بدت معركة الوعود في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكسب أصوات الناخبين من "الطبقة المتوسطة" محتدمة، بين المرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترمب، ونائبة الرئيس الأميركي المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، وهو التوجه الذي يمثل حال العديد من المرشحين السياسيين، منذ عهد بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية لعام 1992.
وأبانت شبكة CNN في تقرير لها، الأحد، مساعي ترمب، وهاريس من أجل تحسين مستوى الطبقة المتوسط في الولايات المتحدة، وآلية الخطوات التي يعتزم الحزبان اتباعها، حال الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
فمن خلال تجمع حاشد في ويسكونسن، الثلاثاء الماضي، قالت هاريس:"سيكون بناء الطبقة المتوسطة هدفاً محدداً لرئاستي؛ لأن هذا هو الشيء الذي نعرفه جميعاً هنا، عندما تكون الطبقة المتوسطة قوية، تكون أميركا قوية".
وبالمثل، وعد ترمب في تجمع حاشد في ميشيجان نهاية الأسبوع الماضي، بمساعدة "الطبقة المتوسطة"، التي يقول إنها "تضررت من الارتفاع الحاد في الأسعار خلال السنوات الأخيرة"، وأن "التضخم في ظل حكم بايدن، والديمقراطيين اليساريين، يمحو الطبقة المتوسطة لدينا".
ويستهدف ترمب، وهاريس هذه الطبقة تحديداً في خطاباتهما؛ لأنها تشكل شريحة واسعة من الشعب الأميركي، وأشارت CNN إلى أنه لا يوجد تعريف صارم، وواضح للطبقة المتوسطة؛ لكونها تتعلق أكثر بالتعريف الذاتي، إذ يعتبر أكثر من نصف الأميركيين أنفسهم من الطبقة المتوسطة، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "جالوب" مؤخراً.
وقال ديفيد روديجر، أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة كانساس ومؤلف كتاب "الطبقة المتوسطة الغارقة: تاريخ سياسي للديون والبؤس والانجراف نحو اليمين"، إن عدم وضوح الطبقة يجعل من الصعب القيام بحملات على سياسات مستهدفة، ثم الوفاء بهذه الوعود عند تولي كرسي الرئاسة.
وأضاف:"عندما يكون لديك مجموعة من الناس غير محددة المعالم، ومتباينة للغاية، فمن الصعب معرفة ما ستكون عليه نتائج السياسة".
حلول هاريس السابقة
وذكرت مؤسسة "جالوب" أن كل من هاريس، وترمب قدما وعوداً كبيرة، ولكنها أيضاً "عامة جداً"، لمساعدة الطبقة المتوسطة، وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة العاملة، والذين يشكلون ما يقرب من ثلث سكان الولايات المتحدة.
ولم تكشف هاريس، عن برنامج يتضمن "توصيات سياسية محددة"، لكنها قدمت لمحة عن مجالات تركيزها في خطاباتها على مدار الأسبوع الماضي، مثل "التنازل عن ديون الطلاب، وجعل الرعاية الصحية، ورعاية الأطفال، ورعاية المسنين أقل تكلفة؛ وإصدار إجازة عائلية مدفوعة الأجر؛ وتمكين كبار السن من التقاعد بكرامة".
وكانت بعض حلولها السابقة كمرشحة في الانتخابات الرئاسية 2020، وعندما كانت عضوة في مجلس الشيوخ تركز على "الإعفاءات الضريبية".
واقترحت هاريس لمساعدة أسر الطبقة المتوسطة، والأسر العاملة على مواكبة نفقات معيشتهم، منحهم ائتماناً ضريبياً قابلًا للاسترداد يصل إلى 6 آلاف دولار سنوياً لكل زوجين، تحت عنوان قانون LIFT the Middle Class Act، أو Livable Income for Families Today، إذ سيسمح مشروع القانون لدافعي الضرائب بتلقي الإعانة ما يصل إلى 500 دولار، على أساس شهري، حتى لا تضطر الأسر إلى اللجوء إلى قروض يوم الدفع بأسعار فائدة عالية جداً.
وقدمت هاريس كذلك عندما كانت عضوة في مجلس الشيوخ، قانون "تخفيف الإيجار"، والذي من شأنه أن ينشئ ائتماناً ضريبياً قابلاً للاسترداد للمستأجرين، الذين ينفقون سنوياً ما يزيد عن 30% من دخلهم الإجمالي على الإيجار والمرافق، إذ يتراوح مبلغ الائتمان من 25% إلى 100% من الإيجار الزائد، اعتماداً على دخل المستأجر.
وكانت هاريس من الرعاة لقانون "رعاية الأطفال للأسر العاملة في عام 2017"، والذي كان يحدد تكلفة الرعاية بنسبة 7% من دخل الأسرة لبعض الآباء.
وفي حملتها الأولى في عام 2020 للبيت الأبيض، اقترحت ما يصل إلى 6 أشهر من الإجازة العائلية، والطبية المدفوعة كجزء من برنامج "رعاية الأطفال"، كما تضمنت هذه الحزمة "خططاً لرواد الأعمال الأميركيين من الأصول الإفريقية، بالإضافة إلى تقديم مقترح للأجور المتساوية، والدفع لزيادة رواتب المعلمين".
علاوة على ذلك، كانت هاريس مؤيدة قوية لجهود البيت الأبيض لـ"حظر الديون الطبية" من تقارير الائتمان، والتي قالت إنها "ضرورية للصحة المالية للأميركيين"، وهو الاقتراح الذي اقترحته إدارة بايدن الشهر الماضي.
وفي يونيو الماضي، قالت هاريس في مكالمة هاتفية مع الصحافيين: "إن الديون الطبية تجعل من الصعب على ملايين الأميركيين الحصول على موافقة على قرض سيارة، أو قرض منزل، أو قرض للأعمال الصغيرة، وكل هذا بدوره يجعل من الصعب مجرد العيش، ناهيك عن التقدم". وأضافت:" ببساطة هذا ليس عادلاً".
وتشكل الديون الطبية عبئاً كبيراً على الطبقة المتوسطة، حيث عانى في عام 2020، ربع هذه الطبقة من فواتير طبية غير مدفوعة، وفقاً للمؤسسة البحثية" Third Way".
"بايدن والطبقة المتوسطة"
وذكرت كارولين ليفات، السكرتيرة الصحفية لحملة ترمب، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى شبكة CNN: "لقد أضرت أزمة التضخم القياسية التي تسببت فيها إدارة بايدن، وهاريس في سلب آلاف الدولارات كل شهر من الأسر العاملة في الطبقة المتوسطة، لمجرد الحصول على نفس جودة الحياة التي كانت قبل بضع سنوات في عهد الرئيس ترمب".
وأضافت:"عندما يعاد انتخاب ترمب، ستكون الأولوية القصوى، تتمثل في إعادة إشعال صناعة الطاقة في البلاد، من أجل خفض التضخم وتكاليف المعيشة لجميع الأميركيين".
وتابعت: "وعد الرئيس ترمب بخفض الضرائب على الطبقة المتوسطة، وإنهاء الضرائب على الإكراميات للعاملين في الخدمات لوضع المزيد من الأموال التي حصلوا عليها بشق الأنفس، في جيوبهم".
إلغاء الضريبة على الإكراميات
وطرح ترمب الشهر الماضي وعد "إلغاء الضريبة على الإكراميات"، وهو وعد انتخابي جديد، وذلك خلال تجمع حاشد في نيفادا، وهي ولاية متأرجحة رئيسية وواحدة بها عدد كبير من العاملين في صناعة الخدمات، وتعهد "بفعل ذلك، كأول إجراء، عند توليه المنصب"، فيما لم يقدم تفاصيل واسعة عن وعده بخفض ضريبي للطبقة المتوسطة.
ومن المقرر أن تنتهي صلاحية أحكام الضرائب الفردية لقانون خفض الضرائب الجمهوري لعام 2017 العام المقبل، والذي ساهم في خفض الضرائب لمعظم الأميركيين، ولكنه كان مفيداً للأثرياء أكثر من غيرهم، إذ لا يزال ترمب يعد بتمديد جميع هذه التدابير المنتهية الصلاحية، وفقاً للشبكة.
وذكرت CNN أن منصة الحزب تسرد العديد من التدابير العامة التي يفضلها الجمهوريون منذ فترة طويلة، والتي "يدعون بأنها ستؤدي إلى خفض الأسعار".
وأشارت منصة الحزب إلى أنه إذا فاز ترمب في الانتخابات، فسوف يرفع هو والحزب الجمهوري "القيود المفروضة على إنتاج الطاقة المحلية"، كما سينهيان جهود إدارة بايدن في مجال الطاقة الخضراء، إذ تشير المنصة أنها "ستخفض التضخم"، وتزود المنازل، والسيارات، والمصانع بالطاقة بأسعار معقولة.
ويهدف الجمهوريون إلى "استقرار الاقتصاد، وتنميته" من خلال كبح ما يسمونه "الإنفاق الفيدرالي المسرف"، وخفض اللوائح المكلفة، كما يعتزم الحزب خفض "أسعار السلع الأساسية من خلال استعادة "السلام عبر القوة"، وفقًا للمنصة.
ويعتزم الحزب الجمهوري اتباع سياسة وقف "الهجرة غير الشرعية"، التي يحمّلها الحزب تبعات ارتفاع "تكلفة الإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية للأسر الأميركية"، وفقاً لما أوردت المنصة.
في المقابل، اعتبر باحثون في معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي، أن بعض مقترحات ترمب ستؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة للطبقة المتوسطة، لا سيما "التعريفات الجمركية"، إذ ستكلف تعريفة بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية، الأسر من متوسطي الدخل، ما لا يقل عن 1700 دولار سنوياً.
انكماش الطبقة المتوسطة
ووفقاً لدراسة حديثة أجراها مركز "بيو" للأبحاث، فإن الطبقة المتوسطة أصبحت أصغر مما كانت عليه في عام 1971، ففي العام الماضي، كان 51% فقط من الأميركيين يعيشون في أسر من الطبقة المتوسطة، مقارنة بنحو 61% قبل 5 عقود من الزمان.
وأبان مركز "بيو" بأن تعريف "الأسر ذات الدخل المتوسط"، هي الأسر التي يبلغ دخلها ثلثي أو ضعف متوسط دخل الأسرة الأميركية، بعد تعديل معيار المداخيل السنوية وفقاً لحجم الأسرة، وكان متوسط دخل الأسرة السنوي للطبقة المتوسطة، يصل إلى 106 آلاف دولار أميركي العام الماضي.
وذكر مركز "بيو"، أن عدد الأسر من الطبقة المتوسطة التي صعدت سلم الدخل المرتفع، كان أكبر من عدد الأسر التي هبطت منه، وهي علامة على التقدم الاقتصادي، إذ كان حوالي 19% من الأميركيين ينتمون إلى أسر ذات دخل مرتفع العام الماضي، مقارنة بنحو 11% في عام 1971، بينما كان 30% ينتمون إلى أسر ذات دخل منخفض العام الماضي، مقارنة بنحو 27% في عام 1971.
وأوضح المركز أن الإشارة السلبية، تتمثل في أن دخل الطبقة المتوسطة نما بشكل "أبطأ من دخل أقرانهم من ذوي الدخل المرتفع، إذ بلغ 60%"، مقارنة بنحو 78% بين عامي 1970، و2022، كما نما الدخل بين طبقة الدخل المنخفض بنسبة 55% خلال تلك الفترة.
وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت حصة الطبقة المتوسطة من إجمالي دخل الأسرة من 62% في عام 1970 إلى 43% في عام 2022، في حين شكلت أسر الدخل المرتفع 48% من إجمالي الدخل في عام 2022، مقارنة بنحو 29% في عام 1970، ومع ذلك، يقول بعض الخبراء إن "الدخل قد يكون مقياساً ضعيفاً لتحديد الطبقة المتوسطة".
وخلصت دراسة أجرتها مؤسسة "راند" في عام 2022 إلى أن نحو "ثلث أصحاب الدخل المتوسط غير قادرين على الإنفاق"، ووجد الباحثون أن "العديد من الأسر من الطبقة المتوسطة تمد ميزانياتها باستمرار، أو تتعادل لتوفير مستوى معيشي أساسي، وينفق آخرون في حدود إمكانياتهم"، لكن القيام بذلك يتطلب منهم العيش في "فقر استهلاكي"، وهو ما وصفوه بأنه "إنفاق ضروري أقل من مستوى الفقر الفيدرالي".
وأشارت المؤسسة إلى أنه في كلتا الحالتين، قد لا تتمكن الأسر التي تنتمي إلى "الطبقة المتوسطة من حيث الدخل" من الوصول إلى "نمط حياة الطبقة المتوسطة".