تواصل القوات الروسية معاركها ضد القوات الأوكرانية لليوم الثالث على التوالي، الخميس، في أعقاب توغل الأخيرة إلى داخل الحدود الروسية بمنطقة كورسك، ما أجبر موسكو على استدعاء جنود احتياط.
وفي واحدة من أكبر الهجمات الأوكرانية على روسيا في الحرب المستمرة منذ عامين، اخترق نحو 1000 جندي أوكراني الحدود الروسية في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، بالدبابات والمركبات المدرعة وأسراب من الطائرات المُسيّرة والمدفعية، وفقاً لمسؤولين روس.
وأودى القصف والغارات بطائرات مسيرة على المنطقة المتاخمة للحدود الروسية الأوكرانية، بحياة 5 مدنيين وأسفرت عن إصابة 31 آخرين، بينهم أطفال، وفق وسائل إعلام ومسؤولين روس.
وتوغلت القوات الأوكرانية في الحقول والغابات الحدودية باتجاه الشمال من بلدة سودجا، وهي آخر نقطة شحن تعمل حالياً لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
روسيا تعلن وقف تقدم الوحدات الأوكرانية
من جانبها، أفادت وزارة الدفاع الروسية، الخميس، بأن الجيش الروسي "أوقف ودمر" محاولات وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية لاختراق المنطقة في اتجاه كورسك.
وقالت الوزارة في بيان: "تواصل وحدات من مجموعة الشمال، إلى جانب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، تدمير التشكيلات المسلحة للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقتي سودجينسكي وكورينفسكي في مقاطعة كورسك"، وفق ما أوردت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء.
وأضاف البيان: "تم استهداف التجمعات من القوى العاملة والمعدات التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية بالنيران، ويتم إيقاف محاولات اختراق الوحدات الفردية في عمق المنطقة في اتجاه كورسك".
وأوضحت الوزارة أن القوات الروسية كانت تشن ضربات جوية على القوات الأوكرانية المتقدمة في مقاطعة سومي الأوكرانية (المجاورة)، مشيرة إلى أن منظومات الدفاع الجوي اعترضت ودمرت صاروخاً من طراز "أولخا" في أجواء مقاطعة كورسك.
وأضافت أن مقاتلات روسية، من طراز Su-34 قصفت بقنابل من طراز FAB-500 معدات تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مقاطعة كورسك، ونشرت لقطات الفيديو للعملية.
وأفادت الوزارة، بأن خسائر التشكيلات الأوكرانية منذ بدء العمليات القتالية على محور كورسك "بلغت 660 عسكري و82 مركبة مدرعة".
فيما أكد عدة مدونين عسكريين مؤيدين لروسيا، استمرار المعارك حتى، الخميس، مع إجلاء المدنيين.
إجلاء 3 آلاف شخص
من جانبه، أعلن القائم بأعمال حاكم مقاطعة كورسك أليكسي سميرنوف، الخميس، إجلاء نحو 3 آلاف شخص من المناطق التي تعرضت لقصف القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك، وفق ما أوردت وكالة "تاس" الروسية للأنباء.
ونقلت الوكالة عن سميرنوف، قوله إن "قوات العدو لم تتقدم في عمق مقاطعة كورسك، لكن على العكس، تنسحب"، وإن الوضع الراهن في مقاطعة كورسك حالياً "مستقر وتحت السيطرة".
وأشار سميرنوف إلى أن الهجمات الأوكرانية على المقاطعة أودت بحياة 4 أشخاص.
وقال وزير النقل الروسي رومان ستروفويت، إن الحكومة الروسية ومقاطعة كورسك تقدمان مساعدات لازمة للأسر في وضع صعب، على خلفية الهجوم الأوكراني على المنطقة الروسية الحدودية.
ميدفيديف يطالب بـ"سحق العدو"
واعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف، الخميس، أن الهجوم الأوكراني هو محاولة من كييف لإجبار روسيا على نقل قواتها من خطوط المواجهة الرئيسية، ولأن تظهر للغرب أنها لا تزال قادرة على القتال.
وكتب الرئيس الروسي السابق على تليجرام: "تحتاج روسيا إلى تعلّم الدروس من تصرفات الجيش الأوكراني على الحدود مع منطقة كورسك، وسحق العدو بحزم".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى تعلم درس جاد مما حدث والقيام بما تعهد به رئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف للقائد الأعلى، أي هزيمة العدو وسحقه بحزم".
وشدد على أنه نتيجة لهذا الهجوم، يتعين على روسيا توسيع أهداف حربها لتشمل أوكرانيا بالكامل.
ومضى قائلاً: "من هذه اللحظة، يجب أن تتوسع العملية العسكرية الخاصة لتتجاوز الحدود الإقليمية لأوكرانيا"، مضيفاً أنه يتعين على القوات الروسية الذهاب إلى أوديسا وخاركيف ودنيبرو وميكولايف وكييف و"أبعد من ذلك".
بوتين: "استفزاز كبير"
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الهجوم على منطقة كورسك بأنه "استفزاز كبير"، خلال اجتماع، الأربعاء، مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاؤسوف، وقادة الجيش والأجهزة الأمنية، لمناقشة الوضع في مقاطعة كورسك.
وقال رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري جيراسيموف خلال الاجتماع إنه "في الساعة 5:30 من صباح الثلاثاء، شنت وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية يصل قوامها إلى ألف عسكري هجوماً من أجل الاستيلاء على جزء من أراضي منطقة سودجا في مقاطعة كورسك".
وأبلغ جيراسيموف، الرئيس بوتين بأن القوات الروسية ستكمل عمليتها في منطقة كورسك بهزيمة القوات الأوكرانية واستعادة السيطرة على الحدود.
وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة، أكبر داعم لأوكرانيا، لم تكن على علم مسبق بالهجوم وتسعى للحصول على مزيد من التفاصيل من كييف.
والتزم الجيش الأوكراني الصمت حيال هجوم كورسك. وانتقد بعض المدونين الروس حالة الدفاع عن الحدود في منطقة كورسك، قائلين إنه كان من السهل للغاية على القوات الأوكرانية اختراقها.
"تقدم" أوكراني و"تناقض" روسي
وقال محللو معهد دراسات الحرب ISW في تقرير، الأربعاء، إن القوات الأوكرانية حققت تقدماً مؤكداً حتى عمق 10 كيلومترات داخل منطقة كورسك الروسية، وسط استمرار العمليات الهجومية الآلية على الأراضي الروسية في 7 أغسطس.
وأضاف التقرير: "تُظهر لقطات جغرافية نُشرت يومي 6 و7 أغسطس أن المركبات المدرعة الأوكرانية تقدمت إلى مواقع على طول الطريق 38K-030 على بعد نحو 10 كيلومترات من الحدود الدولية".
وتابع: "يشير النطاق والموقع المؤكدين الحاليين للتقدم الأوكراني في منطقة كورسك إلى أن القوات الأوكرانية اخترقت خطين دفاعيين روسيين على الأقل ومعقلاً".
ونقل التقرير عن مصدر روسي مطلع قوله، إن "القوات الأوكرانية سيطرت على 45 كيلومتراً مربعاً من الأراضي داخل منطقة كورسك منذ أن أطلقت العملية في 6 أغسطس"، وأفادت مصادر روسية أخرى بأن القوات الأوكرانية "استولت على 11 مستوطنة إجمالاً، بما في ذلك نيكولاييفو-داريينو".
واعتبر المحللون أن استجابة الكرملين للهجوم الأوكراني في منطقة كورسك كانت "متناقضة" حتى الآن، إذ يحاول مسؤولون روس تحقيق التوازن بين تقديم الجهود باعتباره تصعيداً أوكرانياً كبيراً، وتجنب المبالغة في تقدير تداعياته المحتملة والمخاطرة بإثارة استياء محلي.