مع بدء تصويت الفرنسيين في الانتخابات.. قلق أميركي من "مقامرة ماكرون"

time reading iconدقائق القراءة - 10
فرنسيون يدلون بأصواتهم خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في مدينة نيويورك الأميركية. 29 يونيو 2024 - AFP
فرنسيون يدلون بأصواتهم خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في مدينة نيويورك الأميركية. 29 يونيو 2024 - AFP
دبي/باريس-الشرقوكالات

بدأ الفرنسيون في بعض أقاليم ما وراء البحار الإدلاء بأصواتهم، السبت، في الدورة الأولى من انتخابات تشريعية "تاريخية" يتصدّرها اليمين المتطرف متقدماً بفارق كبير على تكتل الرئيس إيمانويل ماكرون، وسط تصاعد مخاوف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إزاء انعكاسات النتائج المتوقعة.

ودُعي حوالي 49 مليون ناخب لتجديد الجمعية الوطنية بجميع نوابها الـ577 في انتخابات تنطلق، الأحد، على أن تُجري دورتها الثانية في السابع من يوليو المقبل، وقد تحدث انقلاباً يبدّل المشهد السياسي الفرنسي بصورة دائمة، إذ تشير بعض استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مع حلفائه بالغالبية المطلقة المحددة بـ289 نائباً وما فوق.

ودعا ماكرون إلى هذه الانتخابات المبكرة معلناً في التاسع من يونيو الجاري حل الجمعية الوطنية، وفق قرار اتخذه بعد ساعات على فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية في فرنسا، وأحدث صدمة هزت البلاد.

مخاوف أميركية

وقالت مجلة "بوليتيكو" الأميركية إنه قبل الإعلان عن حل البرلمان أبلغ ماكرون قراره بشكل خاص للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان يختتم زيارة إلى فرنسا للاحتفال بذكرى يوم النصر، بحسب ما ذكره مصدرين مطلعين على المحادثة.

وأوضحت المجلة أن المسؤولين الأميركيين في الدائرة الداخلية لبايدن اندهشوا من "مقامرة ماكرون"، ونظروا إليها باعتبارها إحدى المناورات الجريئة التي ميزت مسيرته السياسية المثيرة للجدل.

وجاءت الدعوة للانتخابات بعد الهزيمة الكبيرة التي لحقت بالحزب الحاكم أمام اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي، فيما أشارت "بوليتيكو" إلى أن ماكرون سعى من خلال قراره إلى مواجهة أخرى لكن برهانات أعلى بكثير. 

وتحوّل رد الفعل الأميركي الأولي إلى شعور بالحيرة والإحباط، بحسب المجلة التي ذكرت أن واشنطن بدأت في تقبل حقيقة أن ماكرون يتجه نحو الهزيمة.

وقال الدبلوماسي الأميركي السابق جيف راثكي: "لقد أدركوا منذ البداية أن قرار إجراء انتخابات مبكرة كان محفوفاً بالمخاطر، لكن ما أصبح أكثر وضوحاً خلال الأسابيع التي تلت ذلك هو أن ماكرون لا تتوفر لديه كل العوامل اللازمة لتحقيق النجاح في رهانه الجريء".  

ووفقاً لـ"بوليتيكو"، لم يعد بايدن أو فريقه حالياً في وضع يسمح لهم بالتشكيك في هذه المناورة السياسية، في ظل تعثر الرئيس الأميركي خلال مناظرته الرئاسية ضد منافسه الجمهوري دونالد ترمب.

وعند سؤالهم عن الانتخابات الفرنسية، كان مسؤولو إدارة بايدن حذرين في تعليقاتهم العامة، إذ أعربوا فقط عن شعورهم بالارتباك حيالها، وقللوا من أهمية العملية، حسب المجلة.

ولفت أحد المسؤولين إلى أن "المناقشات الداخلية بين مساعدي بايدن بشأن الانتخابات الفرنسية تدور حول التساؤل بشأن سبب دعوة ماكرون لإجرائها أكثر من الحديث عن النتائج أو تداعياتها المحتملة". 

التحديات المحتملة

وأشارت "بوليتيكو" إلى وجود مخاوف إزاء الانتخابات الفرنسية خلف الأبواب المغلقة في واشنطن، لافتة إلى أن هذه المخاوف تكمن في أن تؤدي خطوة ماكرون الجريئة إلى تداعيات تتجاوز حدود فرنسا.

وتكمن المخاوف الأميركية في إمكانية أن تؤدي هذه الخطوة إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي، وإضافة المزيد من التحديات للولايات المتحدة وحلفائها في أماكن مثل أوكرانيا، فيما يعتقد مستشارو بايدن أن هذا كله لم يكن ضرورياً.

وتوقعت "بوليتيكو" أن يفوز اليمين الفرنسي المتطرف بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات، وهو العدد الذي قالت إنه ربما يؤهله للسيطرة على البرلمان. 

وذكرت أن فريق بايدن كان يواسي نفسه من خلال التأكيد على بقاء ماكرون في الحكم خلال السنوات الـ3 المقبلة قبل انتخابات 2027، مشيرين إلى تمتع الرئيس بسُلطة كبيرة على السياسة الخارجية في البلاد ما يمكنه من الحفاظ على بعض الاستقرار في العلاقات بين البلدين.

لكن زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان أشارت، الأسبوع الماضي، إلى أن حزبها قد يسعى لـ"إيجاد وسائل مختلفة تهدف لتقييد يدي ماكرون على الجبهة العالمية".

وفي كلتا الحالتين، ليس هناك شك في أن دور ماكرون "سيتضاءل" حتى لو حصل اليمين المتطرف على عدد كافٍ من المقاعد لتشكيل كتلة معارضة كبيرة فقط، إذ أن تعليقاته خلال الأيام الأخيرة التي جمعت بين أقصى اليسار واليمين المتطرف يمكن أن تجعله أكثر عزلة خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته.

وقالت ليوني آلارد، وهي زميلة زائرة في مركز أوروبا التابع للمجلس الأطلسي: "من الصعب أن يستطيع حزب ماكرون بناء تحالفات أو تمرير القوانين أو التوصل لتسويات كما كان يفعل في العامين الماضيين". 

وأكد أحد مسؤولي الإدارة الأميركية أن "الانتخابات الفرنسية ليست أولوية لفريق بايدن في الوقت الحالي، خاصةً بالنظر إلى تداعيات أدائه خلال المناظرة، التي جمعته، الخميس، بالرئيس السابق دونالد ترمب، ناهيك عن الحربين في قطاع غزة وأوكرانيا"، إلا أن "البيت الأبيض لا يزال ينتظر نتائج الانتخابات بفارغ الصبر". 

ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين سابقين ومراقبين آخرين قولهم إن "تداعيات الانتخابات الفرنسية ستكون كبيرة، حتى لو لم تكن فورية". 

وشدد مسؤول بإدارة بايدن على أن خطوة ماكرون "عززت التصورات بأن الرئيس الفرنسي شخص متهور". 

ولفت المسؤول الأميركي إلى أن ماكرون كان "يأمل بأن تتراجع غالبية الشعب الفرنسي عن تسليم السلطة إلى حزب (التجمع الوطني) اليميني المتطرف، الذي يبدو تاريخه غارقاً في معاداة السامية والعنصرية، لكنه سعى (مؤخراً) إلى إعادة صياغة صورته لجذب مزيد من الناخبين".

وتابع: "حتى لو انتصر (التجمع الوطني)، فإن البيت الأبيض يعتقد أن التأثير الفوري لذلك على الأولويات الأميركية والمشتركة لمجموعة الدول السبع سيكون محدوداً".

وعن القلق من تأثر الدعم المقدم لأوكرانيا ضد الغزو الروسي، توقع المسؤول الأميركي أن "يؤثر ذلك على التمويل لكييف لكن باريس تتحدث عن مسألة إرسال القوات بشكل أكبر من حديثها عن التمويل"، وأضاف: "لذا فإنه من الصعب أن نرى أن نتيجة الانتخابات سيكون لها تأثيراً كبيراً على دعم التحالف لأوكرانيا بشكل عام".

وأكدت لوبان، الأسبوع الماضي، أن "التجمع الوطني" سيتحدى تحفظات ماكرون في مجال الدفاع والسياسة الخارجية، لكن حزبها أعرب عن دعمه لأوكرانيا كما دعا باريس إلى البقاء في القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

ومع ذلك، قال المسؤول الأميركي إن "الكثيرين لا يتوقعون أن تلتزم لوبان بشكل كامل مع توافقات (الناتو) أو مجموعة السبع حول أوكرانيا، كما فعلت رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جيورجيا ميلوني منذ انتخابها". 

وبسؤاله عما إذا كان المسؤولون الأميركيون على تواصل مع ممثلي "التجمع الوطني"، تجنب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل الرد بشكل مباشر، لكنه قال إن "المبعوثين الأميركيين يتعاملون مع مسؤولين لديهم مجموعة واسعة من وجهات النظر". 

وذكرت بوليتيكو" أن ماكرون قد يجد أن سنواته الأخيرة بالمنصب تمضي وسط معارك سياسية داخلية على غير رغبته، كما من المرجح أيضاً أن يتساءل نظرائه الدوليون عن مدى استمرارية قراراته.

وحذرت المجلة من أن فوز اليمين المتطرف في فرنسا قد يؤدي أيضاً إلى انقسامات جديدة داخل أوروبا أو إلى تفاقم الانقسامات القائمة بالفعل. 

ورأى تشارلز كوبشان، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن "الحكومة الائتلافية في ألمانيا باتت ضعيفة أيضاً، ولذا فإن وجود حكومة ضعيفة في فرنسا قد يعني حدوث شلل سياسي من نوع ما في قلب الاتحاد الأوروبي". 

وتابع: "هذه ليست أخباراً جيدة في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى شريك قوي على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي". 

وكان ماكرون هز السياسة الفرنسية بفوزه بالرئاسة عام 2017 باعتباره وسطياً تحدى الحزبين الرئيسيين التقليديين في باريس.

وقال بيتر روف، وهو محلل متخصص بشؤون أوروبا في معهد هدسون المحافظ: "في هذه الأيام، أصبح لديه كل مظاهر السلطة السياسية المستهلكة، ولطالما كانت تحركاته ذات طابع شخصي للغاية، إذ كانت تدور حول ماكرون كشخص، الأمر الذي يطرح سؤالاً بشأن ما إذا كان سيكون لحزبه مستقبل من بعده". 

لكن في الوقت الحالي، هناك بعض الارتياح في البيت الأبيض لأن الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا ستجرى بعد 3 سنوات، إذ قال المسؤول في إدارة بايدن: "هذه مجرد انتخابات برلمانية، لو كانت رئاسية، لكان الناس أكثر قلقاً".

تصنيفات

قصص قد تهمك