اليوم التالي لحرب غزة.. "الفراغ الأمني" وإدارة القطاع أبرز مخاوف الفلسطينيين

time reading iconدقائق القراءة - 9
طفلة فلسطينية تنظر إلى أنقاض أحد المباني بعد غارة جوية إسرائيلية في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. 11 مايو 2023 - AFP
طفلة فلسطينية تنظر إلى أنقاض أحد المباني بعد غارة جوية إسرائيلية في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. 11 مايو 2023 - AFP
دبي-AWP

ينظر سكان قطاع غزة بقلق إلى السيناريوهات المحتملة لليوم التالي للحرب المستمرّة منذ 8 أشهر وآليات حدوثها، رغم أن أقصى أمانيهم أن تأتي سريعاً لحظة الإعلان عن وقف لإطلاق النار، وينبع ذلك من ضبابية المشهد السياسي المليء بالفجوات دون قدرة أي من أطراف الصراع أو صُناع القرار الدولي على توضيح مسار معيّن لما ستؤول إليه الأوضاع، بعد انتهاء العمليات الإسرائيلية.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إبراهيم أبراش أن الهم الأول لسكّان القطاع هو "إيقاف الحرب، وليس الشغل الشاغل لهم من سيحكم بعد الحرب، خاصة في ظل إدراك المجتمع أنّ حركة حماس أحكمت قبضتها على كافة مجالات الحياة المدنية والحكومية الرسمية بشكلٍ يعطّل القدرة على تكوين بدائل للحركة".

وأضاف أبراش، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، أن ما يعزز ذلك "غياب أيّ دورٍ رسمي للسلطة الوطنيّة الفلسطينية ومنظمة التحرير على صعيد طرح رؤية للتعامل مع مشكلات القطاع الناجمة عن الحرب، علاوة على عدم وضوح أهداف الحرب من الأساس، وعدم معرفة حقيقة الرغبة الإسرائيليّة فيما يتعلّق بالمرحلة التي تليها، وإصرار حركة حماس على استمرار وجودها بالحكم".

بدوره، قال الدكتور ضياء أبو عون، المتخصص في علم الاجتماع، إن سبب مخاوف الفلسطينيين من نهاية الحرب تتمثل في "معايشتهم تجارب سابقة مع التصعيد العسكري والحروب التي انتهت باتفاقات دون الوفاء بها من قبل الجانب الإسرائيلي، سواء على صعيد ما يتعلّق بإعادة الإعمار أو تعويض الضرر، أو فك الحصار، أو تحقيق أيّ مكتسبات نتيجة للمفاوضات".

وأضاف: "استمرار إسرائيل في التعنت تجاه أي إجراء من شأنه التخفيف من معاناة مواطني غزّة أو تحسين واقعهم المعيشي ولو جزئياً، قوض آمالهم في عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر". 

"التشاؤل"

وبدت آراء عدد من سكان القطاع تُجسد رواية إميل حبيبي (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) التي استطاع من خلالها الكاتب نحت مصطلح يزاوج بين متناقضي التشاؤم والتفاؤل بطريقة عجيبة وهو مصطلح "التشاؤل".

ويقول حبيبي: "لا أميّز التشاؤم عن التفاؤل، فأسأل نفسي من أنا؟ أمتشائم أم متفائل؟ أقوم في الصباح من نومي فأحمد الله على أنّه لم يقبضني في المنام؛ فإذا أصابني مكروه في يومي، أحمده على أن الأكره منه لم يقع".

الفلسطينيّ محمد أبو شوقة، بعث بواحدة من رسائل "التشاؤل" تلك بخصوص اليوم التالي للحرب، وصف فيها معاناة سكان غزة في ظل الحرب والنزوح بأنها "أسوأ شيء ممكن حدوثه؛ ومهما كان شكل اليوم التالي للحرب، فهو أفضل حالاً مما نعيشه هذه الأيام دون أدنى مقوّمات الحياة الآدميّة".

وبينما وصفت خديجة الزعانين ما جاء بعد 7 أكتوبر بأنّه "موجات من الموت والدمار والألم، طبعت على ملامحنا البؤس والتعب من مسلسل الفقد والنزوح"، إلا أنّها ترى أن هناك بصيص أمل في الخلاص من ويلات الحرب عبر صفقة شاملة تضمن وقف إطلاق النار وعودة السكان النازحين إلى مناطقهم.

بدوره، اعتبر حسن أبو لبدة أن "الحل الأمثل يكمن في فتح معبر رفح والسماح بخروج الغزيين إلى خارج البلاد بحثاً عن فرص نجاة خارج القطاع"، حيث بدا متشائماً وهو يرى أنه "لا توجد فرصة لبناء مستقبل داخل غزة".

"فراغ أمني"

ويتمثل أكبر تخوف لدى سكان غزة من اليوم التالي للحرب في الخشية من أن يسود فراغ أمني وفوضى تقودها سطوة عشائرية لبعض العائلات الكبيرة أو المجموعات المسلحة، علاوة على غياب دور مؤسسات الدولة في تنظيم حياة سكان القطاع وتقديم الخدمات.

وقال طارق خويطر: "أخشى أن تكون شريعة الغاب ديدن الاحتكام في اليوم التالي للحرب، بحيث تمكِّن حالة الفوضى التي تسود على واقع قطاع غزة أصحاب النفوذ العسكري والمالي من الاستفراد بالأهالي وتطويع الأحداث بما يخدم مصالحهم الخاصة وزيادة ثرواتهم على حساب المواطن".

من جانبه، قال عبد المالك أبو سمرة إنه "يخشى من أن ترتفع معدلات الجريمة في ظل تغييب متعمد للقانون وعجز أي سلطة قادمة عن فرضه بناء على المعطيات الجديدة على الأرض، ما سيتطلب جهوداً حثيثة من النخب الاجتماعية والعشائرية لتغذية الوازع الأخلاقي والديني والحفاظ على السلم الأهلي".

أما الفلسطينية سلمى الرفاتي فترى أن مشكلة الدمار الكبير على صعيد الوحدات السكنية والبنى التحتية في قطاع غزة ستقود إلى ظهور الكثير من المشاحنات العائلية والآفات الاجتماعية الناجمة عن تكدس السكان في جزء ضئيل من الأبنية أو المناطق الأقل تضرراً أو التي ما زالت تتوفّر فيها بعض الخدمات الضرورية كالمياه والصرف الصحي".

لكن مصدراً أمنياً في قطاع غزة، قال إن أجهزة الأمن التابعة لحركة "حماس" تستطيع إدارة المشهد الأمني وضبطه، رغم غياب الظروف الملائمة والكوادر اللازمة على غرار ما قبل السابع من أكتوبر.

وأضاف في تصريحات لـ "AWP": "يُدار المشهد الأمني حالياً في قطاع غزة بخطة طوارئ فعالة تُراعي تحقيق الحد الأدنى من سيادة النظام والقانون؛ وتمّت معالجة آلاف القضايا منذ بداية الحرب والتعامل معها وفق الأصول القانونيّة، مع مراعاة تحقيق الاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي".

وبشأن اليوم التالي للحرب، أضاف المصدر: "بلا شك لن نسمح بعودة أيّ شكل من أشكال الفوضى والجريمة إلى المجتمع الغزي"، لافتاً إلى وجود خطة واستراتيجية عمل أمنية لاجتثاث أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمني، وفق تعبيره.

سيناريوهات أخرى

جانبٌ آخر من مخاوف سكان قطاع غزة بشأن اليوم التالي للحرب، يتمثل في سيناريو انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب، مع ترك القطاع غارقاً في مشاكل من شأنها الدفع نحو حرب أهليّة وتعطيل مشاريع الإعمار، وفقا لما يراه أبراش.

أما الناشط السياسي مراد أبو غولة فيرى أن "أخطر شيء في ما يتعلّق باليوم التالي للحرب هو عدم وضوح أيّ رؤية أو سيناريو عن شكل وكيفية إدارة قطاع غزة بعد الحرب والجهة التي ستتولّى مسؤوليته".

وأضاف أبو غولة أن "الأرجح أننا أمام عدة سيناريوهات، أكثرها سوءاً هو نهاية الحرب دون التوّصل إلى صفقة تبادل تشمل حلاً سياسياً واضحاً (...)، ما يعني استمرار العمليات العسكرية المتمثلة بالاغتيالات واجتياحات ما يُعرف بتقليم الأظافر، كما يحدث في أحياء ومخيمات شمال وادي غزة هذه الأيام".

واعتبر أنّ هذا السيناريو "يعني بقاءنا لسنوات طويلة دون قدرة على تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار، وسيحول دون الانخراط في عمليّات معالجة النتائج والآثار المترتبة على ما نعيشه من حرب إبادة دمرت كلّ شيء".

وأضاف: "السيناريو الآخر هو بقاء حماس في سدّة الحكم، بما يحوي من احتمالات الصدام مع قوى محليّة من العشائر أو مجموعات مسلّحة أخرى تتعارض مع فكرة عودة بقايا حماس لتولّي زمام الأمور؛ وفي ذلك أيضا خطر كبير يهدّد السلم الأهلي ويضع الباقي المتبقي منّا في مهب الريح".

واستبعد أبو غولة قدوم قوى عربية أو دوليّة لتولّى مسؤولية إدارة قطاع غزة، أو حتّى عودة السلطة الفلسطينية لإدارة شؤون القطاع "بحجّة أنّ حركة حماس ما زالت تُحافظ على وجودها في غزّة وستبقى، كونها تذوب بين عامة الشعب وما زال لديها عنصرٌ بشريٌ قادر على المناوشة وفرض السيطرة وتُمثّل فكرة تلقى قدرا من الالتفاف الجماهيري".

أما طلال المصري يرجّح بدوره سيناريو إعلان انتهاء الحرب من طرف واحد مع الحفاظ على إمكانية تنفيذ عمليات خاطفة لتحقيق غايات محددة وأهداف مجتزأة مثل اغتيالات تطال قادة الفصائل أو تحرير محتجزين، مع المحافظة على سيطرة الجيش الإسرائيلي على محوري "نتساريم" و"فيلادلفيا".

في حين يخشى محمد علوان من فرض مشاريع هجرة قسرية وطوعية بهدف إفراغ القطاع من سكانه، في ظل انعدام عوامل الأمن والاستقرار ودمار جُل المشاريع الاقتصادية وأماكن العمل بفعل الحرب.

تصنيفات

قصص قد تهمك