللعبة يجعل كاميرون أقل تقييداً، ويدفعه إلى العمل بشهية أكبر للمخاطرة".

وبفضل خبرته على المسرح العالمي، وسلوكه الهادئ، يعتقد بعض المراقبين أن كاميرون بدأ "يحجب سوناك"، إذ خاطب نائب محافظ واحد على الأقل، عن غير قصد، وزير الخارجية باعتباره "رئيس الوزراء" منذ عودته إلى المعترك السياسي.

كما وصف جورج أوسبورن، مستشار كاميرون عندما كان رئيساً للوزراء، رئيسه السابق بأنه "يتصرف كرئيس وزراء بريطانيا"، وفق ما أوردته "بوليتيكو". 

واتسمت تصريحات كاميرون بشأن تعطيل الجمهوريين الأميركيين حزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا بالقوة والتأثير أيضاً، إذ حذرهم من إبداء "الضعف مثلما حدث مع هتلر" في ظل استراتيجية الاسترضاء التي سادت أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، ما دفع باليمينية المتشددة مارجوري تايلور جرين إلى توبيخه. 

وشكَّل وزير الخارجية البريطاني أيضاً "صوتاً محورياً" في الدفع برئيس الوزراء البريطاني، وحلفاء بريطانيا، في مجموعة السبع، باتجاه فرض المزيد من العقوبات على إيران، وفقاً لما قاله مصدر مطلع على النقاشات لـ"بوليتيكو". 

وأشارت صوفيا جيستون، الخبيرة في الدبلوماسية بمركز أبحاث Policy Exchange، إلى أن تجربة كاميرون السابقة على رأس الحكومة البريطانية جعلته "غير مكترث للمحاذير التي تسم الكثير من العمل الدبلوماسي".

نفس التفكير

وأعرب مسؤول حكومي ثالث لـ"بوليتيكو" عن الرأي نفسه، إذ أكد أن كاميرون يرى أن دوره "ليس فقط أن يكون موجوداً، وإنما بالأساس إنجاز المهام".

رغم ذلك، فقد أصر هذا المسؤول على أنه "سيكون من الخطأ أن نرى كاميرون متشدداً بشكل خاص تجاه إسرائيل"، مشيراً إلى أنه "واجه انتقادات من قبل جميع الأطراف؛ بسبب مقاربته للحرب على غزة".  

وتنفي الحكومة البريطانية أي إشارة إلى وجود انقسام بين كاميرون وسوناك، إذ أصر المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء، الثلاثاء، على أنهما "متفقان تماماً". 

لكن هذا التفكير قد تكون له مظاهر مختلفة؛ فمحاولات سوناك لإجراء مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسبوع الجاري تعطلت، إذ أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن المسؤول الإسرائيلي المتشدد كان يرفض مكالمات من حلفائه الدوليين الذين يسعون إلى تثبيط عزيمته في الرد على إطلاق إيران غير المسبوق لمئات الطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل. 

ويأمل سوناك في أن يؤدي بيانه القوي لدعم إسرائيل رداً على ضربات طهران الانتقامية لتفجير قنصليتها في دمشق، في الأول من أبريل الجاري، إلى تعزيز العلاقات مع تل أبيب، تماماً كما جاء "برداً وسلاماً" على النواب المحافظين. 

وفي هذا السياق، قالت تيريزا فيليرز، الوزيرة السابقة في الحكومة البريطانية، والتي أعربت عن مخاوفها بشأن اللغة التي يستخدمها كاميرون، إنه "من المطمئن سماع تصريحات سوناك". 

وأضافت لـ"بوليتيكو" أنه "لم يكن من الممكن أن يكون (سوناك) أكثر وضوحاً"، معربة عن شعورها بأن ذلك "أوقف الضعف الملحوظ في دعم إسرائيل الذي تبدى خلال الأسابيع الأخيرة".  

وأكدت: "الآن نحن بحاجة إلى منع أي عودة إلى هذه السياسة التي تنجرف بنا بعيداً عن إسرائيل".

تصنيفات

قصص قد تهمك