فنزويلا.. خلاف سياسي متجذر يضع البلاد في مفترق طرق

time reading iconدقائق القراءة - 12
فنزويليون يشاركون في احتجاجات ضد نتائج الانتخابات عقب إعلان فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، ماراكايبو، فنزويلا. 30 يوليو 2024 - REUTERS
فنزويليون يشاركون في احتجاجات ضد نتائج الانتخابات عقب إعلان فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، ماراكايبو، فنزويلا. 30 يوليو 2024 - REUTERS
ساو باولو -هاني الدرساني

تمثل الانقسامات التي تشهدها فنزويلا، قمة جبل الجليد لإرث سياسي متجذر من الخلافات التي تشهدها البلاد الغنية بالنفط، والمثقلة بأزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة، إذ أثارت نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، جدلاً واسعاً، وأدت إلى تفاقم الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، التي وصفت الانتخابات بأنها "غير نزيهة"، وبأن النتائج قد تم "التلاعب بها".

وفي 28 يوليو الماضي، أعلنت لجنة الانتخابات الفنزويلية فوز الرئيس نيكولاس مادورو بدورة ثالثة لحكم البلاد، بعد حصوله على نسبة 51.2% من الأصوات مقابل %44.2 لمرشح المعارضة إدموندو جونزاليس.

وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، تحولت شوارع البلاد إلى ساحة معارك بين أنصار المعارضة، ورجال الأمن التابعين لنظام الرئيس الحالي.

ووجهت المعارضة دعوات للتظاهر والاحتجاج، ليرد الرئيس مادورو على تلك الاتهامات بأنها "دعوة للانقلاب" على دستور البلاد، متوعداً "بشلال دم" في حال عدم القبول بها.

خلافات سياسية متجذرة

وتعود جذور الصراع السياسي الحالي إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما تولى هوجو تشافيز السلطة في عام 1999، إذ بنى قاعدته الشعبية على سياسات اشتراكية، لكسب دعم الطبقات الفقيرة، لكنه أثار أيضاً عداء الطبقة المتوسطة والنخب الاقتصادية.

بعد وفاته في عام 2013، تولى مادورو السلطة، واستمرت السياسات الاشتراكية لكنها تزامنت مع أزمة اقتصادية طاحنة تسببت في تراجع إجمالي الناتج المحلي للدولة النفطية بنسبة 80% متأثراً بالعقوبات الأميركية.

وبدأت شعبية مادورو، تتراجع بشكل تدريجي، كما ترافقت الأزمة الاقتصادية مع خفض لسقف الحريات، ما ساهم في زيادة الأصوات المؤدية للأحزاب المعارضة، والتي وصل عددها إلى 21 حزباً، وأشهرها حزب "فينتي" برئاسة ماريا كورينا ماتشادو، التي تحوّلت إلى أحد رموز المعارضة، لا سيما عندما منعها نظام مادورو من خوض الانتخابات الأخيرة.

وفي تعليق على عمق الخلافات السياسية، قال راؤول لارول، وهو عضو مراقب في لجنة الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، إن "حدة الاستقطاب بين المعارضة وحكومة مادورو، تجعل الحياة السياسية في البلاد شبه مستحيلة، ونتائج الانتخابات الأخيرة دليل على ذلك، فهنالك تقارب كبيرة في النتائج الرسمية، وإن دلت هذه النتائج على شيء فإنها تدل على الشرخ الكبير الحاصل في بلاد".

 وأضاف: "الحل الوحيد يأتي من خلال الحوار. على الأطراف جميعاً الجلوس إلى طاولة واحدة، وعلى كافة المستويات من القيادات إلى جمعيات المجتمع المدني، فمع غياب الحوار ستدخل البلاد في دوامة من الصراعات التي لا يحمد عقباها".

تدهور اقتصادي

ومنذ عام 2014، تراجعت أسعار النفط بشكل كبير، ما أضعف الاقتصاد الفنزويلي المعتمد بشكل رئيس على صادرات النفط. أدى ذلك إلى نقص حادٍ في السلع الأساسية، وارتفاع معدلات التضخم، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

لكن هذه الأزمة لم تكن السبب الوحيد في انهيار اقتصاد فنزويلا، فالعقوبات الأميركية المشددة، التي فرضت في عام 2013 بسبب الأزمة الرئاسية في فنزويلا، أدت إلى شلل قطاعات بأكملها، مثل صناعات النفط والذهب والتعدين والغذاء والمصارف.
 
بدورها، قالت كارولينا بيدروسو، وهي أستاذة العلاقات الدولية في جامعة ساو باولو الفيدرالية UNIFESP في البرازيل، إن "حكومة الرئيس مادورو تمكنت الفترة الأخيرة من السيطرة على التضخم المفرط الذي وصل في عام 2018 إلى قرابة 130%، وذلك من خلال اتخاد عدة إجراءات مثل الدولرة غير الرسمية، وإزالة الضوابط على أسعار بعض المنتجات، بالإضافة الى التركيز على الصناعة الغذائية المحلية".

وأضافت في حديث لـ"الشرق": "لكن ما كان لتلك الإجراءات أن تنجح لولا قيام مادورو بالموافقة على التفاوض مع الولايات المتحدة، إذ انطلقت تلك المفاوضات عام 2023، وأفضت إلى تخفيف العقوبات مقابل بعض التنازلات السياسية من مادورو، كالسماح لرموز المعارضة في المشاركة بالانتخابات الرئاسية لعام 2024".

واستدركت قائلة: "لكن سرعان ما تلاشى ذلك الاتفاق، عندما منعت الحكومة زعيمة المعارضة ماريا ماتشادو من الترشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، حيث تم ملاحقتها قضائياً، كما وجهت إليها تهم بالفساد".

وأوضحت كارولينا، أن "الوضع الاقتصادي المتردي أدى إلى سخط المواطنين، كما دفع بأكثر من 8 ملايين فنزويلي من أصل 30 مليون إلى مغادرة البلاد، مما عزز من موقف المعارضة والتي استطاعت من خلال الانتخابات الأخيرة الحصول على تأييد كبير من الشارع، الذي بدوره انتفض في وجه الحكومة الرافضة لإعلان هزيمتها في الانتخابات الرئاسية".

واعتبرت أن "نكران نتائج الانتخابات من قبل الحكومة الفنزويلية الحالية لا يعتبر مفاجئاً، فالرئيس مادورو يعلم يقيناً أن تنازله عن السلطة سيشكل إعلاناً رسمياً لانتهاء الحقبة التشافيزية، وأنه وبالإضافة إلى الكثير من أفراد حكومته ستوجه إليهم تهم مثل التسبب بمقتل المتظاهرين بالإضافة إلى قضايا فساد وسوء استخدام للسلطة".

ردود فعل دولية متباينة

في المقابل، تباينت ردود الفعل الدولية على نتائج الانتخابات الفنزويلية، واعتبرت كل من الولايات المتحدة ودول أوروبية، وعدد كبير من دول أميركا اللاتينية، أن المعارضة انتصرت في الانتخابات.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان: "بالنظر إلى الأدلة الدامغة، فإنه من الواضح للولايات المتحدة، والأهم من ذلك للشعب الفنزويلي، أن إدموندو جونزاليس أوروتيا، حقق أكبر عدد من الأصوات، وفاز بالانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 يوليو في فنزويلا".

وجاء رد الحكومة الفنزويلية على هذا الموقف بطرد دبلوماسيين من 7 دول أعلنت حكوماتها رفضها لنتائج الانتخابات، وهي الأرجنتين، تشيلي، كوستاريكا، بيرو، بنما، جمهورية الدومينيكان، وأوروجواي.

ونشر وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان جيل بينتو، رسالة الطرد، وقال فيها: "ترفض الحكومة الفنزويلية تصرفات وتصريحات مجموعة من الحكومات اليمينية التابعة لواشنطن والملتزمة صراحة بالأيديولوجيات الدنيئة للفاشية الدولية".

أما الدول، التي هنأت نيكولاس مادورو على انتصاره الأخير، فكانت روسيا، والصين، وإيران، وبوليفيا، وكوبا، ونيكاراجوا.

وفي هذا الإطار، اعتبر روبسون كاردوش فالديز، أستاذ الدراسات الاستراتيجية الدولية في جامعة UFRGS البرازيلية، أن "الجهة الأكثر فاعلية للتدخل لحل هذه الأزمة هي الولايات المتحدة، التي على ما يبدو أنها تفضل تأجيل حل خلافها مع فنزويلا لعدة أسباب أهمها الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالإضافة إلى انشغالها بصراعات كثيرة سواء في أوكرانيا وتايوان، والشرق الأوسط".

وأضاف: "لذلك نرى أن دولاً أخرى مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك، دخلت على خط التفاوض مع حكومة كراكاس، فهذه الدول على اتصال دائم بإدارة مادورو لإقناعه بضرورة اتباع سياسية أكثر شفافية في عملية فرز الأصوات، والسماح بالتحقق منها بشكل محايد، بغرض التوصل إلى تسوية مع المعارضة.

إلى أين تتجه فنزويلا؟

أعلن مادورو في 29 يوليو، فوزه بولاية ثالثة مدتها ست سنوات. ولكن المعارضة أصدرت نتائج مُفصلة واردة من معظم مراكز الاقتراع تظهر أن جونزاليس حصل على نحو 70% من الأصوات، أي ما يقرب من ضعف الأصوات التي حصل عليها مادورو.

وأشعلت النتائج المتنازع عليها، مظاهرات في جميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى اعتقالات جماعية ومصرع ما لا يقل عن 11 شخصاً وسط اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن. وخربت عصابات ملثمة مكاتب زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي كتبت في مقال رأي بصحيفة "وول ستريت جورنال" أنها "تختبئ خوفاً على حياتها".

ماذا قال مراقبو الانتخابات؟

قال "مركز كارتر"، وهو المراقب المستقل الوحيد الذي سُمح له بمراقبة السباق الانتخابي، إنه لم يتمكن من التحقق من النتائج الرسمية. واعتبر أن عدم نشر المجلس الانتخابي الوطني، أرقاماً تفصيلية لكل مراكز الاقتراع يشكل "انتهاكاً خطيراً للمبادئ الانتخابية".

وأضاف أن العملية التي سبقت التصويت "لا يمكن اعتبارها ديمقراطية"، وأن السلطة الانتخابية كانت منحازة بوضوح لصالح الرئيس الحالي. وأشار إلى أن السلطات منعت الشخصيات المعارضة الأكثر شعبية، ولا سيما ماتشادو، وهي نائبة سابقة محافظة وربما تكون الشخصية السياسية الأكثر شعبية في البلاد، من خوض الانتخابات.

ولفت المركز إلى ضعف جهود تسجيل الناخبين، وقال إن العقبات البيروقراطية منعت الكثيرين من الناخبين في الخارج، والبالغ عددهم 8 ملايين، من التسجيل.

مع ذلك، خرج الناخبون بأعداد كبيرة. واصطفت طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء العاصمة كراكاس، بما في ذلك في الأحياء التي تقطنها الطبقة العاملة التي لطالما دعمت الحكومة.

كيف احتفظ مادورو بالسلطة؟

تمكن مادورو من تجاوز الأزمات طوال فترة حكمه المستمرة منذ 11 عاماً؛ بفضل سيطرته على مفاصل السلطة في فنزويلا، بما في ذلك المحاكم، والجمعية الوطنية، والسلطة الانتخابية، والجيش، وهو أهم طرف في موازين القوة في البلاد. ومكنت هذه السيطرة مادورو من قمع المعارضة، كما حدث مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في عامي 2014 و2017.

وبعد فوز خصومه بالأغلبية في الجمعية الوطنية في عام 2015، ألغى حلفاء مادورو في المحكمة العليا، قراراتها.

ما دور الجيش؟

يقف قادة الجيش خلف مادورو، ونشر قوات لقمع الاضطرابات. ويتجاهل الجيش حتى الآن محاولات المعارضة لإغرائه بالانشقاق.

ويرى خبراء، أن الجيش لا يزال موالياً لمادورو، بسبب مزيج من "المحسوبية والخوف"، إذ يحصل الضباط الكبار على امتيازات تجارية قيمة، مثل السيطرة على الموانئ وامتيازات التعدين.

العلاقة مع الولايات المتحدة

في عام 2017، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على فنزويلا، كجزء من استراتيجية إدارة الرئيس آنذاك دونالد ترمب لدفع مادورو إلى الخروج من السلطة.

ومنذ عام 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية، منعت الدولة الغنية بالنفط من بيع نفطها للولايات المتحدة، والتي كانت أكبر عميل لما يقرب من قرن.

وفي عهد الرئيس جو بايدن، رفعت الولايات المتحدة العديد من القيود القاسية، العام الماضي، مقابل تعهد من مادورو بإجراء انتخابات نزيهة. وأنعش ذلك التعافي من الركود الذي امتد في الفترة من عام 2014 وحتى عام 2020.

وأعادت الولايات المتحدة فرض معظم العقوبات في أبريل الماضي، بعد أن تراجعت الحكومة عن الاتفاق. ومع ذلك، سمحت الولايات المتحدة لبعض شركات النفط الكبرى، مثل شركة شيفرون، بمواصلة ضخ النفط الفنزويلي.

ماذا بعد؟

تحاول ماتشادو تعزيز الدعم الدولي للمعارضة. وفي الوقت نفسه، يحاول حلفاء مادورو اليساريين القدامى، مثل رئيسي البرازيل وكولومبيا، لولا دا سيلفا وجوستافو بيترو، تهدئة التوترات، وطالبوا الحكومة الفنزويلية بنشر البيانات الكاملة للانتخابات، الأمر الذي قال مادورو إنه سيفعله.

وكان يُنظر إلى إجراء انتخابات نزيهة على نطاق واسع، كخطوة أولى ضرورية لفنزويلا لدخول الأسواق المالية الأميركية مرة أخرى.

وبدون ذلك، من المرجح أن تستمر فنزويلا في مواجهة صعوبات لإعادة هيكلة أكثر ديون متعثرة تقدر بـ150 مليار دولار أو جذب الاستثمارات لإحياء صناعة النفط المتدهورة.

وهددت الولايات المتحدة في أعقاب الانتخابات بفرض عقوبات إضافية، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستخاطر بزعزعة سوق الطاقة، وربما رفع أسعار الوقود للسائقين الأميركيين، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر المقبل.

تصنيفات

قصص قد تهمك