سعى معارضون لليمين المتطرف في فرنسا، الاثنين، إلى بناء جبهة موحدة لمنع حزب التجمع الوطني الذي تنتمي له السياسية البارزة مارين لوبان من الوصول إلى السلطة بعد أن حقق الحزب مكاسب تاريخية بفوزه بالجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية.
وأظهرت النتائج الرسمية أن حزب التجمع الوطني وحلفاءه حصلوا على 33% من الأصوات في جولة الأحد، وجاء التحالف اليساري (الجبهة الشعبية) في المركز الثاني بحصوله على 28% من الأصوات، أما تحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الواسع (الجمهورية للأمام) والذي يضم أحزاباً منتمية لتيار الوسط فقد حصل على 20% فقط من الأصوات.
وارتفعت أسواق المال بدفعة من ارتياح من أن نتائج حزب الجبهة الوطنية لم تكن أكبر من ذلك، لكن النتيجة لا تزال تشكل انتكاسة كبيرة لماكرون الذي دعا إلى انتخابات مبكرة بعد هزيمته أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي.
لكن فرص نجاح التجمع الوطني المناهض للهجرة والمشكك في جدوى عضوية الاتحاد الأوروبي، تعتمد على مدى نجاح الأحزاب الأخرى في إلحاق الهزيمة بلوبان بدعم مرشحين منافسين فرص فوزهم أفضل في مئات الدوائر الانتخابية في أنحاء فرنسا.
ويحتاج التجمع الوطني للحصول على 289 مقعداً على الأقل في البرلمان ليكون له الأغلبية. وتشير تقديرات استطلاعات الرأي إلى أن الجولة الأولى وضعت الحزب على مسار الحصول على ما بين 250 مقعداً و300 مقعد، لكن هذا قبل أن تؤدي الانسحابات التكتيكية إلى إعادة تشكيل نوايا الناخبين في نهاية الأسبوع المقبل.
"هجوم"
وقال زعماء الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية وتحالف الوسط الذي ينتمي له ماكرون مساء الأحد، إنهم سيسحبون مرشحيهم في المناطق التي يحظى فيها مرشح آخر بفرصة أفضل للتغلب على حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية يوم الأحد المقبل.
ولم يتضح مبدئياً إمكان تطبيق اتفاق مثل هذا في حال كون المرشح من اليسار ينتمي لحزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف الذي يتزعمه جان لوك ميلينشون المثير للجدل، وصاحب مقترحات راديكالية تتعلق بالضرائب والإنفاق وخطاب عن التناحر الطبقي.
وذكر مصدر حضر اجتماعاً مغلقاً أن ماكرون أخبر الوزراء، الاثنين، أن منع حزب التجمع الوطني من الحصول على الأغلبية هو الأولوية القصوى. وقال المصدر إن هدف الاجتماع كان التأكيد على أن الاتفاق سيسري على مرشحي حزب فرنسا الأبية على أساس النظر في كل حالة منفردة.
وقال المصدر إن ماكرون أنهى كلمته في اجتماع قصر الإليزيه قائلاً "هجوم!".
وأحصت شركة إبسوس لاستطلاعات الرأي أن الجولة الأولى أسفرت عن ترك نحو 300 مقعد من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) للمنافسة بين التكتلات الثلاث. وقالت صحيفة لوموند إن المرشحين الذين احتلوا المركز الثالث انسحبوا بالفعل من نحو 160 منها.
ورغم أن ما يطلق عليه "الجبهة الجمهورية" ضد اليمين المتطرف حققت نجاحاً واسع النطاق من قبل، لكن محللين يتشككون في مدى استعداد الناخبين الفرنسيين للإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية وفقاً لتوجيهات زعماء سياسيين.
وأصبح حزب التجمع الوطني الذي طالما نبذه كثيرون في فرنسا أقرب إلى السلطة من أي وقت مضى. وسعت لوبان إلى تحسين صورة حزب معروف بالعنصرية ومعاداة السامية وهو أسلوب أثبت نجاحه وسط غضب الناخبين من ماكرون الذي يعتبره كثيرون من الناخبين منفصلاً عن همومهم اليومية.
ورحب قوميون وجماعات يمينية متطرفة في أنحاء من أوروبا بمكاسب حزب التجمع الوطني ومن بينهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني وحزب فوكس الإسباني.
فيما قال بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي، إن الأحزاب اليسارية ما زال بوسعها منع فوز حزب التجمع الوطني بأغلبية ساحقة.
وعبرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن قلقها من صعود "حزب يرى أن أوروبا هي المشكلة وليست الحل"، وشبهت ذلك بالدعم المتزايد الذي يحظى به حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في بلادها.
وتشكيل حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني في فرنسا من شأنه أن يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل الاتحاد الأوروبي. وأثارت جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان مخاوف من كيفية تطبيق سياسات "فرنسا أولاً" على الأقليات العرقية، في حين يتساءل اقتصاديون أيضا عما إذا كانت خطط الحزب للإنفاق الواسع ممولة بالكامل.
برلمان بلا أغلبية
وقادت أسهم البنوك ارتفاع الأسهم الفرنسية وانخفضت العلاوة التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بسندات البلاد وارتفع اليورو، الاثنين، وسط ارتياح في السوق أن أداء حزب الجبهة الوطنية لم يكن أفضل.
والبديل الأساسي لحكومة يقودها حزب الجبهة الوطنية هو برلمان بلا أغلبية حاسمة مما قد يجعل حكم فرنسا عسيراً لما تبقى من ولاية ماكرون الرئاسية التي من المقرر أن تستمر حتى 2027.
وفي الدوائر التي لم يسفر التصويت فيها عن فائز صريح، يكون أمام من حصل على أعلى الأصوات إضافة إلى أي مرشح حصد أكثر من 12.5% من أصوات الناخبين المسجلين في تلك الدائرة حتى مساء الثلاثاء لتأكيد ما إذا كانوا سيخوضون الجولة الثانية.
وفي مناورة أعقبت التصويت، علّق رئيس الوزراء جابرييل أتال خطط إدخال تعديلات على قانون البطالة التي كان من الممكن أن تقلص إعانات الباحثين عن عمل في خطوة قد تسهل على ناخبين لديهم ميل يساري دعم حلفاء ماكرون.
وحثّ نواب من حزب التجمع الوطني، الاثنين، سياسيين من تيار يمين الوسط في حزب الجمهوريين الذي حصل على أقل من 7% من أصوات الجولة الأولى على الانسحاب من المناطق التي قد تصب فيها مثل هذه الخطوة في صالح حزب التجمع.
ولم يوضح حزب الجمهوريين موقفه بعد، إذ شهد انقسامات قبل التصويت شملت انضمام عدد صغير من أعضائه إلى حزب التجمع الوطني.
وركز جوردان بارديلا، وهو مرشح التجمع الوطني لرئاسة الوزراء في حال الفوز بالأغلبية، هجماته على الأحزاب اليسارية، ووصف اليسار المتطرف بأنه "تهديد وجودي" لفرنسا.