أثار توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقاً للدفاع المتبادل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، يسمح للبلدين "استخدام كل الوسائل المتاحة لتقديم المساعدة العسكرية الفورية حال نشوب حرب"، تساؤلات وقلقاً غربياً بشأن طبيعة هذا الاتفاق وحدوده.
ويندرج تعهّد التعاون العسكري في إطار معاهدة استراتيجية وقّعت خلال قمة في بيونج يانج، الأربعاء، التي زارها بوتين للمرة الأولى منذ 24 عاماً.
والبلدان حليفان منذ أن تأسست كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتقاربتا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، حيث اتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها بيونج يانج بتقديم الذخيرة والصواريخ لموسكو من أجل حربها ضد كييف، وهو ما تنفيه بيونج يانج.
ونشرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية نص الاتفاقية، التي تتضمن تعاوناً أوسع في مجالات الجيش والسياسة الخارجية والتجارة.
ماذا ينص الاتفاق الدفاعي؟
ينص الاتفاق الموقع بين روسيا وكوريا الشمالية على أنه "إذا واجه أي من الجانبين غزواً مسلحاً ودخل في حالة حرب، يستخدم الجانب الآخر على الفور كل السبل المتاحة لتقديم المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقوانين كل من البلدين".
وتنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على حق كل دولة عضو في اتخاذ إجراءات للدفاع عن النفس بشكل فردي أو جماعي.
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، أن الاتفاق الذي يتضمن التعاون في مجالات مختلفة منها الطاقة النووية واستكشاف الفضاء والأمن الغذائي والطاقة، ينص أيضاً على ألا يوقع أي من الطرفين أي معاهدة مع دولة ثالثة تنتهك مصالح الطرف الآخر، وألا يسمح أي منهما باستخدام أراضيه من قبل أي دولة للإضرار بأمن وسيادة الآخر.
وتتطلب الاتفاقية من البلدين اتخاذ خطوات لإعداد تدابير مشتركة وأغراض تعزيز قدراتهما الدفاعية من أجل تجنب الحرب وحماية السلام والأمن الإقليميين والعالميين، لكن لم تحدد الوكالة الكورية الشمالية ماهية هذه الخطوات، أو ما إذا كانت ستتضمن تدريبات عسكرية مشتركة، أو أي شكل آخر من أشكال التعاون.
وأشارت الوكالة الكورية إلى أن الاتفاق يدعو البلدين للتعاون بجدية في الجهود الرامية إلى إقامة "نظام عالمي جديد عادل ومتعدد الأقطاب"، ما يبرز اصطفاف البلدين في مواجهة صراعاتهما المتصاعدة المنفصلة مع الولايات المتحدة.
ووفق "بلومبرغ"، فإن المعاهدة ستكون "سارية المفعول إلى أجل غير مسمى، حتى يسعى أي من الطرفين إلى إنهائها".
ما علاقة الاتفاق بمعاهدة عام 1961؟
يُنظر إلى الاتفاق الجديد على أنه إحياء لمعاهدة دفاع متبادل تعود لعام 1961 إبان الحرب الباردة، وانتهت عام 1990 عندما أقام الاتحاد السوفيتي علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، بحسب وكالة "رويترز".
وقال خبراء إن معاهدة 1961 تستلزم تدخل موسكو عسكرياً حال تعرض بيونج يانج لهجوم عسكري، ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي أدى لتعطيل هذه الاتفاقية، لتحل محلها اتفاقية أخرى في عام 2000 قدمت ضمانات أمنية أقل، بحسب وكالة "أسوشييتد برس".
ما موقف واشنطن وسول من الاتفاق؟
قال ناطق باسم الخارجية الأميركية لوكالة "فرانس برس"، إن "تعميق التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية هو اتجاه ينبغي أن يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى أي شخص مهتم بالمحافظة على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية".
وأضاف: "لا نعتقد أن على أي دولة توفير منصة للسيد بوتين لدعم حربه العدوانية على أوكرانيا. روسيا تنتهك ميثاق الأمم المتحدة بشكل صارخ، وتعمل على تقويض النظام الدولي".
وفي بيان رسمي صدر، الخميس، انتقدت كوريا الجنوبية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، وقال المكتب الرئاسي في بيان: "تؤكد الحكومة بوضوح أن أي تعاون يساعد كوريا الشمالية بشكل مباشر أو غير مباشر على زيادة قوتها العسكرية يعد انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويخضع للمراقبة والعقوبات من قبل المجتمع الدولي"، مضيفاً أن مثل هذا "الانتهاك" من شأنه أن يؤدي إلى تدهور علاقات سيول مع موسكو.
ومقابل هذه الاتفاقية، ذكر مسؤول لوكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية للأنباء، أن بلاده "ستعيد النظر في إمكانية إمداد أوكرانيا بالأسلحة".
وفي رده على مخاوف سول، قال بوتين، الخميس، إن الاتفاق ينص على تقديم المساعدة العسكرية "فقط في حالة ارتكاب عدوان ضد" أحد الطرفين. وأضاف أن كوريا الجنوبية "لا ينبغي أن تقلق" بشأن الاتفاق، إذا كانت لا تخطط لأي عدوان على بيونج يانج.
هل للاتفاق علاقة بحرب أوكرانيا؟
رداً على سؤال حول ما إذا كانت الضربات الأوكرانية على المناطق الروسية بأسلحة غربية، يمكن اعتبارها عملاً عدوانياً، قال بوتين إن "الأمر يحتاج إلى دراسة إضافية، لكنه قريب من ذلك".
ومؤخراً، سمح عدد من أعضاء "الناتو"، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، لأوكرانيا بضرب بعض الأهداف على الأراضي الروسية باستخدام الأسلحة بعيدة المدى التي زودت بها كييف.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال مسؤول غربي لـ"أسوشيتد برس"، إن أوكرانيا استخدمت أسلحة أميركية لضرب روسيا.
وقال بوتين إن موسكو "تحتفظ بالحق في تسليح خصوم الغرب"، وكرر هذه الفكرة، الخميس. وأضاف: "لقد قلت ذلك، بما في ذلك في بيونج يانج، إننا في هذه الحالة نحتفظ بالحق في توريد الأسلحة إلى مناطق أخرى من العالم".
وتابع بوتين: "مع الأخذ في الاعتبار اتفاقياتنا مع كوريا الشمالية، فلا أستبعد ذلك".
ما أنواع التعاون العسكري الممكنة؟
قال بوتين إنه "لن يستبعد تطوير التعاون الفني العسكري مع كوريا الشمالية، وفقاً للوثيقة الموقعة".
وهذا التصريح يضفي طابعاً رسمياً على شيء تدعي الدول الغربية أنه يحدث بالفعل، وفق "أسوشيتد برس".
وتزعم الولايات المتحدة وحلفاء آخرون أن روسيا تلقت صواريخ باليستية وذخيرة من كوريا الشمالية، مع استنفاد حرب أوكرانيا المخزون الروسي، وأن موسكو قامت بعمليات نقل التكنولوجيا إلى بيونج يانج، والتي يمكن أن تعزز التهديد الذي تشكله أسلحتها النووية.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية، إن الاتفاق يتطلب من الدولين اتخاذ خطوات لتعزيز قدراتها الدفاعية المشتركة، لكنها لم تحدد ماهية تلك الخطوات، أو ما إذا كانت ستشمل تدريباً عسكرياً مشتركاً.
ما الجانب الاقتصادي للاتفاق؟
يدعو الاتفاق الشامل بين روسيا وكوريا الشمالية إلى تطوير العلاقات الاقتصادية، وهي قضية ذات أهمية، خصوصاً لبيونج يانج، التي تعاني من حزمة عقوبات دولية.
وتشهد كوريا الشمالية نقصاً في المواد الغذائية والمواد الصناعية وغير ذلك من السلع، وبالمقابل يمكنها أن تزود روسيا بالعمال، بسبب الحرب في أوكرانيا التي تستنزف القوة الروسية العاملة.
ويمكن لهؤلاء العمال بعد ذلك تحويل أجورهم بالروبل إلى الدولار أو اليورو، مما قد يصبح مصدراً للعملة الصعبة التي تحتاجها كوريا الشمالية بشدة، وفق "أسوشيتد برس".
وقبل ساعات من وصوله إلى كوريا الشمالية، تعهد بوتين في مقال افتتاحي بأن البلدين سيتغلبان على العقوبات معاً. وتخضع روسيا لعقوبات غربية بسبب غزوها لأوكرانيا.
وقال بوتين إن حجم التجارة بين روسيا وكوريا الشمالية ارتفع 9 أضعاف خلال العام الماضي، لكنه اعترف بأن المبلغ نفسه لا يزال "متواضعاً".