يجتمع نحو 400 من كبار الشخصيات الحكومية، وقادة الجيش، ورؤساء المقاطعات، والأكاديميين هذا الشهر في بكين، في ما يُسمى بـ"الجلسة الكاملة الثالثة" للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أحد أهم الاجتماعات السياسية السنوية في الصين، لتوجيه المسارين السياسي والاقتصادي للبلاد.
لكن المستثمرين أبدوا هذا العام توقعات "منخفضة" بشأن الإصلاحات الجذرية التي من شأنها إحياء المعنويات بشأن السوق الصيني، إذ أشار عدد كبير من البيانات الرسمية، والمقالات، وافتتاحيات وسائل الإعلام الحكومية التي نُشرت خلال الأسابيع الماضية، إلى توطيد الأهداف بعيدة المدى للرئيس الصيني، شي جين بينج، حسبما ذكرت "بلومبرغ"، الاثنين.
وفي مؤشر على التوقعات القاتمة للسوق، خضع مؤشر MSCI للأسهم الصينية إلى تصحيح فني الأسبوع الماضي، بينما تراجع مؤشر "بلومبرغ" لأسهم المطورين بنحو 30% بعد بلوغه أعلى مستوى له في مايو الماضي.
وانزلق العائد على سندات الصين لأجل 10 سنوات إلى انخفاض قياسي، الاثنين، وسط حالة من التشاؤم بشأن الاقتصاد المحلي والتوقعات بشأن زيادة الحوافز.
وقال شين ياو نج، مدير الاستثمارات في شركة "أبردن"، لـ"بلومبرغ": "التوقعات منخفضة، لذا لا أعتقد أنه سيؤدي إلى المزيد من المفاجآت السلبية". وأضاف: "ليس لدي ثقة في الرهان" على أي حوافز كبيرة.
عملية "تحديث الصين"
وقدم المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، المؤلف من 24 عضواً بقيادة الرئيس شي، الخميس الماضي، لمحة عن جدول أعمال "الجلسة الكاملة الثالثة". وأعلن تقديم "قرار بشأن تعميق الإصلاح بشكل شامل وتعزيز عملية تحديث الصين" للحزب، لإقراره من قبل القيادات؛ بهدف تحويل البلاد إلى "سوق اشتراكي رفيع المستوى" بحلول عام 2035.
وقال اقتصاديون في شركة "جي بي مورجان تشيس أند كو"، في تقرير الأسبوع الماضي، إن وضع سياسات جديدة في الجلسات الكاملة كان دائماً ما يتزامن مع تغيير في القيادة العليا على مدى العقود الماضية. وأضافوا: "لكن الأمر ليس كذلك هذه المرة".
ومع ذلك، ربما لا يزال هناك مؤشرات قيمة بشأن كيفية تأثير فلسفة شي بشأن النمو القائم على الابتكار، والوقاية من المخاطر، وتحقيق الازدهار العام على القرارات الرسمية في الأشهر المقبلة، بحسب "بلومبرغ".
ومع تراجع التوقعات إلى درجة منخفضة للغاية، قد تؤدي أي تلميحات بشأن معالجة المشاكل الاقتصادية، مثل هبوط سوق العقارات والضغوط المالية على الحكومات المحلية، وانخفاض الطلب المحلي؛ إلى إعطاء دفعة للأسواق.
الابتكار التكنولوجي
وتسعى الصين إلى تحقيق إنجاز في التقنيات الأساسية؛ لضمان أمن سلاسل التوريد في الوقت الذي تشدد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إجراءات الحظر المفروضة على صادرات المنتجات الأساسية إلى الدول الآسيوية، بما في ذلك أشباه الموصلات المتطورة.
كما تعتبر بكين الابتكار التكنولوجي "محركاً جديداً للنمو على المدى الطويل"، وترى أنه يُمكن أن يساعد في الابتعاد عن الاستثمار الممول بالاستدانة في البنية التحتية.
يحتل الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا وتحديث الصناعة مكانة عالية في قوائم الأعمال في الوثائق الحكومية والحزبية الرئيسية؛ التي روجت لمفهوم شي للتنمية عالية الجودة في السنوات الأخيرة.
وفي مقال نشرته مجلة الحزب "تشيوشي" هذا الشهر، دعا هان ون شو، نائب المدير التنفيذي للجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية، إلى "تعميق الإصلاح في مجالات التعليم، والعلوم، والتكنولوجيا" و"تعزيز التنمية المبتكرة"؛ لبناء نظام صناعي حديث.
وقال محللون اقتصاديون في "مورجان ستانلي"، في تقرير نشر في 26 يونيو الماضي، إن "الجلسة الكاملة من المرجح أن تبقي على الإطار الاقتصادي الذي تشكل في السنوات الأخيرة، والذي يعطي الأولية للمعوقات التي تواجه سلاسل التوريد، والاكتفاء الذاتي، والابتكار التكنولوجي".
التوسع الحضري والإصلاح الزراعي
وعلى الرغم من التوسعات المستمرة منذ عقود، يعيش نحو 66% فقط من إجمالي سكان الصين في المدن، وهو رقم أقل بكثير مقارنة العديد من الدول المتقدمة، التي تزيد فيها النسبة عن 80%.
وهذا يعني أن التوسع الحضري سيظل محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي، وسيتعين على الحكومة إيجاد حلول لعدد كبير من المشكلات الناجمة عن هذه العملية.
وأدت هجرة ملايين المزارعين إلى المدن، إلى الالتحاق بوظائف، في إطار حملة شي لتحقيق الازدهار العام، إلى زيادة الحاجة إلى توسيع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي والخدمات العامة، الأمر الذي يتطلب تخفيف القيود المرتبطة بنظام "هوكو"، الذي يسجل الأسر ويحدد أماكن إقامة، وعمل، ودراسة السكان.
ومن المرجح أن يتم تسريع عملية إصلاح الأراضي الزراعية، والتي تمت مناقشتها في الجلسة الكاملة السابقة، بحسب "بلومبرغ".
الإصلاح المالي والضريبي
وتتحمل الحكومات المحلية في الصين منذ عقود، الجزء الأكبر من أعباء الإنفاق على البنية التحتية الأساسية المحفزة للنمو. لكن ذلك ربما يتوقف بعد أن أدى إلى تراكم ديون هائلة على المقاطعات، وتفاقم الوضع أكثر بسبب التراجع في سوق العقارات.
ودعا اقتصاديون صينيون، الحكومة المركزية، إلى تحمل المزيد من الإنفاق، لدفع النمو وإعادة تنظيم النظام الضريبي؛ لمنح السلطات تدفقات أكثر استدامة للدخل.
وتوقعت "بلومبرغ"، أن يتم تسليط الضوء على دور الشركات الخاصة، بعد اجتماع شي مع ممثلي بعض الشركات المحلية والأجنبية في ندوة بمقاطعة شاندونج الشرقية أواخر مايو الماضي.
وتعرضت معنويات القطاع الخاص لضربة شديدة، بسبب الحملة التي شنها شي على مطوري العقارات وشركات التكنولوجيا قبل نحو ثلاث سنوات.
وأصبح الخطاب الصيني أكثر تأييداً للأعمال التجارية، مع سعي الحكومة إلى تعزيز عملية التعافي من جائحة فيروس كورونا، لكن الاستثمارات الخاصة تسير ببطء بسبب عدم اتخاذ إجراءات ملموسة من جانب الدولة لدعمها.