كشف مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الثلاثاء، عن اتجاه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لإطلاق سلسلة من الإجراءات الجديدة لتعزيز الدعم الموجه لأوكرانيا، ومنها ما أسْماها بـ"معاهدة أوكرانيا".
وقال سوليفان في كلمة خلال منتدى لصناعة الدفاع بغرفة التجارة الأميركية على هامش قمة "الناتو" في واشنطن، إن "الرئيس الأميركي جو بايدن سيجتمع مع قادة 20 دولة وقّعوا اتفاقات ثنائية مع أوكرانيا من أجل إطلاق (معاهدة أوكرانيا) لضمان توحّد الدول تحت هذه المظلة لاستمرار الدعم.
وأشار إلى أن "الناتو سيعلن خلال الأيام المقبلة عن إجراءات جديدة لدعم أوكرانيا، من بينها الإعلان عن قيادة جديدة للحلف في ألمانيا ستقدم برامج تدريب، وتوفر العتاد للجنود الأوكرانيين".
وأوضح أن "الإجراءات ستشمل تعهداً من الحلفاء بتوفير مساعدات أمنية مشتركة بقيمة 40 مليار يورو على الأقل خلال العام المقبل، إضافة إلى تعيين ممثل كبير جديد للناتو في أوكرانيا، والذي سيعمّق بدوره العلاقات المؤسساتية مع الحلف".
كما سيتم الإعلان عن خطط لتعزيز قدرات الدفاع الجوي لأوكرانيا، وبناء قوة جوية لها من خلال تقديم طائرات مقاتلة من طراز F-16، بحسب سوليفان.
ويرى مستشار الأمن القومي الأميركي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لم يفشل فقط في تحقيق أهدافه الاستعمارية من غزو أوكرانيا، بل إن غزوه في الواقع عزز سيادة أوكرانيا التي كان يريد محوها. وساهم في تقوية حلف الناتو الذي كان يريد إضعافه".
وأكد أن الحلف "سيواصل الوقوف مع أوكرانيا في مواجهة هذه الاعتداءات. نحن ملتزمون بدعمهم على المدى البعيد لضمان حصول أوكرانيا على القدرات للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداءات قد تواجهها".
"دعم غير مجاني"
وعن التطورات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ "الإندو باسيفيك"، لفت سوليفان إلى أن الولايات المتحدة "عمّقت تعاون الناتو مع شركائها في هذه المنطقة".
ونوَّه بأن "ما يحدث في أوروبا يؤثر على الإندو باسيفيك، والعكس صحيح".
وتابع: "كوريا الشمالية تقدم الصواريخ لروسيا التي تستخدمها في قتل المدنيين الأوكرانيين. وتعمّق موسكو معاملاتها التجارية مع بكين، بما يشمل الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا تدخل في صناعة صواريخ كروز، وهو ما يساعد في استمرار آلة الحرب الروسية".
وذكر سوليفان أن "كوريا الشمالية والصين لا تدعمان روسيا مجاناً، ونراقب ذلك عن كثب ما تقدمه موسكو لبيونج يانج وبكين في المقابل، وأي تأثير لذلك سيكون على أمن الإندو باسيفيك".
وأوضح المسؤول الأميركي أن "كل دول المنطقة (أستراليا، اليابان، ونيوزيلاند، وكوريا الجنوبية) التي تحضر القمة، ساعدت على تعبئة العالم للوقوف دفاعاً عن الحرية والسيادة والأمن في أوروبا، والوقوف مع أوكرانيا".
ووصف اتجاه أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية إلى استثمار 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بأنه "خطوة تاريخية كان لا يمكن تخيلها قبل سنوات قليلة".
كما يرى أن "العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا ودول الإندو باسيفيك لم تكن أبداً تحظى بالأهمية التي نشهدها اليوم، ولهذا السبب، فإن إدارة بايدن تعمل باستمرار لتقوية هذه الشراكات".
وتحدَّث سوليفان عن أن "الناتو" وشركاءه في منطقة "الإندو باسيفيك" سيعلنون عن 4 مشاريع مشتركة تشمل أوكرانيا، والذكاء الاصطناعي، والاستخبارات والأمن المعلوماتي، موضحاً أن "كل مبادرة تختلف عن الأخرى، لكن الهدف واحد ويتمثل في بناء قوة وقدرات هذه الديمقراطيات للتعامل مع التحديات العالمية المشتركة".
ماذا تحتاج روسيا؟
وفي السياق ذاته، أكد رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، الثلاثاء، التزام بلاده بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف ستارمر: "أنا ملتزم بنسبة 2.5% ضمن قواعدنا المالية، لكن هذه المراجعة الاستراتيجية يجب أن تأتي أولاً"، كما يخطط حزب "العمال" الحاكم لإجراء مراجعة لقدرات بريطانيا الدفاعية.
فيما قال مسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي اليوم الثلاثاء، إن روسيا تفتقر إلى الذخيرة والقوات اللازمة لشن هجوم كبير في أوكرانيا، وستحتاج إلى إمدادات كبيرة من الذخائر من دول أخرى، إضافة إلى ما تحصل عليه بالفعل لشن مثل هذا الهجوم.
وفي إفادة لصحافيين قبل انطلاق القمة السنوية للحلف، قال المسؤول أيضاً إن "هجمات الإحراق العمدي، ومحاولات الاغتيال والتخريب مؤخراً في أوروبا، هي جزء من حملة سرية لبوتين لتقويض الدعم الشعبي لأوكرانيا".
وبشأن الأوضاع في ساحة المعركة، ذكر المسؤول أن روسيا تكبدت خسائر "فادحة للغاية" في الوقت الذي تكافح فيه لاستغلال مكاسب الأرض القليلة وتفتقر إلى القوات والذخيرة اللازمة لشن هجوم واسع النطاق.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم كشف هويته، أن "ما يفعلونه هو إصدار أوامر للوحدات التي تعاني من نقص العدد والخبرة بالتحرك إلى مناطق لتحقيق أهداف غير واقعية".
وتابع: "من أجل مواصلة العمليات الهجومية الحقيقية، نعتقد أنه سيتعين على روسيا تأمين إمدادات كبيرة من الذخيرة من دول، إضافة لما تحصل عليه بالفعل من إيران وكوريا الشمالية. وسيتعين على بوتين أن يأمر بتعبئة جديدة واسعة النطاق".
وأردف المسؤول في حلف شمال الأطلسي: "شهدنا تحسناً كبيراً في الدفاعات الأوكرانية"، مضيفاً أن كييف تكبدت أيضاً خسائر كبيرة في القوات.
وقدَّر أن روسيا ستكون قادرة على الاستمرار في اقتصاد الحرب لثلاث إلى 4 سنوات أخرى.
وقال المسؤول: "سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تجمع أوكرانيا الذخائر والأفراد الذين تحتاجهم لشن عمليات هجومية جديدة واسعة النطاق. نرى أنهم يتحسنون يوماً بعد يوم".
ترقب في الناتو
ويجتمع زعماء الدول الأعضاء في الناتو في واشنطن، عاقدين العزم على زيادة الدعم لأوكرانيا، لكنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة نوع آخر من التحدي، وهو كيفية التعامل مع العودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وكان أداء الرئيس الديمقراطي بايدن في مناظرة الـ27 يونيو الماضي "ضعيفاً"، بحسب استطلاعات للرأي وتصريحات من مسؤولين دفعت لعضهم لمطالبته بالانسحاب من السباق الرئاسي، وهو ما أدى إلى تقدم الجمهوري ترمب في استطلاعات الرأي قبل انتخابات الخامس من نوفمبر المقبل.
ويواجه زعماء الحلف أيضاً حالة من عدم اليقين السياسي في أوروبا بعد المكاسب التي حققتها أحزاب اليسار واليمين المتطرف في فرنسا، وتراجع قوة ائتلاف المستشار الألماني أولاف شولتز عقب الأداء الذي وًصف بـ"الهزيل" في انتخابات البرلمان الأوروبي.
ويأمل قادة الحلف، خلال القمة في الاحتفال بالوحدة الجديدة ضد بوتين، وإرسال تحذير للصين، من أجل إثبات أن التحالف قوي كما كان دائماً، لكن الاضطرابات الداخلية في الدول الأعضاء تطغى على هذه الاجتماعات.
سيتعهّد الحلفاء بمواصلة دعم أوكرانيا، إلّا أن خطط تأمين مساعدات طويلة الأجل لكييف يبدو أنها متعثرة، ولا تزال آمال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في الانضمام إلى التحالف بعيدة المنال، خصوصاً مع تهديد ترمب، الذي يتقدّم على بايدن في استطلاعات الرأي، في السابق بالانسحاب من الحلف.
وتثير احتمالية عودة ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة مرة أخرى قلق العديد من الدول الأعضاء في الحلف البالغ عددها 32 دولة، نظراً لانتقاداته المتكررة للحلف حينما كان في السلطة أو خارجها.