وسط شعبية طاغية.. رئيس المكسيك يستعد لتسليم السلطة إلى تلميذته

"أملو" يرفض استخدام الطائرة الرئاسية والإقامة في القصر ويعقد مؤتمراً صحافياً يومياً

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور خلال مؤتمر صحافي في القصر الوطني بالعاصمة مكسيكو سيتي. 24 مايو 2024 - Bloomberg
الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور خلال مؤتمر صحافي في القصر الوطني بالعاصمة مكسيكو سيتي. 24 مايو 2024 - Bloomberg
دبي -الشرق

يستعد الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، لتسليم السلطة في أعقاب الانتخابات العامة، المقررة الأسبوع المقبل، إلا أنه لا يزال يتمتع بشعبية طاغية في أوساط الطبقة العاملة، كما تعد "تلميذته" المرشحة الأوفر حظاً لخلافته، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز". 

وذكرت الصحيفة البريطانية، أن الرئيس البالغ من العمر 70 عاماً، بدأ حياته السياسية زعيماً في الاحتجاجات في مسقط رأسه في ولاية تاباسكو، قبل أن يصبح عمدة العاصمة مكسيكو سيتي في عام 2000.

وبعد ذلك أمضى عقداً يجوب أنحاء البلاد ضمن حملاته الانتخابية، حيث خسر اقتراعين رئاسيين، ولكنه نجح في بناء قاعدة عريضة في أوساط الطبقة العاملة، ما ساعده على تحقيق فوز كاسح في جميع أوساط التركيبة السكانية في عام 2018.

وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن الرئيس المكسيكي لا يزال يتمتع بشعبية طاغية، حققت له معدلات تأييد تصل إلى نسبة 65%؛ رغم ركود النمو، وتسجيل المكسيك واحداً من أسوأ معدلات زيادة الوفيات في المنطقة جراء جائحة فيروس كورونا في عهده، ووصول معدلات جرائم القتل إلى مستويات قياسية.

ويحتفظ الرئيس، المعروف باسم "أملو"، وهي الأحرف الأولى من اسمه، بولاء الفقراء المكسيكيين، الذين تذمروا منذ فترة طويلة ضد ما يرونه "طبقة سياسية منعزلة وملوثة بالفساد"، ولكنهم لا يرون الرئيس جزءاً منها.

"رجل بسيط"

ورفض لوبيز أوبرادور، استخدام الطائرة والقصر الرئاسيين، قائلاً إنه لا يمتلك بطاقة ائتمان. وقلّما يسافر الرئيس، المحدود بولاية رئاسية واحدة لستة سنوات بموجب الدستور المكسيكي إلى الخارج، ويشتهر بسيارته من طراز "فولكس فاجن جيتا" بيضاء، وتناوله الطعام في مطاعم الوجبات الخفيفة، والمقاهي المتواضعة.

وفاز الرئيس في تلاكسكالا بجميع الانتخابات الثلاث التي نافس فيها، بما في ذلك ما يقرب من ثلاثة أرباع الأصوات في عام 2018، وهي ثاني أعلى نسبة بعد ولايته الأصلية.

وتضم ولاية تلاكسكالا، وهي أصغر ولاية مكسيكية بعد العاصمة، مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وبعض المصانع، ومجتمعات السكان الأصليين، ومستويات عالية من الفقر.

ووصف أحد عمال المطاعم، الذين تحدثوا للصحيفة، الرئيس أوبرادور بأنه "رجل بسيط وودود، يأتي إلى هنا من أجل تناول الأطعمة التقليدية"، مضيفاً: "إنه يحب التواجد بين الناس".

على غرار كثير من المكسيكيين المسنين، قال إليزار فلوريس، وهو جزار ما زال يعمل وهو في السبعين من عمره في بلدة كونتلا، بولاية تلاكسكالا، إن شيئاً واحداً تغير في السنوات الأخيرة، وهو "المعاش التقاعدي الحكومي"، الذي منحه أموالاً أكثر بقليل لمساعدة أسرته.

وأشار فلوريس، إلى أنه يدين بالفضل لشخص واحد، وهو "الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور"، لأنه "الأفضل (...) ويساعد هؤلاء الذين يملكون أقل القليل".

ويأتي فلوريس ضمن 25 مليون شخص في المكسيك يتمتعون الآن بمزايا البرنامج الاجتماعي، وفقاً لأرقام حكومية، بعد أن صارت التحويلات النقدية محور المشروع السياسي الرئاسي.

شعبية رغم الانتقادات

وتمثل البرامج الاجتماعية الحكومية، التي تستهدف المسنين وبعض المزارعين والشباب، جوهر الشعبية التي يحظى بها لوبيز أوبرادور، إذ بلغت معدلات الإنفاق الاجتماعي 30% منذ توليه السلطة بالقيمة الحقيقية، وهو يميل بدرجة كبيرة إلى التحويلات النقدية، التي تزيد بأكثر من 3 أضعاف، وفقا لمركز أبحاث IMCO للسياسية العامة.

ويشير اتساع نطاق تغطية البرامج الاجتماعية في عهد لوبيز أوبرادور، مقارنة بسلفه إنريكي بينيا نييتو، إلى زيادة قاعدة المستفيدين من هذه المظلة، برغم حصول الفقراء على مبالغ أقل نسبياً من ذي قبل.

كما أشرف لوبيز أوبرادور على زيادة الحد الأدنى اليومي الهش للأجور في المكسيك إلى 250 بيزو (ما يعادل 15 دولاراً)، أي بأكثر من ضعف ما كانت عليه، مخلفاً القليل من التداعيات الاقتصادية السلبية.

وساعد ذلك على إخراج ملايين المكسيكيين من الفقر المتوسط، إذ انخفض المعدل إلى 36% في عام 2022، مقارنة بنسبة 42% عند توليه الرئاسة. رغم ذلك، ارتفع الفقر المدقع بنسبة طفيفة.

ويرى منتقدو لوبيز أوبرادور، فيه "شخصية استقطابية تسعى إلى إعادة الحزب المهيمن وتقويض الديمقراطية، ما أدى إلى "انقسام المراكز الحضرية المكسيكية"، مثل مكسيكو سيتي، فيما يقول بعض الذين اعتقدوا أنه "كان عمدة محترماً"، إنه اتخذ منذ ذلك الحين منعطفاً "أكثر تشدداً وتعصباً"، حسب "فاينانشيال تايمز".

ويساور ناخبون من الطبقتين المتوسطة والعليا، القلق من أن لوبيز أبرادور يعمل على "إضعاف الديمقراطية"، ما دفع مئات الآلاف إلى  المشاركة في مسيرات دفاعاً عن مؤسسات مثل المحكمة العليا والهيئة الانتخابية خلال الأشهر الأخيرة.

ولكن القاعدة الشعبية للرئيس لوبيز أوبرادور، تنظر إلى الأمر على نحو مختلف، إذ قال فلوريس إن "هناك المزيد من الديمقراطية الآن، لأن المكسيكيين يشاركون بشكل أكبر".

"مانانيرا" أبرز نقاط القوة

ووفقاً للصحيفة، يأتي "مانانيرا"، وهو مؤتمر صحافي صباحي يمتد لساعات، ويُعقد في كل يوم عمل طوال الأسبوع ضمن "أهم نقاط القوة" لدى لوبيز أوبرادور.

ويهيمن هذا المؤتمر على موجات الأثير في بلد تعتمد فيه قطاعات كبيرة من وسائل الإعلام على الإعلانات الحكومية. وغالباً ما يطرح الصحافيون الودودون "أسئلة متملقة".

في هذا السياق قال رئيس مؤسسة ميتوفسكي لاستطلاعات الرأي، روي كامبوس، إنه "لا يمكن تفسير ما يحدث اليوم في المكسيك، ولا شعبية لوبيز أوبرادور، ولا الميول التصويتية بدون مانانيرا"، مضيفاً: "في نهاية المطاف، يريد الناس رئيساً يواجه الأقوياء، ويدافع عن الفقراء، وهذا هو الخطاب الذي يطرحه لوبيز أوبرادور كل يوم".

وكما هو الحال مع القادة الشعبويين الآخرين، الذين يتمتعون بقدرة فائقة على التواصل، صاغ لوبيز أوبرادور عبارات دخلت المعجم المحلي المكسيكي. فهو يحب إدانة "وسائل الإعلام المحافظة والبرجوازية"، وعندما يواجه الإحصاءات غير المرضية، يقول إن لديه "بيانات مختلفة".

ويصفه منتقدوه بأنه الرئيس "التيفلون"، الذي يبرر إخفاقاته بالعقبات التي تضعها "النخب" في طريقه حسبما أوردت "فاينانشال تايمز". ويمتاز التيفلون بمقاومته للمواد الكيميائية وخواصه العازلة، وستخدم في أواني الطهي غير القابلة للالتصاق.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن الأمن هو  مصدر القلق الأكبر للناخبين في هذه الانتخابات، حيث سجلت زيادة في جرائم القتل والاختفاء في عهد لوبيز أوبرادور مقارنة بأي رئيس آخر في تاريخ المكسيك.

ويتفق مؤيدوه على أن لوبيز أوبرادور، لم يحل هذه المشكلة، ولكنهم يعتقدون أنه يريد ذلك، وأن المهمة "بالغة الصعوبة"، أو أن آخرين هم المسؤولون عن زيادة إراقة الدماء، مثل المسؤولين المحليين والسلطة القضائية.

"تلميذة" أوبرادور

وفيما يتعلق بخليفة الرئيس المكسيكي، لفتت "فايننشيال تايمز"، إلى أن كلوديا شينباوم، "تلميذة" لوبيز أوبرادور، والمرشحة الأوفر حظاً للفوز بمنصب الرئيس المكسيكي تعهدت بمواصلة سياساته على نطاق واسع.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أنها يمكن أن تفوز بنسبة مماثلة من الأصوات، إذ يخطط ثلثا المستفيدين من البرامج الاجتماعية للوبيز أوبرادور للتصويت لصالح شينباوم، في حين سيصوّت نحو نصف الذين لا يستفيدون من هذه البرامج لمرشح المعارضة زوتشيتل جالفيز، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة El Financiero في أبريل.

فيما يتبنى العديد من الناخبين وجهة نظر "سلبية" تجاه أحزاب المعارضة، وبخاصة "الحزب الثوري المؤسسي"، الذي يرتبط بعقود من حكم "الحزب الواحد والفساد"، وهي الرواية التي يروج لها لوبيز أبرادور في مؤتمراته. ويشكل "الحزب الثوري المؤسسي" جزءاً من الائتلاف الذي يقوده جالفيز.  

ونقلت الصحيفة عن دوروتيو زيلهوانتزي، وهو حرفي متخصص في صناعة البطانيات في تلاكسكالا، قوله إن "الحزب الثوري المؤسسي باع البلاد"، مضيفاً أنه "تم بيع الطرق للكنديين وتوزيع النفط على الأميركيين".

وباتت انتخابات يونيو، التي تشمل أيضاً مقاعد الكونجرس وعشرات الآلاف من المناصب المحلية، بمثابة "استفتاء" على المشروع السياسي للوبيز أوبرادور، رغم عدم مشاركته في الانتخابات لأول مرة منذ عقدين.

ورغم تعهدها بمواصلة مشروعه، سيتعين على شينباوم التعامل مع العجز المالي الكبير، وافتقارها كأكاديمية سابقة إلى أسلوب التواصل التلقائي، الذي كان يملكه معلمها. 

وذكر الرئيس أنه سيتقاعد في مزرعته، لكن كثيراً من مؤيديه قالوا إنهم يتمنون "لو كان بإمكان الرئيس الترشح مرة أخرى".

وعن شينباوم وغيرها من الزعماء الوطنيين، قال الجزار فلوريس: "سيحافظون على استمرار حركة لوبيز أوبرادور في الوقت الراهن، ولكن في المستقبل.. من يدري؟".

تصنيفات

قصص قد تهمك