قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن العرض العسكري الذي أقامته سنغافورة الأسبوع الماضي في إطار احتفالاتها السنوية بعيدها الوطني قدّم عرضاً حياً للأصول العسكرية لدولة احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في نصيب الفرد من الإنفاق العسكري عام 2023، بعد أن كانت في المرتبة الخامسة عام 2021، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وأضافت الصحيفة أن عرض هذا العام، وهو الأول في عهد رئيس الوزراء الجديد لورانس وونج، يأتي في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وظهور تهديدات سيبرانية جديدة، ما يدفع الدولة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، وإعادة النظر في موقفها التقليدي القائم على الاستعداد والردع.
وكان وونج حذّر خلال الاحتفال بيم الاستقلال من أن "التوترات بين الولايات المتحدة والصين مستمرة في التصاعد"، وقال: "حتى الآن، لا يرغبان في الاصطدام، لكنهما منخرطان في منافسة استراتيجية قد تقوض السلام والاستقرار، خاصة في هذه المنطقة"، مضيفاً: "هذه قوى كبيرة، وهي ما يُبقيني مستيقظاً ليلاً".
رأى جا إيان تشونج، الأستاذ المشارك في جامعة سنغافورة الوطنية أن "هناك الكثير مما يُمكن القيام به لتعزيز الأنظمة المدنية، وتجهيز السكان نفسياً لمواجهة أي اضطراب، في حال تورطت سنغافورة في صراع بين القوى".
ولطالما لُخّصت استراتيجية سنغافورة العسكرية بعبارة لرئيس الوزراء المؤسس، لي كوان يو، عام 1966، اعتبر فيها أن "على الدولة أن تكون كالروبيان السام، صغيرة، لكن خطيرة على المفترسين".
وقال المدير المساعد لمركز "راند" لسياسة آسيا والمحيط الهادئ سكوت هارولد: "في النهاية، تحاول سنغافورة ردع الإكراه الموجه ضدها، من دون محاولة حقيقية لاستعراض القوة في الخارج".
وفي فبراير الماضي، كشفت سنغافورة عن ميزانية دفاعية بلغت 20.25 مليار دولار سنغافوري (15 مليار دولار أميركي) للسنة المالية الحالية، بزيادة قدرها 13% عن الميزانية السنوية السابقة، لكن بعد حساب التعديلات التي أُجريت على الإنفاق العام الماضي تصبح النسبة 2.5%. وفي عام 2014، كانت الميزانية تقدر بـ12.6 مليار دولار سنغافوري.
ولطالما سعت سنغافورة إلى الحفاظ على علاقات ودية مع كل من الولايات المتحدة، الحليف الهام، والصين، أكبر شريك تجاري لها، لكن هذا التوازن الجيوسياسي يخضع لاختبار في بيئة متوترة بشكل متزايد، حسبما ذكرت "فاينانشيال تايمز".
التوتر في بحر الصين الجنوبي
التوترات في بحر الصين الجنوبي تُشكل أحد مصادر القلق المباشرة لسنغافورة. وقال جونا بلانك، وهو باحث زميل بجامعة سنغافورة الوطنية وعالم سياسي كبير في مركز "راند" إن التوترات في بحر الصين الجنوبي "غير مرحب بها في سنغافورة، لأنها ليس لديها مطالبات إقليمية هناك، إلا أنها ستجد نفسها حتماً متورطة في أي صراع محتمل".
وأضاف بلانك: "من منظور سنغافورة، أي صراع بين الولايات المتحدة والصين لا يمكن أن يكون إلا كارثياً".
وتعمل سنغافورة على تعميق علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، في وقت تُعزز واشنطن شبكتها الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويُمكن للطائرات والسفن الأميركية المرور عبر سنغافورة بموجب مذكرة تفاهم تم تجديدها في عام 2019.
وفي نفس الوقت، كان السياسيون في سنغافورة حريصين على تجنب الانتقاد الصريح للموقف الذي تتبناه الصين في المنطقة.
وفي حديثه أمام "منتدى أسبن للأمن" خلال يوليو الماضي، قال وزير الدفاع السنغافوري نج إنج هين إن "توغل الصين الأعمق في بحر الصين الجنوبي يبدو منطقياً تماماً من الناحية الاستراتيجية العسكرية.. من وجهة نظرهم".
وأشار تشونج إلى أن الكثير من المعدات العسكرية والتكنولوجيا في سنغافورة مقدمة من الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما يجعلها "تعتمد على الولايات المتحدة أو حلفاء غربيين آخرين" في حال حدوث صراع بين الولايات المتحدة والصين.
وفي حالة حدوث ذلك، سيُطلب من سنغافورة توفير ممر للجيش الأميركي، وهو ما ستضغط الصين لعدم السماح به، وفق تشونج.
وطلبت سنغافورة 20 طائرة مقاتلة من طراز "Lockheed Martin F-35"، وهي الطائرة المقاتلة الأكثر تقدماً، والتي من المقرر أن تبدأ في الوصول في عام 2026، بالإضافة إلى 4 غواصات من طراز "Type 218SG" فئة "Invincible" من شركة "Thyssenkrupp Marine Systems" الألمانية، والتي من المتوقع أن تصبح جاهزة للعمل بحلول عام 2028.