أثارت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، السبت، غضب أنصاره ومستشاريه، إذ وجهوا أصابع الاتهام إلى منافسه الديمقراطي، الرئيس الحالي جو بايدن، معتبرين أن نهج "شيطنة" المرشح الرئاسي الجمهوري، يقف وراء حادث إطلاق النار.
وفي غضون ساعات من محاولة اغتيال ترمب، بدأ العديد من أنصاره في إلقاء اللوم على الديمقراطيين، سعياً لقلب المسار جذرياً ضد من أجج الخطاب السياسي الأميركي الساخن مع وصول حالات العنف السياسي إلى مستويات غير مسبوقة.
ومن المعتدلين الجمهوريين إلى أصحاب نظرية المؤامرة من أقصى اليمين، ظهرت رسالة موحدة مفادها أن الرئيس جو بايدن وغيره من القادة الديمقراطيين وضعوا الأساس لواقعة إطلاق النار من خلال تصوير ترمب على أنه مستبد يشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية.
ومع ذلك، قدم تحليل أجرته رويترز لأكثر من 200 حادثة عنف ذات دوافع سياسية بين عامي 2021 و2023، صورة مختلفة: ففي تلك السنوات، كان العنف السياسي المميت ينبعث في كثير من الأحيان من اليمين الأميركي أكثر من اليسار.
موجة عنف سياسي
ووجدت رويترز في هذا التقرير الذي نشر العام الماضي أن الولايات المتحدة تواجه موجة من العنف السياسي الأكثر استمراراً منذ عقد من الاضطرابات التي بدأت في أواخر الستينيات. وقد جاء هذا العنف من مختلف الأطياف الأيدولوجية، ويتضمن هجمات واسعة النطاق على الممتلكات خلال المظاهرات السياسية اليسارية. لكن الهجمات على
الناس - من الضرب إلى القتل - ارتكبها في الغالب المشتبه بهم الذين يعملون لخدمة المعتقدات والأيدولوجية السياسية اليمينية.
وبعد هجوم السبت مباشرة، عجت المواقع الإلكترونية اليمينية بالتأكيدات على أن الخطاب اليساري هو الذي حفز مهاجم ترمب. ألقى العديد من المعلقين اللوم في حادث إطلاق النار على البيت الأبيض في عهد بايدن أو دفعوا بنظريات مؤامرة لا أساس لها، بما في ذلك الادعاء بأن عصابة غامضة من "الدولة العميقة" داخل الحكومة هي التي دبرت الواقعة.
وقال أحد مستخدمي موقع باتريوتس.وين المؤيد لترمب "لا أعتقد أن هذه ستكون المحاولة الأخيرة لقتل ترمب..الدولة العميقة ليس لديها خيار آخر الآن". ودعا مستخدم آخر إلى تطهير الحكومة الاتحادية قائلاً "إما نحن أو هم".
ترمب في "مرمى النيران"
وأشار مؤيدو ترمب من الجمهوريين على وجه التحديد إلى تعليق أدلى به بايدن في الثامن من يوليو عندما ناقش الرئيس أداءه السيئ في المناظرة أمام ترمب خلال اجتماع مع المانحين.
وقال بايدن وفقاً لنص المكالمة التي أرسلتها حملته إلى الصحفيين "أمامي مهمة واحدة وهي التغلب على دونالد ترمب .. لقد انتهينا من الحديث عن المناظرة. وحان الوقت لوضع ترمب في مرمى النيران. لم يفعل شيئاً خلال الأيام العشرة الماضية باستثناء التجول باستخدام عربة الجولف الخاصة به".
واستغل بعض أصحاب المناصب الجمهوريين تعليق كلمة "مرمى النيران" كمثال على استحضار بايدن لصور عنيفة في وصف الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وانتقدوا بايدن وغيره من الديمقراطيين لتصويرهم الرئيس السابق على أنه يمثل تهديداً للديمقراطية والأمن.
فيما قال السيناتور الأميركي جيمس ديفيد فانس، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، وهو مرشح بارز لمنصب نائب ترمب، على منصة "إكس":"ما حدث ليس مجرد واقعة منفردة.. الفرضية الأساسية لحملة بايدن، هي أن ترمب فاشي استبدادي، يجب إيقافه بأي ثمن، وأدى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتياله".
وتحرك بايدن سريعاً في محاولة لنزع فتيل التوتر، وندد بالهجوم، ووصفه بأنه "عنف سياسي غير مقبول" مقرراً سحب الإعلانات الانتخابية التي تهاجم ترمب. وقال للصحافيين: "لا مكان في أميركا لهذا النوع من العنف السياسي. إنه أمر مقزز".
فيما قال المدير المشارك لحملة ترمب، كريس لاتشيفيتا: "منذ سنوات وحتى اليوم، يدلي الناشطون اليساريون، والمتبرعون لحملة الحزب الديمقراطي، بتصريحات وأوصاف مثيرة للاشمئزاز، والآن حتى الرئيس بايدن، فعل نفس الأمر، حان وقت محاسبة المسؤولين عن ذلك.. وأفضل سبيل يكون عبر صناديق الاقتراع".
الديمقراطيون ينددون
وخرج الديمقراطيون سريعاً، منددين بمحاولة الاغتيال، إذ قال بايدن، إنه يصلي من أجل الرئيس السابق ومن أجل عائلته في أعقاب الحادث، وأضاف عبر منصة "إكس" متحدثاً من ولاية ديلاوير، قبل أن يتوجه إلى واشنطن: "إنها أحد الأسباب التي تجعلنا نوحد هذا البلد، لا يمكننا أن نسمح بحدوث هذا. لا يمكننا أن نكون هكذا، ولا يمكننا أن نتغاضى عن هذا.. لا مكان في أميركا لهذا النوع من العنف”.
وقالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، إنها اطلعت على تفاصيل محاولة الاغتيال.
وأضافت في بيان: “أنا ودوج (زوجها)، نشعر بالارتياح لأنه لم يتعرض لإصابة خطيرة.. نحن نصلي من أجله، ومن أجل عائلته، ومن أجل جميع الذين أصيبوا وتأثروا بهذا الإطلاق الطائش للنار".
وكتبت هاريس على منصة "إكس": "لا مكان لعنف مثل هذا في أمتنا، يجب علينا جميعا أن ندين هذا العمل البغيض، ونؤدي دورنا لضمان ألا يؤدي إلى مزيد من العنف".
وأعرب زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، حكيم جيفريز، في بيان، عن رفضه للعنف السياسي، وقال على منصة "إكس": "أفكاري وصلواتي مع الرئيس السابق ترمب. أنا ممتن للرد الحاسم لعناصر إنفاذ القانون".
وأضاف: "أميركا دولة ديمقراطية.. العنف السياسي من أي نوع غير مقبول على الإطلاق".
هجمات سياسية
وتواجه الولايات المتحدة أكبر زيادة في أعمال العنف ذات الدوافع السياسية، وأكثرها استمرارية منذ سبعينيات القرن الماضي. إذ نفذ مهاجمون من "اليمين" 13 من بين 14 هجوماً سياسياً تسببت في سقوط ضحايا أو مصابين منذ اقتحام أنصار ترمب لمبنى الكونجرس في 6 يناير 2021، بينما شن يساري هجوماً واحداً.
وثبت أن مرتكبي هذه الهجمات أو المشتبه بهم لهم انتماءات حزبية واضحة.
وعلى الرغم من كونه رئيساً سابقاً، إلا أن ترمب نفذ حملته الانتخابية باعتباره متمرداً من خارج دائرة السلطة، وشكا من أنه مستهدف منذ فترة طويلة من قبل "الدولة العميقة" الاتحادية وإدارة بايدن، لمنعه من العودة إلى السلطة.
ويستخدم ترمب في العادة خطاباً عنيفاً ومهيناً وحتى مروعاً، ويحذر من حدوث "حمام دم" إذا لم يتم انتخابه، وقال إن المهاجرين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة "يسممون دماء بلادنا"، لا سيما أن بعض الجمهوريين أبدوا انزعاجهم بالفعل من استمراره في تأجيج النار.
وقال تشيب فيكل، وهو ناشط جمهوري في ولاية ثاوث كارولينا، ومن معارضي ترمب: "إذا لم تكن البلاد برميل بارود من قبل، فهي الآن كذلك"، فيما اعتبر براد بانون، الخبير الاستراتيجي الديمقراطي، أن "إطلاق النار يمكن أن يفيد ترمب سياسياً، لأنه يدعم رواية حملته الانتخابية، بأن البلاد خرجت عن المسار الصحيح".
وأضاف بانون:"محاولة الاغتيال تثير التعاطف مع ترمب.. كما أنها تؤكد للناخبين فكرة أن هناك شيئاً خاطئاً بشكل أساسي في هذه الأمة، وهي فكرة تعزز الدعم له".
دوافع مجهولة لمنفذ الهجوم
ولم تُعرف بعد دوافع منفذ الهجوم، إذ تُظهر سجلات الناخبين بولاية بنسلفانيا أن توماس ماثيو كروكس (20 عاما)، وهو من منطقة بيثيل بارك، سبق أن تبرع بمبلغ 15دولاراً إلى لجنة عمل سياسية تجمع الأموال للساسة ذوي الميول اليسارية والديمقراطيين.
ومن المرجح على المدى القصير أن يعزز هذا الهجوم التأييد لترمب خلال مؤتمر الحزب الجمهوري، الذي يعقد في ميلووكي الاثنين، ويقبل خلاله ترشيح الحزب للرئاسة، وكذلك الشعور بالظلم والغربة لدى مؤيديه تجاه الطبقة السياسية في البلاد.
وبعد ساعات من محاولة الاغتيال، أرسلت حملة ترمب رسالة نصية تطلب من الناخبين المساهمة في الحملة، قالت فيها على لسان ترمب: "إنهم لا يلاحقونني، بل يلاحقونكم"، كما سارع المليارديران إيلون ماسك، وبيل أكمان للتعبير عن تأييدهما لترمب. وقال ماسك عبر منصة "إكس":"أنا أؤيد الرئيس ترمب بشدة، وآمل في شفائه سريعاً".