رئيس الوزراء اليمني: فرص السلام تتضاءل

time reading iconدقائق القراءة - 20
رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط في لندن. 21 مايو 2024 - الشرق الأوسط
رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط في لندن. 21 مايو 2024 - الشرق الأوسط
لندن (الشرق الأوسط)-بدر القحطاني

قال رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط"، إن القبول بالسماح لـ"الحوثيين" بالسيطرة على الحدود والمياه الإقليمية اليمنية "خطأ استراتيجي"، لافتاً إلى أنه "يهمنا الوصول إلى سلام مستدام لا يقود لتسليم اليمن لخدمة أجندة إيران".

وتحدَّث بن مبارك خلال الحوار الذي كان بمثابة شرح لـ"مانيفستو" أو برنامج عمل الحكومة داخلياً وخارجياً، عن موضوعات، من أبرزها زيارته إلى بريطانيا، وتعاطي الولايات المتحدة مع الهجمات في البحر الأحمر، إلى جانب تحديات الكهرباء والخدمات في اليمن، وانتقادات النزول الميداني المكثف.

ويعتقد كثير من الراسخين في فهم الأزمة اليمنية أن العمليات الحوثية في البحر الأحمر "غربلت فرص السلام"، رغم أن الجماعة تقول، وعلى لسان مسؤوليها، إن الأمرين منفصلان.

الرواية الرسمية الأممية تتحدث عن أنها عرقلت تحركات المبعوث هانس جروندبرج الذي تلقى بدوره انتقادات ضمنية من وزير الخارجية اليمني الجديد الدكتور شائع الزنداني.

ويرى رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي، أن الاستجابة السياسية للتطورات في البحر الأحمر أو التصعيد العسكري الحوثي المحتمل والحرب الاقتصادية الحالية، مجموعة من التحديات الحالية التي ستتعامل معها حكومة بن مبارك، بالإضافة إلى العبء التقليدي، وهو وجود 8 أعضاء مجلس فوق رئيس حكومة واحد.

تضاؤل السلام

وبسؤاله عن هل ما زال السلام قائماً في ظل التصعيد الحوثي؟ قال رئيس الوزراء اليمني: "بالنسبة إلينا سيبقى السلام خياراً استراتيجياً"، يعلل بن مبارك ذلك بأنه مع التصعيد الحوثي الأخير "أصبحت فرص السلام تتضاءل، نتيجة تصرفات الحوثيين وانحيازهم للبعد الأيديولوجي مقابل المصالح البراجماتية التي كان من الممكن أن يحققوها لو انصاعوا للحلول المطروحة على الطاولة".

وأضاف: "أصبح العالم ينظر بريبة شديدة للدور الذي من الممكن أن يلعبه الحوثيون في أي صيغة سلام مقبلة"، ويعتقد رئيس الوزراء أن هذا الأمر بالتحديد "بدأ يشغل بال المجتمع الدولي بشكل كبير، خاصة في ظل استخدام الحوثيين القدرات والعلاقات الوطيدة بينهم وبين إيران"، ما جعل السلام يتعقد أكثر فأكثر.

ويرى رئيس الحكومة اليمنية ضرورة مراجعة ربط السلام مع عمليات البحر الأحمر.

وعند سؤاله عن شرط واشنطن على "الحوثيين" وقف الهجمات البحرية لإكمال العملية السلمية قال: "تعاني الحكومة اليمنية من الدفع بصيغٍ عنوانها السلام لكنَّها تقود إلى مزيد من الصراع، وتعمل على إطالة أمد الصراع بمستويات وأشكال مختلفة... في مراجعاتنا مع المجتمع الدولي كنَّا دائماً نؤكد، وأنت تعلم كم ضُغط علينا باتجاه الذهاب إلى ستوكهولم، وأعلنت هناك اتفاقية سلام لم تصمد لساعات، ونحن في كل الصيغ الجديدة سواء هدنة أو ما بعدها أو الآن خارطة طريق، يهمنا أن يدعم المجتمع الدولي خطة سلام حقيقي تقود إلى خطة سلام مستدام، وتقود إلى عدم تسليم اليمن بشكل أو بآخر إلى أحضان حركة مثل الحوثي تخدم أجندة إيران، وهذا سيكون وبالاً ليس على اليمنيين فقط، وسيرفضهم اليمنيون، لكن كذلك على المنطقة والعالم".

ومضى يتساءل: "هل سيعود الحوثيون حركة عادية إذا ما توقفوا اليوم عن عملياتهم في البحر الأحمر، ويمكن التعاطي معهم؟ ثم قال إن "تصرفات الحوثيين خلال الأشهر الماضية أظهرت توجهاً أيديولوجياً واضحاً، وارتباطاً وثيقاً بالأجندة الإيرانية التي أوضحت أنهم يشكلون تهديداً كبيراً... لذلك لا يهمنا كيف يدعم الأميركيون أو لا يدعمون أي صياغة مقبلة، بقدر ما يهمنا أن يتم دعم ما هو مستدام، ويساعد اليمنيين على الوصول إلى صيغة يمكن من خلالها أن يتعايشوا، وأن يتعاطوا مع قضاياهم بطريقة أكثر ديمومة".

الحوثيون وغزة

ولا يرى رئيس الوزراء اليمني أن الحوثيين يمتلكون قاعدة أو أساساً أخلاقياً للادعاء بنصرة غزة.

ويقول: "من يفجر البيوت على رؤوس ساكنيها... والمساجد والمدارس... من يحاصر مدناً كاملة كما يحصل في تعز منذ أكثر من عشر سنوات، من يقنص الأطفال وهم ذاهبون للمدارس والنساء وهم ذاهبات لآبار المياه، لا يمتلك أساساً أخلاقياً للادعاء بأنه ينتصر لقضية عادلة مثل قضية أهلنا في فلسطين".

وأضاف: "بالتأكيد ما يقوم به الحوثي جزء من أجندة تستخدم فيها إيران وكلاءها في المنطقة، والحوثيون إحدى هذه الأدوات".

"التحور الغربي"

تغيرت سردية الحرب كثيراً، يقول رئيس الوزراء: "كثير مما كنا نقوله وننبه إليه أصبح الآن (الغربيون) هم الذين يذكروننا به. وكثير من السرديات التي قامت عليها حتى الحلول الأخيرة سقط. تعلم أن الحوثي لا يمكن أن يأتي للسلام إلا من خلال محفزات اقتصادية، الحديث أنه ليس هناك تأثير كبير لإيران على الحوثيين. الحديث أن الحوثي لا يمثل إلا إشكالاً داخلياً في اليمن، ولا يشكل خطراً على المستوى الإقليمي، الحديث أن الحوثيين لا يمكن أن يشكلوا خطراً على المصالح الغربية بشكل مباشر، كل هذه القضايا سقطت، الآن أصبح الغرب هو من يذكرنا بهذه القضايا".

ويرى بن مبارك أن هذا "التحور الغربي" من المهم أن يقود إلى "تحول استراتيجي في طبيعة النظر إلى الحوثيين، ليس فقط (بوصفهم) طرفاً عسكرياً أو اجتماعياً، لكنهم يمثلون تهديداً أيديولوجياً، وطبيعة هذه الأيديولوجيا وتأثيرها ليس على اليمن وحسب، وإنما المنطقة والعالم"، مضيفاً: "أعتقد أن التطورات التي حصلت ستساعد بشكل كبير جداً على تغيير هذه السردية".

استثمار هجمات البحر الأحمر

هناك طريقان للتعامل مع هجمات الحوثيين. الأولى تذكير الغربيين بأنه تم تحذيرهم سابقاً ولم يستجيبوا، وبذلك فهي مشكلتهم الآن. والثانية استثمار الموقف بطريقة بنائية. وبسؤال رئيس الوزراء اليمني: "أي الطريقين قد تسلك الحكومة؟"، أجاب: "مهم بالطريقين. ويعلل ذلك بأن الشرعية لو أرادت بناء سردية جديدة فلا بد من دحض السرديات السابقة التي قام وظل عليها كثير من الحلول الترقيعية خلال الفترة الماضية".

وتابع: "أتفق بأنه لا يكفي بأن تذكر بخطأ السرديات، دون أن توجد سردية مقابلة، وهذا ما نقوم به الآن"، لافتاً إلى أنه "رغم كل التفاصيل ما زلنا نطرح قضية العمل بالطريقة الدبلوماسية بشكل كبير، لكن يجب كذلك أن يتم دعم الحكومة اليمنية بشكل مباشر، فالقبول بالسماح لقوات خارج الدولة مثل الحوثيين بالسيطرة على الحدود والمياه الإقليمية اليمنية كان أحد الأخطاء الاستراتيجية، وبالتالي البديل هو دعم الحكومة اليمنية بخفر سواحلها، بقواتها، بامتلاك أدوات تمكنها من الدفاع عن المياه الإقليمية".

ويعتقد بن مبارك أن وجود الحكومة اليمنية على الأرض وزيادة وتمكينها من أدواتها السيادية وممارسة أعمال السيادة على أرضها "إحدى القضايا المهمة التي نعمل عليها، لذلك، رفع مستوى التعاون مع الدول الغربية على هذا الأساس بعد تصحيح هذه السرديات يعد من القضايا المهمة، والاستراتيجية أيضاً بالنسبة لنا".

زيارة بريطانيا

أعلنت المملكة المتحدة رفع نسبة المساعدات لليمن هذا العام 56%، ووجهت الحكومة البريطانية دعوة رسمية لرئيس الوزراء اليمني للقاء مسؤولين.

وأفاد رئيس الحكومة اليمنية بأنها جاءت "لمناقشة العديد من القضايا الثنائية، ومسائل أخرى منها البحر الأحمر الذي يعد من الملفات الساخنة هذه الأيام، بالإضافة إلى نية المملكة المتحدة رفع المساعدات المخصصة لليمن، خاصة من الجانب الإنساني، وحرصنا على أن يكون هناك موازنة بين ما يُقدم من مساعدات في اليمن إنسانياً، مع الجوانب التنموية المهمة، وفتح آفاق التعاون الثنائي خاصة في المجال الاستثماري، في قطاعات مثل الطاقة أو النفط مع الحكومة البريطانية".

وتحمل الزيارة التي أجراها بن مبارك دلالات لافتة، حيث أجرى أكثر من 3 اجتماعات رئيسية مع الحكومة، التقى خلالها وزيري الخارجية والدفاع، ولاحقاً وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط.

وفي حوار مع "الشرق الأوسط" سينشر لاحقاً، وصف اللورد طارق أحمد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط مناقشاته مع رئيس الوزراء اليمني بأنها "مثمرة للغاية".

واشنطن والتأرجح

كثير من النقاد اليمنيين قالوا إن الإدارة الأميركية الحالية، التي تنتهي ولايتها مع نهاية العام، تعاملت مع الملف اليمني على أنه ملف مماحكات داخلية أكثر من كونه أزمة لـ30 مليون يمني.

وسألت "الشرق الأوسط" بن مبارك: كيف ترون ذلك؟ فقال: "نعتقد أن أنسنة الأزمة اليمنية منذ البداية كانت إشكالية، وكان دائماً ينظر للملف اليمني من زاوية إنسانية، وكأن ما يحصل في اليمن هو نتاج إعصار أو كارثة طبيعية، وأن المساهمة الرئيسية للعالم تتجلى في الدعم الإنساني أو إيقاف أي عملية عسكرية خشية انعكاسها على الجانب الإنساني".

هذه قضية أولى، أما المسألة الثانية، فيقول رئيس الوزراء إن الإدارة الأميركية الحالية كانت تعد الملف اليمني إحدى أولوياتها العشر، وتعرف بأن الحوثيين كانوا مدرجين على قائمة الإرهاب (FTO)، "ثم رفعتْهم من القائمة من دون أية ضغوط بالحصول على شيء مقابل".

ويعتقد رئيس الوزراء اليمني أن المزيد من التعاطي مع أساس المشكلة في اليمن، واستيعاب طبيعة التحدي وما يمثّله الحوثيون، هو الذي سيمكن أية إدارة أميركية، سواء حالية أو مقبلة، من أن تكون تدخلاتها في اليمن أو مقارباتها لمعالجة المشكلة اليمنية حقيقية لمصلحة اليمنيين والمنطقة، ولمصلحة ولحماية المصالح الأميركية في المنطقة.

تماسك مجلس القيادة

ويصعب الحديث في اليمن عن مجلس القيادة الرئاسي من دون الإشارة إلى التوافق الذي كان يوماً ضرباً من المستحيلات. ولكي يتوافق الأعضاء على رئيس حكومة فهو أيضاً تحد آخر، يبدو أن بن مبارك نجح في تجاوزه.

يقول رئيس الوزراء اليمني: "أعتقد أن وجود كل هذه القوى، التي كانت قبل تشكيل مجلس القيادة تتحارب، في كيان واحد خطوة متقدمة بشكل كبير جداً، توحيد كل القوى المناهضة للمشروع الحوثي والمشروع الإيراني في المنطقة أمر مهم، وشكّل خطوة للأمام، أنا بصفتي رئيس وزراء أتيت بتوافق كامل بين كل القوى المشاركة في المجلس القيادي، وهناك موقف داعم واضح من كل هذه القوى، ولا يمكنني بصفتي رئيس وزراء أن أعمل، وأن أقوم بكل هذه الخطوات من دون دعم من مجلس القيادة بكل مكوناته".

هناك من راهن على سقوط المجلس، لكنه أثبت عكس ذلك، على الأقل منذ تشكيله عام 2022 وحتى اللحظة. ويقر رئيس الوزراء بوجود التحديات سواء الداخلية أو الخارجية، ويرى أنه لا يمكن تحقيقها من دون دور تكاملي بين مجلس القيادة بوصفه قيادة سياسية لمرحلة تدير السلام الحرب، والحكومة بوصفها جهازاً تنفيذياً يعكس الإرادة السياسية لمجلس القيادة، ويقول بن مبارك: "كثير مما أقوم به بدعم مباشر وتوجيهات مباشرة من مجلس القيادة... وطبيعة التحديات أمامنا تعطينا حافزاً أن نمضي معاً".

ما يجدر ترقّبه من الحكومة؟

لا يعتقد رئيس مركز صنعاء للدراسات أنه يجدر الترقب كثيراً للحكومة الجديدة، ويقول ماجد المذحجي لـ"الشرق الأوسط" إن الحكومة "إذا استطاعت تحسين مواردها المالية، فهذا بحد ذاته إنجاز".

وأضاف المذحجي: "أنت تتحدث عن سلطة كاملة ومجلس رئاسي من دون أي موارد مالية، فإذا استطاعت تحسين هذه الموارد، ومن ثم تحسين مجموعة الخدمات الأساسية، وإذا استطاعت تجاوز هذا الصيف الساخن الذي من الواضح أنه سيكون لملف الكهرباء فيه محدد حاسم في تفاعل المجتمع معها، فهذا بحد ذاته إنجاز".

وسارع أحمد بن مبارك منذ تعيينه في مطلع فبراير 2024، ومباشرة مهامه في عدن، إلى النزول الميداني والتحدث مع المسؤولين والمواطنين. وهناك من تلقى هذه النزولات الميدانية بانتقاد، وهناك من رحب بهذه الخطوة.

ويقول وكيل الخارجية اليمنية السابق مصطفى نعمان لـ"الشرق الأوسط": "من دون شك، إن اقتراب المسؤولين على كل المستويات هو نشاط يجب الإشادة به من حيث المبدأ، لكن إذا لم يقترن بإيجاد حلول ملموسة، فإنه يصبح فرصة للظهور الإعلامي ومادة للتندر والسخرية... هكذا يكون المطلوب هو تزامن النزول الميداني مع الإنجاز العملي".

وسألت "الشرق الأوسط" رئيس الوزراء عن رده على الانتقادات، فأجاب قائلاً: "أنا في وضع أعتقد أن الاقتراب من الناس قضية مهمة، بل ضرورة، وهذا نهج ومسار، وليس خياراً في هذه المسألة، فالاقتراب من الناس والاستماع لهم. ببساطة ولظروف كثيرة، وفي المقدمة الظرف الأمني، صارت هناك مسافة بين المسؤولين والمواطنين، ولكن علينا أن نتحمل بصفتنا مسؤولين ذات المخاطرة التي يتحملها المواطن".

ويعترف بن مبارك بوجود أزمة ثقة، ويقول إنه يجب ترميمها، لافتاً إلى أن "الاتصال بالناس يعطيك حسَّاً مختلفاً في كيفية التعاطي مع المشكلة. كثيرون أوصوني بألا أخرج، وأنا أتفهم هذا الأمر، لكنني أقول إن كل نزول ميداني كان يمنحنا فرصة للاطلاع على المشكلة بطريقة مختلفة وبروح مختلفة، وكان يعطينا ذخيرة مختلفة، وإذا لاحظت أنه في كثير من الأحيان يكون هناك مواجهات مباشرة مع المواطنين، وكنت أوجِّه الإعلام الرسمي بنشرها مع أنها تحتوي على نقد مباشر لي شخصياً أو لحكومتي، لكن مهم جداً أن يتحول هذا إلى مسار، سواء ما يتعلق برئيس وزراء أو بالنسبة للحكومة بشكلٍ عام".

وتابع: "وبعد كل نزول هناك أجندة عمل يجب تنفيذها سواء تلك التي تحدث بعد زياراتي للمواطنين، أو بعد الزيارة للمحافظات. وكثير من المحافظات كنت فيها من دون أي حماية وبين الناس، لكن بعد كل نزول أعود مع فريقي ونناقش كل ما شاهدناه، ونضع مصفوفة عمل، ونبدأ العمل عليها، ونتخذ إجراءات بعضها عاجل، وبعضها يحتاج إلى تدخلات مختلفة، لكنني أعتقد أنّ هذه مسألة مهمة، وأن هذا النوع من المباشرة والاتصال بالناس قضية مهمة جداً بالنسبة لي بصفتي رئيس وزراء وبالنسبة للحكومة بشكل متكامل".

أول 100 يوم

وبسؤاله عن كيف مرَّت أول 100 يوم على توليه المهمة الجديدة؟، يجيب رئيس الوزراء اليمني: "صعبة بالتأكيد؛ لأن الظروف صعبة، وتعلم أنني أتيت في ظل توقف تصدير النفط، وهذا حرم الحكومة اليمنية من أكثر من 70% من مواردها في ظل عنوان رئيسي للحرب، وهو الحرب الاقتصادية، سواء بمنع انتقال البضائع من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وحرم الحكومة كثيراً من الموارد ومنع تصدير الغاز المنزلي من مأرب، ومنع تصدير النفط، وكل ذلك خلق حرباً اقتصادية حقيقية موجهة نحو الحكومة اليمنية".

الأمر الآخر، والحديث لرئيس الوزراء: "هناك إيحاءات عامة بأننا نعيش مرحلة سلام ونحن خلال الأسبوع الماضي لدينا أكثر من 48 شهيداً نتيجة المواجهات المباشرة مع الحوثيين، بالإضافة إلى الصعاب المتعلقة بالبناء المؤسسي، والذي تعاني منه الحكومة اليمنية نتيجة أوضاع الحرب المباشرة. وبالتالي كان هناك الكثير من التحديات التي واجهتني بصفتي رئيساً للحكومة".

وفي المقابل، يرى بن مبارك أن هناك الكثير مما تحقق خلال هذه الفترة: "أتيت بعناوين رئيسية، فقد أتيت بمسألة الإصلاح، والمزيد من الشفافية والمكاشفة، والمزيد من العلاقة المباشرة مع الإنسان العادي في الشارع، ومسارات رئيسة أخرى كانت تركز على استخدام أمثل للموارد؛ للإنفاق والعمل على زيادة الموارد غير النفطية، وإصلاح مالي وإداري للمؤسسات الرئيسية للدولة، وحضور لكل المؤسسات وتفعيلها من خلال العاصمة المؤقتة عدن، واستخدام أمثل للمساعدات والإعلانات الدولية.

واستدرك بقوله: "ورغم الصعوبة، حققت الطاقة والوقود فقط جملة من الإنجازات والقضايا من خلال تفعيل لجان المناقصة، فنحن فقط في مجال الوقود الذي يصرف على الطاقة سيكون هناك تخفيض أكثر من 35 إلى 40%، مما كان ينفق سابقاً من خلال إجراءات شفافة ومناقصات، وهذا سيكون له أثر على المدى المتوسط، كما أن هناك عدداً من الإجراءات التي تم اتخاذها، وساعدت على إعادة تنمية الإيرادات، كما أن هناك خطة عامة لهذا الأمر".

ويكمل رئيس الوزراء حديثه عن التركيز على "إعادة شد جهاز الدولة، وهناك حضور، أستطيع أن أقول عنه كبير جداً، لكل مؤسسات الدولة وإعادة تفعيلها من العاصمة (المؤقتة) عدن. وكان هناك عمل جاد ومسؤول في مسألة تفعيل الدور التكاملي بين الحكومة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لإرسال رسالة أننا في إطار إعادة بناء الثقة بين المواطن والحكومة، وبين الحكومة والمجتمع، وبين الحكومة والجوار الإقليمي والدولي. ونعد هذا نهجاً ثابتاً للحكومة، وأعتقد أننا بشكل أو بآخر استطعنا إيصال هذه الرسالة، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات المتعلقة بقضية الإصلاح الإداري والمتعلقة بمكتب رئيس الوزراء، من خلال مجموعة من فرق العمل بصيغ جديدة ومختلفة، أو من خلال محاولة التركيز على عدد من الوزارات التي نعتقد أن لها أثراً مباشراً؛ سواء في تنمية الإيرادات، أو لها علاقة بشكل مباشر بتقديم الخدمات للمواطنين".

مأساة الكهرباء

وبات انقطاع التيار الكهربائي أسلوب حياة أكثر من كونه مشكلة. ولأن المواطن اليمني في النهاية لن يقيه من الحر الشديد، أو تلف المأكولات في ثلاجة المنزل أي عذر، فله الحق على الأقل في أن يشتكي. وبالفعل، يشكو كثير من اليمنيين هذه المأساة المتكررة.

يقول رئيس الوزراء: "عانى هذا القطاع في الفترة الماضية لأسباب كثيرة حتى قبل الحرب، وقد غاب التعاطي الاستراتيجي مع هذا الملف لفترة طويلة، وكان هناك اعتماد كبير على الحلول الجزئية".

وتنفق الحكومة اليمنية 30% من مواردها على قطاع الطاقة، 75% من هذا الإنفاق يذهب وحده إلى الوقود، ولهذا، استهدفت استراتيجية الحكومة بقيادة بن مبارك سعر الوقود نفسه.

وأوضح: "كانت الاستراتيجية أولاً بالتركيز على إيقاف النزيف، حتى نستطيع أن نحقق وفرة تمكننا من استخدام استثمارات على المدى المتوسط، وعلى المدى الطويل... فمثلاً الوقود الذي كان يتم شراؤه بـ1200 دولار للطن سنشتريه الآن بـ760 دولاراً للطن، وأنا هنا أتكلم عن وفرة تقترب من النصف، ونتكلم عن وفرة مماثلة سيتم تحقيقها في نقل النفط الخام الذي يصل إلى بعض محطات الطاقة خاصة في عدن... وهناك عمل على الانتقال من استخدام الديزل أو المازوت، وتوسع باستخدام الطاقة النظيفة؛ سواء الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، بالتنسيق مع أشقائنا، سواء في السعودية أو الإمارات".

ويحتاج قطاع الكهرباء إلى وقت لإصلاحه، واستثمارات كبيرة وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص، ويرى بن مبارك أنه لا يمكن للقطاع الخاص أن يساهم من دون مجموعة من الإصلاحات الهيكلية، "سواء ما يتعلق بالطابع التشريعي أو إصلاح شبكات التوزيع، وإيقاف الهدر والفاقد، سواء نتيجة ضعف شبكات التوزيع أو المد غير القانوني والسحب من شبكات الكهرباء، فضلاً عن تصحيح لتعرفة وزيادة نسب التحصيل، فهناك جملة من القضايا التي تتطلب توجهاً استراتيجياً مختلفاً مع قطاع الطاقة".

ويعتقد رئيس الوزراء أن بعض التدخلات العاجلة على المدى القصير والمتوسط ستكون ممكنة، لكنها طويلة المدى، وتحتاج إلى استثمارات كبرى، وستتطلب التحول إلى استخدام الغاز بوصفه وقوداً رئيسياً لإنتاج الطاقة الكهربائية المأمولة في البلاد، وإنتاج تكميلي من خلال الطاقة النظيفة؛ كطاقة الشمس وطاقة الرياح، أو غير ذلك من البدائل الأخرى.

هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط".

تصنيفات

قصص قد تهمك