يرى عدد كبير من المكسيكيين أن انعدام الأمن هو التحدي الأكثر إلحاحاً أمام الفائز بالرئاسة في انتخابات يونيو المقبل في المكسيك، حيث ينتشر العنف الإجرامي، إذ تسعى عصابات الجريمة المنظمة للحفاظ على نفوذها بعد اختيار رئيس جديد للبلاد.
وتتواجه في الانتخابات المرشحة عن حزب اليسار الحاكم كلوديا شينباوم، والمرشحة عن يمين الوسط سوتشيتل جالفيز، لخلافة الرئيس المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور.
وتتنافس عصابات الجريمة المنظمة في المكسيك للسيطرة على نقل المخدرات إلى الولايات المتحدة، ومن أبرزها جاليسكو نويفا جينيراثيون، وسينالوا، وجولفو، كما تتنافس بسبب أنشطة أخرى كالإتجار بمهاجرين، وتنفيذ عمليات ابتزاز، وحتى سرقة المحروقات.
وتشهد المكسيك أعمال عنف منذ ديسمبر 2006 مع تولي الرئيس السابق فيليبي كالديرون (2006-2012) منصبه وشنه هجوماً عسكرياً ضد العصابات، ومنذ ذلك الحين، سجلت البلاد أكثر من 420 ألف حالة اغتيال وأكثر من 100 ألف حالة اختفاء.
استراتيجية مغايرة
وغيّر أوبرادور الذي يتولى السلطة منذ عام 2018 الاستراتيجية المعتمدة، مشدداً على أنه يفضل مهاجمة أسباب العنف مثل الفقر، ونقص التدريب، ونقص فرص العمل للشباب.
ومنحت سياسة أوبرادور الأولوية للبرامج الاجتماعية بدل الاعتماد على القمع، ولخَّصها بصيغة ينتقده عليها خصومه وهي "أوسمة، وليس إطلاق نار".
وتراجع معدل جرائم القتل لكل 100 ألف نسمة من 28 جريمة في عام 2018 بحسب البنك الدولي، إلى 23.3 في عام 2023 بحسب مؤسسة "إنسايت كرايم".
ومع ذلك، ما زالت المكسيك من بين الدول التي تشهد أكبر عدد من أعمال العنف في العالم وفي أميركا اللاتينية، حيث يقع ترتيبها بين هندوراس التي سجلت 38 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة، والبرازيل (22 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة).
وتسجل المكسيك نحو 30 ألف جريمة قتل سنوياً، أي نحو 80 جريمة يومياً. وتشهد 6 من أصل 32 ولاية نحو نصف جرائم القتل، وفقاً للحكومة.
وقال أوبرادور إن ثلاثة أرباع جرائم القتل مرتبطة باشتباكات بين جماعات إجرامية.
وعود انتخابية
ووعدت رئيسة بلدية مدينة مكسيكو السابقة كلوديا شينباوم، على غرار لوبيز أوبرادور، بمعالجة أسباب الانحراف "حتى يكون للشباب الحق في حياة غير مرتبطة بالجريمة المنظمة". كما وعدت بـ"مكافحة الإفلات من العقاب".
وتعتمد شينباوم، التي تتقدّم في استطلاعات الرأي إلى حد كبير، على خبرتها كرئيسة لبلدية العاصمة بين 2018 و2023، إذ انخفض عدد جرائم القتل إلى 742 في عام 2022 مقابل 1309 في عام 2019، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.
ولخصت شينباوم آليات عملها في نهاية عام 2023، مؤكدة أنها ارتكزت على "معالجة الأسباب، وزيادة عدد عناصر الشرطة ومهاراتهم، وعلى الاستخبارات، والتحقيق والتنسيق بشكل أفضل".
ومن جانبها، أطلقت منافستها سوتشيتل جالفيز حملتها تحت شعار "من أجل مكسيك من دون خوف". ووعدت جالفيز بملاحقة المجرمين المطلوبين بدعم من الجيش، وبناء سجن لأخطرهم، وتحسين رواتب عناصر الشرطة.
أميركا.. الجارة الشمالية
ولا يمكن الحديث عن الأمن في مكسيكو من دون ذكر جارتها الكبيرة في الشمال. وتطلب الولايات المتحدة من المكسيك مكافحة تهريب الفنتانيل الذي يقتل آلاف الأميركيين.
وقدّمت المكسيك شكوى في الولايات المتحدة ضد الشركات المصنعة للأسلحة التي تسبب الموت على أراضيها.
ويتواجد عناصر مكافحة مخدرات أميركيون في الأراضي المكسيكية، ما يثير أحياناً استياء المكسيكيين.
وفي مواجهة احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتوقع خبراء أن يزداد الضغط على المكسيك لمحاربة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية.
وقال سفير المكسيك السابق لدى الولايات المتحدة أرتورو ساروخان: "في مواجهة هذا السيناريو، يتعين على المكسيك أن تعد خطة بديلة لإعادة التكيف الكامل في مجال علاقاتها الثنائية".
وقال عضو في فريق حملة شينباوم: "نحن نستعد لكلا السيناريوهين"، اللذين قد ينتجان عن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، متحدثاً أيضاً عن القضايا الاقتصادية.
ورأى المحلل راوول بينيتيز، أن على المكسيك العمل على تحسين التنسيق بين القضاة والشرطة والمدَّعين العامين ووكالات الاستخبارات.
واعتبر أن كلوديا شينباوم نجحت في تحقيق هذه المهمة أثناء توليها رئاسة بلدية مدينة مكسيكو.
ويكمن التحدي في نقل هذه الطريقة لتطبيقها في مختلف أنحاء البلاد البالغ عدد سكانه 129 مليون نسمة، ما يتطلب موارد هائلة لإصلاح "سلسلة قضائية مدمرة"، بحسب مستشار الأمن والاستخبارات كارلوس رودريجيز.