أزمة "القدرة التنافسية" تعزز تخلف الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة والصين

مسؤولون أوروبيون يشكون انقسامات مالية حادة وأزمات في صناعة القرار وتراجع في قطاع الطاقة

time reading iconدقائق القراءة - 9
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تلقي خطابها السنوي عن حالة الاتحاد خلال جلسة عامة في البرلمان الأوروبي بستراسبورج في فرنسا. 13 سبتمبر 2023 - AFP
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تلقي خطابها السنوي عن حالة الاتحاد خلال جلسة عامة في البرلمان الأوروبي بستراسبورج في فرنسا. 13 سبتمبر 2023 - AFP
دبي-الشرق

تدق "أزمة القدرة التنافسية" جرس الخطر في الاتحاد الأوروبي، حيث يتخلف الاستثمار والدخل والإنتاجية، وتشهد حصة أوروبا من الاقتصاد العالمي "تقلصاً متزايداً"، وتتفاقم المخاوف من أن القارة "لم تعد قادرة على مواكبة الولايات المتحدة والصين". 

وقال رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا لصحيفة "نيويورك تايمز"، بعد أن قام مؤخراً بتسليم تقرير بشأن مستقبل السوق الموحدة إلى الاتحاد الأوروبي "نحن ضئيلون للغاية".

من جانبه، قال نيكولاي تانجن رئيس صندوق الثروة السيادي السويدي، الأكبر في العالم للصحيفة "نحن لسنا طموحين"، مضيفاً أن "الأميركيين يعملون بجدية أكبر".

ووفق "نيويورك تايمز"، فإن قائمة الأسباب وراء ما أُطلق عليه "أزمة القدرة التنافسية" تطول لتشمل كثرة اللوائح التنظيمية في الاتحاد الأوروبي، مع تراجع السلطات التي تتمتع بها قيادته في بروكسل، والانقسامات الحادة في أسواقه المالية، والتراجع الحاد في الاستثمارات العامة والخاصة، وصغر الشركات إلى الحد الذي يجعلها غير قادرة على المنافسة على النطاق العالمي. 

وفي هذا الإطار قال ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي الذي يشرف على دراسة بشأن القدرة التنافسية الأوروبية، لـ "نيويورك تايمز"، إن "التنظيم وصناعة القرار والتمويل لدينا مُصمَمة لعالم الأمس، ما قبل فيروس كورونا، وما قبل حرب أوكرانيا، وما قبل الصراع في الشرق الأوسط، وما قبل عودة التنافس بين القوى العظمى". 

وأضاف أنه لم يعد من الممكن اعتبار الطاقة الرخيصة من روسيا والصادرات الرخيصة من الصين والاعتماد بالأساس على الحماية العسكرية الأميركية "من المسلمات".  

تراجع الاستثمارات الأوروبية

وفي الوقت نفسه، تعكف بكين وواشنطن على ضخ مئات المليارات من الدولارات من أجل توسيع صناعات أشباه الموصلات والطاقة البديلة والسيارات الكهربائية، وقلب نظام التجارة الحرة في العالم رأساً على عقب.  

كما تتخلف الاستثمارات الخاصة الأوروبية أيضاً. على سبيل المثال، تراجع استثمار الشركات الكبرى في عام 2022 بنسبة 60% مقارنة بنظيراتها الأميركية، وفقاً لتقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي. 

أما بالنسبة إلى نصيب الفرد من الدخل القومي، فهو أقل بنسبة "27% في المتوسط" مقارنة بالولايات المتحدة. كما أن نمو القدرة الإنتاجية الأوروبية "أبطأ" من الاقتصادات الكبرى الأخرى، في حين أن أسعار الطاقة "أعلى بكثير". 

ولن يتم نشر تقرير دراجي، إلا بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، التي تشمل كافة دول الكتلة البالغ عددها 27 دولة.

ولكن دراجي أعلن بالفعل أن "التغيير الجذري" يمثل "ضرورة قصوى". يعني هذا من وجهة نظره "زيادة هائلة في الإنفاق المشترك، وإصلاح التمويل واللوائح التنظيمية الفوضوية في أوروبا، ودمج الشركات الصغيرة". 

وتتفاقم حدة التحديات الداخلية لحمل أكثر من عشرين دولة على العمل كوحدة واحدة في مواجهة "التقدم التكنولوجي المتسارع والصراعات الدولية المتفاقمة والاستخدام المتزايد للسياسات الوطنية لتوجيه الأعمال".  

ويدعو تقرير "نيويورك تايمز" إلى تخيل ما كان يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة "لو أن كل ولاية تتمتع بالسيادة الوطنية، وليس هناك سوى سلطة فيدرالية محدودة لجمع الأموال لتمويل مؤسسات بعينها مثل الجيش".  

تخلف أوروبي في قطاع الطاقة

وأشار تقرير "نيويورك تايمز"، إلى أن أوروبا قد اتخذت بالفعل بعض الخطوات لمواكبة التقدم الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين.  

ففي العام الماضي، أقر الاتحاد الأوروبي "خطة صناعية" لتسريع تحول الطاقة، واقترح لأول مرة خلال الربيع الجاري "سياسة دفاعية صناعية". ولكن "نيويورك تايمز" اعتبرت أن هذه الجهود "غير كافية أمام الموارد التي توظفها الولايات المتحدة والصين". 

في هذا الإطار قالت شركة Rystad Energy للأبحاث، في تحليل تم نشره هذا الأسبوع، إن "الكتلة بصدد التخلف كثيراً عن أهدافها الطموحة للتحول في مجال الطاقة إلى الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة واستثمارات سلاسل التوريد المحلية".

ومن وجهة نظر دراجي، فإن الاستثمارات العامة والخاصة في الاتحاد الأوروبي، بحاجة إلى أن "تزداد بقيمة نصف تريليون يورو إضافية سنوياً" (ما يعادل 542 مليار دولار) في التحولات الرقمية والخضراء وحدها لمواكبة ذلك.  

وتم إعداد تقريري دراجي وليتا، بناء على طلب من المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، للمساعدة في إرشاد صانعي السياسات عندما يلتقون في الخريف لوضع الخطة الاستراتيجية الخمسية للكتلة.  

وبرغم أنه لا يزال هناك مجموعة كبيرة في أوروبا، وأماكن أخرى، تفضل الأسواق المفتوحة وتتشكك في التدخلات الحكومية، إلا أن العديد من كبار المسؤولين الأوربيين والزعماء السياسيين وقادة الأعمال يتحدثون على نحو متزايد عن الحاجة إلى عمل جماعي قوي.  

وأكدت هذه المجموعة أنه دون تجميع تمويل عام وإنشاء سوق رأسمالية موحدة، فإن أوروبا لن تكون قادرة على النهوض بذلك النوع من الاستثمارات في مجالات الدفاع والطاقة والحوسبة الفائقة وغيرها من الاستثمارات المطلوبة للمنافسة بفاعلية.  

مواجهة الشركات العملاقة

وبدون دمج الشركات الصغيرة، فلن تتمكن أوروبا من مواكبة وفورات الحجم المتاحة للشركات الأجنبية العملاقة التي تتمتع بوضع أفضل يسمح لها باستيعاب حصة سوقية وأرباح أكبر. 

في هذا السياق قال دراجي لـ "نيويورك تايمز"، إن أوروبا على سبيل المثال، لديها 34 شبكة هاتف محمول رئيسية على الأقل، في حين أن الصين لديها 4 شبكات في مقابل 3 للولايات المتحدة.

وقال ليتا إنه عايش بشكل مباشر "أوجه القصور التنافسية الغريبة" في أوروبا، عندما قضى 6 أشهر في زيارة 65 مدينة أوروبية لإجراء البحوث اللازمة لتقريره.  

وأضاف أنه "من المستحيل أن تسافر بالقطار فائق السرعة بين العواصم الأوروبية"، مشيراً إلى أن هذا يمثل "تناقضاً عميقاً يرمز إلى مشكلات السوق الموحدة".

ومع ذلك، فإن الحلول المقترحة قد تصطدم بالمصالح السياسية. فالعديد من القادة والناخبين في جميع أنحاء القارة يشعرون بقلق بالغ إزاء "فرص العمل ومستوى المعيشة والقوة الشرائية". 

كما يشعرون في الوقت نفسه بالقلق من "منح بروكسل المزيد من السيطرة والقوة المالية"، كما أنهم مترددون في الغالب بشأن رؤية العلامات التجارية الوطنية مندمجة مع منافسين، أو اختفاء الممارسات التجارية والقواعد الإدارية المألوفة. ويمثل خلق عوائق روتينية جديدة مصدراً آخر للقلق لديهم.  

ففي غضون هذا العام قام المزارعون الغاضبون في فرنسا وبلجيكا بإغلاق الطرق وإتلاف شاحنات محملة بالسماد احتجاجاً على زيادة اللوائح التنظيمية البيئية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التي  تحكم استخدامهم للمبيدات والأسمدة، وتضع جداول للزراعة وتقسيم المناطق وغير ذلك. 

ويمثل إلقاء اللائمة على بروكسل "تكتيكاً ملائماً" للأحزاب السياسية اليمينية المتشددة التي تتطلع إلى استغلال حالة القلق على الاقتصاد. في هذا الإطار وصف حزب التجمع الوطني المناهض للهجرة في فرنسا الاتحاد الأوروبي بأنه "عدو الشعب". 

اتحاد "غير متحد"

وفي الوقت الحالي، تظهر استطلاعات الرأي أنه من المتوقع أن تفوز الأحزاب اليمينية بالمزيد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، ما سيؤدي إلى المزيد من الانقسامات داخل الهيئة التشريعية.  

وعلى المستوى الوطني، يستطيع قادة الحكومات، حماية صلاحياتهم. فعلى مدى العقد الماضي، حاول الاتحاد الأوروبي إنشاء سوق رأسمال موحدة لتسهيل الاستثمار عبر الحدود.  

ولكن العديد من الدول الصغيرة، بينها إيرلندا ورومانيا والسويد، عارضت التنازل عن السلطة لبروكسل أو تغيير قوانينها، خوفاً من وضع قطاعاتها المالية في وضع غير ملائم.  

كما تشعر منظمات المجتمع المدني أيضاً بالقلق بشأن تركيز السلطة. ففي الشهر الماضي، كتبت 13 مجموعة في أوروبا خطاباً مفتوحاً تحذر فيه من أن توحيد السوق "سيضر بالمستهلكين والعمال والشركات الصغيرة، وسيمنح الشركات العملاقة قدراً هائلاً من النفوذ، ما سيتسبب في ارتفاع الأسعار".  

كما تشعر هذه الجماعات بالقلق من تهميش الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأخرى.   

وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، تخلفت أوروبا في العديد من مؤشرات القدرة التنافسية، بما في ذلك استثمار رأس المال، والبحث والتطوير، ونمو القدرة الإنتاجية. ولكن أوروبا لا تزال رائدة على مستوى العالم في خفض الانبعاثات والحد من التفاوت في الدخل، وزيادة الحراك الاجتماعي، وفقاً لماكينزي.  

وتنتج بعض الفوارق الاقتصادية مع الولايات المتحدة عن "الاختيار". فنصف الفجوة في نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي بين أوروبا والولايات المتحدة يرجع إلى "اختيار الأوربيين العمل لساعات أقل في المتوسط على مدى حياتهم". 

ويحذر آخرون من أن هذه الاختيارات قد تكون رفاهية لم يعد الأوروبيون يمتلكونها إذا أرادوا المحافظة على مستويات معيشتهم.  

ووصف سيمون تاجليابيترا، الزميل في بروجيل، وهي منظمة بحثية في بروكسل، السياسات التي تحكم الطاقة والأسواق والخدمات المصرفية بأنها "متباينة للغاية".  

وأضاف: "إذا استمر وجود 27 سوقاً غير متكاملة على نحو جيد، فلن نستطيع منافسة الصينيين والأميركيين".

تصنيفات

قصص قد تهمك