نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر إسرائيلية ووثائق اطلعت عليها، أن تل أبيب قامت العام الماضي بـ"تنظيم ودفع أموال" مقابل تدشين حملة تأثير استهدفت المشرعين والشعب الأميركي برسائل مؤيدة لها، وذلك بهدف دعم حربها على قطاع غزة.
وقال 4 مسؤولين إسرائيليين شاركوا في هذه الجهود للصحيفة، إن الحملة تمت بتكليف من وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية، وهي جهة حكومية تربط اليهود في جميع أنحاء العالم بـ"دولة إسرائيل".
ولتنفيذ هذه العملية، خصصت الوزارة نحو مليوني دولار للحملة، واستعانت بشركة Stoic، المتخصصة بالتسويق السياسي، ومقرها في تل أبيب.
وبدأت الحملة في أكتوبر 2023، بعد أسابيع من الهجوم الذي شنّته حركة "حماس" على مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية، حيث استخدم القائمون عليها الذكاء الاصطناعي، ونشطوا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنشأوا 3 مواقع إخبارية مزيفة باللغة الإنجليزية لنشر مقالات مؤيدة لإسرائيل، مستخدمين أسماء مثل Non-Agenda، وUnFold Magazine.
ولا تزال الحملة، وفقاً للصحيفة، نشطة على منصة "إكس"، وفي ذروتها اُستخدمت مئات الحسابات المزيفة التي ادعت أنها لأميركيين حقيقيين على منصات مختلفة من بينها فيسبوك وإنستجرام، مركزة على المشرعين الأميركيين، وخاصة الديمقراطيين منهم، وأصحاب الجذور الإفريقية.
وكان النائب الديمقراطي عن نيويورك وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، والسيناتور رفائيل وارنوك من جورجيا، أبرز الذين استهدفتهم الحملة عبر منشورات تدعوهم إلى مواصلة تمويل الجيش الإسرائيلي.
"دور متهور وغير مسبوق"
وفي حين نفت وزارة الشتات ارتباط الحكومة الإسرائيلية بحملة التأثير، قائلة إنها لا علاقة لها بشركة Stoic، تحققت "نيويورك تايمز" من وجود رابط بالفعل عبر 4 أعضاء حاليين وسابقين في الوزارة ووثائق عن الحملة، ما يُظهر، بحسب الصحيفة، مدى رغبة إسرائيل في التأثير على الرأي العام الأميركي تجاه الحرب في غزة.
وخلال مارس الماضي، ألقت Fake Reporter، وهي منظمة إسرائيلية لمراقبة التضليل المعلوماتي، الضوء على هذه العملية.
والأسبوع الماضي، قالت شركة OpenAI المصنعة لـChatGPT، وشركة Meta المالكة لفيسبوك وإنستجرام إنهما تمكنتا من رصد العملية وتعطيلها.
ولطالما كانت الولايات المتحدة أحد أقوى حلفاء إسرائيل، ومؤخراً وقّع الرئيس جو بايدن حزمة مساعدات عسكرية لها بقيمة 15 مليار دولار، إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تحظ بشعبية بين العديد من الأميركيين الذين طالبوا البيت الأبيض بسحب الدعم الذي تقدمه البلاد من أموال دافعي الضرائب إلى إسرائيل في مواجهة تزايد أعداد الضحايا المدنيين في القطاع الفلسطيني.
وقال خبراء في وسائل التواصل الاجتماعي إن هذه العملية تُعد "أول توثيق لحملة تُنظمها إسرائيل للتأثير على الحكومة الأميركية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا والولايات المتحدة تدعم حملات مماثلة في جميع أنحاء العالم، لكنها غالباً ما تعمد إلى إخفاء مشاركتها من خلال الاستعانة بشركات خاصة أو إدارتها عبر دولة ثالثة.
ونقلت الصحيفة عن آشيا تشاز المدير التنفيذي لمنظمة Fake Reporter، قوله إن "دور إسرائيل في هذا الأمر يتسم بالتهور، وربما عدم الفاعلية"، واصفاً إدارة إسرائيل لعملية التدخل في السياسة الأميركية بأنها "غير مسؤولة على الإطلاق".
والأسبوع الماضي أوضحت Meta وOpenAI، أن الحملة لم يكن لها "تأثير واسع النطاق"، وأشارت الأولى إلى أن العديد من هؤلاء المتابعين ربما كانوا "روبوتات"، ولم ينتج عنهم جمهور كبير.
كما وجدت Fake Reporter أن الحسابات المزيفة جمعت أكثر من 40 ألف متابع عبر منصات "إكس" وفيسبوك وإنستجرام.
وفي الشهر الذي اندلعت فيه الحرب بين "حماس" وإسرائيل، تلقت عشرات الشركات الناشئة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا رسائل عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب تدعوهم إلى الانضمام إلى اجتماعات عاجلة وتشكيل "جنود رقميين" خلال فترة الحرب، وأسهم مسؤولون حكوميون إسرائيليون في إيصال تلك الرسائل عبر البريد الإلكتروني، فيما تولت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الرسائل الأخرى.
وعُقد أول اجتماع غير رسمي في تل أبيب خلال أكتوبر الماضي، إذ بدا أن الإسرائيليين يستطيعون التطوع بمهاراتهم التقنية لمساعدة المجهود الحربي الإسرائيلي، وفقا لما قاله 3 من الحضور لـ "نيويورك تايمز"، لافتين إلى أن أعضاء من الوزارات شاركواً أيضاً.
وخلال ذلك الاجتماع، علم المشاركون أن بإمكانهم أن يصبحوا "محاربين من أجل إسرائيل" و"إدارة حملات رقمية" نيابة عن بلادهم، وفقاً لتسجيلات الاجتماعات.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن وزارة الشتات كلّفت بتدشين حملة تستهدف الولايات المتحدة، وتم رصد ميزانية بحوالي مليوني دولار لذلك، وفقاً لإحدى الرسائل التي اطلعت عليها الصحيفة.
انتحال صفة أميركيين
العديد من الحسابات المزيفة التي شاركت في الحملة على فيسبوك و"إكس" وإنستجرام ظهرت وكأنها مملوكة لطلاب أميركيين ومواطنين معنيين وناخبين محليين، إذ شاركت هذه الحسابات في نشر مقالات وإحصائيات تدعم موقف إسرائيل في الحرب.
وأظهر تحليل أجرته منظمة Fake Reporter أن الحملة ركزت على أكثر من 10 أعضاء في الكونجرس، معظمهم من أصل إفريقي، إضافة إلى الديمقراطيين.
وتم استهداف النائب الديمقراطي عن نيويورك ريتشي توريس الذي تحدث صراحة عن آرائه المؤيدة لإسرائيل، واستجابت بالفعل بعض الحسابات المزيفة لمنشورات له على منصة "إكس" بشأن معاداة السامية في الجامعات، والمدن الأميركية الكبرى.
وفي رد على منشور توريس عبر منصة "إكس" عن السلامة من الحرائق في 8 ديسمبر، كتب أحد الحسابات المزيفة أن "حماس تؤُجج الصراع". وتضمن المنشور وسماً يقول إن اليهود "يتعرضون للاضطهاد".
ولم تخل هذه المحاولات من بعض الإهمال وعدم الاحترافية. ففي بعض الأحيان لم تتطابق صور البروفايل المستخدمة في بعض الحسابات مع الشخصيات الوهمية، كما كانت اللغة المستخدمة في المنشورات متكلفة.
وفي حالتين على الأقل، نشرت حسابات استخدمت صور بروفايل لرجال من أصل إفريقي على أنها تخص "امرأة يهودية في منتصف العمر".
وفي 118 منشور شاركت فيها الحسابات الوهمية مقالات مؤيدة لإسرائيل، ظهرت الجملة نفسها، التي تقول: "يجب أن أعيد تقييم آرائي على خلفية هذه المعلومات الجديدة".
والأسبوع الماضي نشرت "ميتا" وOpenAI تقارير تنسب حملة التأثير إلى شركة Stoic.
وقالت Meta إنها أزالت 510 حسابات على فيسبوك، و11 صفحة ومجموعة واحدة على المنصة ذاتها، و32 حساباً على إنستجرام ذات علاقة بالحملة.
من جانبها قالت OpenAI إن شركة Stoic ابتكرت شخصيات خيالية وسيراً ذاتية بهدف تمثيل شخصيات حقيقية على خدمات وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة في إسرائيل وكندا والولايات المتحدة، لنشر رسائل معادية للإسلام. ولا تزال العديد من هذه المنشورات متاحة على منصة "إكس".
وعلى صفحتها على لينكد إن، عززت Stoic قدرتها على إدارة الحملات التي يدعمها الذكاء الاصطناعي.
وكتبت الشركة: "بينما نتطلع إلى المستقبل، يتضح لنا أن دور الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية مهيأ لتحقيق قفزة تحولية، وإعادة تشكيل الطريقة التي يتم من خلالها وضع استراتيجيات الحملات، وتنفيذها، وتقييمها".
والجمعة، حذفت "Stoic" هذه المنشورات من موقع لينكد إن.