ما أن تشيع حركة "حماس" رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الجمعة، ستسعى إلى انتخاب رئيس جديد للحركة التي تواجه تحديات كبيرة وخيارات صعبة بعد عملية الاغتيال التي وقعت في قلب العاصمة الإيرانية، التي كانت تعد من الأماكن القليلة الآمنة لقادة الحركة على صعيد التحرك وحتى الإقامة فيها.
وحسب النظام الأساسي للحركة، فإن أعضاء مجلس الشورى المركزي، الذي يضم حوالي 50 عضواً، من بينهم أعضاء المكتب السياسي المركزي للحركة، هم من ينتخبون الرئيس.
وغالباً ما تجري ترتيبات وراء الكواليس لاختيار الرئيس قبل التوجه إلى الانتخاب المباشر. وعادة ما تلعب قيادة الحركة في قطاع غزة، صاحبة الثقل الأكبر في الحركة، الدور الحاسم في اختيار رئيس المكتب السياسي المركزي من خلال تفاهمات داخلية قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وتضم تركيبة مجلس الشورى والمكتب السياسي 3 حصص متساوية لساحات العمل الثلاث في الحركة، وهي قطاع غزة والضفة الغربية والشتات، بمعدل الثلث لكل ساحة.
غزة صاحبة التأثير الأكبر
ويعد قطاع غزة الساحة الأكثر ثقلاً في حركة "حماس" من الساحات الثلاث الرئيسية التي تعمل فيها، وذلك لامتلاكها عناصر قوة عسكرية واقتصادية وتنظيمية ترقى لأن تكون معها شبه دولة.
وتعززت مكانة فرع غزة في الحركة خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، بعد أن نجح في اختراق الحصون الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، وما زالت تقاتل واحداً من أقوى جيوش العالم منذ حوالي عشرة شهور.
قائمة المرشحين
بحسب مصادر في الحركة، تشمل قائمة المرشحين لخلافة إسماعيل هنية كلاً من نائبه الحالي خالد مشعل الذي شغل موقع رئيس المكتب السياسي للحركة لسنوات طويلة سابقة، وكذلك النائب الثاني رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحي السنوار.
ويستبعد البعض أن يرشح السنوار نفسه بسبب قيادته للحركة في قطاع غزة في ظروف الحرب المعقدة.
أما النائب الثالث، وهو زاهر جبارين، فمن المستبعد اختياره خلفاً لهنية نظراً لأنه تولى هذا الموقع بعد اغتيال صالح العاروي، في يناير، بصفته نائباً له ودون إجراء انتخابات.
واستبعدت بعض المصادر إجراء الحركة انتخابات في الوقت الراهن بسبب ظروف الحرب، على أن يتم الاكتفاء بتولي خالد مشعل موقع "القائم بأعمال رئيس المكتب السياسي" لحين إجراء الانتخابات في الدورة الانتخابية القادمة.
تحديات كبيرة قادمة
وجاءت عملية اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية زعيمة "محور المقاومة"، الذي يضم عدداً من اللاعبين المهمين في المنطقة، من "حزب الله" في لبنان إلى حركة "حماس" في فلسطين، والحوثيين في اليمن، والجماعات المسلحة في العراق وسوريا، لتظهر بعض التحديات الكبيرة الماثلة أمام الحركة ورئيس مكتبها السياسي القادم.
فقد اعتمدت "حماس" إلى حد كبير على مبدأ "وحدة الساحات" في هذا المحور عندما قررت القيام بهجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل. لكن مراقبين يرون أن مجريات الحرب المتواصلة منذ حوالي عشرة شهور، وآخرها اغتيال إسماعيل هنية في طهران، يضعف إلى حد كبير من هذا الخيار، في حال عدم قيام إيران وأعضاء المحور برد كبير يتناسب وحجم الحدث.
حزب الله وايران في الحرب
وتقول مصادر في "حماس" إن قيادة الحركة في غزة اعتمدت في هجوم السابع من أكتوبر على وعود عامة من حزب الله بالمشاركة الفعلية في الحرب من خلال الاقتحام الفعلي للحدود، واستخدام الصواريخ الموجهة الذكية في ضرب البنى التحية في إسرائيل، والتدخل الايراني والحوثي لحماية الحركة والحزب في هذه المواجهة.
لكن اكتفاء حزب الله بالمواجهة المحدودة "المشاغلة" وعدم الرد على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في معقل الحزب بالضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، وقيام إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية في موقع محصن بقلب العاصمة الإيرانية طهران، يشكل ضربة كبيرة للخيار العسكري المستقبلي للحركة.
صنع القرار في حماس
ومن غير المرجح أن يؤثر اغتيال إسماعيل هنية على حركة "حماس" وآليه اتخاذ القرارات في الحركة، لكنه قد يؤثر على خياراتها المستقبلية.
فمن جهة، حركة حماس معتادة على الغياب المفاجئ لقادتها جراء الاغتيالات الإسرائيلية، فقد جرى اغتيال غالبية القادة المؤسسين للحركة، مثل الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وسعيد صيام والدكتور إبراهيم المقادمة وجمال منصور وجمال سليم وغيرهم، لكن الحركة، التي تتميز بوفرة كوادرها وقياداتها، عملت على استبدالهم بسرعة كبيرة.
ومن جهة ثانية، ينحصر دور رئيس وأعضاء المكتب السياسي للحركة بالخارج في القيام بتمثيل الحركة سياسياً وإدارة شرايين الحياة المالية والإعلامية والدبلوماسية والتنظيمية للحركة بين الدول والجاليات الفلسطينية في الشتات.
أما مفاتيح القرار في القضايا الكبرى، مثل الحرب والسلام، فما زالت في أيدي قيادة الحركة بقطاع غزة، والتي تقود جيشاً يضم عشرات آلاف المقاتلين، وتمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية واحتلال قواعد عسكرية منيعة في السابع من أكتوبر.
إسرائيل وخيار الحرب
وتعلن إسرائيل أنها ستواصل الحرب على حركة "حماس" في قطاع غزة، وأنها ستلاحق قادتها في غزة والخارج، وهو ما يترك الحركة مع خيار وحيد هو مواصلة المواجهة حتى النفس الأخير.
ويقول مراقبون في قطاع غزة إن إسرائيل تلاحق، ليس فقط قادة "حماس"، وإنما المقاتلين وعائلاتهم وتقصف كل بيت وكل عائلة وكل وسط أو تجمع سكاني يتواجد فيه أي من كوادر ومقاتلي وقادة الحركة، ولا تترك خياراً لهم سوى مواصلة المواجهة بكل ما يمتلكون من مصادر القوة.
أثر الحرب على حماس
وألحقت الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ عشرة شهور دماراً واسعاً في قطاع غزة وقدرات "حماس" العسكرية، لكنها لم تنجح في القضاء على الحركة كقوة سياسية وعسكرية، وهناك شكوك كبيرة، حتى في إسرائيل، بأن تنجح في ذلك.
وارتفعت شعبية الحركة بصورة لافتة في الشارع الفلسطيني جراء أدائها في السابع من أكتوبر وفي مواجهة الاجتياح الإسرائيلي الشامل، لكن استمرار الحرب قد يؤثر على قدرة الحركة على لعب دور سياسي مستقبلاً.
فمن جهة، تواصل إسرائيل الحرب على غزة، ولا يبدو في الأفق أي وقف لها. ويقول مراقبون إن إسرائيل قد تغير شكل الحرب، بعد اغتيال هنية، بما يشكله ذلك من "صورة نصر" كبيرة لها، لكنها لن توقف ملاحقة وقصف أي هدف لحركة "حماس" في غزة مستقبلاً.
ومن جهة ثانية، تجعل ملاحقة إسرائيل لقيادة حركة حماس في الخارج فرصة اندماج هذه القيادة في النظام السياسي الفلسطيني (منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية) أقل احتمالاً، ذلك أن القائمين على هذه النظام يعتبرون أي دخول للحركة إلى النظام سيجعله هدفاً مركزياً لإسرائيل التي تحتل الضفة الغربية وتحاصر قطاع غزة وتهدد بالبقاء في أجزاء واسعة منه.
ويرى مراقبون أن استمرار الحرب الإسرائيلية على حركة "حماس" وعلى قياداتها في الداخل والخارج قد يدفع الحركة للتحول أكثر فأكثر إلى العمل السري، لكنه لن يقضي عليها نظراً لما تتمتع به من مكانة شعبية، بصفتها "حركة مقاومة لشعب يقاسي كل أنواع القمع والقهر والمصادرة من الاحتلال الاسرائيلي".