من الهجرة إلى الاقتصاد.. خلافات واسعة ببرامج الكتل السياسية في انتخابات فرنسا

القضية الفلسطينية وملفات السياسة الخارجية حاضرة بقوة في رؤى المرشحين

time reading iconدقائق القراءة - 11
ملصقات تضم مرشحين للانتخابات التشريعية خارج أحد مراكز الاقتراع في كور بفرنسا. 30 يونيو 2024 - AFP
ملصقات تضم مرشحين للانتخابات التشريعية خارج أحد مراكز الاقتراع في كور بفرنسا. 30 يونيو 2024 - AFP
دبي -عبد السلام الشامخ

بدأ الفرنسيون يدلون بأصواتهم، الأحد، في الدورة الأولى من انتخابات تشريعية تاريخية، يتصدرها اليمين المتطرف متقدماً بفارق كبير في نوايا التصويت، على تكتل الرئيس إيمانويل ماكرون.

ومن القدرة الشرائية والتعليم والمعاشات التقاعدية، إلى الهجرة والعلاقات الدولية، تتباين برامج أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية في فرنسا، وهي "التجمع الوطني" (يمين متطرف) و"الجبهة الشعبية الجديدة" (يسار)، ومعسكر ماكرون (وسط).

وقدمت الأغلبية الرئاسية (كتلة ماكرون)، برنامجها المكون من 12 عشرة صفحة، فيما قدم التجمع الوطني برنامجه بحوالي 20 صفحة، في حين أن مشروع الكتلة اليسارية الجديدة يتكون من 24 صفحة.

وقدمت الأحزاب في المجمل، 300 مقترح. ويبدو أن موضوع "الهجرة" هو الموضوع الأكثر مناقشة في هذه الحملة من قبل الكتل السياسية الأربعة الرئيسية، والتي تضم الجمهوريين أيضاً (يمين وسط)، إذ تم اقتراح ما مجموعه 36 إجراء، فيما تراجعت المواضيع  الأوروبية والثقافة ضمن قائمة أولويات الأحزاب، وفق موقع "ويست فرانس".

وخلال حملة سريعة، توحد اليسار بسرعة ضمن جبهة شعبية جديدة، رغم التوترات المرتبطة باتهامات معاداة السامية التي تستهدف حزب "فرنسا الأبية" وزعيمه مرشح الرئاسة السابق جان لوك ميلانشون.

وفي الوسط، تقوم الأغلبية الرئاسية بقيادة رئيس الوزراء، جابرييل أتال بحملتها الانتخابية تحت شعار "التجمع من أجل الجمهورية". وعلى اليمين، تمزقت صفوف الجمهوريين بعد إعلان رئيسهم إيريك سيوتي، التحالف مع حزب التجمع الوطني. ولم تقدم هذه القوى السياسية الرئيسية جميعها مرشحين في الدوائر الانتخابية البالغ عددها 577، مما أدى إلى تشكيل تحالفات وطنية أو محلية.

وللتأهل إلى الدور الثاني، يجب على المرشحين الحصول على درجة لا تقل عن 12.5% ​​من الكتلة الناخبة. وهذا يعني أن ثلاثة أو حتى أربعة مرشحين، من الممكن أن يتأهلوا للجولة الثانية، المقررة في 7 يوليو المقبل.

وأشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة "ليه إيكو"، إلى أن حزب الجبهة الوطنية في طريقه للفوز بنسبة 37% من الأصوات، بزيادة نقطتين عما كان عليه قبل أكثر من أسبوع، في حين قدر استطلاع آخر أجراه تلفزيون BFM، أن الحزب اليميني المتطرف قد يفوز ما بين 260 و295 مقعداً، مما قد يمنحه أغلبية مطلقة بين 577 دائرة انتخابية في فرنسا.

القدرة الشرائية والتضخم

تأتي القدرة الشرائية وهي الشغل الشاغل للفرنسيين، بحسب الاستطلاعات الأخيرة، في قلب برامج التكتلات الرئيسية الثلاثة.

ويتعهد "التجمع الوطني"، بخفض ضريبة القيمة المضافة على منتجات الطاقة من 20 إلى 5.5%، على أن "تجمد" هذه الضريبة لاحقاً على نحو 100 من المنتجات الأساسية "في حال اشتداد التضخم".

وتتمحور الخطة الاقتصادية لليسار، على راتب بحد أدنى يبلغ 1600 يورو صافياً، في مقابل حوالي 1400حالياً، كما يعتزم أيضاً ربط الأجور بنسبة التضخم وتكييف رواتب الموظفين العموميين.

وبغية تمويل هذا المشروع المكلف للمالية العامة، يعول التحالف اليساري على ضريبة تضامنية على الثروة مدعومة بشق مناخي، فضلاً عن "تعميم" الضرائب على الأرباح الطائلة ومساهمات أكبر لأصحاب الرواتب العالية.

وفي حين يرفض اليسار "ميثاق استقرار الميزانية" الأوروبي، الذي ينص في جملة بنوده على عجز عام دون 3% من إجمالي الناتج المحلي، تتعهد الغالبية الماكرونية المنتهية ولايتها من جهتها، العمل بهذه القاعدة بحلول 2027 (في مقابل 5.5% في 2023) دون زيادة الضرائب.

وتريد أن تسمح للشركات بأن ترفع إلى 10 آلاف يورو في السنة بلا رسوم أو ضرائب، قيمة علاوة على القدرة الشرائية تُعرف بـ"علاوة ماكرون" أقرت في عام 2018 في أعقاب احتجاجات ما عُرف بـ"السترات الصفر".

تباين في قضايا الهجرة

ينوي اليسار إبطال قانون الهجرة الذي اُعتمد هذا الشتاء في البرلمان، وتكريس "حق الأرض كاملاً"، وإحداث "صفة نازح مناخي"، في جملة مقترحاته في هذا الصدد.

ويسعى البرنامج الوطني للاجئين، الذي طرحته الكتلة اليسارية الجديدة، إلى تحسين ظروف الاستقبال لطالبي اللجوء، وتسهيل حصولهم على تأشيرات الدخول، وسيوفر لطالبي اللجوء الدعم الاجتماعي ويسمح لهم بالعمل أثناء فحص طلباتهم.

كما تدعو الكتلة إلى إنشاء وكالة فرنسية لإنقاذ المهاجرين في البحر والبر، في انتظار إنشاء وكالة مماثلة على مستوى الاتحاد الأوروبي. ولقي نحو 1000 مهاجر حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط ​​منذ يناير، وما يقدر بنحو 30 ألفاً على مدى العقد الماضي، وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود الطبية غير الحكومية.

وفي المقابل، يتعهد "التجمع الوطني" بقانون هجرة جديد "طارئ" في 2024، يقوم على إلغاء حق الأرض (حق المواطنة بالولادة)، وتشديد شروط لم شمل العائلات، وتغريم الإقامات غير النظامية، وتحويل المساعدة الطبية التي توفرها الدولة إلى الأجانب في أوضاع غير نظامية لـ"مساعدة طارئة حيوية".

كما أعرب الحزب اليميني المتطرف، عن نيته منع مزدوجي الجنسية من شغل بعض "المناصب الحساسة"، لكن من دون إعادة النظر في مبدأ ازدواج الجنسية كما فعل في 2022.

ويقول زعيم الحزب جوردان بارديلا، إنه في حال انتخابه، فإنه سيقدم "قانون الطوارئ" بشأن الهجرة إلى مجلس النواب في البرلمان في غضون أسابيع من جولة الإعادة في 7 يوليو.

ويخطط التجمع الوطني أيضاً، لتشديد شروط لم شمل الأسر واستبدال المساعدات الطبية الحكومية للمهاجرين غير الشرعيين بصندوق يغطي فقط حالات الطوارئ التي تهدد الحياة، وفق صحيفة "لوموند".

في المقابل جاء في برنامج الائتلاف لعام 2024، الذي طرحه تكتل إيمانويل ماكرون الرئاسي "سنواصل طرد أي أجنبي جانح أو متطرف من أراضينا الوطنية يمثل تهديداً للنظام العام"، مضيفاً أنه منذ عام 2017، عندما تم انتخاب ماكرون، تم ترحيل 12 ألف شخص من هؤلاء الأشخاص.

ووعد الائتلاف الرئاسي، بالحد من الهجرة غير الشرعية لـ"أولئك الذين يرون الجنسية الفرنسية كمجموعة من الحقوق الانتقائية"، وجعل تصاريح الإقامة طويلة الأجل "مشروطة بإتقان اللغة الفرنسية واحترام القيم الجمهورية".

كما تعهد التحالف، بفرض ضوابط جديدة على القاصرين الأجانب غير المصحوبين، الذين قال إنهم "يشكلون مشكلة أمنية" في عدة مدن.

السياسة الخارجية وقضية فلسطين

تعد السياسة الخارجية لفرنسا، من صلاحيات الرئيس عادة، لكن كلاً من اليسار واليمين المتطرف، قدم مقترحات في هذا الصدد.

وسعى التحالف اليساري، إلى تخطي الخلافات العميقة بين مكوناته مندداً في برنامجه بما أسماه "المجازر الإرهابية" التي ارتكبتها حركة "حماس"، ومتعهداً بمكافحة "الارتفاع الشديد المقلق" في "الأفعال العنصرية والمعادية للسامية والمناهضة للإسلام".

ودعا إلى "الاعتراف الفوري بدولة فلسطين"، بخلاف "التجمع الوطني" الذي اعتبر رئيسه جوردان بارديلا، أن خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تحاكي اليوم "اعترافاً بالإرهاب"، على حد تعبيره.

وحرص بارديلا على تأكيد نيته "عدم المساس بالتزامات فرنسا على الصعيد الدولي" في حال تعيينه رئيساً للوزراء.

وكانت مارين لوبان، الزعيمة السابقة للحزب وابنة مؤسسه، دعت في عام 2022 إلى الانسحاب من القيادة المركزية لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

كما تعهد بارديلا، بـ"يقظة شديدة"، إزاء "محاولات التدخل الروسية"، مع تحديد "خطوط حمراء" في ما يخص إرسال جنود إلى أوكرانيا "أو صواريخ طويلة المدى أو معدات عسكرية" من شأنها أن "تستهدف مباشرة المدن الروسية".

وتتعارض هذه المواقف مع تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون المؤيد لاستخدام أسلحة غربية في أوكرانيا لـ"تعطيل" قواعد عسكرية روسية.

وفي نهاية حملة الانتخابات التشريعية، أعلنت مارين لوبان، أن منصب "قائد الجيش" الذي يتولاه رئيس الجمهورية، هو مجرد "صفة فخرية"، ما ينذر بعلاقة مشحونة مع ماكرون في حال فوز "التجمع الوطني".

المعاشات التقاعدية والصحة

يقترح كل من اليمين المتطرف والتحالف اليساري أن يبطل، في حال فوزه، في الدورة الثانية من الانتخابات في 7 يوليو المقبل، المصادقة على "بدل البطالة" الذي أقرته حكومة ماكرون، والذي يشدد شروط الأهلية ويقصر مدة التعويضات.

ومن الإصلاحات الأخرى المثيرة للجدل، تلك التي تطال المعاشات التقاعدية والتي أخّرت سن التقاعد سنتين إلى 64 عاماً، مثيرة استياءً شعبياً شديداً وتبايناً في أوساط البرلمانيين.

وتريد كتلتا المعارضة (اليمين المتطرف واليسار)، التراجع عن هذا القرار، مع اقتراح اليسار إلغاءها، والسعي إلى "هدف مشترك" هو التقاعد في الـ60.

وأدلى جوردان بارديلا بتصريحات متضاربة في هذا الصدد، معرباً عن نيته اعتماد نظام لتقاعد في الـ62 مع آلية "تدريجية" لمزاولي المهن الطويلة تتيح تقاعداً في الستين لمن بدأوا العمل قبل سن الـ20، وسددوا اشتراكات لـ40 عاماً.

وتعهد المعسكر الرئاسي، بربط المعاشات التقاعدية بالتضخم، وإنشاء صندوق تعاضدي عام، بيورو واحد في اليوم، للمتقاعدين والطلاب وأصحاب المهن الحرّة والباحثين عن عمل.

ويريد "التجمع الوطني"، إعفاء الأطباء المتقاعدين الذين يعاودون العمل من الضريبة على عائدات النشاط المهني.

أما اليسار، فيعتزم تقديم تعويضات في حالات المساعدة على الإنجاب وللحمايات المستخدمة وقت الدورات الشهرية، فضلاً عن منح عطلة خلال الدورة الشهرية.

ملف التعليم

يؤيد ماكرون حظر حمل الهاتف "قبل سن 11 عاماً"، وكذلك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي "قبل 15 عاماً"، في حين يدعو بارديلا إلى "سلطة مشددة" في المدارس، وخصوصاً عبر حظر الهواتف المحمولة في المؤسسات التعليمية وفرض زي موحد.

أما اليسار فيعتزم تطبيق "مجانية كاملة" في المدارس على نحو تدريجي، من المقاصف إلى الحافلات المدرسية، مروراً بالقرطاسية والأنشطة خارج إطار الدراسة.

تصنيفات

قصص قد تهمك