الانتخابات المحلية في بريطانيا.. هل يفقد سوناك قيادة "المحافظين"؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يخرج من مقر الحكومة في لندن. 19 يوليو 2023 - REUTERS
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يخرج من مقر الحكومة في لندن. 19 يوليو 2023 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

ترتبط الانتخابات المحلية في بريطانيا عادة بأجندة الخدمات والمنافع التي تتعهد بها الأحزاب لسكان المدن والمناطق، لكن مراقبين ينظرون إلى جولة الخميس كمؤشر على شعبية حزب المحافظين الحاكم، وسط تساؤلات عن مصير زعيمه ورئيس الوزراء ريشي سوناك في الانتخابات البرلمانية القادمة.

الاستحقاق البلدي في هذه الدورة يعتمد تغيرات مناطقية وجغرافية استحدثت مؤخراً، وهو ما جعل من الصعب التنبؤ بنتائج بعض المجالس المحلية، لكن استطلاعاً حديثاً لمؤسسة "يوجوف" توقع فوز العمال على المحافظين بشكل عام، دون أن يغلق الباب أمام مفاجآت سارة وأخرى صادمة للحزبين، في أماكن مختلفة على امتداد إنجلترا.

إلى جانب الاستحقاق البلدي في 2024، جرى اختيار برلماني جديد ليمثل منطقة (بلاكبول ساوث)، كما صوت المقترعون على مفوضي الشرطة في مدن إنجلترا وويلز. ولكل استحقاق فيهما أهميته، لكن الأنظار تركزت على معارك انتخابية في مناطق محددة، تبوح نتائجها بتوجهات الشارع البريطاني ومزاجه العام تجاه قيادة الدولة ككل.

6 عناوين انتخابية

ثمة 6 عناوين خدمية رئيسية تتنافس عليها الأحزاب في الانتخابات المحلية، أولها ميزانيات البلديات، خاصة التي تعرضت لأزمات مالية خلال السنوات الماضية، مثل بلدية برمنجهام التي أعلنت إفلاسها في نوفمبر 2023.

العنوان الثاني يتعلق بالرعاية الصحية والاجتماعية. صحيح أن البلديات ليست مسؤولة بشكل عام عن خدمات الصحة الوطنية (NHS)، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن المجالس المحلية هي من تتحدث مع الحكومة المركزية في الأمور الطبية، وهي التي تقدر حجم المساعدات التي تقدمها لدعم الأسر والعاطلين عن العمل من ميزانياتها الخاصة.

شعبية رئيس البلدية هي العنوان الثالث في الانتخابات. فالمنافسة في عدد من المجالس المحلية، خاصة في حاضرة لندن الكبرى، تدور بين أسماء محددة. مثل معركة عمدة لندن العمالي صادق خان أمام مرشحة المحافظين سوزان هيل. وحسم مثل هذه المعارك اليوم يقدم دعماً مسبقاً للحزب الفائز تمهيداً للانتخابات العامة المتوقعة بعد أشهر.

وإعادة انتخاب بعض رؤساء البلديات من المحافظين هو امتحان لنفوذ الحزب الحاكم في تلك المناطق. فالأعين تتركز على أندري ستريت عمدة (ويست ميدلاندز)، وبن هوشن في (تيز فالي). وخسارة هذين السياسيين، رغم الشعبية الكبيرة لهما، ستدلل بوضوح على نفور الناس من الحزب الأزرق بعد 14 عاماً من قيادة الحكومة البريطانية.

خدمات النقل والإسكان والطرق تكمل قائمة العناوين الستة في الانتخابات المحلية، وهي أيضاً محط منافسة واسعة بين "العمال" و"المحافظين"، لكن ذلك لا يغلق الباب أمام فوز مرشحين من أحزاب أخرى. وكل نصر يسجل خارج الحزبين الرئيسيين يحمل سبباً لا يجب تجاهله قبيل أول انتخابات عامة بعد "استقلال" المملكة المتحدة أوروبياً.

"تصويت كيدي"

واختار الناخبون في الاستحقاق المحلي ممثليهم لأكثر من 2600 مقعد بلدي. وتوقع استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوجوف" أن يظفر حزب العمال المعارض بأكثريتها على نحو ملحوظ. وهذا يخالف نتائج 2019 حين فاز "المحافظون" بـ 989 مقعداً، مقابل 973 للعمال، 418 لليبراليين الديمقراطيين، و107لحزب الخضر.

ويقول الصحفي المختص بشؤون الانتخابات بن والكر إن "المحافظين" عليهم توقع خسائر أكبر من الانتصارات التي سيحققها "العمال". فالناخبون في بعض المناطق يمكن أن يصوتوا على نحو "كيدي" ضد الحزب الحاكم. وبالتالي ربما نشهد تحولات غير معهودة في أماكن مختلفة، ليس لصالح المعارضة فقط، وإنما لفائدة المستقلين أيضاً.

ويلفت والكر، في حديث مع إذاعة "ال بي سي"، إلى أنه لا يمكن حتى الوثوق بتوجهات المؤيدين للعمال في هذا الاستحقاق. كما أن الحزب الأحمر سيواجه لأول مرة أولئك الذين صوتوا لصالح إتمام "بريكست" في عام 2019. وهنا نعرف إلى أي مدى تخلى الناس عن المحافظين الذين وعدوا وحققوا تطلعات معسكر الخروج بين البريطانيين.

ويشدد الصحفي المختص على أن حزبي الخضر والليبراليين الديمقراطيين يمكن أن يربحا كثيراً من خصومة الناخبين مع "المحافظين" وعدم اقتناعهم ببدائل "العمال". فإما أن يمنحوا أصواتهم للأحزاب الصغيرة، أو يختاروا من المستقلين بعد المفاضلة بين برامجهم الخدمية على أساس الجدوى، كما اعتاد البريطانيون في مثل هذا الاستحقاق.

حجم الفوز ومفاتيحه

وكان هناك نحو 28 مليون شخص يمكن لهم التصويت في الانتخابات المحلية. وحاولت كل الأحزاب الدفع بهم جميعاً إلى صناديق الاقتراع، فيما بدت نتائج بعض البلديات محسومة مسبقاً لصالح هذا الفريق أو ذاك.

بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، رجحت استطلاعات الرأي فوز عمدة لندن صادق خان بولاية ثالثة وفوز حزبه العمال بالانتخابات المحلية، لكن التوقعات تباينت بحجم هذا الفوز. وكان هناك من توقع حصول "العمال" على 49% من المقاعد البلدية، بينما قلص أخرون تفاؤلهم إلى حدود 39% مقابل 29% للمحافظين على الأكثر و19% على الأقل.

من وجهة نظر أستاذ السياسة والقانون في جامعة بولموث، البروفيسور مايكل ثراشر، يتعلق فوز العمال بالكيفية أكثر من الكم. فهناك مناطق محددة يحمل النصر فيها دلالات أكبر، ويقدم قراءة أكثر وضوحاً بشأن مستقبل الحزب، وإمكانية وصوله للسلطة عبر الانتخابات العامة المقبلة، مع مراعاة احتمالات تغير معطيات عديدة بين الاستحقاقين.

وتوقع البروفيسور ثراشر، في حديث مع "بي بي سي"، أن تقود نتائج الانتخابات المحلية إلى تغيرات جوهرية في سياسات حزب المحافظين الحاكم، وإذا لم تكن على مستوى هيكلة الحزب وقياداته، فستطال حتماً توجهاته وقرارته التي سوف يخوض على ضوئها سباق الانتخابات العامة المقبلة. وربما بعض خطط التغيير قد أعدت مسبقا، برأيه.

احتمالات تغيير سوناك

وتباينت التوقعات بشأن التغيير المحتمل في "المحافظين" بعد الانتخابات المحلية. فيتوقع البعض أن تكون خسارة الاستحقاق بمثابة حجة لتغيير قيادة الحزب واستبدال زعيمه ريشي سوناك، فيما ترى تقارير أخرى، أن التبدلات التي ستطرأ لن تتجاوز توجهات الحزب وعناوين حملته للانتخابات العامة المقبلة، في بعض التفاصيل وليس بشكل جوهري.

وكانت صحيفة "الجارديان" نشرت تقريراً، في 28 أبريل، يكشف عن خطة من مئة يوم لاستبدال سوناك، وإعداد الحزب للاستحقاق البرلماني، وضعها نواب من الحزب الحاكم في حال خسارة "المحافظين" للانتخابات البلدية، خاصة إذا ما هزم عمدة ويست ميدلاندز، آندي ستريت، وعمدة تيز فالي، بن هوشن، أمام مرشحي حزب العمال.

وقالت الصحيفة "إن خسارة الانتخابات البلدية ستشعل النار بين نواب حزب المحافظين". لذا وضع "النواب المتمردون" خطة تتضمن 6 نقاط لإنهاء "عهد التردد وأنصاف الحلول"، تبدأ باستبدال زعيم الحزب، ثم إنهاء إضراب الأطباء المبتدئين، زيادة الإنفاق الدفاعي، خفض أعداد المهاجرين، ضبط السجون، وخفض الإعانات الاجتماعية.

في المقابل، نشرت صحيفة "الاندبندنت" تقريراً عشية الانتخابات البلدية، يؤكد على أن تغيير سوناك بعد الانتخابات البلدية ليس واراداً، وزعيم الحزب خارج حسابات الربح والخسارة في ذلك الاستحقاق. ونقلت الصحيفة عن وزيرة التجارة كيمي بادنوك قولها إن رئيس الحكومة يحظى بدعم كامل من قبلها شخصياً، ومن مجلس الوزراء ككل.

وبرأي كبير محرري صحيفة "التايمز" مايكل بنيون، ثمة بين النواب "المحافظين" من يحاول التشويش على سوناك. ولكن هذا لن يتجاوز حدود الحديث المتداول بينهم. فالجميع يعرف مسبقا أن الحزب الحاكم سيخسر الاستحقاق البلدي. وكل قيادات الحزب تعلم أن تغيير القائد قبل أشهر من الانتخابات العامة لن يقود إلى أي نتائج إيجابية.

وشدد بنيون، في حديث مع "الشرق"، على أن أي عناوين يطرحها "المحافظون" في برنامجهم الانتخابي بعد اليوم لن تكون كافية، فالشارع بات يظن أن الحزب الحاكم قد وصل إلى طريق مسدود في الحلول الناجعة لمشكلات البلاد، ولم يعد في جعبته ما يقنع الناخبين بالتصويت مجدداً له، إلا إذا حدثت وقائع وأحداث وأرقام تثبت عكس ذلك. 

تصنيفات

قصص قد تهمك