سلط رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والذي كان الخليفة المحتمل للمرشد الإيراني علي خامنئي، في حادث تحطم مروحية، الاثنين الماضي، الضوء على مستقبل أحد أقوى المناصب في منطقة الشرق الأوسط، وحول الأنظار إلى مجتبى خامنئي، نجل المرشد والمرشح الأبرز حالياً، وسط ترجيحات غربية باستمرار إيران على سياستها الإقليمية والخارجية دون تغيير، بحسب "بلومبرغ".
ولفتت حادثة موت رئيسي الانتباه إلى شكل إيران بعد خامنئي، إذ تأتي في وقت يواجه فيه النظام مستويات غير مسبوقة من المعارضة بالداخل، وسط استمرار محاولته استعادة عافية الاقتصاد الذي أنهكته العقوبات، لكنه يجد نفسه عالقاً في سلسلة من الصراعات الإقليمية.
وقال مسؤولون غربيون ومطلعون على ما يجري داخل أروقة النظام الإيراني لـ"بلومبرغ"، إنه "من غير المرجح أن يؤدي موت رئيسي إلى تغيير السياسة الإقليمية والخارجية لطهران"، وهي "الحقيقة" التي أكدها خامنئي نفسه عندما قال للشعب الإيراني، إنه "لن تكون هناك أي اضطرابات" تتعلق بكيفية إدارة الدولة.
وعندما تبوأ خامنئي منصب المرشد الأعلى في عام 1989، خلفاً للخميني، كانت الاضطرابات تعصف بإيران التي كانت معزولة عن الغرب، بعد عقد من اندلاع ثورتها، ومحاولتها التعافي من حربها المدمرة مع العراق التي ضاعفت من عزلتها الاقتصادية.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، ومقرها بروكسل، إن "إيران لديها الآن قدرات أكبر بكثير وراء حدودها على نحو لم يكن يتخيله أحد في عهد الخميني"، معتبراً أن خامنئي "لا يريد أن يترك إرثاً يضاهي سلفه، ولا يريد أن يترك حطام دولة أنهكها خصومها الأكثر قوة".
هيمنة الحرس الثوري
وأسس الخميني، الحرس الثوري الإيراني، الذي صنفته الولايات المتحدة "منظمة إرهابية" عام 2019، ويضطلع بدور محوري في عملية "تعزيز الدولة"، من أجل حماية الجمهورية كنظام سياسي.
وتصاعدات قدرات وقوة الحرس الثوري خلال العقدين الماضيين، بحسب "بلومبرغ" التي أشارت إلى دوره الفعال في تعزيز شبكة وكلاءه وفصائله المسلحة في الشرق الأوسط لحماية مصالح إيران، ونشر نفوذها ومقاومة الوجود الأميركي في المنطقة.
ويهيمن الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني، وجمع عدداً كبيراً من الأصول، من بينها تكتل تجاري يدير شركات صناعية، ومصافي نفط، وشركات هندسية، ويشارك في مشروعات يُقدر رأسمالها بمليارات الدولارات.
وإقليمياً، رسم خامنئي مع الحرس الثوري خارطة سياسة إيران في المنطقة، وحدد ملامح وضعها الأمني.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية، ثم الوصول إلى حافة الصراع بين الجانبين بعد اغتيال القيادي البارز قاسم سليماني، اضطلع الحرس الثوري بدور أكثر بروزاً في إدارة البلاد، وظهر ذلك بشكل جلي من خلال الطريقة التي ردت بها طهران على الهجوم على قنصليتها في دمشق، في أبريل الماضي، وتحميلها تل أبيب المسؤولية.
وعندما ردت إيران باستهداف إسرائيل بوابل من الصواريخ والمسيرات، صدر القرار بمعرفة المرشد، وعدد من كبار قادة الحرس الثوري، بحسب مصدر مطلع على عملية صنع القرار في طهران لـ"بلومبرغ".
وأضاف فايز، أن "خامنئي لا يزال يحتفظ بما يكفي من السلطة لكبح جماح الجيش، ولكن خليفته لن يكون في وضع جيد على الأقل بداية تولي مهمة".
ويقدم موت رئيسي كذلك فرصة للجماعات المتنافسة داخل الحرس الثوري، والفصيل السياسي المتشدد المحيط بخامنئي، لإحكام قبضتيهما على زمام السياسة الإقليمية لطهران، وتعزيز أوضاعهما قبل أي عملية انتقال إلى السلطة.
في هذا السياق، قال روب ماكير السفير البريطاني السابق لدى إيران (2018 -2021)، إن "الحرس الثوري سيكون له القول الفصل في خلافة خامنئي، وعلى الأقل سيزيد إحكام قبضته على النظام".
ويحل محل رئيسي كرئيس مؤقت قبيل الانتخابات المقررة في 28 يونيو المقبل، الضابط السابق في الحرس الثوري، والذي تربطه علاقات وثيقة بمكتب خامنئي، محمد مخبر.
استراتيجية إصلاح السياسة الخارجية
وقال المحللون، إن خامنئي مصمم على تسليم البلاد لخليفته في شكل أفضل مما وجدها عليه، من خلال ضمان وجود مؤسسات وأشخاص مناسبين في الأماكن المناسبة، حتى يتمكن من إدارة ملف خلافته حال حياته.
وكجزء من الاستراتيجية، أصلحت إيران علاقاتها مع عدد دول الجوار، مثل السعودية، والإمارات، وقوى إقليمية أخرى.
وتأتي انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في نوفمبر، والعودة المحتملة لدونالد ترمب، الذي انسحب من الاتفاق النووي، كرئيس، بمثابة المادة المحفزة لجهود إيران من أجل تحسين العلاقات.
وقال المصدر المطلع على صناعة القرار في طهران لـ"بلومبرغ"، إن "هذا تجلى خلال الأيام الماضية، في الهجوم على إسرائيل عندما حذرت طهران الجيران العرب وواشنطن من نوايا تل أبيب، ومثل أمير سعيد إيرواني، سفير إيران لدى الأمم المتحدة جزءاً من هذه الدبلوماسية".
وذكر دبلوماسي أوروبي، طلب من "بلومبرغ" عدم كشف هويته بسبب حساسية الأمر، أن الهجوم الإيراني "كان محفوفاً بالمخاطر، ولكنه كان محسوباً".
وأضاف، أن "الهجوم أظهر أن تلك الإشارات التي بعثتها طهران كانت واضحة المعالم، ومفهومة لدى واشنطن في الساعات السابقة على الهجوم".
وأشار إلى أنه بـ"المقارنة مع الوضع عام 2020، والتوتر الذي أثاره موت سليماني، بات لدى الإيرانيين سبلاً أكثر بكثير للوصول إلى الولايات المتحدة".
وقال مسؤول حكومي إيراني طلب من "بلومبرغ" عدم ذكر اسمه، إن "إدارة بايدن تعمل أيضاً بدأب من أجل تخفيف حدة التوتر".
وأبرزت القنوات الإعلامية الحكومية الإيرانية المقربة من النظام، أخبار إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، كما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والتي تراقب البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، إن طهران أظهرت مؤخراً استعدادها المشاركة في "حوار جاد" مع الوكالة، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز".
ويفضل رجال الدين والجنرالات في طهران، الذين يتعاملون عادةً بواقعية مع القضايا الجيوسياسية، أن يكونوا متشددين في طريقة تعاملهم مع انخفاض شعبيتهم على نطاق واسع في المراكز الحضرية، وبين الشباب.
وقال دبلوماسي أوروبي آخر طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الأمر، إن "المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني يخاطرون بتقويض أنفسهم من خلال انتهاجهم سياسات قمعية متشددة في الداخل".
ولفت إلى أن "السنوات الـ8 الماضية، كانت من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخ الجمهورية، وقوبل كل فصل جديد من الاضطرابات الداخلية برد فعل أقوى من قبل قوات الأمن".
وكان آخر نموذج لذلك الانتفاضة التي اندلعت نتيجة وفاة مهسا أميني الشابة الإيرانية الكردية البالغة من العمر 22 عاماً، في سبتمبر 2022 في الحجز بعد اعتقالها بزعم انتهاك قواعد الزي الإسلامي.
وتندلع حالياً حملة قمع متجددة ضد النساء، والتي سعى البعض إلى إلقاء اللائمة فيها على "التوترات الإقليمية"، مؤكدين أن طهران تريد تحاشي أي فرصة للاحتجاج الداخلي.