حصل رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، على موافقة مجلس صيانة الدستور لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 28 يونيو الجاري، وذلك بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرته المروحية في مايو الماضي. وهي المرة الثالثة التي يترشح فيها الجنرال السابق في الحرس الثوري، بعد انتخابات 2005 و2013.
وسجل قاليباف ترشحه لدى وزارة الداخلية الإيرانية، أمام حشد من الصحافيين، الأسبوع الماضي. وفي حديثه لاحقاً لوسائل الإعلام، قال إنه سيواصل السير على نفس المسار الذي اتبعه رئيسي والقائد السابق لـ"فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وأصر قاليباف على أنه لن يسمح بحدوث "جولة أخرى من سوء الإدارة" في البلاد، وأشار إلى الفقر وضغوط الأسعار التي تؤثر على الإيرانيين في الوقت الذي ترزح فيه البلاد تحت وطأة العقوبات الدولية.
وقاليباف، البالغ من العمر 62 عاماً، هو طيار مدرب، خدم في الحرس الثوري خلال الحرب التي خاضتها البلاد مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد الحرب، شغل منصب رئيس ذراع البناء التابعة للحرس الثوري، لعدة سنوات حيث قاد جهود إعادة البناء.
وتصف وسائل إعلام إيرانية قاليباف، بأنه "أحد أبرز المرشحين في السباق الانتخابي"، وشغل منصب عمدة العاصمة طهران وله علاقات وثيقة مع الحرس الثوري. ومع ذلك، يقول البعض إن قاليباف، بصفته جنرالاً سابقاً، كان جزءاً من حملة قمع عنيفة ضد طلاب الجامعات الإيرانية في عام 1999. كما أنه تورط في استخدام الرصاص الحي ضد الطلاب في عام 2003 أثناء خدمته كقائد للشرطة في البلاد، وفق "أسوشيتد برس".
وترشح قاليباف للرئاسة في عامي 2005 و2013 دون جدوى. وانسحب من الحملة الرئاسية لعام 2017 لدعم رئيسي في أول محاولته الرئاسية الفاشلة. فاز رئيسي في انتخابات 2021، التي شهدت أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق في الانتخابات الرئاسية في إيران، بعد استبعاد كل منافسيه.
وشغل قاليباف منصب رئيس القوات الجوية للحرس الثوري. وفي عام 1999، شارك في توقيع رسالة إلى الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وسط احتجاجات طلابية في طهران بسبب إغلاق الحكومة لصحيفة إصلاحية وحملة قمع لاحقة للقوات الأمنية. وحذرت الرسالة خاتمي من أن الحرس الثوري سيتخذ إجراءات من جانب واحد ما لم يوافق على إخماد المظاهرات.
وأدى العنف الذي أحاط بالاحتجاجات إلى سقوط عدة أشخاص وإصابة المئات واعتقال الآلاف.
ثم شغل قاليباف منصب رئيس الشرطة الإيرانية، إذ قام بتحديث القوة وتنفيذ رقم هاتف الطوارئ 110 في البلاد. لكن تسجيلاً مسرباً لاجتماع لاحق بين قاليباف وأعضاء من قوة الباسيج التطوعية التابعة للحرس الثوري تضمن ادعائه بأنه أمر باستخدام إطلاق النار ضد المتظاهرين في عام 2003، فضلاً عن الإشادة بالعنف المستخدم ضد احتجاجات عام 2009.
العلاقة مع خامنئي
تعود العلاقة بين خامنئي وقاليباف إلى تسعينيات القرن الماضي. وقبل ذلك، لم يكن لقاليباف علاقات وثيقة مع الحكام الإيرانيين. ويُنظر إليه ضمن دائرة أنصار خامنئي على أنه مدير تنفيذي "ماهر للغاية"، و"يعد وجوده ضرورياً لتنفيذ المبادرات القيادية"، وفق موقع iranware.
وخلال الحرب الإيرانية العراقية، لم يكن قاليباف من بين القادة العسكريين البارزين. وشغل قاليباف منصب قائد لواء "الإمام الرضا 21" وجيش النصر الخامس. ومع ذلك، تمت ترقيته تحت قيادة خامنئي، وفي عام 1995 تم تعيينه قائداً لـ"مقر خاتم الأنبياء للبناء" التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي شركة هندسية إيرانية يسيطر عليها حرس الثورة.
وتحت قيادة يحيى رحيم صفوي، تمت ترقية قاليباف إلى جانب أحمد كاظمي وقاسم سليماني، إلى رتبة قائد في قوات الحرس الثوري الإيراني.
وشكل تولي قيادة القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني بمثابة تحول كبير بالنسبة لقاليباف، مما أشعل رغبته في أن يصبح طياراً.
وفي عام 2000، خلفه أحمد كاظمي في القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني، في حين تولى قاليباف قيادة قوة الشرطة. خلال هذه الفترة، سعى إلى تعزيز صورة الجندي الحديث وتأكيد نفسه كقائد نشط، وفق iranware.
وقد ترشح قاليباف للرئاسة لسنوات دون جدوى. وعندما قام قاليباف بحملته الانتخابية للمنصب في عام 2005، انتشرت برقيات أميركية مسربة حول كيف أن نجل المرشد الأعلى مجتبى خامنئي، الذي يعتبر الآن أحد المرشحين لخلافة والده في منصب المرشد الأعلى "كان بمثابة العمود الفقري" لمحاولات قاليباف لتولي منصب سياسي. وأشار أحدهم إلى أنه "يقال إن مجتبى يساعد قاليباف كمستشار وممول وموفر للدعم السياسي رفيع المستوى". على الرغم من أن مجتبى أقنع والده لاحقاً بتحويل دعمه إلى أحمدي نجاد في انتخابات 2009، حيث اعتبره أكثر موثوقية.
وهذا يظهر أن قاليباف، لا يزال يتمتع بعلاقة قوية مع الدائرة الداخلية لخامنئي، خاصة أنه يقال إنه أحد أقارب المرشد الأعلى. وينحدر كلاهما من خراسان في الشمال الشرقي، حيث ولد قاليباف في تورقبة بالقرب من مشهد، حيث ينحدر خامنئي.
وفي عام 2020، أصبح قاليباف رئيساً للبرلمان. خلال فترة ولايته، أشرف على إقرار البرلمان، على الرغم من اعتراضات الرئيس حسن روحاني، لقانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية المصالح الوطنية لإيران، والذي فرض اتخاذ خطوات عدوانية لتسريع برنامج إيران النووي وتقييد الدور الرقابي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
قضايا فساد
على الرغم من التقارير المتفرقة التي تتحدث عن تورط قاليباف في قضايا فساد، إلا أن ذروة فساده ظهرت إلى العلن من خلال تصريحات الرئيس السابق حسن روحاني خلال المناظرات ولاحقاً أثناء رئاسة محمد علي نجفي لرئاسة بلدية طهران.
وخلال فترة عمله كرئيس للبرلمان، ظهرت عدة فضائح مرتبطة بقاليباف، كان من بينها الجدل الدائر بشأن الاتصالات المزعومة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في البداية، أعلن فريق قاليباف عن اجتماع مخطط له مع بوتين، لكن قاليباف ادعى لاحقاً أن البروتوكولات الصحية حالت دون مثل هذا الاجتماع.
كما ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية، أنه لم يتم اتخاذ أي ترتيبات لعقد الاجتماع. كما ظهرت أخبار عن رحلة عائلة قاليباف إلى تركيا. وكان الجدل الأخير يدور حول إقامة نجله إسحاق قاليباف في كندا، حيث حاول الحصول على تصريح إقامة، وفق "إيران إنترناشيونال".
وعلى الرغم من هذه الفضائح، فإن دعم خامنئي لقاليباف لا يزال ثابتاً، مع كون الطاعة هي السبب الرئيسي. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر قاليباف بين أنصار خامنئي إدارياً أكثر فعالية، ويعتقد المرشد الأعلى أن وجوده لا يزال ضرورياً. ولا يزال أحد الأفراد القلائل المقربين من خامنئي الذين لا يزال لديهم القدرة على حشد الدعم من الفصائل السياسية الأخرى، وفق محطة التلفزيون الايرانية.
في حالة نجاحه، سيكون قاليباف أول رئيس في عهد خامنئي يشغل منصب قائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني. ومن ثم فإن وجود قاليباف في الرئاسة سيضمن حماية أسهم الحرس الثوري الإيراني في عملية الخلافة في حالة وفاة خامنئي، البالغ من العمر 85 عاماً، خلال فترة ولايته، وفق "إيران إنترناشيونال".