تعهدت إسرائيل طوال حربها الطاحنة على قطاع غزة، والمستمرة منذ نحو 8 أشهر، بالتحقيق في سلسلة من الكوارث الإنسانية التي ارتكبها جيشها، في ظل تصاعد الاتهامات من قبل المجتمع الدولي وجماعات حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية لقادة البلاد بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
ومع وقوع كل كارثة إنسانية أو "مجزرة" على يد الجيش الإسرائيلي في غزة أو غيرها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تجد إسرائيل ما تقوله سوى أنها "تحقق"، بدون أن تظهر أي نتائج نهائية لهذه التحقيقات، مع الحرص على الادعاء بأن "النتائج الأولية" تبرئ الجنود من أي ذنب.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن الجيش الإسرائيلي نشر بسرعة النتائج التي خلص إليها التحقيق في الهجوم على قافلة لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي"، والذي أسفر عن سقوط 6 عمال إغاثة أجانب وسائق فلسطيني، وأعلن طرد جنديين بعد إقراره (الجيش) بأن قواته ارتكبت "مخالفات".
وأضافت الوكالة أن هناك تحقيقات أخرى لا تزال جارية، وأن حالات الاعتراف بارتكاب مخالفات "نادرة".
وقالت المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية، يفعات تومر يروشالمي، هذا الأسبوع، إن الجيش يحقق في نحو 70 "مخالفة" مزعومة، وقدمت تفاصيل قليلة عنها، ورفض الكشف عن قائمة التحقيقات بأكملها، وقال للوكالة إنه ليس بإمكانه سوى الرد على أسئلة حول تحقيقات محددة.
مخيم في رفح
وكشفت إسرائيل، الثلاثاء، عن النتائج الأولية للتحقيق في قصف مميت على مخيم يأوي عائلات نازحة في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة، في 26 مايو، وأدى إلى سقوط 45 فلسطينياً على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، وأحدث دماراً واسع النطاق.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري إن تحقيقاً أولياً وجد أن الذخائر الإسرائيلية، التي استُخدمت في ذلك اليوم في محاولة للقضاء على اثنين من عناصر "حماس"، كانت "أصغر" من أن تكون مصدر الحريق الذي اندلع.
وزعم هاجاري أن "الدمار ربما يكون ناجماً عن انفجارات ثانوية وقعت بسبب انفجار ذخائر خاصة بالمقاتلين الفلسطينيين في المنطقة".
ولم ترد "حماس" على تفسير هاجاري، لكن عضواً في المكتب السياسي للحركة صرح، الثلاثاء، بأن إسرائيل "تعتقد أنها تخدع العالم بادعائها الكاذب بأنها لم تكن تنوي قتل وحرق الأطفال والنساء، وادعائها بالتحقيق في جرائمها".
وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن التحقيق نُقل إلى مجموعة تقصي حقائق تعمل بشكل مستقل خارج التسلسل القيادي للجيش. وأضاف أن نتائج التحقيق ستُسلم إلى المدعية العسكرية التي ستقرر ما إذا كانت ستطبق إجراءات تأديبية.
ولم يتضح كم سيستغرق التحقيق، حسبما قالت "أسوشيتد برس".
"مجزرة" المساعدات
قال شهود، في فبراير، إن قوات إسرائيلية أطلقت النار على حشد من الفلسطينيين كانوا ينتظرون المساعدات في مدينة غزة، ما أودى بحياة 104 أشخاص وإصابة 760 آخرين، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، والتي وصفت الهجوم بأنه "مجزرة".
وقال مسؤولون بالجيش الإسرائيلي، في البداية، إن عشرات الفلسطينيين سقطوا أثناء التدافع عندما حاولت حشود هائلة الحصول على الإمدادات من قافلة تضم 30 شاحنة عسكرية محملة بالطحين أثناء توجهها إلى شمال قطاع غزة، لكن الجيش تراجع على ما يبدو عن هذا التفسير في تحقيقه الأولي، الذي صدرت نتائجه بعد أسبوع، حيث قال إن التدافع أدى إلى وقوع "حوادث تسببت في إلحاق ضرر كبير بالمدنيين".
وخلص التحقيق إلى أن جنوداً إسرائيليين فتحوا النار على بعض الفلسطينيين بدعوى أنهم "اقتربوا من الجنود وشكلوا تهديداً لهم"، مع الإقرار بأن دبابة إسرائيلية أطلقت النيران، التي زعمت بأنها كانت "تحذيرية"، على المدنيين الفلسطينيين لتفريقهم.
وقالت "أسوشيتد برس" إن التحقيق الإسرائيلي لم يتطرق إلى الطريقة التي سقط بها الضحايا، وقال الجيش الإسرائيلي إن مجموعة تقصي الحقائق تحقق في الهجوم.
انفجار مستشفى المعمداني
تسبب انفجار وقع في باحة المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في إشعال "جحيم" أحرق رجالاً ونساء وأطفالاً وهم أحياء، حيث لجأ آلاف الفلسطينيين إلى المستشفى للاحتماء أو لتلقي العلاج.
وقال مسؤولون في غزة بسرعة إن غارة إسرائيلية ضربت المستشفى وأودت بحياة ما لا يقل عن 500 شخص. وأثارت صور لتداعيات الانفجار احتجاجات في مختلف أنحاء العالم.
وبعد ساعات، زعم مسؤولون إسرائيليون إنهم أجروا تحقيقاً، ووجدوا أن إسرائيل لا علاقة لها بالانفجار، متهمين حركة حماس بالمسؤولية عنه، ثم وجهوا دفة الاتهامات باتجاه حركة "الجهاد الإسلامي"، وحاولوا تعزيز اتهاماتهم بمقاطع فيديو وتسجيلات صوتية قالوا إنها تظهر أن الانفجار ناتج عن صاروخ أخطأت الحركة بإطلاقه، الأمر الذي نفته "الجهاد" تماماً.
فلسطيني يحمل راية بيضاء
أعلنت الحكومة الإسرائيلية، في يناير، أنها تحقق في مصرع فلسطيني بعد إطلاق النار عليه أثناء سيره مع أربعة آخرين. وأظهرت مقاطع فيديو فلسطينياً يحمل راية بيضاء، والتي تعد رمزاً دولياً للاستسلام، وآخرين يسيرون خلفه وهم يرفعون أيديهم في الهواء قبل أن يركضوا بعد سماع دوي إطلاق نار.
وأظهر مقطع فيديو آخر أحد الرجال مُلقى على الأرض، ولم يظهر مُطلق النار في الفيديو، لكن قبل سماع صوت إطلاق النار، أظهرت الكاميرا أثناء تحركها ما يبدو أنها دبابة إسرائيلية تتمركز بالقرب من المكان.
وقال أحمد حجازي، الصحافي المواطن الذي صور مقطع الفيديو، لوكالة "أسوشيتد برس" إن دبابة إسرائيلية أطلقت النار على المجموعة.
وزعم الجيش الإسرائيلي أنه أجرى تحقيقاً، ووجد أن الدبابة لم تطلق النار على الفلسطينيين، وأنه لا يمكن التأكد تماماً مما إذا كان الفلسطيني قد سقط بنيران إسرائيلية.
قصف 4 فلسطينيين
في 22 مارس، فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقاً بعد ظهور لقطات تظهر قصف خمسة فلسطينيين بالقرب من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وأظهرت مقاطع فيديو، ملتقطة من الجو وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أربعة رجال يسيرون على طريق ترابية قبل يتعرضوا للقصف في غارة جوية، ما أسفر عن سقوطهم على الفور. وحاول رجل الفرار قبل استهدافه وقتله. ولا يزال مصدر اللقطات غير معروف، بحسب الوكالة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن التحقيق أُحيل إلى مجموعة تقصي حقائق مستقلة.
وفاة طبيب في سجن إسرائيلي
وفي واقعة أخرى، توفي الجراح الفلسطيني الشهير عدنان البرش في سجن إسرائيلي، في منتصف أبريل، بعد اعتقاله أثناء اقتحام مستشفى العودة، وفقاً للأمم المتحدة.
وقالت الأمم المتحدة إن البرش كان يدير قسم العظام في مستشفى الشفاء، وقيل إنه كان بصحة جيدة، ويجري عمليات جراحية للمرضى وقت اعتقاله في ديسمبر 2023، لكن من شاهدوه في مكان الاعتقال قالوا إنه بدا منهكاً، وظهرت عليه آثار عنف، وفقاً لمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان".
وقالت "أسوشيتد برس" إن الجيش والشرطة الإسرائيليين لما يردا على طلباتها للتعليق على الأمر.
وروى فلسطينيون أُفرج عنهم من السجون الإسرائيلية تعرُّضهم للضرب، وخضوعهم لاستجوابات قاسية، والإهمال أثناء احتجازهم في إسرائيل.
وتوفي البرش في سجن عوفر العسكري بالضفة الغربية بعد نقله إلى هناك. وقالت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" إن الشرطة الإسرائيلية ستجري تشريحاً لجثة البرش بحضور طبيب من المنظمة، مضيفة أنها تقدمت بطلب نيابة عن أسرة الطبيب.
ولم يتضح بعد موعد إجراء التشريح، بحسب الوكالة، التي قالت إن السلطات الإسرائيلية لم تنشر أي معلومات حول سبب وفاة البرش، وإنه ليس من الواضح من الذي يحقق في وفاته.