قال المدعون خلال المرافعات الختامية، الثلاثاء، في محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب المعروفة إعلامياً بـ"شراء الصمت"، إن ترمب متورط في عمليات "مؤامرة وتستر"، فيما اتهم محامي ترمب، الشاهد الرئيسي بأنه "أكبر كذاب على الإطلاق"، وضغط على هيئة المحلفين من أجل "تبرئة شاملة".
وترمب متهم بتزوير سجلات محاسبية لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز على خلفية علاقة تقول إنه أقامها معها تعود إلى عام 2006، كان من الممكن أن تضر بسعيه للفوز بالرئاسة عام 2016.
وقدمت الروايات المتعارضة لهيئتي الادعاء والدفاع، والتي كانت متباينة إلى حد كبير في تقييماتها لمصداقية الشهود وقوة الأدلة، لكلا الجانبين، فرصة أخيرة لتسجيل نقاط لدى هيئة المحلفين قبل أن تبدأ مداولاتها في أول قضية جنائية ضد رئيس أميركي سابق، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
وبعد أكثر من 4 أسابيع من جلسات الإدلاء بالشهادة، تطرح جلسات المرافعات الختامية مهمة جسيمة وغير مسبوقة تاريخياً على عاتق هيئة المحلفين، عندما تقرر ما إذا كانت ستدين المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض قبل انتخابات نوفمبر.
وكانت هناك تلميحات سياسية واضحة تتعلق بإجراءات المحاكمة، إذ نظمت حملة الرئيس جو بايدن فعالية خارج قاعة المحكمة بمشاركة الممثل روبرت دي نيرو.
"مؤامرة وتستر"
وقال المدعي العام جوشوا ستينجلاس لهيئة المحلفين، إن "هذه القضية، في جوهرها، تتعلق بمؤامرة وتستر"، فيما سعى إلى التخفيف من مخاوف المحلفين المحتملة بشأن مصداقية الشهود. على سبيل المثال، قال ترمب إنه ودانييلز لم يمارسا الجنس قط، وهاجم كوهين مرارا وتكرارا ووصفه بالكاذب.
وأقر المدعي العام، بأن رواية دانييلز بشأن اللقاء المزعوم في عام 2006 في جناح فندق بحيرة تاهو، الذي نفاه ترمب، كانت في بعض الأحيان "مثيرة للاشمئزاز"، لكنه قال إن التفاصيل التي قدمتها، بما في ذلك ما يتعلق بالديكور، وما قالت إنها رأته عندما تطفلت على مجموعة أدوات حمام ترمب، كانت مليئة بالتفاصيل "التي تبدو حقيقة".
وقال للمحلفين إن القصة مهمة؛ لأنها "تعزز حافز (ترمب) لشراء صمتها. قصتها فوضوية. تجعل الناس يشعرون بحرج لسماعها. ربما تجعل البعض منكم غير مرتاح لسماع ذلك. لكن هذا هو المغزى. وببساطة، دانييلز هي الدافع".
ورجح ستينجلاس أنه لو كانت ظهرت قصة دانيلز في أعقاب الكشف عن تسجيل بعنوان "الوصول إلى هوليوود" في عام 2005، الذي سُمع فيه ترمب وهو يتفاخر بالتحرش بالنساء، لكانت قوضت استراتيجيته المتمثلة في تحريف كلماته.
وتابع المدعي العام: "من الضروري أن نقدر ذلك". في الوقت نفسه، كان ترمب يتجاهل كلماته في التسجيل ووصفها بأنها "حديث في غرفة خلع الملابس"، وكان "يتفاوض من أجل إسكات نجمة إباحية".
ومضى ستينجلاس قائلاً: "الأمر لا يتعلق بما إذا كنتم تحب مايكل كوهين (محامي ترمب السابق). لا يتعلق الأمر بما إذا كنتم تريدون الدخول في عمل مع مايكل كوهين. الأمر يتعلق بما إذا كان لديه معلومات مفيدة وموثوقة ليقدمها لكم بشأن ما حدث في هذه القضية، والحقيقة هي أنه كان في أفضل موقع يخوّل له معرفة ذلك".
تسجيل "الوصول إلى هوليود"
في المقابل، قال المحامي الشخصي للرئيس السابق، تود بلانش لهيئة المحلفين، إنه لا يمكن الوثوق بالممثلة، ستورمي دانييلز، ولا بمحامي ترمب الذي دفع لها، مايكل كوهين.
وأضاف: "الرئيس ترمب بريء. لم يرتكب أي جرائم، والمدعي العام لم يفِ بعبء إثبات (التهم)".
وسعى بلانش، الذي تحدث أولاً، إلى التقليل من أهمية التداعيات بالقول إن تسجيل "الوصول إلى هوليوود" لم يكن "حدث نهاية العالم".
وحاول أيضاً طمأنة المحلفين بأن مرافعة هيئة الادعاء لا تقتصر فقط على مايكل كوهين، المحامي السابق لترمب ومصلح أخطائه الذي دفع لدانييلز 130 ألف دولار مقابل التزام الصمت.
وفي عام 2018، اعترف كوهين بالذنب بتهمة التهرّب الضريبي، والإدلاء ببيانات كاذبة أمام الكونجرس الأميركي، وانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية. وترتبط الجريمة الأخيرة ارتباطاً مباشراً بدفع المبلغ لستورمي دانييلز.
وفي هذا الإطار، أمضى كوهين قرابة 13 شهراً في السجن، وعاماً ونصف قيد الإقامة الجبرية، بعدما حُكم عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة الكذب على الكونجرس، وارتكاب جرائم مالية، لكن مشاركته المباشرة في المعاملات المالية جعلته شاهداً رئيسياً في المحاكمة.
وفي مرافعته التي استمرت ساعات طويلة أمام هيئة المحلفين، وتضمنت إنكاراً كاملاً، مكرراً نهج ترمب المتمثل في "إنكار كل شيء"، انتقد بلانش أساس القضية برمته.
وقال إن كوهين، وليس ترمب، هو الذي أعد الفواتير التي قدمت إلى مؤسسة ترمب لسداد التكاليف، وإنه لا يوجد دليل على أن ترمب كان يعرف ما يفعله الموظفون بالمدفوعات.
وشكك في الادعاء بأن ترمب ودانييلز "مارسا الجنس"، ورفض فكرة أن مخطط "دفع المال مقابل الصمت" المزعوم يرقى إلى مستوى التدخل في الانتخابات.
ومضى قائلاً: "كل حملة في هذا البلد هي مؤامرة للترويج لمرشح، لمجموعة من الأشخاص الذين يعملون معاً لمساعدة شخص ما على الفوز".
وكما كان متوقعاً، احتفظ بلانش بهجومه الأكثر شراسة على كوهين، الذي تشاجر معه خلال استجواب مطول.
ووصف بلانش كوهين، بأنه "أكبر كذاب على الإطلاق"، وأيضاً بأنه "التجسيد البشري للشك المعقول". وكانت هذه اللغة مقصودة، لأنه من أجل إدانة ترمب، يجب على المحلفين أن يعتقدوا أن المدعين العامين أثبتوا قضيتهم بما لا يدع مجالاً للشك.
محاكمة "شراء الصمت"
تأتي هذه المحاكمة قبل أقل من 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، والتي تُظهر فيها استطلاعات الرأي تقارباً بين ترمب والرئيس جو بايدن. وسيفتح الحكم المجال أمام لحظة جديدة من التوتر الشديد في إطار منافسة محمومة.
وترمب هو أول رئيس أميركي سابق أو حالي يواجه اتهامات جنائية. واستغرقت المحاكمة حوالى 5 أسابيع، وشهدت إفادات أدلى بها أكثر من 20 شاهداً وعدد من السجالات للوصول إلى المرافعات الختامية، في آخر فرصة للادعاء والدفاع لإقناع هيئة المحلّفين المكونة من 12 عضواً مجهولي الهوية.
وتعد هذه القضية الأبسط نسبياً بين عدة قضايا يواجهها ترمب، كما أنها الوحيدة التي من المرجح أن تنتهي، أو حتى تُعرض على المحاكمة، قبل 5 نوفمبر.
وفي حال إدانته، يواجه الرئيس الأميركي السابق حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 4 سنوات عن كل من الاتهامات الـ34، لكن خبراء قانونيين يستبعدون بأن يتم سجنه في غياب سوابق.
ومن شبه المؤكد أن يقوم الرئيس الجمهوري السابق باستئناف الحكم، بينما لن تمنعه الإدانة من مواصلة ترشحه كمنافس للرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وكما كان متوقعاً، اختار ترمب عدم الإدلاء بشهادته في خطوة كان من شأنها أن تعرضه لمخاطر قانونية وجلسات استجواب لا داعي لها. وأُجبر بدلاً من ذلك على الجلوس والاستماع، بينما روت نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز تفاصيل علاقتهما المفترضة.
وفي تصريحاته للصحافيين قبل وبعد كل يوم في المحكمة، هاجم ترمب القاضي خوان ميرتشان، ووصفه بأنه "فاسد" و"مستبد" وأدان المحاكمة بأكملها على اعتبارها "تدخل في الانتخابات" من قبل الديمقراطيين الذين يبذلون كل ما في وسعهم لمنعه من التركيز على حملته.
وتجسد البعد السياسي للقضية بشكل جلي في الأيام الأخيرة عندما حضرت مجموعة من كبار الشخصيات الجمهورية إلى المحكمة، بينهم عدد من الطامحين للترشح لمنصب نائب الرئيس، وجلسوا خلف ترمب.