حملات مقاطعة وفرض عقوبات وسحب استثمارات.. حرب غزة تزيد "عزل إسرائيل"

جامعات تقطع علاقاتها العلمية مع تل أبيب.. ودول توقف بيع الأسلحة.. ومنع المشاركة في مسابقات

time reading iconدقائق القراءة - 9
لافتات وأعلام  علقها متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين على أحد جسور المشاة في العاصمة الإيرلندية دبلن تطالب بمقاطعة إسرائيل. 2 مايو 2024 - Reuters
لافتات وأعلام  علقها متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين على أحد جسور المشاة في العاصمة الإيرلندية دبلن تطالب بمقاطعة إسرائيل. 2 مايو 2024 - Reuters
دبي-الشرق

على مدار سنوات، لم تحظ الحملات المناصرة للقضية الفلسطينية سوى بدعم محدود، لكن في الأشهر التي أعقبت حرب إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر، تزايد الدعم لعزل إسرائيل بشكل لافت، وتجاوز كثيراً جهود الحرب الإسرائيلية.

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إلى تمتّع هذا التحول بـ"القدرة على تغيير الأوضاع المهنية في إسرائيل، والإضرار الجسيم بالشركات والمشروعات التجارية، والتأثير على اقتصاد إسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، وتعتمد بالأساس على التعاون الدولي، ودعم الدفاع، والتجارة، والبحث العلمي".

إنهاء التعاون البحثي مع تل أبيب

عندما أوصت لجنة الأخلاق في جامعة جينت البلجيكية بإنهاء "جميع أشكال التعاون البحثي" مع المعاهد العلمية والبحثية الإسرائيلية في أواخر مايو، لم يتوقع عالم الأحياء الحاسوبي عيران سيجال حدوث ذلك، إذ لا يرتبط عمله من قريب أو بعيد بالمجهود الحربي الإسرائيلي.

وحتى بعد مرور أشهر على الحرب، لم تُؤثر حركات المقاطعة العالمية على المجال البحثي سوى في أضيق الحدود. وأشارت لجنة الجامعة إلى أن أوجه التعاون تتضمن "أبحاثاً بشأن أمراض التوحد والألزهايمر، وتطهير المياه، والزراعة المستدامة".

على الرغم من ذلك، كتبت اللجنة أن "المعاهد الأكاديمية تُطور تكنولوجيا الخدمات الأمنية التي يجري إساءة استخدامها لاحقاً في انتهاك حقوق الإنسان، وتُوفر فرص التدريب للجنود والأجهزة الأمنية الذين يعمدون بعد ذلك إلى إساءة استخدام هذه المعرفة لارتكاب انتهاكات حقوقية".

ووصف سيجال، هذا التصريح بأنه "مثير للقلق ومزعج للغاية"، مضيفاً أنه لا يعلم حتى الآن إذا ما كان سيتم إنهاء المشروع.

ويقيم مختبر سيجال بمعهد وايزمان للعلوم جنوبي تل أبيب، شراكة بحثية مع جامعة جينت، تُركز على العوامل المسببة للسمنة.

ودعت اللجنة إلى تعليق المشاركة الإسرائيلية في برامج البحث والتعليم على مستوى أوروبا، والتي تعتمد في الغالب على تمويل الاتحاد الأوروبي.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن سيجال قوله: "إذا استجاب الشركاء الأوروبيون للدعوة، فسيكون ذلك بمثابة ضربة ساحقة لقدرتنا على إجراء البحوث العلمية الأكاديمية".

مبادرات "غير مسبوقة"

من جانبه، اعتبر عيران شامير بورير، الرئيس السابق لقسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي "مجموعة المبادرات السياسية والقانونية الجديدة ضد إسرائيل" بأنها "غير مسبوقة"، والتي تتضمن تحركات ضد إسرائيل وقادتها في أعلى محكمة بالأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف: "أعتقد أن هناك حتماً سبباً للقلق على إسرائيل"، محذراً من أن "التحول إلى دولة منبوذة يعني أنه حتى إذا لم يحدث شيء بشكل رسمي، فإن عدداً أقل من الشركات تشعر بأنها تريد الاستثمار في إسرائيل في المقام الأول، وعدداً أقل من الجامعات ترغب في التعاون مع المعاهد الإسرائيلية. وبمجرد حدوث الأشياء تحصل على هذه المكانة الرمزية".

مقاطعة الجامعات الإسرائيلية

وفقاً للتقرير الذي نشرته "وول ستريت جورنال" الأربعاء، يجد الإسرائيليون أنهم "لم يعودوا موضع ترحيب" في الكثير من الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحث الأوروبية، بما في ذلك المشاركة في أوجه التعاون العلمي. كما تصبح مشاركتهم في عروض المعاهد الثقافية والمعارض التجارية الدفاعية "من التابوهات بشكل متزايد".

واستعد ليدور مادموني، الرئيس التنفيذي لشركة دفاع إسرائيلية صغيرة، منذ عدة أشهر لمعرض الأسلحة الدولي الذي أقيم خلال يونيو، في العاصمة الفرنسية باريس.

وقال مادموني إن معرض "يوروساتوري" كان من المفترض أن يكون فرصة نادرة لفريقه الصغير لتوسيع أعمالهم، قبل أن تصله رسالة عبر البريد الإلكتروني تخبره بمنع شركته من الحضور بسبب قرار صادر عن إحدى المحاكم الفرنسية.

وأوضح المنظمون عشية المعرض: "لدينا التزام بمنع وصولكم إلى المعرض"، مستندين إلى "أوامر المحكمة" التي أعقبت الحظر الذي فرضته وزارة الدفاع الفرنسية رداً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، المدينة الفلسطينية التي اتخذها أكثر من مليون فلسطيني مأوى لهم.

وعلى مدى سنوات، دعت حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات، التي تشكّلت عام 2005 من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، إلى استخدام الضغط الدولي على إسرائيل لتعزيز أهدافها، التي تتضمن إقامة دولة فلسطين المستقلة، ومنح اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم حق العيش في إسرائيل، لكن الحركة لم تكن تتمتع بجاذبية كبرى.

إلّا أن هذه البيئة "تغيّرت بشكل جذري"، وفق الصحيفة، بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي، إذ "تم الاعتراف ببعض أهداف الحركة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" نتيجة الحرب التي أودت بحياة 38 ألف فلسطيني حتى الآن، معظمهم من المدنيين، وذلك بعد أن أججت أشهر القتال، والخسائر البشرية، وصور الدمار في غزة، المعارضة الدولية للطريقة التي نفذت بها إسرائيل حربها.

وأشارت الحركة على موقعها الإلكتروني إلى أن "الشركات والمؤسسات الإسرائيلية باتت معزولة، وستجد إسرائيل صعوبة أكبر في قمع الفلسطينيين".

وفي هذا السياق، قالت نيتا باراك كورين، أستاذة القانون التي ترأس فريق عمل مناهض للمقاطعة تم تشكيله خلال الحرب في الجامعة العبرية بالقدس إن "أكثر من 20 جامعة في أوروبا وكندا قطعت جميع علاقاتها مع الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين".

وذكرت طالبة إسرائيلية كانت تستعد للدراسة في جامعة هلسنكي أنها بالفعل كانت تبحث عن سكن في فنلندا، قبل أن تبلغها الجامعة في مايو الماضي، تعليق اتفاقيات التبادل مع الجامعات الإسرائيلية.

زخم في الأوساط الأكاديمية

وتكتسب مقاطعة إسرائيل زخماً كبيراً عبر جميع ألوان الطيف الأكاديمي، إذ أخبرت مجلة "Cultural Critique"، المعنية بالنقد الثقافي، عالم اجتماع إسرائيلي في مايو بأنه لم يتم النظر في مقاله، لاعتقادهم أنه يعمل لدى مؤسسة إسرائيلية، موضحةً أنها تتبع إرشادات حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات، التي تتضمن "وقف الدعم عن المعاهد الثقافية والأكاديمية الإسرائيلية".

وعلى الرغم من ذلك، اعتذرت المجلة الأميركية في وقت لاحق عن استبعادها المقال على أساس الانتماء الأكاديمي للباحث، مشيرةً عبر موقعها الإلكتروني إلى أن تقييم المشاركات يحدث "دون النظر إلى هوية المؤلف وانتمائه الأكاديمي"، داعيةً العالم الإسرائيلي إلى تقديم بحثه مرة أخرى.

وبعد ازدهار قطاع الصادرات الدفاعية الإسرائيلي قبل الحرب، والذي بلغت مبيعاته آنذاك رقماً قياسياً بقيمة 13 مليار دولار عام 2023، حظرت تشيلي الشركات الإسرائيلية من المشاركة في أكبر معرض للطيران في أميركا الجنوبية في مارس قبل حظرها من قبل فرنسا في يونيو.

وتمد الولايات المتحدة إسرائيل بمساعدات عسكرية تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار كل عام، كما قدمت زيادة في شحنات الأسلحة بعد 7 أكتوبر.

ورغم أن المسؤولين الأميركيين، قالوا إن شحنات المساعدات الأميركية المتجهة إلى إسرائيل تباطأت لأن الكثير من الأسلحة تم إرساله بالفعل، كما أن الحكومة الإسرائيلية قدمت طلبات أقل، إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية لجأت إلى المحاكم للطعن على مبيعات الأسلحة الحكومية إلى إسرائيل، بما في ذلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والدنمارك.

وفي ضوء الحرب على غزة، قالت كندا إنها لن تبيع أسلحة إلى إسرائيل. وفي أوروبا يقوم مديرو الصناديق بمراجعة مواقفهم في ضوء الحرب، حسبما قالت كيران عزيز، التي تقوم بفحص ممتلكات وأرصدة صندوق KLP، وهو أكبر صندوق خاص لمعاشات التقاعد في النرويج، "بحثاً عن الأنشطة التي تخالف مبادئه الأخلاقية"، مضيفة: "أعلم أن هذا أمر يبحث عنه الجميع".

وباع صندوق "KLP" أسهماً تزيد قيمتها عن 68 مليون دولار في شركة Caterpillar الأميركية في أواخر يونيو، استناداً إلى بيان للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والذي قالت فيه إن نقل الأسلحة إلى إسرائيل يمكن أن يُمثل "انتهاكاً لحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية"، ودعت 11 شركة، بينها "Caterpillar"، إلى "وقف صادراتها إلى إسرائيل".

رغم ذلك، "لا يزال التعاون الدولي مع إسرائيل مستمراً"، وفق الصحيفة.

وفي إطار المقاطعة الثقافية، وقّع أكثر من 1000 فنان من الدول الإسكندنافية على عريضة لحظر إسرائيل من المشاركة في مسابقة "Eurovision Song Contest" الغنائية، دون جدوى، ورغم ذلك، قال عضو نرويجي في لجنة التحكيم إنه لم يمنح أي نقاط لإسرائيل بسبب "الفظائع التي ترتكبها في غزة"، ما يُعد انتهاكاً لقواعد المسابقة التي تمنع المحكمين من منح النقاط على أساس جنسية المشارك.

ومع ذلك، عزل بعض الفنانين المبدعين أنفسهم وأعمالهم عن إسرائيل. وفي هذا السياق قالت إفرات ليف مديرة الحقوق الأجنبية في مؤسسة :ديبورا هاريس" في إسرائيل، وهي مؤسسة معنية بالأدب إنه منذ اندلاع الحرب في غزة "رفض عشرات من المؤلفين، معظمهم أميركيين، ترجمة كتبهم إلى العبرية وبيعها في إسرائيل".

تصنيفات

قصص قد تهمك