أدانت هيئة محلّفين في نيويورك، الخميس، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بـ34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية للتأثير في نتائج انتخابات 2016 التي هزم فيها منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وهو حكم تاريخي في ظل مساعي المرشح الجمهوري للعودة إلى البيت الأبيض.
وهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس أميركي سابق أو حالي إلى الإدانة بتهم جنائية.
وقال 12 من المحلفين في نيويورك، الخميس، إنهم اتفقوا بالإجماع على أن ترمب زوّر سجلات لإخفاء مبلغ 130 ألف دولار دفعه إلى نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز للتأثير في الانتخابات الرئاسية قبل 9 سنوات. وجاء القرار بعد حوالي يوم ونصف من المداولات.
ومن جانبه، وصف ترمب الحكم بأنه "مزور وشائن"، وقال في تصريحات للصحافيين، خارج المحكمة، إن "الحكم الحقيقي" سيكون يوم الانتخابات.
ودائماً ما ينفي الملياردير الأميركي إقامة أي علاقة من تلك التي يُشار إليها في اتهامات المحكمة، معتبراً أن القضية مجرد "مطاردة ساحرات" ذات دوافع سياسية.
22 شاهداً ضد ترمب
على مدى شهر تقريباً، استمعت هيئة المحلفين إلى 22 شاهداً في المحكمة الجنائية بمانهاتن. كما نظر المحلفون في أدلة أخرى، مثل سجلات الهاتف، والفواتير، وشيكات لمايكل كوهين محامي ترمب السابق والمعروف بأنه "الوسيط المخلص"، والذي دفع لدانيالز مقابل إبقاء قصتها عن علاقتها المزعومة مع الرئيس السابق سرية.
وركز دفاع ترمب بشدة على مصداقية كوهين، وقال إن التأثير في الانتخابات ليس أمراً غير قانوني.
وجاء الحكم بعد أكثر من عام على توجيه هيئة محلفين كبرى الاتهام لترمب، وتحديداً في 30 مارس 2023.
وسرعان ما رفض الجمهوريون لائحة الاتهام باعتبارها "تجاوزاً للسلطة" من المدعي العام الديمقراطي ألفين براج، الذي تولى توجيه الاتهامات. كما أن ترمب لطالما انتقد القضية، ووصفها بأنها تُمثل "تدخلاً في الانتخابات" وتؤثر في حملته لعام 2024.
ما القصة؟
ووفقاً لأوراق المحكمة التي تشمل أدلة وشهادات اعتمدت عليها قبل توجيه الاتهامات للرئيس السابق، التقى ترمب وكوهين في أغسطس 2015، أي بعد شهرين من إعلان ترشحه للرئاسة، مع ديفيد بيكر، ناشر صحيفة "ناشونال إنكوايرر"، الذي ذكر في شهادته، أنه تم الاتفاق على أن يكون "عيون وآذان" حملة ترمب، بحيث تتمثل وظيفته في البحث عن القصص السلبية للمرشح الجمهوري مع النساء وإخراجها من التداول العام عن طريق شراء صمت أصحابها.
وشملت الخطة أيضاً، على ما ذكر بيكر، نشر قصص سلبية عن معارضي ترمب، مشيراً إلى أنه أرسل بعضها بالفعل إلى الرئيس السابق وكوهين للموافقة عليها قبل نشرها.
وفي يونيو 2016، قررت الممثلة الإباحية، كارين ماكدوجال، نشر قصتها عن علاقتها الغرامية التي استمرت لمدة عام مع ترمب، لكن بيكر اشترى حقوق تلك القصة، على أمل أن يعوضه ترمب، إلا أن هذا لم يحدث بحسب شهادته في المحكمة.
وفي أكتوبر من العام نفسه، هدّدت دانيالز بالكشف عن العلاقة الجنسية التي جمعتها مع ترمب قبل 10 سنوات، في أحد فنادق بحيرة تاهو خلال إحدى بطولات الجولف.
وقبل نهاية الشهر ذاته، فتح كوهين حسابات مصرفية بشكل عاجل، محاولاً التوصل إلى صفقة لدفع مبلغ 130 ألف دولار، مقابل صمت دانيالز بشكل هادئ، وفقاً لشهادته التي أشار فيها إلى أن ترمب أراد تأجيل الدفع إلى ما بعد الانتخابات.
وبحسب مُساعدة ترمب السابقة في مجال الاتصالات هوب هيكس، فقد أخبرها الرئيس السابق حين كان في البيت الأبيض، أنه من الأفضل نشر القصة عام 2018، بدلاً من 2016.
وفي نهاية المطاف، حوّل كوهين الأموال بنفسه إلى دانيالز، على أن يُسددها له ترمب، وفق قوله.
مع ذلك، ترى المحكمة أن جوهر القضية يرتكز على ما حدث بعد الانتخابات، أي عندما تم تزوير السجلات المالية من قبل المراقب المالي السابق لمنظمة ترمب، جيف ماكوني، الذي وثق كشف حساب بنكي يتضمن تحويل المبلغ إلى كوهين.
كما تتضمن الوثائق ملاحظات مكتوبة بخط اليد من كوهين والمدير المالي السابق لترمب ألين فايسلبيرج، تذكر مبلغ 130 ألف دولار سيتم "جمعه" لتغطية ضرائب كوهين، حيث دفع المبلغ، إضافة إلى تعويض آخر ومكافأة، بإجمالي 420 ألف دولار، على مدار 12 شهراً.
وقال كوهين إنه وفايسلبيرج التقيا وناقشا الاتفاق مع ترمب قبل فترة وجيزة من مغادرته إلى واشنطن خلال يناير 2020، لافتاً إلى أن الرئيس السابق وافق على الصفقة.
حجج الدفاع
وبينما اعتمد الادعاء على أكثر من 20 شاهداً، استند فريق الدفاع عن الرئيس الأميركي السابق إلى شهادة شخصين فقط، بما في ذلك روبرت كوستيلو، المحامي الذي أراد تمثيل كوهين، بعد إقدام مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI على تفتيش منزله ومكتبه عام 2018.
وجادل محامو ترمب بأن كوهين تصرف من تلقاء نفسه عندما دفع لدانيالز، زاعمين أن الغرض من إسكات دانيالز وماكدوجال كان لتجنيبه وعائلته الإحراج من الاهتمام العام في الولايات المتحدة بالعلاقات المزعومة خارج إطار الزواج، وليس لمساعدة حملته في السباق الرئاسي.
وقالوا أيضاً إن مدفوعاته لمحاميه السابق عام 2017 كانت عبارة عن رسوم توكيل قانونية.
ما القوانين التي "انتهكها ترمب"؟
وفقاً للادعاء العام، أخفى ترمب من خلال شركته العائلية العقارية، شيكات تعود إلى عام 2017، كان قد سدّد فيها أموالاً لكوهين مقابل ما دفعه الأخير لدانيالز.
وترتبط كل التهم الـ34 الموجهة إلى ترمب بشيكات أو فواتير أو سجلات من مدفوعاته لكوهين.
ويُعد إخفاء الشركات لسجلات مالية مخالفاً لقانون ولاية نيويورك، في حين أن تزوير السجلات التجارية يُعد في حد ذاته جنحة، ويعتبر جناية يُعاقب عليها بالسجن مدة تصل إلى 4 سنوات إذا تم ذلك لإخفاء جرائم أخرى أو مواصلة ارتكابها.