بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والحكومات ذات التفكير المماثل في جميع أنحاء العالم، أخذ خطوات استباقية لتأمين استراتيجيتها المناخية العالمية ضد التراجع المحتمل، حال عودة مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وفقاً لما ذكرت مجلة "بوليتيكو".
وتتضمن الخطوات الضغط على البنك الدولي، لإطلاق العنان لأموال مشاريع الطاقة النظيفة في الدول النامية، بطريقة لا تستطيع إدارة ترمب المستقبلية، عكسها من جانب واحد.
وذكرت "بوليتيكو" أن مسؤولين أميركيين يتحدثون مع الصين حول المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في "خفض كمية هائلة من تلوث الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، المنبعثة من صناعات: النفط، والغاز، والفحم في ذلك البلد".
وأضافت: "يعمل مسؤولون أميركيون مع دول أخرى على تفاصيل جهد عالمي بقيمة مليار دولار، لخفض تلوث الميثان الذي أعلنت عنه نائبة الرئيس كامالا هاريس، والمرشحة الديمقراطية المحتملة، في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة، العام الماضي، في دبي".
وقالت المجلة: "عقد دبلوماسيو المناخ والمدافعون عن البيئة أولى مناقشاتهم المبكرة حول سبل إقناع المستثمرين الأثرياء، بأن الطاقة الخضراء لا تزال موجة المستقبل، حتى لو فاز ترمب في نوفمبر المقبل".
وأبانت أن وزراء ومسؤولون عن المناخ من حوالي 40 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، التقوا الأسبوع الماضي في ووهان بالصين، وتحدثوا عن أهمية إقامة تعاون أعمق بدون الولايات المتحدة"، وفقاً لأحد الأشخاص في المحادثات.
وتابعت: "ستتصاعد هذه المحادثات خلال القمم الكبرى المخطط لها في نيويورك، وأذربيجان، والبرازيل في الأشهر المقبلة، وفقاً لمقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً حكومياً، ومطلعين على دبلوماسية المناخ".
وذكرت الصحيفة أن "أداء بايدن المتعثر في المناظرة أمام ترمب يوم السابع والعشرين من يونيو، ساهم في تسريع التخطيط للمقاومة"، وكشفت أنه في صباح اليوم التالي، أضاءت مجموعات "واتساب" الدبلوماسية المناخية "خوفاً وحرجاً" عند ظهور احتمالية كبيرة مفادها أن الرئيس الأميركي قد يخسر، وفقاً لما قال أحد الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى تلك المجموعات.
وبالرغم من أن التدارك الذي حدث بانسحاب الرئيس الأميركي من السباق، وصعود نائبته كامالا هاريس إلى الواجهة، ساهم في استعادة الأمل، لكنه لم يخفف من إلحاح "الاستعداد لعودة ترمب".
انسحاب بايدن
وقال يوشين فلاسبارث، كبير الموظفين المدنيين في وزارة التنمية الألمانية، وفق المجلة: "لقد قدم بايدن في النهاية خدمة عظيمة للجهود الدولية للمناخ، بقراره عدم الترشح".
وأضاف: "مناقشات المناخ ليست متقدمة بأي حال من الأحوال مثل الجهود الموازية التي يبذلها حلف شمال الأطلسي، وحلفاء الولايات المتحدة الآخرون لتخفيف الاضطرابات التي قد تجلبها عودة ترمب لعلاقاتهم الأمنية والدفاعية".
واعتبرت "بوليتيكو"، أن أنصار المناخ يواجهون بعض العقبات التي لا ترحم، ومن بينها أن ترمب يمتلك الأدوات اللازمة لإلحاق أضرار جسيمة بالنظام الدولي للمناخ، لا سيما وأنه الذي وصف تغير المناخ بـ"الخدعة"، وأدان الإنفاق على الطاقة الخضراء باعتباره "عملية احتيال"، وسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لعام 2015 خلال ولايته الأولى.
وأضافت: "السبب الثاني، هو النفوذ المحدود الذي تتمتع به أغلب الحكومات الأخرى على دولة تفتخر بأقوى اقتصاد في العالم، وفي ظل إدارة ترمب، المتسم بسياسة خارجية انعزالية بشكل متزايد.. والسبب الثالث هو ساعة الأرض، بحلول يناير 2029، عندما تنتهي فترة ولاية الرئيس المقبل، سيكون الكوكب الذي يعاني من الاحتباس الحراري أقرب إلى حافة الكارثة".
ويسعى المدافعون والدبلوماسيون إلى تأمين إرثهم بأفضل ما يمكنهم.
أميركا.. شريك غير موثوق به
وكتب نايجل بورفيس، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات "كلايمت أدفايزرز" ومسؤول المناخ السابق في وزارة الخارجية، في رسالة نصية: "في كثير من النواحي، فإن موقف المجتمع الدولي هو أن الأميركيين شريك غير موثوق به، ويجب أن نكون مستعدين للمضي قدماً بدونهم".
وأضاف: "أياً ما ستفعله إدارة ترمب، فليس من الواضح ما إذا كانت الدول قادرة على شن استجابة كبيرة لمواجهته أو محاصرته، بعبارة أخرى، لا توجد خطة بديلة كبيرة.. إدارة بايدن تزعم أن التعديلات ستخلق تدفقات مالية أكثر استقراراً من دول بما في ذلك الولايات المتحدة، وغالباً ما تواجه المساعدات الثنائية من الولايات المتحدة تخفيضات حادة في عهد الرؤساء الجمهوريين".
وقد تكون قمة زعماء أكبر 20 اقتصاداً في العالم في ريو دي جانيرو، المقرر عقدها بعد أقل من أسبوعين من الانتخابات الأميركية في نوفمبر، بمثابة "اختبار مهم لإرادة المساهمين الرئيسيين الآخرين في البنك للمضي قدماً في تغييرات التمويل، مع أو بدون دعم أميركي".
معايير الانبعاثات
وفي الوقت نفسه، قال ريك ديوك، المفاوض الثاني في وزارة الخارجية بشأن المناخ، إن الدبلوماسيين الأميركيين، والصينيين يعملون على صياغة "معايير انبعاثات الميثان من قطاعات النفط والغاز والفحم في الصين".
وقال ديوك في مناسبة أقيمت في واشنطن: "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، وهذا العمل يستغرق وقتاً، ونحن متحمسون لأننا سنتمكن خلال السنوات القادمة من إحداث فرق كبير، لا أستطيع أن أتحدث عما قد يفعله الفريق الآخر، أو لا يفعله".
ويسعى بقية العالم أيضاً جاهداً لحماية نظام المناخ، وإبقاء المحادثات التي قادها مسؤولو بايدن حية، ومحاولة طمأنة المستثمرين المتقلبين بأن الرهان على الطاقة النظيفة يظل مالاً ذكياً.
وقالت "بوليتيكو"، إن من المقرر عقد اجتماعات جانبية لمناقشة كيفية الرد على ترمب في سبتمبر، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على الخطط.
ومن بين المنتديات المهمة الأخرى قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة، والمعروفة باسم COP29، حيث من المقرر أن يجتمع زعماء العالم في باكو بأذربيجان، بعد أيام فقط من الانتخابات الأميركية في نوفمبر.
وقالت كاميلا بورن، التي كانت مستشارة أولى لرئاسات قمم المناخ السابقة في المملكة المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، إن أحد أهداف هذه المناقشة، ينبغي أن يكون تنسيق إشارة لا لبس فيها إلى الأسواق بأن العالم لا يزال يبتعد عن الوقود الأحفوري.
وأضافت بورن: "الأعمال والاستثمار يتأثران حقاً بالمزاج. ولهذا السبب أعتقد أنه من المفيد للغاية أن يتم توقيت مؤتمر الأطراف بعد الانتخابات بفترة وجيزة؛ لأنه يركز فقط على عقول رؤساء الدول لرسم الخطوط في الرمال.. وإذا تراجعت الولايات المتحدة، فإن الصين ستكون على استعداد لدور مهيمن على محادثات المناخ العالمية".
دبلوماسية المناخ
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن آخرين يخططون بالفعل لإعادة إنشاء نظام مخصص من الاجتماعات السرية، وغير الرسمية، التي تم بناؤها على عجل خلال فترة ولاية ترمب الأولى، للحفاظ على استمرار دبلوماسية المناخ في غياب الولايات المتحدة.
وبين عامي 2016 و2020، استضافت جمعية آسيا ومراكز أبحاث أخرى اجتماعات دبلوماسية "مسار ثان" حافظت على الحوار بين حكومة الصين، ومجموعة من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين اعتبروا أنفسهم "إدارة مناخية أميركية في المنفى".
وقال لي شو، مدير مركز المناخ الصيني في معهد سياسة جمعية آسيا، عبر رسالة نصية: "إذا انتُخب ترمب، فيجب تنظيم المسار الثاني".
وأضاف: "الصين ليست قريبة من الاتحاد الأوروبي، وكانت العلاقة الصينية الكندية في أدنى مستوياتها"، وتابع: "أصبح العالم مكاناً أكثر تجزئة واضطراباً.. تغير المناخ ينزلق بعيداً عن قائمة الأولويات، وكل الاحتمالات باتت ضد العمل المناخي، وإذا أضفت الرئيس ترمب، فنحن في مكان مختلف تماماً".
وقالت المجلة، إن الأسبوع الماضي، شهد عودة النسخة الثامنة من الاجتماع الوزاري السنوي الذي أقامته الصين، وكندا، والاتحاد الأوروبي في عام 2017 لمنع عملية المناخ التابعة للأمم المتحدة من الانحراف عن المسار، بعد أن سحب ترمب، الولايات المتحدة فجأة من اتفاقية باريس لعام 2015.
وأضافت: "حضر حوالي 40 دولة الاجتماع في ووهان، لكن عدد الوزراء الذين حضروا قليل، وأرسلوا دبلوماسيين محترفين بدلاً من ذلك، وبحسب أحد الحاضرين، ركزت المحادثات خلف الكواليس على الحاجة إلى مواصلة التنسيق استجابة للتغيير في البيت الأبيض".
دعاة المناخ
واعتبرت "بوليتيكو" أن أنصار المناخ يدفعوا من أجل دور رئيسي للمدن، والولايات، وقادة الصناعة في المقاومة، ففي مؤتمر المناخ COP28 العام الماضي، استضاف الملياردير ورئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبرج قمة لما يسمى "القادة دون الوطنيين"، حيث تبادل رؤساء البلديات من جميع أنحاء العالم الملاحظات حول التحديات العملية التي يتقاسمونها في الحد من تلوث الديزل، والبنزين، وتجديد المباني.
وقال عمدة لندن صادق خان، الذي يقود تحالفاً عالمياً من رؤساء البلديات المهتمين بالمناخ يسمى C40، للصحافيين في مكالمة هاتفية: "نحن نبني هذه التحالفات الآن، لقد تحدثت إلى زملائي في أميركا من المحافظين، ورؤساء البلديات، عند فوز ترمب مرة أخرى، أنا واثق من أننا سنستمر في رؤية هذا النوع من العمل الجريء والشجاع".
وذكرت المجلة أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، قال إنه يريد من حكومة حزب العمال الجديدة، استعادة الزعامة البريطانية في مجال المناخ، مضيفة أنه، في مايو، سافر إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الجمهوريين، بما في ذلك السناتور عن ولاية أوهايو جي دي فانس، الذي اختاره ترمب لاحقاً نائباً له.
فيكتور أوربان.. وسيط محتمل
ويقدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي أشاد به ترمب باعتباره"أحد أقوى القادة في أي مكان في العالم، نفسه كوسيط بين ترمب، ودعاة استمرار الجهود المناخية"، وفقاً للمجة.
وسوف يتولى أوربان الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي عندما تجري الانتخابات الأميركية، وقد التقى مؤخراً بترمب في مقر إقامته بفلوريدا، رغم أنهما "لم يناقشا تغير المناخ في ذلك التجمع".
وذكر فيليكس ديبرنتي، أحد الموظفين في مكتب المدير السياسي لأوربان، أن "الزعيم المجري على استعداد للعب دور الوساطة"، مضيفاً: "نظراً للعلاقات الجيدة بين رئيس الوزراء أوربان والرئيس ترمب، فإن المجر مستعدة للعمل كوسيط مع إدارة ترمب المحتملة إذا لزم الأمر".
ولفتت المجلة إلى أن علاقات أوربان مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في أدنى مستوياتها؛ بسبب ما وصفته بـ"الانزلاق الاستبدادي في المجر"، ومغازلته للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وهو ما قد يحد من حرص الحكومات الأخرى على استخدامه كـ"وسيط".