يرى مرافقو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والمحيطون به، أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، "بات يفقد توازنه، وأصبح مشوشاً" بسبب منافسته الجديدة مع كامالا هاريس، و"غير متأكد من كيفية مواجهتها"، في ظل الزخم الكبير الذي يشهده الحزب الديمقراطي قبل 3 أشهر من الانتخابات.
وذكرت "نيويورك تايمز"، أن العشاء، الذي حضره ترمب في 2 أغسطس، في بريدجهامبتون، بمنزل هوارد لوتنيك، الرئيس التنفيذي لشركة كانتور فيتزجيرالد، كان حدثاً رفيع المستوى. إذ جمع العشاء من بين حوالي 130 شخصاً تحت خيمة مكيفة الهواء، بعض أغنى مؤيدي ترمب، بما في ذلك ممول صندوق التحوط الملياردير بيل أكمان، الذي جلس بجانب الرئيس السابق، وعميد مالك، رئيس صندوق آخر.
وأشارت إلى أن "بعض الضيوف كانوا، يأملون أن يشير ترمب إلى أنه يعيد ضبط نفسه بعد سلسلة من الأخطاء المدمرة، لكنه لم يفعل"، مضيفة أن ترمب أعاد التأكيد على ضرورة وقف سرقة الانتخابات، مجدداً ادعاءاته بشأن انتخابات 2020، وهي ادعاءات حثه مستشاروه على التخلي عنها لأنها لا تساعده في التعامل مع الناخبين المتأرجحين، وفق الصحيفة الأميركية.
ووفقاً لشخصين حضرا العشاء، أثار ترمب ملاحظات هامشية كان قد أدلى بها في وقت سابق خلال تجمع للرابطة الوطنية للصحافيين من أصول إفريقية، والتي شكك فيها في الهوية العرقية لنائبة الرئيس كامالا هاريس.
وكشفت "نيويورك تايمز"، أن حديث ترمب عن هاريس "كان بمثابة عرض صارخ للتحريض العنصري"، إذ زعم خلال حديثه أمام مؤيديه أن هاريس قررت مؤخراً تحديد هويتها على أنها سوداء لأغراض سياسية.
وخلال حفل العشاء، سأل هاريسون ليفراك، سليل عائلة عقارات في نيويورك، ووالده صديق قديم لترمب، عن خطط ترمب لاستعادة الزخم من الديمقراطيين، وعن رؤيته للبلاد، لكن ترمب لم يقدم أي إجابات واضحة ومقنعة. وبدلاً من ذلك، انتقد هاريس على مجموعة من الجبهات، قبل أن يضيف: "أنا من أنا".
ويأتي جمع التبرعات في خضم فترة من التخبط يعيشها فريق ترمب، خصوصاً بعد انسحاب الرئيس جو بايدن في 21 يوليو من السباق، وتأييد هاريس لخلافته.
ووصف حلفاء ترمب المقربون، هذه الفترة بأنها "الفترة الأكثر صعوبة في حملة ترمب، والأسوأ منذ أواخر عام 2022، عندما بادر إلى تعطيل أجزاء من الدستور وتناول العشاء في مار إيه لاجو، مع أحد دعاة تفوق العرق الأبيض ومعاد صريح للسامية".
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن ترمب أصبح يرتكب أخطاء بشكل عشوائي، في وقت تركز هاريس في حملتها، وباتت تحقق اختراقات مهمة، كما أصبحت تتفوق في العديد من استطلاعات الرأي.
ويقول مقربون من ترمب، إنه وجد هذا التغيير مربكاً، إذ اعتاد على مواجهة منافس عاجز، يبلغ من العمر 81 عاماً، وكان يكافح من أجل التنقل بين السلالم، في إشارة إلى بايدن، وفجأة، وجد نفسه في سباق ضد امرأة أصغر منه سناً بنحو 20 عاماً، امرأة صنعت التاريخ بالفعل وتجذب حشوداً كبيرة ومتحمسة.
ويرى عدد من المقربين من ترمب "مرشحاً فقد توازنه، لا يشبه الرجل الذي استلقى بهدوء في 15 يوليو بينما كان يشاهد الآلاف من المندوبين يهتفون له في اليلة الأولى من المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلواكي، وارتفعت أسهمه عندما تعرض لمحاولة اغتيال"، إذ تم تصويره على أنه "شهيد حي".
وقال المتحدث باسم ترمب برايان هيوز، إن المرشح الجمهوري "يواصل إدارة حملة فائزة وبنى حركة تركز على جعل أمتنا عظيمة مرة أخرى". وأصر متحدث آخر، ستيفن تشيونج، على أن ترمب طرح "رؤية إيجابية" للبلاد تتناقض مع "السياسات الليبرالية الخطيرة" التي ينتهجها بايدن وهاريس.
ولكن بالنسبة لحلفاء ترمب المقربين، تبدو تلك الليلة الأولى في ميلواكي الآن مجرد ذكرى ضبابية، وكأنها لم تحدث قط.
"مزاج سيء"
في عشاء الثاني من أغسطس، أخبر ترمب المانحين، أن وسائل الإعلام كانت تشير بشكل غير صحيح إلى أنه أصبح أكثر هدوءاً منذ محاولة الاغتيال. وقال، وفقاً لأحد الحاضرين، "أنا لست لطيفاً". وقال آخر إن ترمب وصف نفسه بأنه "غاضب"، لأن الديمقراطيين حاولوا أولاً إفلاسه، ثم قتله.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كان ترمب في كثير من الأحيان في مزاج سيء، فقد وصف هاريس بأنها "شريرة" على "فوكس آند فريندز"، و"عاهرة"، مراراً وتكراراً، في الخاص، وفقاً لشخصين سمعا الملاحظة في مناسبات مختلفة. ونقلت "نيويورك تايمز" أن سرعته في الغضب تركته عرضة للتلاعب، حتى بين الحلفاء المقربين.
وقبل أسبوع من حفل جمع التبرعات في هامبتونز، في 25 يوليو، فاجأ ترمب إحدى أغنى رعاته، ميريام أديلسون، أرملة قطب الكازينو شيلدون أديلسون، بإرسال مساعدة تدعى ناتالي هارب، سلسلة من الرسائل النصية الغاضبة إلى أديلسون، موقعة باسم ترمب، وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية بما حدث.
وكانت الرسائل النصية مزعجة بشكل خاص، لأن أديلسون وترمب عقدا اجتماعاً ودياً قبل أسبوع واحد فقط في المؤتمر الوطني الجمهوري، وفقاً لشخص مطلع على الأمر.
واشتكت الرسائل النصية من بعض المسؤولين الذين يديرون لجنة العمل السياسي التابعة لأديلسون Preserve America، والتي تصب فيها ملايين الدولارات لدعم ترمب.
وفي ذلك الوقت، كانت Preserve America تنفق ما يقرب من 18 مليون دولار على إعلانات لمدة أسبوع لمساعدة ترمب في ثلاث ولايات متأرجحة. وقال هؤلاء الأشخاص إن الرسائل النصية ذكرت أن المسؤولين الذين يديرون المنظمة كانوا "جمهوريين بالاسم فقط"، وأن زوج أديلسون الراحل لم يكن ليتسامح مع ذلك على الإطلاق.
وأثارت الرسائل النصية مخاوف، من أن أديلسون قد تقلص دعمها للمرشح الجمهوري. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، تلقى ترمب شكاوى من المانحين بشأن تصريحات قديمة تعود إلى نائبه جيه دي فانس، التي يقول فيها إن أميركا تديرها "سيدات قطط بلا أطفال".
وكشفت "نيويورك تايمز" أن ترمب سأل مستشاريه بشكل خاص عما إذا كانوا قد علموا بتعليقات فانس بشأن النساء بلا أطفال قبل أن يختاره نائباً له.
ولم يكشف ترمب عن أي فقدان للثقة في فانس. بل قدم له نصيحة بسيطة: هاجم، هاجم، هاجم. وأعجب ترمب خلال الأسبوع الماضي بمهاجمة فانس للمرشحة الديمقراطية هاريس وزميلها الجديد في الترشح، حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، خلال الحملة الانتخابية، حيث أشاد به ونسب إليه الفضل في اكتشافه، وفقاً لشخصين تحدثا إلى ترمب. وقالا إن ترمب وصف فانس بأنه "رياضي" سياسي عظيم.
صدمة التقدم في الاستطلاعات
ويتعامل ترمب مع التوقعات والاستطلاعات أكثر من السياق، وتكشف منشوراته الأخيرة على موقع "ثروت سوشيال"، عن مدى شعوره بالصدمة إزاء الاستطلاعات. وعلى الرغم من إصراره العلني على أنه يفضل مواجهة هاريس بدلاً من بايدن، يقول المقربون منه إن هذا "غير صحيح".
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن ترمب، واجه عدة محطات صادمة استمرت 7 أسابيع، من محاولة اغتياله وظروف اختيار نائبه، وانسحاب خصمه من السباق الرئاسي، ودخول منافس جديد مثير، وتهديد إيراني محتمل باغتياله.
انحسار التغطية الإعلامية
كما يواجه ترمب تحدياً آخراً يتعلق بالتعامل مع وسائل الإعلام، إذ لأول مرة في حياته السياسية، تلقى خصمه تغطية إخبارية مكثفة أكثر مما تلقاه هو نفسه، متغلباً عليه في لعبة "وسائل الإعلام المكتسبة". وعلاوة على ذلك، كانت التغطية الإعلامية لهاريس إيجابية بشكل ساحق.
وقال توني فابريزيو، كبير خبراء استطلاعات الرأي في حملة ترمب، إن هاريس "حصلت على ما يعادل أكبر مساهمة عينية من وسائل الإعلام الحرة أعتقد أنني رأيتها على الإطلاق في كل السنوات التي كنت فيها في حملات رئاسية".
وبدا أن ترمب يسعى لتجاوز الوضع الحالي، فقد زعم على موقع "تروث سوشيال"، دون دليل، أن بايدن نادم على قراره بالانسحاب وأراد التراجع عنه. وتحدث مراراً وتكراراً عن مدى سوء معاملة الديمقراطيين لبايدن. واشتكى من مدى الظلم الذي لحق به بسبب اضطراره إلى بدء السباق من جديد. كما تحدث عن إهدار الوقت والطاقة والملايين من الدولارات على بايدن فقط ليجد نفسه يواجه خصماً جديداً في السباق النهائي الذي يستمر 100 يوم.
وقال ترمب لأحد مساعديه إن الديمقراطيين يحاولون "سرقة" الانتخابات منه مرة أخرى. كما أمطر مستشاريه بالأسئلة بشأن ما إذا كانت هاريس قادرة على الحفاظ على زخمها، وسأل باستمرار عما تظهره استطلاعات الرأي الجديدة.
وأكد فابريزيو، خبير استطلاعات الرأي لترمب، لموظفي الحملة، أن استطلاعات الرأي ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن. لكنه أصر على أن السباق لم يتغير بشكل أساسي، وأنه بمجرد تثقيف الناخبين حول السجل الليبرالي لهاريس فيما يتعلق بالجريمة ودورها في سياسات بايدن غير الشعبية، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة، فإنهم سينفرون منها.
وتوقع فابريزيو لزملائه في الحملة، أن هاريس ستحظى بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع أخرى جيدة، من خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي، ثم ستتحول أرقام استطلاعات الرأي الخاصة بها في الاتجاه الآخر.
ويشعر آخرون بقلق أكبر، بشأن ما يرونه في استطلاعات الرأي الخاصة. أظهر استطلاعان خاصان أجريا مؤخراً في أوهايو من قبل خبراء استطلاعات الرأي الجمهوريين (والتي فاز بها ترمب في عام 2020 بنسبة 53% من الأصوات، أنه حصل على أقل من 50% من الأصوات ضد هاريس في الولاية، وفقاً لشخص لديه معرفة مباشرة بالبيانات.
"محاولة تأطير الهجوم"
بعد مرور ما يقرب من 3 أسابيع منذ أصبحت هاريس خصمته الديمقراطية، لا يزال ترمب وحملته يكافحون لتحديد كيفية مواجهة هاريس، والرسالة التي سيهاجمونها بها، وحتى اللقب الذي سيستخدمونه للتقليل من شأنها.
ونقلت "نيويورك تايمز" أن ترمب، أطلق عليها في البداية اسم "لافين كامالا"، ساخراً من ضحكتها، قبل أن ينتقل إلى ألقاب أخرى، بما في ذلك "المحتالة"، وهي إهانة استخدمها ضد كل من هيلاري كلينتون وبايدن. وفي الآونة الأخيرة، فضل "كامالا المجنونة".
وبذل مستشارو ترمب جهوداً كبيرة لاختبار كل السيناريوهات الممكنة لمهاجمة هاريس، خصوصاً في الولايات المتأرجحة. كما وصفوا بشكل خاص وجود الكثير من المواد ضد هاريس -من المقابلات إلى البيانات السياسية إلى سجلها كمدعية عامة- لدرجة أن تكثيف كل ذلك في إطار محدد قد يبدو وكأنه تحدٍ.
ولكن أغلب كبار مستشاري ترمب، حثوا الحملة والمرشح على التركيز على الاقتصاد والهجرة والجريمة، وهي القضايا التي يتفوق فيها ترمب في استطلاعات الرأي.
وحث مستشارو ترمب على تصوير هاريس على أنها شخص يغير مواقفه بشكل متكرر، وتذكر بعضهم كيف استخدم الرئيس جورج دابليو بوش بنجاح هذه الاستراتيجية ضد جون كيري في السباق الرئاسي في عام 2004.
كما اتصل مستشارون وحلفاء من الخارج بترمب، لإقناعه بالخطر السياسي المتمثل في الاستمرار في مثل هذه الهجمات. فقد أخبرت كيليان كونواي، التي أدارت حملته الانتخابية في عام 2016، ترمب مؤخراً بالالتزام بالتناقضات السياسية، بدلاً من الهجمات الشخصية، ومعاملة هاريس كخصم هائل، كما فعل مع كلينتون.
ولم يلتفت ترمب إلى هذه النصيحة، إذ هاجم هاريس مرة أخرى، في مؤتمره الصحافي، الخميس، في بالم بيتش بولاية فلوريدا، ووصفها بأنها "شريرة"، واستنكر ذكائها وقال إنها "غير محترمة للغاية".
وقال أشخاص تحدثوا معه، إن مزاج ترمب تحسن قليلاً في الأيام الأخيرة، بعد أن اختارت هاريس والز لمنصب نائب الرئيس. فقد أصبح مقتنعاً بأنها ستختار حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، وأن شابيرو يمكن أن يساعدها في حمل ولاية يجب الفوز بها. وفي برنامج "فوكس آند فريندز"، وصف ترمب والز بأنه "اختيار صادم"، مضيفًا: "لا يمكنني أن أكون أكثر سعادة".
لا تغيير في فريق الحملة
ورغم كل هذا، لا يبدو أن التغييرات في فريقه مرجحة الآن؛ فقد أعرب ترمب بشكل خاص عن ثقته في كبار مستشاريه، حتى مع تذمره بشأن ظروفه الحالية.
في الثاني من أغسطس، قبل جمع التبرعات في هامبتونز، التقى ترمب في ناديه في بيدمينستر، نيو جيرسي، مع زوجة ابنه، لارا ترمب، التي نصبها كرئيسة مشاركة للجنة الوطنية الجمهورية، وفقاً لثلاثة أشخاص على علم بالاجتماع.
وقالت لارا ترمب، في تصريحات لـ"نيويورك تايمز"، إنه لم يكن هناك نقاش بشأن استبدال أي من كبار المساعدين. وفي مكالمة هاتفية غاضبة مع مراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، الجمعة، نفى ترمب، عزمه إجراء أي تغييرات على فريقه، قائلاً إنه "مسرور" بمستشاريه الرئيسيين، سوزي وايلز وكريس لاسيفيتا، وسأل لماذا يريد إجراء مثل هذا التغيير.
وكتبت "نيويورك تايمز" أن سلوك ترمب يظل أحد أكثر العوامل التي لا يمكن التنبؤ بها في حملته.