بيان المسؤولين المستقيلين في إدارة بايدن بشأن غزة.. "ضربة جديدة" تعمق انقسام الديمقراطيين

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي كلمة حفل منح وسام الشرف لعسكري متقاعد في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض. 3 يوليو 2024 - Bloomberg
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي كلمة حفل منح وسام الشرف لعسكري متقاعد في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض. 3 يوليو 2024 - Bloomberg
واشنطن-رشا جدةمحمد شهود

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ارتفعت أصوات داخل الإدارة الأميركية للمطالبة بتقنين "الدعم اللامحدود" إلى إسرائيل، لتتوالى الاستقالات احتجاجاً على تمسك الرئيس جو بايدن بدعم تل أبيب، حتى بلغت 12 استقالة من إدارات مختلفة، وأصدر المستقيلون بياناً مشتركاً، الأربعاء، ينص على أن الغطاء الدبلوماسي الأميركي لإسرائيل دليل على التواطؤ في قتل الفلسطينيين.

ومع استمرار الحرب على مدى 9 أشهر، كثف المسؤولون المستقيلون محاولتهم لتغيير سياسات بايدن تجاه غزة، إذ شكلوا "جماعة ضغط" أدانت نهج الرئيس الأميركي "المثير للجدل" وحددوا الخطوات التي يعتقدون أن "الإدارة الأميركية يجب أن تتخذها"، محذّرين من أن تصرفات إدارة بايدن "عرّضت الأمن القومي للخطر".

كما اعتبروا أن "الغطاء الدبلوماسي الأميركي لإسرائيل، والتدفق المستمر للأسلحة إليها أكد تواطؤ الولايات المتحدة الذي لا يمكن إنكاره في عمليات القتل والتجويع القسري للسكان الفلسطينيين المحاصرين بغزة"، وفق البيان.

ومن أبرز الموقعين على البيان جوش بول، المسؤول عن نقل الأسلحة والمساعدات الأمنية المقدمة للحكومات الأجنبية، والذي استقال في أكتوبر الماضي، كما وقع عليه أيضاً مسؤول مستقيل من البيت الأبيض، وموظفان سابقان من القوات الجوية، وضابط من الاستخبارات الحربية، ومسؤول كبير بوزارة التعليم.

ويأتي البيان المشترك، كأحدث صور الانقسام داخل الإدارة الأميركية، ففي يناير الماضي، أرسل 17 من أعضاء حملة إعادة انتخاب بايدن، رسالة غير موقعة، يحذرونه فيها من خسارة الأصوات، بسبب موقفه من الحرب على غزة، ويطالبونه بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف المساعدات العسكرية غير المشروطة لإسرائيل.

وسبقت تلك الرسالة رسائل مشابهة، بدأت في أوائل نوفمبر، بتوقيع أكثر من 1000 موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة تابعة للحكومة، ومسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية، يطالبون فيها بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار.

وحملت رسالة ثانية، في الشهر نفسه، توقيع أكثر من 500 عضو سابق في حملة بايدن الرئاسية لعام 2020، يطالبون فيها بوقف إطلاق النار، كما أرسل المتدربون في البيت الأبيض، وموظفون في الكونجرس، رسائل تحمل المطلب ذاته.

الدبلوماسية الأميركية المستقيلة هالة غريط، أوضحت لـ"الشرق"، أن الـ12 مسؤولاً الذين استقالوا من الوكالات الحكومية المختلفة الذين استقالوا علناً احتجاجاً على سياسة الإدارة تجاه غزة، أرادوا من خلال إصدار البيان، استخدام صوتهم الجماعي بشكل فعال لمخاطبة الشعب الأميركي، وتوضيح كيف أن هذه السياسة غير إنسانية، وغير قانونية، وتشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي.

وأضافت غريط التي عملت دبلوماسية لمدة 18 عاماً ولديها خبرة طويلة في شؤون الشرق الأوسط والسياسة، إنهم قدموا توصيات  سياسة واضحة للتنفيذ الفوري من خلال البيان، لأن هذه السياسة العسكرية الفاشلة "مروعة وغير مقبولة".

وأشارت إلى أن من أهداف البيان، أيضاً، التحدث مع زملائهم السابقين الذين ما زالوا في الحكومة، وحثهم على استخدام صوتهم، وأردفت: "أرسلنا هذا البيان عشية 4 يوليو، يوم الاستقلال الأميركي، لأننا كمسؤولين حكوميين أميركيين جميعاً أقسمنا اليمين على الدستور، واستقلنا لمواصلة هذا القسم وخدمتنا - وهذا هو الوطنية".

ولفتت غريط وهي أول دبلوماسية أميركية معروفة تستقيل بسبب موقف الإدارة الأميركية من الحرب، إلى أن المسؤولين الذين استقالوا سابقاً كانوا يتعاونون حتى قبل هذا البيان، بما في ذلك خلف الكواليس.

وأوضحت أن الموظفين المستقيلين يأتون من خلفيات متنوعة وخبرات مختلفة في وكالات حكومية مختلفة، ومع ذلك، قرروا جميعاً الاستقالة، "وهذا غير مسبوق ويشير أيضاً إلى مدى عدم قبول هذه السياسة". 

وقالت غريط، إنهم يتطلعون إلى مواصلة العمل معاً، ومع الآخرين بينما يستمر الفريق في النمو: "نحن نفعل ذلك بطرق متعددة، بما في ذلك من خلال الدعوة في الكونجرس. نحن ملتزمون بمحاولة إحداث التغيير، في أقرب وقت ممكن".

"تصعيد خطير" 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة وسط أوكلاهوما حسام محمد، وصف البيان المشترك، بـ"التصعيد الخطير"، وأنه قد يحدث تأثيراً على المدى الطويل في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وقد يسهم في انخفاض نسب دعم بايدن قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر المقبل.

وقال محمد لـ"الشرق"، إن السبب الرئيسي الذي دفع المستقيلين لإصدار البيان، هو أنهم قد "اكتفوا" مما يحدث، لافتاً إلى أن محاولاتهم للضغط على الإدارة من الداخل، في مسألة مبيعات الأسلحة قد "باءت بالفشل".

من جانبه، اعتبر المحامي الحقوقي والمرشح السابق لمجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، روبرت باتيلو، أن بايدن يواجه تحديات كبيرة، قد تضر بحظوظه في الانتخابات المقبلة، أقربها أدائه في المناظرة الرئاسية مع الرئيس السابق دونالد ترمب، في 27 يونيو، والانتقادات التي تلاحقه حتى الآن جرّاء ذلك.

وذكر باتيلو لـ"الشرق"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو يقف بشكل أساسي وراء محاولات إخراج بايدن من السباق الرئاسي.

انقسام المعسكر الديمقراطي 

ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة، واجه الرئيس الأميركي، انقسامات داخلية متصاعدة داخل إدارته، الأمر الذي من شأنه أن يهدد فرص الفوز بولاية رئاسية جديدة، خصوصاً وأن الانتخابات على بعد 4 أشهر من الآن، وفق محللين.

وأظهر استطلاع  للرأي أجرته "رويترز/إبسوس" انقسام الديمقراطيين بشدة بشأن تعامل بايدن مع الحرب على غزة، والاحتجاجات في الحرم الجامعي بالولايات المتحدة ضدها، ما أدى إلى تآكل التحالف الذي اعتمد عليه قبل 4 سنوات لهزيمة ترمب.

وأفاد الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه في مايو الماضي، أن نحو 44% من الناخبين الديمقراطيين المسجلين لا يوافقون على تعامل بايدن مع أزمة "الحرب على غزة".

وجاء بيان الموظفين المستقيلين، ليزيد من صعوبة موقف بايدن، إذ انتقد البيان التعامل الرسمي مع الاحتجاجات الجامعية المؤيدة لغزة قائلاً: "لقد شهدنا احتجاجات سلمية قوبلت باتهامات فاسدة ومعاداة السامية وبالعنف.. بينما وقفت الإدارة التي ناضلت سابقاً من أجل حرية التعبير في الحرم الجامعي موقف المتفرج الصامت".

ولفت أستاذ العلوم السياسية  بجامعة وسط أوكلاهوما حسام محمد، إلى أن "البيان المشترك للمسؤولين المستقيلين سيؤثر سلباً على فرص بايدن في الانتخابات، ولكنه سيؤثر أيضاً على المدى البعيد"، موضحاً: "لأنهم استطاعوا انتقاد سياسة الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل بشكل واضح.. وهو مالم يحدث من قبل".

وأضاف أن "فلسطين لن تكون عاملاً حاسماً في الانتخابات الأميركية"، مؤكداً أن "هناك العديد من القضايا الأخرى التي تقلق بايدن أكثر من حرب غزة بشكل عام".

وأوضح أن "بايدن لديه معدلات قبول منخفضة، ومشاكل في الاقتصاد، ومناظرة سيئة، وانقسامات بشأن غزة"، مشدداً على أن "الحرب عنصر مؤثر وليس حاسم خاصة مع الانقسامات".

وأشار محمد إلى أن القضية الفلسطينية بالنسبة للديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، ليست قضية ذات أهمية خاصة في أوقات الانتخابات، "وعادة لا تؤثر السياسة الخارجية بشكل كبير على الانتخابات".

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية الأميركي أن يحدث البيان المشترك خرقاً، وأن يساهم في صرف بعض الناخبين عن التصويت لبايدن، لكنه أكد أن تأثيره على حظوظ بايدن "ليس بالكبير"، مفسراً ذلك بأن المؤيدين لإسرائيل في الإدارة أقوى بكثير من منتقدي الإدارة بين الديمقراطيين، "ما زال هؤلاء إنسانيون في آرائهم واهتمامهم بحياة الإنسان ووصلوا إلى نقطة اللاعودة. أعتقد أن هذا سيشجع الآخرين، لكن الرد عليهم قد يصبح قاسياً أيضاً وسيصبح المعسكر المؤيد لإسرائيل أكثر عدوانية من الناحية السياسية".

من جانبه، لفت المرشح السابق لمجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، روبرت باتيلو، إلى أن بايدن في وضع لا يُحسد عليه. وذكر أن البيان المشترك يساهم في انخفاض تأييده قبل الانتخابات بين الشباب والعرب والمسلمين والرافضين لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، قائلاً إن الرئيس الأميركي يواجه مهمة شبه مستحيلة تتمثل في تجميع الفصائل المنقسمة للحزب الديمقراطي معاً.

واعتبر باتيلو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإسرائيل ليس لديهما أي مصلحة على الإطلاق في وقف إطلاق النار أو حل الدولتين، مشيراً إلى أن تل أبيب تقف وراء الجهود الحالية لخسارة بايدن الانتخابات نتيجة جهوده للحد من الهجوم الإسرائيلي على غزة، معتقداً أن "تل أبيب ستدمر سمعتها بشكل دائم لدى الولايات المتحدة والغرب بشكل عام".

وتعهد الموقعون على البيان بمواصلة تحدي الإدارة الأميركية على المنصات العامة، مطالبين بـ"تغيير المسار"، وإعادة التركيز على المسألة العامة المتمثلة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

"الجمهوريون يركزون على قدرات بايدن"

في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، لـ"الشرق"ريتشارد تشاسيدي، إن البيان المشترك للمسؤوليين المستقيلين ليس مصيرياً بالنسبة لحملة بايدن ولا الناخب الأميركي، ولكنه يغذي القلق المتزايد لدى اليسار الديمقراطي بشأن دعم الولايات المتحدة لحرب إسرائيل على قطاع غزة.

وبحسب تشاسيدي، فإن "المشاعر التي أعرب عنها المسؤولون في البيان، ستبرز بشكل جلي خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي بشيكاغو في أغسطس المقبل".

وفيما يتعلق بإمكانية استغلال الجمهوريين لمثل هذا الخلاف داخل الإدارة والحزب الديمقراطي، قال تشاسيدي، إنه "يمكن أن يجادل العديد من الجمهوريين بأن إدارة بايدن كانت مترددة في بعض الأحيان في دعم إسرائيل بشكل كامل رغم الخطوط الحمراء التي وضعتها، مثل معبر رفح".

ورجح تشاسيدي أن "تركيز الحزب الجمهوري سيكون على عمر بايدن وقدراته الذهنية والعقلية".

بدوره، يرى الخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي، ريتشارد جودستين، لـ"الشرق"، أن تأثير الخطاب الموقع من المستقيلين "معدوم وليس مؤثراً بشكل مباشر على مسار حملة بايدن الانتخابية"، متفقاً مع تشاسيدي في أن الجمهوريين لن يسعوا إلى استغلال مثل هذه الخطابات أو الرسائل.

ولفت جودستين إلى أن التركيز سيكون على الموضوعات التي تمس المواطن الأميركي بشكل مباشر، وترهيب الأميركيين من فكرة "ولاية ثانية لبايدن".

ويتفق مدير برنامج الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، تود بيلت، مع جودستين وتشاسيدي، قائلاً في حديث لـ"الشرق"، إن "مثل هذه الأمور تمثل مشكلة كبيرة لبايدن في الوقت الحالي.. والسبب في ذلك هو أن أكبر مقاومة لسياساته تأتي من داخل حزبه نفسه"، موضحاً أن "الجمهوريين لن يستخدموا ذلك ضده لأنهم يدعمون إسرائيل بقوة أكبر مما يفعل".

ورجح مسؤول في البيت الأبيض عقد اجتماع بين بايدن ونتنياهو، عندما يصل الأخير إلى العاصمة واشنطن في وقت لاحق من هذا الشهر، للتحدث أمام جلسة مشتركة للكونجرس مقرر لها 24 يوليو الجاري، حسبما ذكرت شبكة CNN الأميركية.

"إدارة بايدن لا تمتثل للقانون"

والأربعاء، قالت أنيل شيلين المسؤولة التي استقالت احتجاجاً على الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة، إن الولايات المتحدة "فقدت مصداقيتها" في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ولم تعد تمتثل للقانون الأميركي.

واتهمت أنيل شيلين، التي كانت من بين 12 مسؤولاً استقالوا احتجاجاً على دعم واشنطن لحرب إسرائيل على غزة، في حديث مع قناة "الشرق"، إدارة بايدن بـ"عدم الامتثال" للقانون الأميركي من خلال استمرارها في إرسال السلاح لإسرائيل التي "تنتهك حقوق الإنسان بوضوح".

وأضافت شيلين، التي كانت تشغل منصب مسؤول مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، أنه "لا يمكن أن تخدم في الوزارة في ظل هذه الظروف"، مشيرة إلى أنه بعد 7 أكتوبر، بدا واضحاً لها أنه "ليس من الصعب فقط، بل من المستحيل العمل في الوزارة وهي تفقد بوصلة حقوق الإنسان بالمنطقة".

وتابعت: "قبل 7 أكتوبر كانت واشنطن تفقد مصداقيتها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، أما الآن فمن المستحيل الحديث عن حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية بشأن ما يحدث في الشرق الأوسط"، موضحةً أن هذا هو السبب وراء قرار الاستقالة التي جاءت بهدف "الضغط لإحداث الفارق في هذا الملف داخل الوزارة".

وأوضحت أن "كثيراً من الأميركيين عبروا عن غضبهم لعدم وقف الحرب في غزة"، وتابعت: "وعلى الرغم من تأييد الكثير من الأميركيين كذلك لإسرائيل، إلا أنه كما رأى الجميع هناك تغيير كبير في الجيل الجديد الذي يتجه إلى عدم تأييد إسرائيل، وبدا ذلك واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي واحتجاجات الطلاب في الجامعات".

ولفتت إلى أن "أشخاصاً بعدها استقالوا واتفقوا على البيان الرافض لسياسة واشنطن تجاه الفلسطينيين"، مبينةً أن "الخارجية الأميركية لطالما أكدت أنه ليس لديها مشكلة مع الرأي الآخر، لكن على أرض الواقع، فالإدارة الأميركية كافة لا تستمع إلى آرائنا بشأن ملفات الشرق الأوسط الذي نمتلك فيه الخبرة الكافية لتقديم المشورة".

تصنيفات

قصص قد تهمك