تشعر الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية "بقلق بالغ" من أن يُقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اختبار عزيمة الغرب، إذا نجح بإنهاء حربه ضد أوكرانيا بشروط مواتية، من خلال خوض مغامرة جديدة ضد أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبخاصة دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي سبق أن خضعت لحكم موسكو.
وقال توماس جيرمالافيشيوس، رئيس وحدة الدراسات بالمركز الدولي للدفاع والأمن، وهو مركز أبحاث في تالين عاصمة إستونيا، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية: "نعرف أن روسيا دولة عدوانية، إنها مثل القاتل، لديها النية والوسائل، ولا تحتاج سوى لفرصة".
وربما كان هذا هو السبب الذي دفع رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون إلى تحدي رغبة حزبه الجمهوري بقبول حزمة المساعدات الخاصة بأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار، مفسراً ذلك بأن "بوتين سيواصل المسير عبر أوروبا إذا سُمح له بذلك".
وإذا كان بوتين يرفض التحذيرات من هجوم روسي محتمل على أعضاء بـ"الناتو" مثل إستونيا، ويعتبره "محض هراء"، فقد استخدم الكرملين لغة مشابهة في أوائل عام 2022 للسخرية من التحذيرات الأميركية بشأن تخطيط روسيا لغزو أوكرانيا.
ومن الاستثمار في الجيش إلى الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية، قال مسؤولون إستونيون ومن دول البلطيق لـ"وول ستريت جورنال"، إنهم يعملون لـ"مجابهة التحدي الذي يلوح في الأفق".
وفي هذا السياق، قال الجنرال إلمار تام قائد رابطة الدفاع الإستونية، وهي منظمة شبه عسكرية تكمل الجيش النظامي في حالة اندلاع الحرب، والتي زادت من عمليات التجنيد ومستويات الجهوزية منذ غزو أوكرانيا: "لسنا التاليين لأننا نتفادى دائماً أن نكون التاليين".
واعتبر إلمار لـ"وول ستريت جورنال"، أن هذه الاستعدادات "ليست فقط رد فعل على روسيا، وإنما استعداد منطقي لما يتعين علينا القيام به على أي حال".
وتنتشر القوات البرية من دول أعضاء أخرى في "الناتو"، بينها الولايات المتحدة، في دول البلطيق منذ عام 2017، وقد تلقت تعزيزات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويبلغ إجمالي عدد أفراد هذه القوات 5 آلاف جندي، ما يجعلها أقل بكثير من التصدي لهجوم عسكري واسع النطاق.
وحذر رئيس لجنة شؤون الاتحاد الأوروبي في البوندستاج الألماني أنطون هوفريتر، من أن صعود الأصوات الانفصالية في الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال تصريحات الرئيس السابق دونالد ترمب، بأنه سيدعو روسيا إلى غزو الحلفاء الأوربيين الذين "لا يدفعون بما يكفي للتمتع بحماية (الناتو)"، قد أدت بالفعل لـ"تآكل قوة الردع" لدى التحالف.
هجمات سيبرانية
وتعرضت إستونيا لهجمات سيبرانية روسية استهدفت شل البنية التحتية الإستونية، إذ تسبب تشويش موسكو نظام تحديد المواقع العالمي GPS خلال الأيام الأخيرة في إلغاء رحلتين تابعتين لشركة Finnair الهبوط في مطار تارتو.
وقالت الشركة الفنلندية، الاثنين الماضي، إنها علقت رحلاتها إلى تارتو.
إلى ذلك، أعلن جهاز الاستخبارات الداخلي الإستوني في فبراير الماضي، إلقاء القبض على "10 أشخاص تم تجنيدهم من قبل موسكو لإثارة قلاقل على مستوى منخفض"، تتضمن شن هجمات على سيارات وزير الداخلية الحالي، وصحافي بارز.
من جانبه، قال وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور: "لقد اتخذ (الروس) خطوتهم التالية، ليس فقط عبر الهجوم السيبراني، وإنما أيضاً من خلال الهجوم المادي".
وعندما يتعلق الأمر بتهديد عسكري أكثر تقليدية، قدّر بيفكور أن تستغرق روسيا "عامين أو 3" لإعادة بناء قواتها لتكون قادرة على "تحدي (الناتو) بشكل جدي".
وأشار إلى أنه "خلال الأشهر المقبلة، وفي المستقبل المنظور، طالما أن الحرب مستمرة في أوكرانيا، لا أعتقد أن بوتين سيكون مستعداً لفتح جبهة ثانية"، متوقعاً أن يكون مثل هذا الوضع "كارثياً على الرئيس الروسي".
ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أن بيفكور "اضطر إلى قطع المقابلة" لأنه "كان لا بد من اعتراض الطائرات الحربية الروسية لأنها حلقت مرة أخرى في المجال الجوي لأستونيا".
وعلى عكس ليتوانيا، لم تمنح إستونيا ولاتفيا الجنسية لجميع سكانها بعد استعادتهما استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ما منح مئات الآلاف من المتحدثين باللغة الروسية، الذين أتوا من بقية أنحاء الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وأحفادهم، الحق في الاختيار بين البقاء بغير جنسية (بصفة غير مواطنين)، والتقدم للحصول على جوازات سفر روسية، أو اجتياز اختبارات لغة للتأهل للتجنس.
ومع ذلك، بعد أكثر من 3 عقود على الاستقلال، يشكل مواطنو إستونيا أقل من نصف سكان مدينة نارفا الساحلية.