طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية وضع تقديرات للتكلفة التي ستتكبدها إسرائيل جراء إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي إلى قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، فيما تتزايد الخلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي بشأن هذا الملف.
وسعت الوثيقة، التي تم إعدادها بناء على طلب من وزارة الدفاع الإسرائيلية للوقوف على الخيارات البديلة لحكم حركة حماس في القطاع الفلسطيني، إلى رصد الآثار المترتبة على ميزانية إسرائيل في حالة إقامة حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي قالت إنها حصلت على الوثيقة.
وقدرت الوثيقة أن إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي إلى قطاع غزة سيكلف إسرائيل حوالي 20 مليار شيكل (أي ما يعادل 5.5 مليار دولار) سنوياً، وذلك على صعيد عمليات التشغيل والإدارة فقط، فيما تقدر تكلفة بناء ممر إضافي إلى القطاع، على سبيل المثال، بنحو 150 مليون شيكل (حوالي 41 مليون دولار)، لا تشمل تكلفة التشغيل الجاري.
بالإضافة إلى هذه الأرقام، ستكون هناك تكلفة إضافية لإعادة إعمار قطاع غزة المدمر بشكل شبه كلي، سواء على صعيد البنية التحتية والطرق، أو المستشفيات والمدارس.. إلخ.
وقدرت الوثيقة كذلك أن الحكم العسكري الإسرائيلي في غزة سيتطلب نحو 400 شخص، إضافة لبقاء 5 كتائب من الجيش الإسرائيلي في غزة، 4 هجومية وواحدة دفاعية، وهو ما يتطلب من إسرائيل تقليص عدد قواتها على الجبهة الشمالية (الحدود اللبنانية) وفي الضفة الغربية، فضلاً عن زيادة كبيرة في نطاق الاحتياطيات المخصصة للعمالة التشغيلية.
وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن الحرب في غزة ألحقت أضراراً جسيمة باقتصاد إسرائيل وتكبدت خسائر بكافة القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق، وتسببت في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال - حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم - حيث تم إيواؤهم في 438 فندقاً ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الحكومة الإسرائيلية 6.4 مليار شيكل (ما يعادل 1.74 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.
السيطرة على غزة
ونقلت وكالة "رويترز" عن ضابط المخابرات السابق وأحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في شؤون حماس ميخائيل ميلشتاين قوله إن السيطرة الكاملة على غزة ستتطلب على الأرجح 4 كتائب أو نحو 50 ألف جندي.
وقال ميلشتاين عن حماس: "إنها منظمة مرنة للغاية ويمكنها التأقلم بسرعةكبيرة.. لقد اعتمدوا أنماطاً جديدة من حرب العصابات".
وقال يوسي ميكيلبيرج، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس: "الخيارات بالنسبة لإسرائيل هي إما أن ينهوا الحرب وينسحبوا، أو أن يشكلوا حكومة عسكرية لإدارة كل شيء هناك، وأن يسيطروا على المنطقة بأكملها لفترة من الوقت لا أحد يعرف نهايتها، لأنه بمجرد أن يغادروا منطقة ما، ستظهر حماس مجدداً".
وكان استطلاع، أجرته القناة 12 الإسرائيلية ونشرت نتائجه مساء الخميس، أظهر أن 40% من الإسرائيليين يؤيدون فرض الحكم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، في اليوم التالي للحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر.
وسُئل من شملهم الاستطلاع حول "الحل في قطاع غزة في اليوم التالي" للحرب الإسرائيلية، فأجاب 40% منهم بضرورة فرض الحكم العسكري الإسرائيلي على غزة، فيما أعرب 40% عن اعتقادهم بأن الأفضل هو إسناد إدارة القطاع إلى جهات فلسطينية مدعومة من دول عربية، وقال 20% إنهم لا يعرفون الإجابة عن هذا السؤال.
مخاوف أميركية
وقال مسؤول أميركي كبير إن الولايات المتحدة تتشارك المخاوف ذاتها التي أعرب عنها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، والتي تتعلق باحتمالية فرض حكم عسكري إسرائيلي على قطاع غزة، بعد الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من 7 أشهر.
وأضاف المسؤول الأميركي، في تصريحات أوردتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن "الولايات المتحدة تشارك جالانت قلقه من عدم وجود أي خطط إسرائيلية للسيطرة وحكم المناطق التي يقوم الجيش الإسرائيلي بتطهيرها، ومن ثم يسمح لحركة حماس بإعادة تجميع قواتها في تلك المناطق. هذا أمر مقلق، لأن هدفنا هو رؤية الهزيمة تلحق بحماس".
يأتي ذلك بعد أن قال جالانت، الأربعاء، إنه "لن يوافق على حكم إسرائيلي عسكري في غزة بعد انتهاء الحرب والقضاء على حماس"، ما دفع وزيرين في الحكومة الإسرائيلية للمطالبة بإقالته من منصبه.
ودعا جالانت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رفض مثل هذه الخطوة علناً، متحدياً إياه "الترويج لهيئة حكم بديلة لقطاع غزة"، موضحاً أنه طلب في وقت سابق إنشاء هيئة حكم بديلة لـ"حماس" في غزة بعد الحرب، لكنه لم يتلق رداً.
وأضاف: "في وقت مبكر من 7 أكتوبر، قالت المؤسسة العسكرية إن من الضروري العمل على إيجاد بديل لحماس"، مشدداً على أن "إنهاء الحملة العسكرية هو قرار سياسي. وفي اليوم التالي ستخرج حماس، لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الجهات التي تحل محل حماس، وهذه مصلحة إسرائيلية أولاً وقبل كل شيء".
وأوضح جالانت أن خطة الجيش "لم يتم طرحها للمناقشة، والأسوأ من ذلك أنه لم يتم طرح أي بديل مكانها. إن الحكم العسكري في غزة هو بديل سيئ وخطير لدولة إسرائيل"، لافتاً إلى أن مثل هذا القرار سيتم دفع ثمنه "من الدماء والضحايا، وستكون له كلفة اقتصادية باهظة".
وتابع: "يجب علينا اتخاذ قرارات صعبة من أجل المصلحة الوطنية، حتى لو كان ذلك ينطوي على تكاليف سياسية. الناس يتوقعون منا أن نتخذ الخيارات الصحيحة"، إذ استشهد بقانون التجنيد الأرثوذكسي المتطرف الذي تعهد نتنياهو بالدفع به، قائلاً إن مؤسسة الدفاع تحت قيادته "لن تروج لقانون يتم فرضه من جانب واحد".
جانتس يدعم جالانت
بدوره، عبّر بيني جانتس، عضو حكومة الحرب الإسرائيلية، الأربعاء، عن دعمه للمعارضة العلنية التي أبداها جالانت بشأن نهج رئيس الوزراء المتعلق بالتخطيط لقطاع غزة بعد الحرب.
وقال جانتس، في بيان عبر الفيديو، إن وزير الدفاع "قال الحقيقة". وأضاف: "مسؤولية القيادة هي فعل الصواب للبلاد، بأي ثمن"، لكن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن جفير طالب بإقالة وزير الدفاع، وقال في منشور على "إكس": "من وجهة نظر جالانت، لا يوجد فرق بين ما إذا كانت غزة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي أو سيطرة حماس".
وأضاف أن "هذا هو جوهر تصور وزير الدفاع الذي فشل في 7 أكتوبر، وما زال يفشل حتى الآن. يجب استبداله من أجل تحقيق أهداف الحرب" على غزة.
وكان مسؤولون إسرائيليون جددوا تحذيراتهم من عدم وجود خطة لليوم التالي لحرب غزة، في وقت تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في مواجهة "حالة سخط" من جانب قادة عسكريين لغياب رؤية متكاملة وواضحة.
وأوضحت الصحيفة أن كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين شرعوا في مناقشة الأمر بصراحة أكبر، بعد أن "فشلت" حكومة نتنياهو في طرح خطة لليوم التالي للقتال في غزة.