بعد أسابيع من التقارب بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا وحزب "الشعب الجمهوري" المعارض، جاءت دعوة أوزغور أوزيل زعيم الحزب المعارض إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بعد عام ونصف من الآن، وهو ما اعتبره الكثيرون خطوة مفاجئة.
وفق القوانين التركية لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة دون الحصول على موافقة ما لا يقل عن 360 من أصوات أعضاء البرلمان، وهذا ما لا يمكن أن يحصل دون موافقة حزب "العدالة والتنمية"، كونه يسيطر على الغالبية في البرلمان.
اللافت أن هذه الدعوة جاءت بعد أسابيع من اللقاءات بين الحزب الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة، وهو ما أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية مصطلح "التطبيع"، بما في ذلك لقائين خلال شهر واحد بين زعيمي الحزبين، وتصريحات تشير إلى "أجواء إيجابية".
عملية مفاجئة
عضو هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية في جامعة "أبانت"، الدكتور عزت بايسال، يرى أن "عملية تطبيع العلاقات التي ظهرت فجأة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض غريبة وغامضة، تم تنفيذها خلف الأبواب المغلقة، وعرف عنها الجمهور في مرحلة متأخرة".
وقال بايسال لـ"الشرق"، إن "الغريب في الموضوع أن أوزغور دعا لأن تكون الانتخابات بعد سنة ونصف من الآن، وهذا غير منطقي، وليس في صالح المعارضة، إذ أنها مدة طويلة في السياسة التركية، إذا استطاع وزير المالية في حكومة حزب (العدالة والتنمية) اتخاذ إجراءات تُحسن الوضع الاقتصادي في البلاد، وأجرى الحزب اصلاحات تنعكس على الوضع المعيشي للمواطن، فإن احتمالية فوز أردوغان في هذه الانتخابات عالية".
وأكد على أن "الظروف الحالية في تركيا مهيأة تماماً لإجراء انتخابات مبكرة، لأسباب كثيرة، منها أن حد الفقر هو 19 ألف ليرة، بينما الحد الأدنى للأجور هو 17 ألف ليرة، وهذا يحكم على ملايين المواطنين بأن يعيشوا في حد الفقر، لقد تم إفقار الناس لأجل مكافحة التضخم، فضلاً عن مشاكل أخرى مثل التعليم والقضاء وغيرها، لكن في الواقع لا توجد معارضة سياسية لديها إرادة حقيقة لإجراء انتخابات مبكرة".
حظوظ أردوغان
فيما يرى العضو في حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، حسين عارف، أن "إجراء الانتخابات المبكرة ليس بالأمر السهل، هناك أمور قانونية كثيرة، وخطوات عدة يجب اتخاذها"، موضحاً أن الانتخابات المبكرة، تكون إما بقرار من رئيس الجمهورية، أو بموافقة 360 نائباً في البرلمان.
وأوضح عارف لـ"الشرق"، أنه "إذا تم إجراء انتخابات مبكرة بقرار من أردوغان فإن الدستور لا يسمح له بالترشح في ولاية جديدة، أما إذا جرت انتخابات مبكرة بموافقة أغلبية البرلمان ففي هذه الحالة يحق لأردوغان الترشح، وذلك لأن ولايته الحالية تعد لاغية".
وأضاف: "لا أعتقد أن انتخابات مبكرة ستجري قبل عامين، وفي حال جرت الانتخابات المبكرة فإن حظوظ أردوغان بالفوز ضئيلة، الحزب الأول في تركيا حالياً هو حزب الشعب الجمهوري".
أما عضو حزب "الظفر" اليميني، أنس بيرات، فاكتفى بالقول إن "الانتخابات المبكرة لن تحل مشاكل تركيا المتراكمة، لكن أي شخص يحكم تركيا مهما كان بالتأكيد سيكون أفضل من أردوغان".
مناورة من المعارضة؟
ويرى بعض المراقبين أن دعوة زعيم المعارضة التركية لانتخابات مبكرة لا تعدو كونها تمهيداً لبرنامج المعارضة الانتخابي لانتخابات 2028، خاصة أنه لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة بدون موافقة حزب "العدالة والتنمية"، الذي ليس من مصلحته إجراء هذه الانتخابات، كون الشارع التركي لن يختاره في أي انتخابات قريبة، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي تراجع بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.
فيما يتوقع آخرون أن يدعو أردوغان لانتخابات مبكرة بعد عام 2026، وذلك بعد إجراء إصلاحات جذرية يمكنه من خلالها إقناع الناخبين بإعادة اختياره، وأرجعوا ذلك إلى أن الانتخابات المبكرة هي الحل الوحيد للرئيس التركي كي يرشح نفسه من جديد.
واعتبر الكاتب والصحافي التركي رسول طوسون، وهو نائب سابق في البرلمان عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، الحديث عن انتخابات مبكرة أمراً "غير واقعي".
كثرة الانتخابات
وقال طوسون لـ"الشرق": "لقد سئمت الأمة من الانتخابات، تم إجراء عمليتين انتخابيتين بفارق 10 أشهر، تم انتخاب الرئيس قبل 14 شهراً، وتم انتخاب الإداريين المحليين قبل 4 أشهر، لا توجد حالياً مشكلة سيحلها تجديد الانتخابات".
وحسب الصحافي التركي، فإن "الظروف اللازمة لإجراء انتخابات مبكرة غير متوفرة حالياً في تركيا، لكن لنفترض أن انتخابات مبكرة قد أجريت، فما هي الأوضاع السياسية أو الاجتماعية التي قد يعتمد عليها ذلك، فهل من الممكن تغيير أي قرار؟".
وتوقع طوسون أنه "لن تكون هناك انتخابات في تركيا قبل 4 سنوات، والمناقشات بشأن الانتخابات المبكرة ليست سوى أنشطة عقيمة، يبدو أن المعارضة تحاول تعزيز قاعدتها من خلال خطاب الانتخابات المبكرة".
كذلك، قال المواطن التركي إبراهيم أحمد أوغلو، إن "الشعب التركي تعب من كثرة الانتخابات، وكأننا متفرغون لهذه القضية، هناك قضايا أولى مثل اللاجئين، الاقتصاد، الحروب المحيطة، وغيرها".
وأضاف أوغلو لـ"الشرق"، أنه "على السياسيين التحلي بالمسؤولية أكثر، التضخم يزداد كل شهر، والبلاد شهدت أعمال عنف بحق اللاجئين، والحرب في سوريا لم تنتهي بعد، تركيا بلد تحيط به الأزمات من كل جانب، الأولى أن نسير في البرنامج الطبيعي وتكون الانتخابات في موعدها، وفي ذلك التاريخ سيختار الشعب التركي من يمثله".
وتتجه تركيا لتغيير دستوري سيتم نقاشه في البرلمان خلال الأشهر المقبلة، ما من شأنه أن يُسفر عن انتخابات مبكرة، وسط تكهنات بشأن أنه في حال أجريت هذه الانتخابات بعد عام 2026 سيكون للرئيس أردوغان فرصة للترشح من جديد، كون "الدستور التركي الجديد يَجُبُّ ما قبله"، أما حال فشله في تمريره، فقد تكون الولاية الحالية الأخيرة له.
وفي مايو 2023، فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية أمام زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كيليجدار أوغلو، ليستمر على رأس السلطة في تركيا التي يقودها منذ عام 2003.