بنجلاديش.. "ثورة الطلاب" تدفع "أرض البنجال" إلى حقبة سياسية جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 13
محتجون يلوحون بالأعلام البنجلاديشية بمقر إقامة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة أثناء احتفالهم باستقالتها في دكا. 5 أغسطس 2024 - Reuters
محتجون يلوحون بالأعلام البنجلاديشية بمقر إقامة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة أثناء احتفالهم باستقالتها في دكا. 5 أغسطس 2024 - Reuters
دبي -الشرق

جاء سقوط رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بعد 15 عاماً من حكم بنجلاديش، في أعقاب أسابيع من الاحتجاجات التي بدأت بمظاهرات سلمية من قبل الطلاب، إلى حركة أوسع نطاقاً تدعو إلى إنهاء قيادتها الاستبدادية على نحو متزايد للبلاد.

وجاءت نهاية حكم حسينة، بعد أسابيع من الاضطرابات العنيفة التي لقي خلالها ما يقرب من 300 شخص مصرعهم.

وبدأت الاحتجاجات الشهر الماضي عندما طالب الطلاب بإنهاء نظام الحصص الذي خصص 30% من الوظائف الحكومية للمحاربين القدامى وأقارب أولئك الذين قاتلوا في حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان في عام 1971.

وفي خضم تزايد العنف في كل أنحاء البلاد، أمرت حسينة الشرطة وقوات شبه عسكرية إلى مواجهة المحتجين بالقوة، لكن الاضطرابات ما فتئت تتزايد بشكل ملفت مع انضمام المزيد من الطلاب وكذلك المواطنين الآخرين، واشتبكوا مع المؤيدين للحكومة والسلطات.

وحاولت الحكومة مراراً وتكراراً قمع المظاهرات، التي ألقت باللوم فيها على أحزاب المعارضة، بالرصاص وحظر التجول وانقطاع الإنترنت، لكن هذه التحركات أتت بنتائج عكسية، مما أدى إلى تأجيج الغضب والمزيد من الاحتجاجات.

والاثنين، تحدى المتظاهرون حظر التجول العسكري للسير إلى وسط العاصمة، بعد عطلة نهاية أسبوع من العنف خلفت عشرات الضحايا. ومع انسحاب القوات واستعادة الوصول إلى الإنترنت، بدأ عشرات الآلاف من الناس في الاحتفال في الشوارع، واقتحم الآلاف المقر الرسمي لرئيسة الوزراء، التي فرت إلى الهند عبر هيلوكبتر عسكرية.

وبعد يوم واحد من انتهاء قبضة حسينة الخانقة على بنجلاديش، تُطرح الآن أسئلة صعبة، بشأن من سيقود الحكومة المؤقتة، التي قال الجيش، إنه يريد تأسيسها. وعلاوة على ذلك، هناك قلق بشأن ما إذا كان من الممكن إخماد الاضطرابات التي لا تزال تهز البلاد، التي تحررت فجأة من حاكمها الذي كان لا يقهر في السابق، بسرعة وبشكل سلمي. فماذا نعرف عن بنجلاديش؟

تاريخ استعماري طويل 

تُعَد دولة بنجلاديش "أرض البنجال" واحدة من أكثر الدول كثافة سكانية في العالم، وأغلب سكانها من المسلمين. وباعتبارها الجزء الشرقي من منطقة البنجال التاريخية، كانت المنطقة تشكل ذات يوم، إلى جانب ما يُعرف الآن بولاية البنجال الغربية الهندية، مقاطعة البنجال في الهند البريطانية. 

ومع تقسيم الهند في عام 1947، أصبحت مقاطعة البنجال الشرقية الباكستانية (التي أُعيدت تسميتها لاحقاً بباكستان الشرقية)، وهي واحدة من خمس مقاطعات في باكستان، ويفصلها عن المقاطعات الأربع الأخرى 1100 ميل (1800 كيلومتر) من الأراضي الهندية.

وفي 26 مارس 1971 استقلت باكستان الشرقية (بنجلاديش) عن باكستان وأصبحت البنجالية هي اللغة الرسمية للدولة الوليدة. وجاء ذلك الاستقلال بعد حرب بين الهند وباكستان، حيث تدخلت الهند لمساعدة البنجاليين في مسعاهم للاستقلال عن باكستان.

بعد استقلال الدولة الجديدة، استمرت بها المجاعات والكوارث الطبيعية وانتشر في أنحائها الفقر والاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية. شهدت البلاد استقراراً نسبياً وتقدماً اقتصادياً منذ عام 1991 عقب عودة النظام الديمقراطي في البلاد.

وتُعد دولة بنجلاديش الدولة السابعة على العالم من حيث عدد السكان وتدخل أيضاً ضمن الدول شديدة الكثافة السكانية، والتي ترتفع بها معدلات الفقر. على الرغم من ذلك، فإن الناتج الإجمالي المحلي للفرد للسعر المعدل في ضوء نسبة التضخم قد زاد إلى أكثر من الضعف منذ عام 1975 وقلّت معدلات الفقر في الدولة إلى 20% منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، بحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا".

وتحد بنجلاديش الولايات الهندية في غرب البنجال من الغرب والشمال، وآسام من الشمال، وميجالايا من الشمال والشمال الشرقي، وتريبورا وميزورام من الشرق. إلى الجنوب الشرقي، تشترك في حدود مع ميانمار (بورما). يفتح الجزء الجنوبي من بنجلاديش على خليج البنجال.

الوضع السياسي

في حين ينص دستور بنجلاديش لعام 1972 على شكل برلماني للحكم تحت رئيس وزراء ورئيس منتخب من قبل جمعية وطنية، فإن تنفيذه توقف بسبب الانقلابات. في عام 1975 أدى انقلاب عسكري إلى نظام الأحكام العرفية، وعلى الرغم من أن شكل الحكومة الذي أعقب ذلك كان مزيجاً من النظامين الرئاسي والبرلماني، إلا أن السلطة ظلت فعلياً في يد الجيش.

شهدت البلاد اضطرابات إضافية وفترات من الأحكام العرفية في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن في عام 1991 تم استعادة النظام البرلماني، مع رئيس الدولة كرئيس، ورئيس الوزراء كرئيس للحكومة.

ويتألف البرلمان، والذي يسمى جاتيا سانجساد (مجلس الأمة)، من حوالي 350 مقعداً، يتم شغل معظمها من خلال الانتخاب المباشر، فيما يتم انتخاب النساء من قبل البرلمان نفسه.

ويخدم المشرعون لمدة 5 سنوات. ينتخب البرلمان الرئيس، الذي يخدم أيضاً لمدة 5 سنوات، مع حد أقصى لفترتين. ثم يعين الرئيس زعيم حزب الأغلبية التشريعية (أو الائتلاف) رئيساً للوزراء.

في الفترة ما بين أوائل ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، خضعت الحكومة المحلية في بنجلاديش لإعادة تنظيم إداري واسع النطاق لإضفاء اللامركزية على السلطة. وتضم الحكومات المحلية عدة مقاطعات، تسمى زيلا. وتم تقسيم هذه المقاطعات إلى وحدات أصغر، تسمى أوبزيلا وتانا. تتكون بنجلاديش الآن من 60 مقاطعة، وأكثر من 500 أوبزيلا وتانا. 

بلاد الغاز والجوت

ساهم اعتماد بنجلاديش الشديد على الزراعة لفترة طويلة في انتشار البطالة الموسمية بين عمال المزارع في المناطق الريفية، فضلاً عن انخفاض مستوى المعيشة بشكل عام في العديد من المناطق. وللتغلب على هذا الخلل، تم تبني سياسة التصنيع في منتصف القرن العشرين. وخلال فترة الإدارة الباكستانية (1947-1971)، تم إعطاء الأولوية للصناعات القائمة على المواد الخام المحلية مثل الجوت والقطن والجلود. وتم قبول مبدأ المبادرة الحرة في القطاع الخاص، بشرط توفر شروط معينة، بما في ذلك الملكية الوطنية للمرافق العامة، بحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا".

كان الافتقار العام للموارد المعدنية، عقبة رئيسية أمام التنمية الاقتصادية في بنجلاديش. إذ تم حفر أول بئر نفط في البلاد بالقرب من سيلهيت في عام 1986، ولكن لم يتم اكتشاف البترول بكميات قابلة للتسويق في أي مكان في البلاد، ويُستخدم الغاز الطبيعي بشكل رئيسي في تصنيع الأسمدة والطاقة الحرارية. يوجد أكثر من نصف احتياطيات الغاز المؤكدة في منطقة كوميلا، وكل الباقي تقريباً موجود في سيلهيت.

وتم العثور على بعض رواسب الفحم في شمال غرب بنجلاديش في منطقة راجشاهي. وتقع الطبقات الأكثر سمكاً على أعماق يصعب الوصول إليها نسبياً تتراوح من 3 آلاف إلى 3 آلاف و500 قدم (900 إلى 1000 متر). توجد رواسب أصغر من الفحم في شمال غرب سيلهيت.

كما تحتوي تلال شيتاجونج على بعض الفحم البني والليجنيت، كما توجد رواسب الخث في عدة أماكن، لكن بعض الطبقات تظل تحت الماء لمدة نصف العام، مما يجعل الاستخراج صعباً. يوجد الحجر الجيري في منطقتي سيلهيت وتشيتاجونج. تم اكتشاف معادن مشعة في رواسب الرمل على طول الشواطئ جنوب كوكس بازار، وفق وسائل إعلام محلية.

ويمثل الجوت ومنتجات الجوت، وهو النبات المستخدم في صناعة قماش "الخيش"، مصدراً مهماً لعائدات النقد الأجنبي للبلاد. ومع ذلك، توسعت صناعة الملابس بسرعة في أواخر القرن العشرين، وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين تجاوزت قيمة صادرات الملابس والجوارب والملابس المحبوكة قيمة صادرات الجوت. كما أصبحت الأسماك المجمدة والروبيان من الصادرات الرئيسية.

 احتجاجات الطلاب

بدأت الاحتجاجات، التي اجتذبت مئات الآلاف، في يوليو بتظاهر الطلاب ضد نظام الحصص المثير للجدل الذي يخصص الوظائف الحكومية للمحاربين القدامى وأقارب أولئك الذين قاتلوا في حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان.

تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف في 15 يوليو عندما اشتبك الطلاب المتظاهرون مع مسؤولي الأمن والناشطين المؤيدين للحكومة، مما دفع السلطات إلى استخدام الغاز المسيل للدموع، وإطلاق الرصاص المطاطي وإغلاق المدارس وفرض حظر التجوال مع أمر بإطلاق النار فوراً. كما تم قطع الإنترنت وبيانات الهاتف المحمول.

تقول الحكومة، إن ما يقرب من 150 شخصاً لقوا حتفهم الشهر الماضي، بينما ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن أكثر من 200 شخص قضوا خلال الاحتجاجات.

نظام الحصص

بدأ الطلاب في جامعة دكا، وهي أكبر مؤسسة تعليمية في البلاد، المظاهرات في الأول من يوليو، ثم انتشرت المظاهرات إلى جامعات نخبوية أخرى، ثم إلى عامة الناس. وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف عندما بدأ بعض أعضاء الجناح الطلابي للحزب الحاكم، رابطة عوامي، في مهاجمة المحتجين.

كانت الاحتجاجات في البداية حول الوظائف الحكومية ومن يحق له الحصول عليها. نظام الحصص القديم، الذي أعادته المحاكم مؤخراً، يخصص أكثر من نصف هذه الوظائف لمجموعات مختلفة، بما في ذلك عائلات أولئك الذين قاتلوا من أجل الاستقلال عن باكستان. وقال الطلاب إن النظام غير عادل وأن معظم المناصب يجب شغلها على أساس الجدارة.

ومع ذلك، في الأسبوعين الماضيين، نمت الحركة بشكل كبير وأصبحت تركز على الدعوة إلى المساءلة عن حكم حسينة القاسي بشكل متزايد.

حقبة سياسية جديدة

بعد وقت قصير من استقالة حسينة، أعلن الرئيس محمد شهاب الدين في وقت متأخر من الاثنين بعد اجتماعه مع الجنرال واقر الزمان وسياسيين معارضين أن البرلمان سيتم حله في أقرب وقت ممكن، مما يؤدي إلى انتخابات جديدة.

في الوقت نفسه، قال زعيم طلابي رئيسي، إن الحركة تريد أن يتولى الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس رئاسة الحكومة المؤقتة.

وقالت ناهد إسلام، وهي من أحد قيادات الحركة، في مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي إن قادة الاحتجاج الطلابي تحدثوا بالفعل مع يونس، الذي وافق على تولي المسؤولية بالنظر إلى الوضع الحالي للبلاد.

وواجه يونس عدداً من الاتهامات بالفساد وحوكم أثناء حكم حسينة. حصل على جائزة نوبل في عام 2006 بفضل عمله على انتشال الملايين من الفقر من خلال منح قروض صغيرة، وقال إن اتهامات الفساد الموجهة إليه كانت بدافع الانتقام.

تصنيفات

قصص قد تهمك