السلطة الفلسطينية وشبح الانهيار المالي.. ماذا بعد آخر القروض؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
فلسطينيون يصطفون لسحب الأموال من جهاز صراف آلي في السوق الرئيسي بمدينة رام الله في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. 9 يونيو 2024 - AFP
فلسطينيون يصطفون لسحب الأموال من جهاز صراف آلي في السوق الرئيسي بمدينة رام الله في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. 9 يونيو 2024 - AFP
رام الله-محمد دراغمة

دفعت الحكومة الفلسطينية، قبل أيام، 50% من رواتب موظفيها لشهر أبريل، بعد أن حصلت على قروض من البنوك المحلية لهذا الغرض، في ظل تساؤلات عما ينتظر السلطة الفلسطينية من سيناريوهات في ظل أزمة تهدد بانهيارها مالياً جراء احتجاز إسرائيل لإيرادات الجمارك الفلسطينية.

وكانت البنوك المحلية أعلنت، في وقت سابق، أن الحكومة تجاوزت سقف الإقراض المسموح به، لكنها وافقت على منحها قرضاً إضافياً أخيراً، لهذا الشهر، لاعتبارات إنسانية تتعلق بحلول عيد الأضحى.

أزمة لم تعد محتملة

وتعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية حادة جرّاء قيام إسرائيل، منذ 5 سنوات، باقتطاعات كبيرة من إيراداتها الجمركية. وتفاقمت هذه الأزمة بصورة غير محتملة عندما أقدم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وللشهر الثاني على التوالي، على احتجاز كامل الإيرادات الجمركية التي تساوي 70% من إجمالي إيراداتها.

وقال خبراء اقتصاد ومسؤولون لـ"الشرق" إن استمرار هذا الإجراء يهدد السلطة الفلسطينية بالانهيار المالي.

ودأبت إسرائيل على اقتطاع مبالغ كبيرة من الإيرادات الجمركية للسلطة الفلسطينية، تحت مبررات مختلفة، لكن التطور الجديد هو قيامها وللشهر الثاني على التوالي بمصادرة كامل هذه الإيرادات، ما تركها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

ولجأت الحكومة الفلسطينية، في الشهرين الأخيرين، إلى دفع دفعات متواضعة من رواتب الموظفين بعد حصولها على منحة من الجزائر، لمرة واحدة، بقيمة 53 مليون دولار، ولجوئها إلى الاستدانة من بنوك محلية.

آخر القروض

وقالت مصادر في سلطة النقد الفلسطينية إن القروض، التي حصلت عليها الحكومة هذا الشهر من البنوك المحلية لدفع نصف راتب للموظفين عن شهر أبريل، هي القروض الأخيرة التي يمكنها الحصول عليها، بعد أن تجاوزت بكثير سقف الإقراض المسموح لها به.

وحسب مصادر بنكية، بلغ الدين المتراكم للبنوك على الحكومات المتعاقبة أكثر من 2.5 مليار دولار، مشيرة إلى أن تجاوز هذا الحد يشكل خطراً على استقرار النظام المالي للبنوك.

القضاء على السلطة

ولا يخفي وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، المتحكم بتحويل الإيرادات الجمركية للفلسطينيين، سعيه للقضاء على السلطة الفلسطينية لدورها السياسي. وصرح في أكثر من مرة بأن السلطة الفلسطينية، الساعية إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، لا تختلف من حيث الجوهر عن حركة "حماس".

وعمل سموتريتش، بعد توليه وزارة المالية في حكومة نتنياهو، على زيادة الاقتطاعات من الإيرادات الجمركية الفلسطينية، فضاعف المبلغ المرقم لأسر الشهداء والأسرى الذي يجري اقتطاعه شهرياً من 50 مليون شيكل إلى 102 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.73 شيكل).

وبعد اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، أعلن سموتريتش مصادرة قيمة ما تخصصه السلطة الفلسطينية من هذه الإيرادات لقطاع غزة والتي بلغت في حينه حوالي مائة مليون دولار شهرياً.

وفي الشهرين الأخيرين، أعلن سموتريتش عن مصادرة كامل إيرادات المقاصة.

إيرادات منخفضة وفاتورة مرتفعة

واعتمدت السلطة الفلسطينية، بعد قرار سموترتش هذا، على الإيرادات المحلية التي تساوي 30% فقط من مصاريفها. ولجأت إلى سلسلة من إجراءات التقشف قلصت بموجبها المصاريف المحلية بنسبة 50%، فيما يحذر الخبراء من أن استمرار مصادرة الإيرادات المالية يهدد بانهيار مالي للسلطة.

وقال الباحث في الشؤون المالية مؤيد عفانة لـ"الشرق": "السلطة مهددة بالانهيار المالي ما لم تحصل على حل سياسي يؤدي إلى عودة الإيرادات الجمركية، أو على منح إغاثية من الخارج".

وأضاف: "الجزائر قدمت منحة مالية لمرة واحدة بقيمة 53 مليون دولار، وهى أقل بكثير من منحة سابقة قدمتها قبل عام، والاتحاد الأوروبي أعلن أنه لن يقدم بديلاً للأموال المصادرة، والبنوك المحلية أوقفت منحها القروض".

تقليص الخدمات

وتبلغ الفاتورة الشهرية لرواتب موظفي السلطة ومعهم موظفو منظمة التحرير ومؤسساتها وفصائلها، مليار شيكل شهرياً يضاف إليها 200-300 مليون شيكل مصاريف جارية.

وقلصت الحكومة المصاريف الجارية إلى 100 مليون شيكل شهرياً هو الحد الأدنى الممكن. وترافق ذلك مع تقليص واسع في الخدمات الحكومية. فعلى سبيل المثال، قلصت وزارة الصحة دوام العيادات إلى يومين في الأسبوع. وأعلنت الوزارة مؤخراً أن مستودعاتها خالية من 13% من الأدوية الأساسية. وقال وكيل وزارة الصحة وائل الشيخ إن مديونية الوزارة لموردي الأدوية والمستلزمات الطبية بلغت 2.7 مليار شيكل ما يهدد بصورة جدية استمرار الخدمات الصحية مستقبلاً.

أزمة اقتصادية

وترافقت الأزمة المالية الحكومية مع أزمة اقتصادية حادة جراء تداعيات الحرب، ومنها توقف حوالي 200 ألف عامل فلسطيني عن العمل في إسرائيل، وفرض قيود على حركة الأفراد والسلع في الضفة الغربية.

وقالت مصادر في الشرطة إن غالبية المواطنين، خاصة في القرى، توقفوا عن ترخيص سياراتهم بسبب عدم توفير المال في جيوبهم.

وبيّن تقرير أخير للبنك الدولي أن الاقتصاد الفلسطيني فقد نصف مليون وظيفة خلال الحرب، وأن معدلات الفقر ارتفعت إلى الثلث (33%).

وتوقع البنك الدولي استمرار انكماش الاقتصاد الفلسطيني لعام 2024. وأشار أيضاً إلى احتمال "حدوث انكماش اقتصادي آخر يتراوح بين 6.5 و9.6%" في المالية العامة، مع استمرار "ضبابية المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024".

الحل العربي

ولجأت الحكومة الفلسطينية إلى الدول العربية لتقديم شبكة أمان مالية لها لحمايتها من الانهيار جرّاء الإجراءات الإسرائيلية الجائرة.

وقالت مصادر مطلعة لـ"الشرق" إن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى طلب شبكة أمان مالية من 5 دول عربية منتجة للوقود بقيمة 125 مليون دولار شهرياً لمدة عام، لكن الردود التي تلقتها الحكومة لا تبدو متفائلة.

وقالت المصادر إن هذه الوعود لا تزيد عن حوالي 40 مليون دولار من 4 دول. وقال  أحد المسؤولين: "هذه مجرد وعود، وفي حال تحققها  يمكن أن تبقي السلطة الفلسطينية على جهاز التنفس، لكنها لن تكون كافية لإحيائها".

ويتوقع خبراء الاقتصاد ألا تكون الحكومة الفلسطينية قادرة على دفع أكثر من 20 إلى 25% فقط من رواتب الموظفين في الشهور القادمة حال عدم توقف إسرائيل عن اقتطاع الإيرادات الجمركية وعدم توفر دعم خارجي.

تصنيفات

قصص قد تهمك